بدء اليوم الثاني من تلقي أوراق الترشح في انتخابات مجلس النواب 2025    طب الأسنان بطنطا تتوج بكأس العباقرة في دوري المعلومات الأول    سعر الذهب اليوم الخميس في مصر 9 أكتوبر 2025    "المشاط" تستهل مشاركتها بالنسخة الثانية من منتدى «البوابة العالمية 2025» ببروكسل بلقاء مديرة الشئون المالية والاقتصادية بالمفوضية الأوروبية    مصر تستقبل وزير التنمية الدولية بمملكة النرويج لبحث سبل تعزيز التعاون    عاجل- رئيس الوزراء يحضر القمة الرابعة والعشرين لتجمع الكوميسا نيابة عن الرئيس السيسي في نيروبي    عاجل- حركة فتح ترحب باتفاق وقف الحرب على غزة وتؤكد دعمها لموقف الرئيس محمود عباس    سوروب يصل القاهرة مساء اليوم لقيادة تدريبات الأهلي    6 لقاءات قوية في افتتاح الجولة الثامنة من دوري المحترفين    بالصور.. تكاثر السحب المنخفضة وسقوط أمطار متفاوتة الشدة بالإسكندرية    النشرة المرورية اليوم الخميس بمحاور القاهرة والجيزة    ضبط المتهمين بقتل شاب بمنطقة المطرية    "ثقافة جاردن سيتي" يشهد الملتقى الإعلامي الثقافي للطفل المصري    بالصور.. نائب وزير الصحة يتفقد المنشآت الطبية بالإسكندرية    سعر الأسمنت اليوم الخميس 9 اكتوبر 2025 فى الشرقية    وزير الرياضة يؤازر منتخب مصر الثانى قبل المشاركة بكأس العرب    اتحاد الكرة: نشكر الرئيس السيسي على دعمه للرياضة.. ونتمنى أن يكرر حسام حسن إنجاز الجوهري    أسعار البنزين والسولار فى محطات الوقود اليوم الخميس    زيادة جديدة ل سعر الفراخ البيضاء الآن.. أسعار الدواجن اليوم الخميس 9-10-2025 صباحًا    فيفا: منتخب مصر يمتلك مقومات تكرار إنجاز المغرب فى كأس العالم 2026    رابط تقييمات الأسابيع الأولى من الدراسة وتوزيع درجات طلبة الثانوى    ضبط المتهم بقتل شقيقه الأكبر بسبب خلاف على الميراث بالشرقية    كنت بحبه ودفنته بيدى بالمقابر.. اعترافات متهمة بقتل طفل فى قنا    نشرة مرور "الفجر ".. سيولة بميادين القاهرة والجيزة    في ثالث أيام «عيد العرش».. مستوطنون إسرائيليون يقتحمون المسجد الأقصى    الخارجية التركية: نشيد بجهود مصر وقطر والولايات المتحدة للوساطة فى مفاوضات غزة    محافظ أسيوط يشهد احتفالية "قصور الثقافة" بالذكرى ال 52 لانتصارات اكتوبر    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 9-10-2025 في محافظة الأقصر    هل يجوز منع النفقة عن الزوجة لتقصيرها في الصلاة والحجاب؟.. دار الإفتاء تجيب    متوسط التأخيرات المتوقعة لبعض القطارات على خطوط السكة الحديد    محافظ أسيوط يكرم أبطال السباحة بعد فوزهم ببطولة الصعيد لمراكز الشباب    بعد إنطلاق ألبومها الأول.. مي فاروق تتصدر تريند جوجل    شاهيناز: «مبحبش أظهر حياتي الخاصة على السوشيال.. والفنان مش إنسان عادي»    حاكم مقاطعة فولجوجراد: الدفاعات الجوية تصد هجوما أوكرانيا مكثفا بالمسيرات    عاجل- ترامب: قد أزور مصر يوم الأحد.. ومفاوضات اتفاق غزة "بالغة القرب"    يعرض قريبًا.. «لينك» ضغطة زر تقلب حياة