مصطفى حسين لا يحتاج الفنان مصطفي حسين الي مناسبة للحديث عنه.. ولكن استوقفني محرك البحث في موقع التواصل الاجتماعي لنقرأ دراسة عن مصطفي حسين وأتابع كم التعليقات التي تؤكد القامة والقيمة التي كانت تعيش معنا .. وبكلمات تختصر الكثير تقول ( في مصر النيل .. وفي الجيزة الأهرامات .. وفي الكاريكاتير مصطفي حسين ) .. وتبقي بيننا الضحكة والرسمة وعنوان الذكريات مع مبدع ظل يغرد بألوانه وشخصياته علي صفحات الجرائد وحيطان الزمن .. ونحن علي أعتاب الذكري الأولي 16 أغسطس 2014 نسترجع الذكريات وحكايات الفنان وان بقي دائما القيمة والقامة الأجمل والأحلي في كتاب تاريخ الوطن .. يبدأ الفنان مصطفي حسين حديثه دائما بالحب والعطاء فيقول ( الحب دائما في حقيبة سفري أحمله معي أينما كنت انه الزاد الذي يقويني في الشدة .. أشفق علي إنسان يأتي إلي الحياة ويمضي دون ان يحس معني الحب ودون أن يشعر بنفسه بين الناس أشفق علي إنسان يأتي ويمضي دون أن يترك بصمة لحياته وتاريخاً لأولاده قد تبدو الحياة أحيانا لوحة سريالية يعيشها الإنسان دون أن يعرف معناها أم يدرك خواصها ويحتاج إلي إدراك حسي آخر يشرح له الحياة ) البداية .. (أنا مصطفي حسين رسام الكاريكاتير نشأت في حي الحسين في شارع بيت المال ميدان باب القاضي بجوار مسجد قلاوون وقصر الشوق وبين القصرين وقد تركت هذه النشأة بصمة في حياتي وتشكل بها وجداني .. والي الآن أرسم عن الناس الذين عشت بينهم .. ودخلت مجال الفن بالصدفة حيث لا يوجد أي شخص من أسرتي مهتم بالرسم أو الفن عموما ..) .. المسافة مابين البداية والجناح 712 بالمركز الطبي العالمي بالطريق الصحراوي تحكي رحلة فنان رسم الحياة المصرية بالريشة وبحبر المعاناة .. جسد أحلي لحظات الحياة وأقساها ضحك قليلا .. وتألم كثيرا . ابن المرحوم يرسم أحلامة - في مارس شهر العظماء ولد الطفل مصطفي مصطفي حسين عام 1935 يتيما ( ولدت يتيما لم أر أبي فقد توفاه الله قبل أن أولد وعندما بدأت أعي مايدور حولي وجدت حنانا غريبا من كل المحيطين بي وجدتني الوحيد الذي ينادي بلقب ابن المرحوم ) . وظل لقب ابن المرحوم يسبق اسمه وأصبح التيمة الخاصة للطفل الصغير وكثيرا ما كان يداعب انامله بحثا عن أصابع الأب المفقودة وعندما يفتقد اليد الحنون يلجأ إلي الشخبطة يبحث فيها عن العالم الافتراضي الخاص .. ويوما امسك بقلم صغير وراح يرسم علي جدران الحجرة شخبطة طفولية متصورا ملامح الاب الذي ظل يبحث عنه وفي منزل العائلة وجد الأقلام والورق وشعر ان الرسم مكانه الطبيعي بين دفتي كراسة الرسم .. رسم المنزل والسرير وأحلامه والأطفال وبكاء الصغير بجانبه وكلما تصفح أوراقة الصغيرة شعر بحنان الأب المفقود وكأنه يبحث عن العوض في حواديت الام وتصويرها علي أوراق الرسم البيضاء وسكنت الشخبطة قليلا لزيارة المقابر وهي عادة الاسره كل عيد لقراءة الفاتحة علي روح