حملة لتوفير أجهزة كمبيوتر.. دعوات لتأهيل المدارس لتعليم التكنولوجيا | تفاصيل    تراجعت على العربات وبالمحال الصغيرة.. مساعٍ حكومية لخفض أسعار سندوتشات الفول والطعمية    وفقا لوزارة التخطيط.. «صيدلة كفر الشيخ» تحصد المركز الأول في التميز الإداري    الجيش الأوكراني: 96 اشتباكا قتاليا ضد القوات الروسية في يوم واحد    طائرات جيش الاحتلال تشن غارات جوية على بلدة الخيام في لبنان    3 ملايين دولار سددها الزمالك غرامات بقضايا.. عضو مجلس الإدارة يوضح|فيديو    كرة سلة - ال11 على التوالي.. الجندي يخطف ل الأهلي التأهل لنهائي الكأس أمام الجزيرة    المقاولون العرب يضمن بقاءه في الدوري الممتاز لكرة القدم النسائية بعد فوزه على سموحة بثلاثية    تصريح مثير للجدل من نجم آرسنال عن ليفربول    السجن 15 سنة لسائق ضبط بحوزته 120 طربة حشيش في الإسكندرية    إصابة أب ونجله سقطا داخل بالوعة صرف صحي بالعياط    خناقة شوارع بين طلاب وبلطجية داخل مدرسة بالهرم في الجيزة |شاهد    برومو حلقة ياسمين عبدالعزيز مع "صاحبة السعادة" تريند رقم واحد على يوتيوب    رئيس وزراء بيلاروسيا يزور متحف الحضارة وأهرامات الجيزة    بفستان سواريه.. زوجة ماجد المصري تستعرض جمالها بإطلالة أنيقة عبر إنستجرام|شاهد    ما حكم الكسب من بيع التدخين؟.. أزهري يجيب    الصحة: فائدة اللقاح ضد كورونا أعلى بكثير من مخاطره |فيديو    نصائح للاستمتاع بتناول الفسيخ والملوحة في شم النسيم    بديل اليمون في الصيف.. طريقة عمل عصير برتقال بالنعناع    سبب غياب طارق مصطفى عن مران البنك الأهلي قبل مواجهة الزمالك    شيحة: مصر قادرة على دفع الأطراف في غزة واسرائيل للوصول إلى هدنة    صحة الشيوخ توصي بتلبية احتياجات المستشفيات الجامعية من المستهلكات والمستلزمات الطبية    رئيس جهاز الشروق يقود حملة مكبرة ويحرر 12 محضر إشغالات    أمين عام الجامعة العربية ينوه بالتكامل الاقتصادي والتاريخي بين المنطقة العربية ودول آسيا الوسطى وأذربيجان    سفيرة مصر بكمبوديا تقدم أوراق اعتمادها للملك نوردوم سيهانوم    مسقط تستضيف الدورة 15 من مهرجان المسرح العربي    فيلم المتنافسون يزيح حرب أهلية من صدارة إيرادات السينما العالمية    إسرائيل تهدد ب«احتلال مناطق واسعة» في جنوب لبنان    «تحيا مصر» يوضح تفاصيل إطلاق القافلة الخامسة لدعم الأشقاء الفلسطينيين في غزة    وزير الرياضة يتابع مستجدات سير الأعمال الجارية لإنشاء استاد بورسعيد الجديد    الاتحاد الأوروبي يحيي الذكرى ال20 للتوسع شرقا مع استمرار حرب أوكرانيا    مقتل 6 أشخاص في هجوم على مسجد غربي أفغانستان    بالفيديو.. خالد الجندي: القرآن الكريم لا تنتهي عجائبه ولا أنواره الساطعات على القلب    دعاء ياسين: أحمد السقا ممثل محترف وطموحاتي في التمثيل لا حدود لها    "بتكلفة بسيطة".. أماكن رائعة للاحتفال بشم النسيم 2024 مع العائلة    القوات المسلحة تحتفل بتخريج الدفعة 165 من كلية الضباط الاحتياط    جامعة طنطا تُناقش أعداد الطلاب المقبولين بالكليات النظرية    الآن داخل المملكة العربية السعودية.. سيارة شانجان (الأسعار والأنواع والمميزات)    وفد سياحي ألماني يزور منطقة آثار بني حسن بالمنيا    هيئة الرقابة النووية والإشعاعية تجتاز المراجعة السنوية الخارجية لشهادة الايزو 9001    مصرع طفل وإصابة آخر سقطا من أعلى شجرة التوت بالسنطة    رئيس غرفة مقدمي الرعاية الصحية: القطاع الخاص لعب دورا فعالا في أزمة كورونا    وزير الأوقاف : 17 سيدة على رأس العمل ما بين وكيل وزارة ومدير عام بالوزارة منهن 4 حاصلات على الدكتوراة    «التنمية المحلية»: فتح باب التصالح في مخالفات البناء الثلاثاء المقبل    19 منظمة حقوقية تطالب بالإفراج عن الحقوقية هدى عبد المنعم    رموه من سطح بناية..