موظف على المعاش    عاجل - بالصور.. شاهد الوفود الدولية في شرم الشيخ لمفاوضات غزة وسط تفاؤل بخطوة أولى للسلام    مصطفى أبو زهرة: هناك دول تتمنى أن تكون لديها "نصف" حسام حسن    سما المصري توجه رسالة ل المستشار مرتضى منصور: «ربنا يقومه بالسلامة بحق صلحه معايا»    هشام حنفي: ياس سوروب مدرب مميز وإضافة كبيرة للنادي الأهلي    "قبل نهاية الاسبوع" غدوة حلوة.. اصنعي أجمل صينية فراخ بالبطاطس لعائلتك    من أدعية الفجر| اللهم ارزق كل مهموم بالفرج    ممنوع الضرب.. قرار حاسم حول حظر استخدام العصا أو الخرطوم في المدارس ومحاسبة المسؤولين    البابا تواضروس الثاني: المسيح هو الراعي الأمين الذي يقودنا إلى الطمأنينة والأبدية    8 شهداء في غزة خلال الساعات ال24 الماضية جراء الغارات الإسرائيلية    شيخ الأزهر يؤدي واجب العزاء في وفاة الدكتور أحمد عمر هاشم    7 آلاف محضر بشأن «تراخيص عمل الأجانب» خلال 27 يومًا    وكيل صحة الفيوم تُتابع أداء المستشفيات في اجتماع إشرافي موسع| صور    مصطفى قمر: مبروك لمصر رفعتوا راسنا يا رجالة مستنيين بقى تشرفونا فى كأس العالم    كُتبت فيها ساعة الصفر.. حكاية «كراسة حنان» التي احتوت على خطة حرب أكتوبر    إصابة رئيس مباحث شبين القناطر.. ومصرع عنصرين إجراميين في مطاردة أمنية بالقليوبية    سوء تفاهم قد يعكر الأجواء.. برج العقرب اليوم 9 أكتوبر    منها منتجات الألبان.. 6 أطعمة ممنوعة لمرضى جرثومة المعدة (تفاقم الألم)    أسهل طريقة لعمل البليلة في ساعة.. شرط النقع    السيسي يُعبّر عن خوفه من الثورة والتغيير .. وناشطون: فات الأوان يا عميل    دينا أبو الخير: قذف المحصنات جريمة عظيمة يعاقب عليها الله    نقيب المحامين: الرئيس أعاد المادة 105 لزيادة ضمانات حقوق المواطن    تصفيات كأس العالم، زامبيا تفوز على تنزانيا بهدف نظيف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بودلير يكتب عن "مدام بوفاري"
نشر في أخبار الأدب يوم 12 - 09 - 2015


1
من حيث النقد، وضع الكاتب الذي يأتي بعد كل العالم، الكاتب الحديث العهد بعض الشيء، يشتمل علي مزايا لم تكن للكاتب النبي . ذلك الذي يعلن النجاح، يطالب به، إذا جاز التعبير مع سلطة الجرأة والإخلاص.
السيد غوستاف فلوبير لم يعد بحاجة إلي الإخلاص، إذا كان صحيحا إنه لم يحتج إليه أبدًا. العديد من الفنانين والبعض من الأرقي والأكثر موثوقية زينوا وتوجوا كتابه الممتاز. ومن ثم لم يعد باقيا للنقد سوي الإشارة إلي بعض وجهات النظر المنسية، وكذلك الإصرار بقوة أكبر علي الملامح والإضاءات التي لم تكن، في رأيي، ممدوحة ومعلق عليها بما فيه الكفاية. وعلاوة علي ذلك، هذا الموقف للكاتب الحديث العهد، السابق بالرأي، لديه، كما كنت أحاول أن ألمح، سحر متناقض. أكثر حرية، لأنه هو فقط باعتباره متأخر عن رفاقه، لديه سيماء الشخص الذي يلخص المناقشات، ومجبر علي تجنب تأجج الإتهام والدفاع، لديه أوامر بإيضاح طريق جديدة من دون مزيد من الإثارة سوي إثارة حب الجمال والعدل.
