عانت الموائد المستديرة في أسبوعها الأول من غياب أغلب متحدثيها وتأخر ندواتها، رغم تأكيد د.سهير المصادفة أنهم كمسئولين عن إدارة الموائد يتواصلون مع الضيوف منذ أكثر من شهر ولم يعتذر أحد، بل ومنهم من يؤكد مرارا أثناء انعقاد الجلسات أنه آت في الطريق ولكنه لا يصل أبدا. رغم ذلك؛ تظل الموائد المستديرة من ضمن القاعات التي تشهد إقبالا جيدا من الجمهور، وقد غلب علي موضوعاتها النشر بشقية الإلكتروني والورقي، فجاءت "قضايا وإشكاليات النشر" كرؤية عامة، حيث أكد عادل المصري، رئيس اتحاد الناشرين، إن الدولة لا تدعم صناعة الكتب، ولا تحمي الحقوق الملكية للمؤلفين، وأرجع ذلك إلي أن القانون الحالي غير رادع، مما أدي إلي ازدهار سرقة وتزوير الكتب وطباعتها بشكل رديء وبسعر أرخص من الذي يصدره كاتبه عبر دور النشر. وبالإضافة إلي تلك المشكلات، ظهر النشر الإلكتروني ليضيف إليها أزمات جديدة، فأشار الصحفي بلال رمضان إلي أن الصناعات الثقافية القائمة علي النشر الإلكتروني وفقًا لدراسات عالمية تتجاوز ال9 مليارات دولار سنويًا، بينما نحن نلوم حظنا ونتحجج بنقص التمويل، وتساءل: "لماذا لا تستغل وزارة الثقافة الفضاء الإلكتروني من خلال مشاريع كبيرة تعود عليها بعائدات جيدة أو تدعم مشاريع الشباب التي يقدمونها ولا يجدون من يمولها". بين الصيني والأوروبي وتأكيدا لما قاله رمضان، أشار أحمد السعيد؛ مؤسس دار الحكمة للنشر، خلال ندوة "النشر الرقمي.. مستقبله وفرص التعاون المصرية الصينية" إلي أن صناعة النشر الرقمي داخل الصين هي مصدر من مصادر الدخل القومي، في حين أن الوضع بمصر علي العكس، فالناشر لا يكون لديه أي ثقة في النشر الإلكتروني، خاصة فيما يتعلق بالكسب المادي، وهو ما أوجدت له الحكومة الصينية حلاً تمثل في منافذ البيع الإلكترونية التي تنشر الكتب مسعرة وتقوم بجمع العائد وتوزيعه علي الناشرين، بل وتطرح خصومات علي إصدارات بعض دور النشر إن وجدت رواجها ضعيفا. ولذلك يري شريف بكر؛ عضو مجلس اتحاد الناشرين، أنه آن الوقت للخروج من تكرار التجارب الأوروبية، فيجب الاستفادة من التجربة الصينية ولكن بشكل احترافي، حتي لا نكرر تجربة "الأمازون" التي تحتكر مجال النشر وتتحكم في الناشر. من جهتها تري المصادفة أن النشر الإلكتروني سهل من مفهوم الكتابة، فرغم أنه من المفترض أن يجعل الكاتب منفتحا علي جميع الثقافات، إلا أن كتابات الشباب المنشورة علي مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك وغيره، تكشف عن عيوب كثيرة مثل السطحية وعدم الحرص علي السلامة اللغوية وما إلي ذلك من أساسيات الكتابة، وهو ما طرح تساؤلا مهما علي المائدة "هل تهدد مواقع التواصل الاجتماعي عرش الصحافة الورقية؟". حاول طارق الطاهر، رئيس تحرير أخبار الأدب؛ الإجابة علي السؤال مشيرا إلي أن الصحافة الورقية مازالت هي المسيطرة في مصر إلي الآن وأن عدد الصحف في تزايد، مما يدل علي أن الصحافة الورقية لها تأثير، وأرجع ذلك لعدة أسباب، منها أنه لازال -حتي الآن- أكثر ما يسعد المثقف أن يجد عمله منشورا في جريدة ورقية، وأن المادة المنشورة في الجريدة الورقية تكسب ثقة الناس أكثر من تلك المنشورة في الموقع الإلكتروني، ومستوي المصداقية أعلي في الجرائد الورقية ومحط اهتمام بالنسبة لصحفي الجريدة، فلازالت الصحافة المطبوعة تتمسك بأصول وقواعد مهنة الصحافة بشكل أكبر، لأن الإلكترونية تتنافس علي سرعة النشر ولا تهتم بالنقد والتعمق، وأضاف أخيرا: "أي تطور إنساني لا يلغي التطور الذي قبله، وهناك فرق بين نسبة التوزيع ونسبة القراءة في الصحف الورقية؛ لأنه من الممكن أن يشتري الجريدة فرد واحد ويقرأها عشرة أفراد". صراع أجيال بينما رأي عمرو الديب، المحرر الثقافي بجريدة الأخبار؛ أن القضية ترتبط بالدرجة الأولي بالأجيال؛ فهناك أجيالا تربت علي استقاء المعلومة من الصحافة الورقية، كما أن القراءة عادة مرتبطة في الأذهان بالأوراق، بينما المشكلة في مواقع التواصل الاجتماعي أن الصفحات الخاصة علي الفيسبوك يكون فيها المحرر هو نفسه رئيس التحرير، ولذلك فهذه تعد تجربة ذاتية جدًّا لا تقارن بالعمل المؤسسي الذي تتمتع به الصحف الورقية. ولإثراء المائدة؛ تداخلت "مني" الصحفية الشابة، لتوضح رؤية جيلها، فأكدت أن السبب في تراجع اللغة العربية بين الشباب تتحمله الدولة أولا وأخيرا، فسوق العمل يتطلب اللغة الإنجليزية، إلي جانب أنه يمكن اعتباره نوعا من التمرد علي الجيل القديم باعتبارهم كشباب ينفردون بالتعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي بدون قيود. ومن هنا تغير مسار المائدة، فقال الطاهر: "اللغة دائما أداة من أدوات التمرد حقا، فثورة 25 يناير كانت أحد مقوماتها اللغة التي استخدمت في بعض الشعارات مثل "يسقط النظام" و"ارحل"، كما أن المدرسة ساهمت كثيرًا في ضعف اللغة العربية، أكثر من مواقع التواصل الاجتماعي، لأنها تنفر التلميذ من مناهجها العربية". بينما يري الديب أن مواقع التواصل الاجتماعي أفادت الصحافة الأدبية علي مستوي اللغة، حيث إنها صنعت ما يسمي بالأجواء الجديدة للغة، مشيرًا إلي أن اللغة كائن حي يتطور مع تطور المجتمع، مؤكدًا أن خطورة مواقع التواصل الاجتماعي