الجيش الإسرائيلي يقتل شابا فلسطينيا في الخليل    تقرير حقوقي يرصد الانتهاكات بحق العمال منذ بداية 2023 وحتى فبراير 2024    مجهولون يلقون حقيبة فئران داخل اعتصام دعم غزة بجامعة كاليفورنيا (فيديو)    حملات مكثفة بأحياء الإسكندرية لضبط السلع الفاسدة وإزالة الإشغالات    «الداخلية»: تحرير 495 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة وسحب 1433 رخصة خلال 24 ساعة    "بحبها مش عايزة ترجعلي".. رجل يطعن زوجته أمام طفلتهما    استشاري طب وقائي: الصحة العالمية تشيد بإنجازات مصر في اللقاحات    إلغاء رحلات البالون الطائر بالأقصر لسوء الأحوال الجوية    عبدالجليل: سامسون لا يصلح للزمالك.. ووسام أبوعلي أثبت جدارته مع الأهلي    دعاء آخر أسبوع من شوال.. 9 أدعية تجعل لك من كل هم فرجا    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    نجم الزمالك السابق: جوميز مدرب سيء.. وتبديلاته خاطئة    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فنان الوجوه والخط الواحد جورج بهجوري‏:‏
الكاريكاتير أول خطر يهدد السلطة‏!!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 16 - 12 - 2011

لدي الإنسان نزعة أصيلة في الإسقاط والمبالغة والسخرية‏,‏ لذلك اعتاد أن يبسط سلطانه علي ورقة بيضاء‏..يستل قلمه ليرسم ويتراكم عطاؤه غزيرا متدفقا في خط واحد ممتد كمسيرة الحياة التي لا تعرف الفجوات. طبيعة تلقائية مرحة إسفنجية قادرة علي امتصاص كل وجوه البشر وأحوالها وأقنعتها المتخفية التي تتدثر بها, ولكن هيهات فريشته قادرة علي إسقاطها جميعا لا محالة.. دهشة طفولية تغلفه وحزن دفين يسكنه.. يمتلك ناصية التعبير في كل إبداعاته في الكاريكاتير والفن التشكيلي والنحت والكتابة الأدبية.. إنه جورج البهجوري 1932 الذي يستهل هذا الشهر عامه الثمانين, ويحمل علي كاهله رحلة60 عاما من التألق والإبداع من وصفه أستاذه الجليل بيكار بقوله: أعمال بهجوري التشكيلية تذكرني بالساقية, فأنا أمام لوحاته أري واسمع وأرتوي وانفعل بعنف رثاء أو غضبا ولا أذكر أنني وقفت مرة أمام لوحاته دون أن أطيل النظر إليها, مايسترو الكاريكاتير الجماعي الذي كان يحلم في طفولته بتحويل العسل الأسود في قريته بهجورة لألوان تزين لوحاته.. كاريكاتير بهجوري يقول فيه رأيه في الشخص ولا يرسمه فقط, وهو يؤمن بأن أي بناء لابد أن يحتوي علي نصيب من الدمار أي السخرية, وريشته تقوم بالعملين في آن بالمبالغة في العيوب أو التهويل في المحاسن.. ينفث السحر من ريشته فتضحك الضحية وهي تري الأنف ينبعج, والوجه يستطيل, ويتحول الجفن لجفن سلحفاة فلا توجد لديه خطوط حمراء.. فالكاريكاتير معيار للديمقراطية.. كل شيء لدي البهجوري قابل للرسم فما أسهل الأشياء وأبسطها تلك التي تقدح زناد إلهامه وتشعله قد يكون طفلا صغيرا في حارة شعبية أو سياسيا كبيرا, لوحاته تقرأ بالبصر والبصيرة, كما يريد لها دائما, فهي تجسد ما يجول في خياله ووجدانه.. رحلته الباريسية التي امتدت أربعين عاما ذهابا وإيابا أضافت إلي مصريته الأصيلة مزيدا من الشمولية والحداثة. بهجوري صاحب الوخز بالريشة والكلمات خرج يوما يبحث عن الخبز والحب والفن ولم يعد, وكيف يعود وهو صاحب موهبة أصيلة ووهج لا ينطفيء أبدا.. أطال الله في عمره.