2
بما أنني نطقت بهذه الكلمة الرائعة والرهيبة "العدل"، التي قد تسمح لي - فضلا عن أنها لطيفة بالنسبة لي- أن أشكر القضاء الفرنسي المثال المشرق علي النزاهة والذوق السليم اللذين منحهما في هذا الظرف. متوسلا إليه بحماس أعمي ومتشدد أخلاقيا علي نحو صارم للغاية، وبروح ذات مسلك خاطئ، موضوعا أمام رواية، عمل كاتب غير معروف قبل يوم واحد. رواية، وأي رواية! الأكثر حيادية، والأكثر ولاء، مجالا، عاديا كما كل المجالات، تجلدها السياط، طيعة، كما الطبيعة نفسها، بفعل أي رياح وأي عواصف. السلطة القضائية، وأنا أقول، أثبتت عدالة ونزاهة كما الكتاب الذي دُفع به أمامها في المحرقة. والأفضل من ذلك أيضا أن نقول إذا ما سمح بالتخمين علي أساس الاعتبارات التي رافقت الحكم، إذا كان القضاة قد اكتشفوا شيئا ما مخزيا حقا في الكتاب، إلا أنهم منحوه عفوا شاملا محاباة واعترافا بالجمال الذي كساه. هذا القلق الملحوظ بالجمال من رجال كانوا قد وضعوا مؤهلاتهم فقط للمطالبة بالعدل والحقيقة، هو عَرَض من أكثر الأعراض تأثيرا، مقارنة بالرغبات العارمة لهذا المجتمع الذي تبرأ نهائيا من أي حب روحي، والذي، بإهماله سرائره القديمة، لم يعد معالجا إلا لأحشائه. باختصار، نستطيع أن نقول أن هذا الحكم، من خلال اتجاهه الشعري السامي كان حاسما؛ أن نجاح القضية كان قد منح إلي ربة الفن، وأن جميع الكتاب، علي الأقل أولئك الجديرين بهذا الاسم، قد تمت تبرئتهم في شخص السيد غوستاف فلوبير.
لن نقول إذن كما يؤكده الكثير بمزاج سيئ طفيف الوعي، إن الكتاب يدين بمكانته الكبيرة إلي المحاكمة والتبرئة. إن الكتاب، غير المزعج، قد يحصل علي نفس الفضول، وذلك من شأنه أن يخلق نفس الدهشة، ونفس الانفعالات. إلي جانب استحسان من جميع رجال الأدب كان قد خصه منذ وقت طويل من قبل في شكله الأول، في مجلة باريس، حيث تصدعات غير متبصرة كانت قد دمرت الانسجام، كان قد أثار اهتماما جارفا. وضع غوستاف فلوبير، الشهير فجأة، كان علي حد سواء جيد وسيئ. ولهذا الموقف الملتبس، حيث استطاعت موهبته المخلصة والرائعة أن تنتصر، سوف أقدم، بطريقة أو بأخري، أسبابا مختلفة.
3
ممتاز: لأنه منذ وفاة بلزاك، وهذا النيزك المعجز سوف يغطي بلدنا بسحابة من المجد، مثل مشرق غريب واستثنائي، وكفجر القطبي سيغرق الصحراء الجليدية بأضوائه الخيالية، وأي فضول فيما يتعلق بالرواية كان قد هدأ ونام. لقد بذلت محاولات مدهشة لابد أن نعترف بذلك، منذ فترة طويلة بالفعل السيد دي كوستين، الشهير، في عالم مخلخل علي نحو متزايد بعمله( ألوايس)، وعمله العالم كما هو، وإيثيل، السيد. دي كوستين، مبدع الفتاة القبيحة، هذا النموذج الذي يغار منه بلزاك (انظر ميركاديه الحقيقي)، كان قد أمد الجمهورب روموالد، أو النداء، عمل فني من الحماقة السامية، وهو بمثابة صفحات فذة علي حد سواء تدين وتصفح عن الكسل والحماقات. ولكن السيد دي كوستين لديه أحد مناحي العبقرية، العبقرية التي ترفع الغندورية إلي المثل الأعلي للإهمال. هذا الرجل حسن النية، وهذا الروائي المتوهج، هذه السخرية المخلصة، هذه الذاتية المطلقة وغير المكترثة، ليست في متناول حواس القطيع الكبير، وهذا الكاتب الرفيع كان ضده كل سوء الحظ الذي تستحقه موهبته.