والده .. ذهب الصغير الي هناك وقد نسي كراسة الرسم .. ودع الصغير حزنه واستبدل الكراسة بأرض القبر والقلم بالعصا الصغيرة رسم الأب مبتسما ونقش اسمه ابن المرحوم مصطفي حسين . وأمام لعب الأطفال وشقاوة الطفولة امسك ابن المرحوم العصا الصغيرة بعد ان ساوي تراب الأرض واستبعد حبات الحجر الصغير وأصبحت اللوحة جاهزة للعمل ابتسم للجميع وكأنه أمام مشروع التخرج رسم مشهد المقابر كاملا الناس والأطفال الرجل يجلس وحيدا يحبس دموعه، النساء تبكي، الأولاد في شقاوة طفولية لايدركون القسوة ابن المرحوم أمام قبر أبيه حواديت النساء بائع الشاي طفل يمد يده ( الرحمة ياست ) ربما يسمع اللفظ لأول مرة رسم منظر الولد الباحث عن الرحمة .. شيخ كبير يقرأ القرآن الكل يجلس في خشوع .. لوحة كاملة علي حبات التراب .. امسك بكوب من الماء ورش اللوحة تماما كما يفعل فنان الزيت عند الانتهاء من عمله إحساس فطري لطفل يكمل عاما الرابع .. وعندما انتهي من عمه جلس ينظر إلي المشهد الكامل ووقع بالعصا ابن المرحوم . وعندما اقترب ابن عمله الطالب الذي يكبره بعشرين عام اندهش كثيرا وجلس يتأمل التفاصيل وربما استفسر منه عن أشياء بجانب اللوحة وبنظرة اندهاش علي صوته ( الله عليك أنت فنان .. فنان ) وجري الي الاسرة وبصوت عال ( تعالوا شوفوا الفنان ) . جلس الصغير يداعب انامله ويمسح العصا الصغيرة ويبتسم اليوم تغير لقب ابن المرحوم الي الفنان ( احسست ان القدر الذي سلب مني لقب ابن المرحوم وربما يعوضني بلقب آخر كله حياة وأمل واحببت كلمة فنان وتمنيت حقا ان اكون فنانا حتي ولو فقدت لقب ابن المرحوم ) . وتحول اللقب الي حقيقة كاملة يرسم الطفل الفنان في حجرته استبدل اللعبة بالقلم والورقة وكلما سأل الجد عن ابن مصطفي فين كان الرد الدائم بيرسم ياجدي . يضحك الجد الولد فنان فكروني أجيب له علبة ألوان خشب .. الهدية مفتاح السعادة للطفل الصغير تحولت الشخبطة إلي ألوان الشمس أصبح لونها اصفر جميلا أوراق الشجر باللون الأخضر . لابد من إعادة رسم الناس وفي حي الحسين العريق تجول الصغير يرسم عربة الكارو والرجل البسيط بائع القماش، الحرف اليدوية، الناس البسيطة، المباني الأثرية الذاكرة البصرية تنمو كل يوم بالجديد وقد ظلت مفتاح موهبته ذاكرته البصرية العالية وقدرته التصويرية علي رسم جميع الأنماط البشرية بسهولة ويسر . وما ان ينتهي الصغير من رسم ملامح البشر يركن إلي الطبلية الخشب ويمسك بألوان ويعطي الجلباب لونا مختلفا عن لون البشرة وكلما اقترب منه احد أفراد الاسره في بيت العائلة الكبير يتأمل الرسمة ويرفعها إلي جوار الحائط لتسقط أشعة الشمس من الشباك الكبير ويصرخ بصوت عال ( فنان ) . لقبه الجديد المحبب الي نفسه بديله عن لقب ابن المرحوم . ( حي الحسين هناك تربيت وعرفت كل النماذج حتي المباني هناك كانت مختلفة .. الجمالية وقصر الشوق وبيت القاضي ولدت في