مدرسة فرويد للتحليل النفسي تربط بين إبداعات الفنان وحياته الخاصة.. حيث يتم تحويل اللاوعي والرغبات التي أحبطها الواقع إلي وعي فني وإبداع يتحرر في عالم الخيال.. ما الذي تعكسه مرآة طفولتك ؟
تعكس شقاوة وشيطانية وروحا ساخرة.. وحزنا دفينا فأنا يتيم الأم بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان.. توفيت وأنا رضيع وتركت في نفسي فراغا هائلا وحساسية وخجلا ظلت متلازمة لشخصيتي لفترة طويلة.. فأنا من مواليد بهجورةس ذ ذ عشرة من الأخوة والأخوات لم تكن حالتنا المادية ميسورة وكان والدي يتطلع لأن أصبح طبيبا.. بدأت الرسم في سنواتي المبكرة.. وحين بلغت السادسة كان القلم في يدي أشبه بالنبلة التي يداعب بها الصغار أقرانهم, فكنت أشخبط علي الحائط وأرسم علي الزجاج واسخر من جدي وجدتي وعماتي لأن أشكالهم مضحكة بالنسبة لي.. ثم أرسم المدرسين والزملاء في المدرسة بالطباشير.. ويعود الفضل لابن خالتي سمعان الذي تعهدني برعايته وشجعني أخي الأكبر جميل.. وانتقدني فيما بعد لأنني أرسم وجوها حزينة في بداية مشواري, وربما كان ذلك انعكاسا لسؤالك.. فالطاقة الفنية تتفجر من الوعي واللاوعي والرواسب النفسية, وحين تأكد للجميع حبي للرسم.. صحبني أخي لمنزل الفنان كمال أمين والذي ألحقني بكلية الفنون الجميلة التي تخرجت فيها عام1955 ولم تكن البداية سلسة ماديا.. حيث اضطررت للعمل في مكتبة لبيع الجرائد بفندق المتروبوليتان كان فاخرا آنذاك ذ لمدة ثماني ساعات لمدة سنتين, بعدهما أصبحت قادرا علي الاعتماد علي موهبتي في تدبير نفقاتي.. ولم يسلم زملاء الكلية أو الأساتذة من ريشتي, ولا أنسي نصيحة الأستاذ الحسين فوزي الذي ما أن شاهد رسوماتي فلم ينهرني وهو يري الخطوط تحاور وتناور وتتمرد علي كل الأساليب التقليدية لكنه شجعني قائلا: العب يا ابني بالقلم.. العب.. أي أنه دعاني لمزيد من التحرر الفني, وفي إحدي المرات قمت برسم أستاذي العزيز بيكار وكان في سمته وصمته يشبه القديسين, يفيض دعة وسماحة بل إنني رسمته وفي طرف أنفه كرة حمراء كما لو كان مهرجا فأخبره الزملاء وابتهج بالرسم وقبلني.. كانت الكلية عامرة بأسماء الأساتذة العظام وعلي رأسهم صلاح طاهر وبيكار وجمال السجيني وعبد الهادي الجزار وحسين عاصم وعشرات الأسماء لكنني تمردت علي أسلوب الرسم المنهجي للموديل والطبيعة الصامتة.. بالرغم من أنني اذكر بالخير عطيات وسعدية موديلي الكلية لأن الطالب الذي يفشل في رسم الحصان والمرأة لا يعد فنانا لكنني من جهة أخري كنت أتوق للهرب دائما إلي ضجيج الحياة في المقاهي والموالد يقينا مني أن الفنان يرسم ما يعرفه ولا يرسم ما يراه.. فالبصيرة قبل البصر والعقل قبل العين كما قال هربرت ريد الناقد الشهير.. وأصبحت شهيرا وسط الزملاء الذين لا يتعدون العشرين من أشهرهم يوسف فرنسيس وآدم حنين وشادي عبد السلام وبهجت عثمان وهبة عنايت ووحيد النقاش ووقعت في غرام التكعيبية التي أظهر مفاتنها لنا أستاذنا بيكار ولم أتخلص من هذا العشق إلا بعد مرور عدة سنوات.. لكنني أصبحت راسخ اليد في تعرية الوجوه وتلخيصها والتعبير عن الحياة العامة بخطوط تحمل المبالغة.