السيد أورفيي كان قد جذب بعنف الأنظار عن طريق رواية عشيقة عجوز ورواية المسحورة. هذه العبادة للحقيقة، المعبرعنها بحماس مخيف، استطاعت فقط إغاظة الحشد. دو أورفيي، كاثوليكي حقيقي، يستحضر العاطفة لتحقيق النصر، صادحا بالغناء، والبكاء والصراخ في وسط العاصفة، مزروع كاياكس علي صخرة الجزع، ودائما ما يبدو أنه يقول لمنافسه، سواء إنسان، صاعقة، إله أو مادة ! فلتنزعني، أو أنزعك، كذلك لم يكن يستطيع أن يعض علي نوع نائم حيث الأعين مغلقة علي معجزات خارقة.
شامبفلوري، بعقل طفولي وساحر، كان قد لعب بنجاح كبير للغاية في المناظرالخلابة، ولقد أشار إلي ثنائية شعرية (أكثر شاعرية مما لم يعتقد هو نفسه) بصدد الحوادث والمصادفات الهزلية أو المؤثرة للأسرة أو للشارع؛ ولكن، عبر أصالة أو ضعف النظرة، عن قصد أو قدريا، أهمل المكان العام، مكان مقابلة الجمهور، الميعاد العام للبلاغة.
وفي الآونة الأخيرة، قام السيد تشارلز باربرا، الروح الصارمة والمنطقي، والعنيف في الاندفاع الفكري، ببعض الجهود المتميزة التي لا يمكن إنكارها. سعي (إغراء لا يقاوم دائما) إلي وصف، وإلي توضيح حالات استثنائية للروح، وإلي استنتاج النتائج المباشرة للمواقف الخاطئة. إذا أنا لا أخبر هنا عن كل التعاطف الذي ألهمني به مؤلف إلويز واغتيال بونت روج، لأنه لن يدخل في موضوعي سوي بشكل عرضي، في شكل ملحوظة تاريخية.
بول فيفيل الذي وضع علي الجانب الآخر من الميدان، روح محبة للمغامرة، موهوبة بشكل جميل فيما يخص البشع والمرعب، دمج الخطوة، كبطل قريب العهد، وراء فريدريك ويوجين سو. ولكن المواهب الغنية جدا لمؤلف أسرار لندن وبوسو، كذلك تلك المواهب لكثير من العقول الخارجة عن الصف، لم تستطع تحقيق المعجزة الخفيفة والمفاجئة لهذه الفاجرة الريفية البسيطة والفقيرة ، حيث كل التاريخ دون التباس، يتكون من الحزن والاشمئزاز، ومن التنهدات ومن بعض الإغماءات المحمومة المنتزعة من الحياة المقفلة بالانتحار.
إن هؤلاء الكتاب، بعضهم تحول نحو ديكنز، والآخر مصبوب في بايرون أو بولوير، الموهوبون جدا ربما، المحتقرون جدا، لم يستطيعوا، مثل بول دي كوك البسيط، كسر عتبة الشهرة المتهالكة. الوحيدة من بين الوقحين التي تطلب أن تكون مغتصبة، لست أنا الذي سأجعل منه جريمة - كما انه بالتأكيد ليس سوي ثناء. وأيضا لا أعرف أي الامتنان للسيد غوستاف فلوبير الذي حصل علي الضربة الأولي التي يسعي الآخرون لها مدي الحياة. علي أكثر تقدير سأري في ذلك عرضا نافلا للسلطة، وأسعي إلي تحديد الأسباب التي سعت إلي تحريك روح المؤلف في اتجاه ما بدلا من أي اتجاه آخر.
ولكن قلت أيضا أن هذا الوضع للوافد الجديد كان سيئا؛ للأسف! لسبب محزن بسيط. لعدة سنوات، وحصة الاهتمام التي يوليها الجمهور للأشياء الروحية كانت متقلصة علي نحو فريد؛ ميزانيته من الحماسة كانت لا تزال تتقلص. وكانت السنوات الأخيرة لويس فيليب قد شهدت الانفجارات الأخيرة لروح لا تزال منفعلة بسبب ألعاب الخيال. لكن الروائي الجديد وجد نفسه أمام مجتمع بالي تماما بل أسوأ من البالي- في حالة من الخبل والجشع، يتملكه الرعب فقط من الخيال ، والحب أكثر من الإستحواذ.