العوالم التي صورها نجيب محفوظ بيئة غنية بالوجوه ومازلت احفظ كل حجر هناك .. كنت اركب العجلة وامشي طوال الوقت في هذه الشوارع وكنت العب مع بقية الأطفال في كل ركن، اعرفها زاوية زاوية واعرف من يسكنها كنت اعرف عن الحي كل شئ .) ينتهي الطفل الصغير من رحلته اليومية في تأمل وجوه الناس ومعرفة حقيقتهم يجري الي مقاهي الحسين يرسم ملامح الرجل الكبير ( الفتوة ) الذي يدير الحارة الملامح تبدو قاسية لامانع هزيمته بالسخرية منه يرسمه بدون جلباب يجري من أمام فأر صغير .. يبالغ بعض الشئ في ملامحه يبدو انه اكتشف نوعا جديدا، المبالغة أجمل كثيرا من مجرد التصوير هناك ملامح تميز الأشخاص لماذا لا ابالغ فيها . . بداية مبكرة لنوع من الفن لم يدركه الصغير بعد . يختار الفنان مصطفي حسين الصعب والدهشة اليومية فأشخاصه غير نمطية وان كانت خاصة به بائع البطاطا بتفاصيله المدهشة والفقير الكحيت محاور لعزيز بيه الاليت وهناك اعلي جبال افغانستان يجلس فقير بملابسه مناديا ( فين الكاتشب ياكفره ) كمبورة الانتهازي وعبعزيز انها كائنات مصطفي حسين المدهشة الطيعة تخرج من ريشته فقط لترسم البسمه وتذهب تجلس بجواره يستدعيها عند الطلب .. يعاني الألم ولكن اشخاصه نابضة لا تشيخ ولاتمرض صابحة مثل خبزه الكاريكاتير بنار الفرن .. أبدع غلافه الأول بمجلة ( الاثنين والدنيا ) مصورا الصراع بين ايزنهاور وخورشوف وماذا يصنع الاثنان بالدنيا فكانت الفكرة القوية الاولي وتفتحت الأبواب أمام موهبة خاصة تحمل بصمة خاصة لفنان خاص لم يأخذ من احد عكس نظرية الفن ان الفنان عادة مايبدأ متأثرا الي حد التقليد ولكن مصطفي حسين كسر حاجز النمطية ليصنع مدرسة خاصة لها بعد ذلك تلاميذ .. ولكن البداية كان الأستاذ وصاحب المدرسة والتلميذ الوحيد .. بقي عامين يصنع الأغلفة والكاريكاتير ليكتشف فجأة انه مازال طالبا لم ينته من دراسته بعد تذكر قبل الامتحان بأربعة ايام فقط .. وقرر النجاح والتفوق فكان قرار اللجنة المكونة من يوسف كامل والبيناني (مصطفي حسين ... امتياز ). وبعد دار الهلال تأتي محطة مجلة الرسالة ليوسف السباعي الذي اختص الفنان برسم رواياته بمجلة آخر ساعة .. وان كانت بوصلة الفن لم تصل بعد جهة الكاريكاتير ولكن الكل يشعر ان الموهبة قد لا تقتصر فقط علي حد اغلفة المجلات والقصص والروايات انها بحاجة الي انطلاق حقيقي .. اتجهت بوصلة الموهبة ناحية جريدة المساء التي كانت تصدر برئاسة تحرير خالد محيي الدين .. وهناك اخذت الموهبة تسطع بافكار يسارية النزعة كثيراً .. وتبقي المحطة الاهم في مشوار الفنان العمل بمجلة (هي) مجلة نسائية مع الصحفي العملاق علي امين .. ريشة خاصة وحالة مصرية تحتاج منا إلي إعادة اكتشافها يوميا ولايكفي الدراسة التي نشرت أو رسالة الماجستير ولكن تحتاج إلي أن نري ونبصر إلي عمق الوجدان الانساني في أعمال الأستاذ دائما مصطفي حسين .