في ظروف مماثلة، العقل المغُذي جيدا، والمتحمس بالجمال، بل المشكل بمبارزة قوية، الناقد علي حد سواء للظروف الجيدة والسيئة ، ينبغي أن يقول: "ما هو الطريق الأسلم لزحزحة كل هذه النفوس القديمة؟ إ|نها لا تعرف فعلا ما تود. ليس لديها أي اشمئزاز إيجابي سوي من العظيم؛ فالعاطفة الساذجة، المتحمسةو الاستسلام الشعري يجعلها تحمر ويجرحها.
- دعونا نكون مبتذلين حتي في اختيار الموضوع، بما إن اختيار موضوع عظيم جدا هو بمثابة وقاحة لقارئ القرن التاسع عشر. وكذلك نولي اهتماما كبيرا للتخلي عنا والتحدث عن أنفسنا. سنكون في حالة تجمد ونحن نحكي عن العواطف والمغامرات حيث يضع المشترك من العالم حرارته.:وسنكون ، كما تقول المدرسة ،موضوعي وغير شخصي.
"وأيضا، كما تعرضت آذاننا للمضايقات في الآونة الأخيرة من قبل ثرثرات مدرسية صبيانية، كما سمعنا الحديث عن طريقة معالجة أدبية تسمي الواقعية إهانة مثيرة للاشمئزاز ألقيت في وجه كل المحللين، كلمة غامضة و مرنة ،التي تعني بالنسبة للمبتذل ،ليست طريقة جديدة في الإبداع، ولكن وصفا دقيقا للاكسسوارات - ونحن سوف نستفيد من الخلط بين العقول والجهل الشامل. نحن سنمد أسلوبا عصبيا، غريبا، خفيا، ودقيقا، علي قطعة كانفا عادية. نخبئ أحرالمشاعر وأكثرها فورة من خلال المغامرة الأكثر ابتذالا. وأكثر الكلمات جلالا،وحسما، تفلت من الأفواه الأكثر حماقة.
"ما هي أرض الغباء، المحيط الأكثر غباء، والأكثر إنتاجية للعبث، والأكثر وفرة لحماقات التعصب؟
الريف.
"ما العوامل التي لا تحتمل للغاية؟
"بسطاء الشعب الذين يتمردون في الوظائف الصغيرة حيث الممارسة تزيف أفكارهم.
"ما المعطي الأكثر رثاثة، والأكثر عهرا، العضو البربري الأكثر التصاقا؟
"الزنا.
"لا حاجة لي، يقول الشاعر، أن تكون بطلتي بطلة. شريطة أن تكون جذابة بما فيه الكفاية، ولديها مقدرة ، وطموح، تطلع لا يمكن كبحه يتجه إلي عالم أعلي، وسوف تكون مثيرة للاهتمام. هذا الانجاز، مع ذلك، سيكون أكثر نبلا، وبطلتنا الميالة للاثم سوف تكون علي الأقل هذا الاستحقاق، - مقارنة نادر جدا الممييز عن ثرثاري العصر المترفين الذين سبقونا.
"أنا لا حاجة لي بالانشغال بالأسلوب، وبتنسيق المناظر الخلابة، ووصف البيئات. أمتلك كل هذه الصفات بسلطة مفرطة. وسوف أمشي متوكئا علي التحليل والمنطق، وسأثبت هكذا أن جميع الموضوعات تكون بلا تمييز جيدة أو سيئة، وفقا للكيفية التي عولجت بها، وأن الأكثر سوقية يمكن أن تصبح الأفضل. "
ولذلك، مدام بوفاري كمقامرة، مقامرة حقيقية، رهان، مثل كل الأعمال الفنية- كانت قد أبدعت.
إلا انه لم يعد باقيا للكاتب، لتحقيق هذا الانجاز ككل، إلا أن ينسلخ (حيثما أمكن ذلك) من جنسه ويجعل من نفسه امرأة. وسينتج عن ذلك أعجوبة. غير أنه علي الرغم من كل ما قدمه من حماس كممثل ، لم يستطع ألا أن يبث الدم الذكوري في عروق مخلوقته ، وأن مدام بوفاري، بما يوجد في داخلها من طاقة زائدة و طموح مفرط وأيضا من حلمية عجيبة ، بقيت مدام بوفاري رجل. كما بالاس المسلحة ، الخارجة من دماغ زيوس، وهذا المخنث الغريب احتفظ بكل إغراءات الروح الذكورية في جسد أنثوي ساحر.
4
لقد قال العديد من النقاد إن هذا العمل جميل حقا لدقة وحيوية الوصف، لا يحتوي علي شخصية واحدة تمثل الأخلاق التي تفصح عن ضمير المؤلف. أين هي، هذه الشخصية الحكمية والأسطورية، المسئولة عن تفسير القصة وتوجيه فهم القارئ؟ وبعبارة أخري، أين لائحة الاتهام؟
كلام فارغ! ارتباك أبدي ولا سبيل إلي تقويمه للوظائف وللأجناس الأدبية! أي عمل فني حقيقي لا يحتاج إلي لائحة الاتهام. منطق العمل يكفي عن جميع الفرضيات الأخلاقية، وعلي القارئ استخلاص الاستنتاجات من الخاتمة.
أما بالنسبة للشخصية الحميمة والعميقة، في الحكاية، فمن دون شك إنها المرأة الزانية. هي وحدها، الضحية الموصومة، لديها كل فضائل البطل. كنت أقول في الحال إنها كانت تقريبا شخصية ذكورية، وأن المؤلف كان قد زينها (بلا وعي ربما) بكل الصفات الرجولية.
فلنتفحص علي نحو يقظ:
1- الخيال ميزة سامية ومستبدة تقوم مقام القلب، أو ما نطلق عليه القلب، وبالتالي يتم استبعاد المنطق العادي، والذي يهيمن عموما علي المرأة وكذلك الحيوان.
2- الطاقة المفاجئة للعمل، وسرعة القرار، والإنصهار الباطني بين المنطق والعاطفة، والذي يميز البشر ليتصرفوا.
3- ميل مفرط للإغواء والسيطرة وحتي لكل الطرق الإغواء المبتذلة، وصولا الي شعوذة الملابس، العطور ودهان الشعر - كل شيء يلخص في كلمتين: الغندورية والمحبة الخالصة للهيمنة.
ومع ذلك تطرح مدام بوفاري نفسها، محمولة عبر النزعات الصوفية للخيال، بشكل رائع وبسخاء بطريقة ذكورية تماما إلي السخفاء الذين ليسوا مساوين لها، تماما كما الشعراء الذين يسلمون أنفسهم لفتاة وقحة.
دليل جديد للصفة الرجولية التي تغذي دماء شرايينها، هو باختصار أن هذه التعسة يقل قلقها بخصوص العيوب الخارجية الواضحة، وبخصوص النزعة الريفية العمياء لزوجها عن هذا الغياب التام للعبقرية، وهذا النقص الروحي المؤكد تماما من العملية الغبية للقدم المشوهة .
وحول هذا الموضوع، فلتعيدوا قراءة الصفحات التي تحتوي علي هذه الحلقة معالجة غير عادلة تماما للطفيلية في حين أنه يعمل علي الإيضاح التام لطابع الشخصية وبشكل ساطع. - غضب أسود مُركزمنذ فترة طويلة، ينفجر في جميع أنحاء الزوجة بوفاري؛ الأبواب تصفق. الزوج المذهول، الذي لم يستطع أن يعطي زوجته الروائية أي متعة روحية، تنحي إلي غرفته. إنه في حالة تكفير عن الذنب، المذنب الجاهل! ومدام بوفاري، يائسة، تبكي مثل ليدي ماكبث صغيرة مقترنة بقائد عديم الكفاية: "أوه أنا علي الأقل لست زوجة واحد من هؤلاء العلماء العجائز الصلعاء والمقوسين، الذين تخفي النظارات الخضراء أعينهم المصوبة دائما علي أرشيفات العلم! بفخر يمكن أن أهدهد نفسي علي ذراعيه. وأود أن أكون علي الأقل رفيقة لملك روحي: ولكن رفيقة من سلسلة هذه المأفونة التي لا تستطيع اصلاح القدم الكسيح! أوه! "
هذه المرأة، في الواقع، سامية للغاية في نوعها، في بيئتها الصغيرة وأمام أفقها الضيق؛
4- حتي في تعليمها في الدير، أجد دليلا واضحا علي مزاج مدام بوفاري الملتبس.
ولقد لاحظت الراهبات في هذه الفتاة الاستعداد المدهش للحياة، الاستمتاع بالحياة، وبتخمين المتعة فيها. - هذا هو رجل الفعل!
لكن الفتاة كانت في حالة النشوة اللذيذة من لون الزجاج الملون ، ومن الأصباغ الشرقية التي كانت النوافذ الطويلة المشغولة تلقيها علي أحد أبناء الأبرشية المقيمين. إنها متخمة بالموسيقي الشعائرية لصلاة الغروب، وعبر المفارقة ينتمي فيها الشرف للقدرة، كانت تستبدل في روحها إله الحق بإله فانتازيتها، وإله المستقبل والمصادفة، إله الصورة المؤطرة بمهماز وشوارب. - وهذا هو الشاعر الهستيري.
الهستيريا! لماذا لا يشكل هذا الغموض الفسيولوجي الخلفية والحجر المسامي للعمل الأدبي، هذا الغموض الذي لم تحله بعد أكاديمية الطب، والذي يفصح عنه في النساء عبر احساس تصاعدي وخانق لبالونة (وأنا أتحدث فقط عن العرض الرئيس)، يُعبر عنه عند الرجال العصبيين بكل أنواع العجز وأيضا بالقدرة علي كل التجاوزات؟
5
باختصار، هذه المرأة عظيمة حقا، تستحق الرثاء خاصة، علي الرغم من صلابة منهجية المؤلف، الذي بذل كل جهد ممكن حتي يتغيب عن العمل وحتي يلعب وظيفة منظم استعراض العرائس، وستكون كل النساء المثقفات ممتنات لإعلائه الإناث بقوة عالية جدا، بعيدة عن الحيوان المحض وقريبة جدا من الرجل المثالي، وجعلها تشارك في هذا الطابع المزدوج للحساب و لأحلام اليقظة التي تشكل الكائن الكامل.
ويقال إن مدام بوفاري مثيرة للسخرية. في الواقع، ها هي ، في بعض الأحيان نعتبرها بطلا من أبطال والتر سكوت هذا النوع من السادة، - أيمكن أن أقول حتي جنتلمان ريفي؟ - يرتدي سترة الصيد الواقية والمرحاض المتناقضتين ! وها هي الآن محبة لكاتب صغير لكاتب عدل(الذي لا يستطيع حتي ارتكاب أي عمل خطير لعشيقته)، وأخيرا المسكينة المستنزفة، إلهة القمر الغريبة، تتغرب في الطريق الضيقة للقرية تطارد النموذج من خلال قاعات الرقص والحانات الإقليم: - لايهم؟ فلنقل ذلك، ولنعترف بالأمر، إنها قيصر في كاربينترا: إنها تتبع النموذج!
أنا بالتأكيد لن اقول كما الاستذآب التمردي للذاكرة ، هذا الثائر الذي استسلم: "أمام كل تفاهات وحماقات الحاضر، لا يبقي لنا سوي ورق السجائر و الزنا؟ "ولكن سوف أؤكد أنه بعد كل شيء، بعد التفكير، وحتي مع موازانات دقيقة، من الصعب جدا أن يكون تم إنشاء عالمنا من قبل المسيح، الذي كان يصعب عليه أن يرمي الحجارة علي الزانية. وأن بعض الخدع الميناتورية سواء أكثر أو أقل لن تزيد من سرعة دوران المجال ولن تقدم ثانية واحدة التدمير النهائي للكون. - لقد حان الوقت لوضع حد للنفاق المعدي علي نحو متزايد، وأن تعتبر الشهرة المثيرا للسخرية بالنسبة للرجال والنساء، المنحرفين حتي الفجاجة ،في الصراخ :هارو! بخصوص المؤلف التعس الذي تفضل، مع بليغ العفة، بأن يلقي بدثار المجد علي مغامرات موائد الليل، المثيرة للاشمئزازدائما والبشعة عندما لا يداعبها الشعر بوضوحه ذو الأوبالين التجريبي الشائخ.
إذا تركت نفسي علي هذا المنحدر التحليلي، أنا لن انتهي أبدا مع مدام بوفاري. هذا الكتاب موحي في المقام الأول، يمكن أن ينفح بحجم مجلد من الملاحظات. وسأقتصر في حديثي، الآن، علي ملاحظة أن العديد من الحلقات الأكثر أهمية كانت مبدئية أو مهملة أو توبيخية من قبل النقاد. الأمثلة علي ذلك: حلقة العملية الفاشلة للقدم المشوهة، أو تلك الحلقة المميزة جدا، الممتلئة جدا بالآسي ، الحديثة جدا بشكل فعلي ،حيث المستقبل الفاجر - لأنها لا تزال في بداية الإنحراف فقط، غير سعيدة! - سوف تطلب المساعدة من الكنيسة، من والدة الله، تلك التي لا عذرلها لعدم كونها جاهزة دائما، من هذه الصيدلية حيث لا أحد لديه الحق في النوم! الكاهن الطيب، المنشغل فقط بصبية التعليم المسيحي الذين يمارسون التمرينات الرياضية من خلال الأكشاك وكراسي الكنيسة، يرد بسلامة نية: "بما إنك مريضة،يا سيدتي، ولأن السيد بوفاري طبيب، لماذا "لا تذهبي لتقابلي زوجك؟"
ما هي المرأة، التي أمام عدم كفاءة الكاهن هذا، لن تذهب، جنون العفو الشامل، لتغرق رأسها في مياه الزنا الحوامة- ومن منا، ذلك الذي في سن أكثر سذاجة وفي ظروف أكثراضطرابا، لم يتعرف بالضرورة علي كاهن غير كفء؟
6
كان لدي مشروع مبدئي، بعد أن وقع تحت يدي اثنين من كتب المؤلف نفسه (مدام بوفاري واغواءات سانت أنتوني، ومن ثم الشظايا التي لم يكن قد تم جمعها من قبل المكتبة)، أن أقيم نوعا من التوازي بين الاثنين. كنت أرغب في وضع معادلات وتداعيات. لقد كان من السهل بالنسبة لي أن أجد تحت النسيج الدقيق لمدام بوفاري، الميزات السامية للسخرية وللغنائية التي تضيء بشكل مفرط اغواءات سانت أنتوني. هنا الشاعر لم يكن متخفيا، وشخصيته بوفاري، يغويها شياطين الوهم، الهرطقة، وكل أشكال الدعارة للمادة المحيطة بها - سانت أنتوني أخيرا، يستنفذه جميع الحماقات التي تروغنا، والتي كانت قد فضلت عن قصته البرجوازية الصغيرة. - في هذا الكتاب، حيث للأسف المؤلف أعطانا شظايا فقط، ثمة قطع مبهرة. أنا لا أقصد مجرد وليمة ضخمة من نبوخذ نصر، ومظهر رائع لهذه المجنونة الصغيرة ملكة سبأ، الصورة المصغرة الراقصة علي شبكية عين زاهد، و الخداعية ، والتوكيدية المنطلقة من أبولونيوس تيانا المتبوع بسائق فيل، أو بالأحري بمتعهد الطعام، المليونيرالأحمق الذي يشده في جميع أنحاء العالم. - وأود بصفة خاصة أن ألفت انتباه القراء لهذه الميزة المؤلمة السردابية والمتمردة، التي يمر عبر العمل كله، هذا العرق المظلم الذي يضيئ - ما يطلق عليه الإنجليز استدعاء والتي تستخدم بمثابة دليل من خلال هذه الفوضي الجحيمية للشعور بالوحدة.
لقد كان من السهل بالنسبة لي أن أظهر، كما قلت من قبل،أن السيد غوستاف فلوبير في مدام بوفاري حجب عمدا الميزات الغنائية والسخرية العالية التي عرضت دون تحفظ في الغواية ، وأن هذا العمل الأخير، غرفة عقله السرية ، يظل بوضح الأكثر إثارة لاهتمام الشعراء والفلاسفة.
ربما سآخذ في يوم آخر من لذة إتمام هذه المهمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.