اقتحمت عالم الصحافة في فترة ازدانت بالنجوم اللامعة في مجال الكاريكاتير بل وفي كل المجالات الفنية.. فكيف وجدت لريشتك موضعا وسط هذا الزخم ؟
الفضل يعود لأستاذي بيكار الذي قدمني لصاروخان الرسام الأرمني الشهير, والذي قال عني أن عيني تري الأشياء بطريقة غريبة غير مألوفة وقدمني إلي الفنان الكبير عبد الغني أبو العينين الذي ألحقني بدوره بمجلة روزاليوسف وكان له الفضل علي جيل كامل من الفنانين.. فقد التحقت بالمجلة وأنا مازلت طالبا في السنة الثانية ورسمت أغلفتها واذكر أن السيدة روزاليوسف شاهدتني في إحدي المرات أسير مع أختي وصديقاتها بجوار المجلة فأخرجت رأسها من السيارة ونهرتني قائلة: أنت بتعمل أيه روح المجلة خلص شغلك!! فكنت لم أتجاوز العشرين وتعاملني كطفل صغير لكنها قالت أنت ستكون لك مدرسة جديدة لا تشبه أحدا.. كانت روزاليوسف تضم كوكبة من أشهر رسامي الكاريكاتير في مصر في بداية الخمسينيات.. بهجت عثمان وصلاح جاهين والليثي وإيهاب وجمال كامل وزهدي وحجازي ورجائي ونيس.. كان مكتب إحسان عبد القدوس ملتقي مشاهير الفن والأدب ورجال السياسة, فتأتي سكرتيرته النشيطة نرمين القويسني لتخبرني بأنني مطلوب في مكتب رئيس التحرير ويكون سبب الطلب رسم بورتريه لضيف من المشاهير.. يضحك بهجوري قائلا: لا أستطيع حصر عدد المرات التي تسببت فيها ريشتي التي تحول الوجه إلي كرة أو مثلث أو مربع ببساطة كطفل لم تنمو أنامله بعد من فرط حساسيتها للتمرد علي القيود.. فيغضب فريد الأطراش ويلغي إعلان صفحة قيمتها مائة جنيه قرر نشرها في المجلة عن فيلمه الجديد.. اعتراضا علي رسمي بورتريها لملامحه وروحه كما أراها وتقرر أن أعمل خمسة شهور مجانا تعويضا لهذه الخسارة.. ويتصل محمد عبد الوهاب معترضا علي كاريكاتير يجسده وهو خارجا من حفلة أم كلثوم وهي تغني أغنية أنت الحب ويتجه إلي بائع أسطوانات لشراء أغنية أنت عمري والاغنيات من تلحينه وكان نقدا موجعا لموسيقار الأجيال الذي أخبرني أن ز س التي لا يهزها إلا الكلمة واللحن الجميل.. ولم يفلت عضو من أعضاء مجلس قيادة الثورة من ريشتي وكانت الطامة الكبري يوم رسمت جمال عبد الناصر وهو يقوم بتنظيف قبة مجلس الشعب وصلاح سالم يبدو صغيرا كالصبي في يده جردل الماء.. وغضبت نادية لطفي لأنني رسمتها ثلاجة واضطر إحسان عبد القدوس إلي تقديم الاعتذارات لكل المشاهير عن رسومي ورسوم زملائي فبهجت عثمان اغضب كل مطربي مصر محرم فؤاد ومحمد فوزي ورسم أحمد فؤاد حسن يقود الفرقة بظهره.. بل أن فائزة أحمد كانت تريد أن تضرب رجائي ونيس وجاءت زبيدة ثروت وصالحها جمال كامل ورسم بورتريها يصلح فيه ما أفسده رسامو الكاريكاتير الأشرار!! وللحق فأنني رسمت عبد الناصر بأنف مميز يبدو فيه منقضا كالنسر وعيناه تحملان بريقا خاصا لكنه لم يغضب ولكن غضب مني السادات من مواقفي السياسية ورسوماتي.. ومن أجل الذكريات التي أعتز بها لقاءاتي مع عبد الحليم حافظ في بدايات حياته الفنية وكان دائم التردد علي مكتب إحسان عبد القدوس بصورة شبه يومية, وأحيانا كان ينتظره ليلا في غرفة الرسام مع الشاب الصغير جورج علي حد تعبيره جمع بيننا ألم اليتم والافتقاد الدائم لحنان الأم.. طفولة متشابهة وحزن متوارث وصوت متهدج وريشة حزينة.. كان يجلس بجواري وأنا أرسم وفي إحدي المرات قال لي أسمع اللحن الجديد الذي لحنه عبد الوهاب ونقر علي المكتب: توبة أن كنت أحبك تاني.. توبة!! ثم خرجنا بصحبة إحسان وبعض الأصدقاء إلي كازينو الجلاء مكان شيراتون القاهرة الآن ويقول له إحسان: جورج الذي يجلس بجوارك سيصبح من أهم رسامي الكاريكاتير في مصر.. خلي بالك منه يا عبد الحليم.. فأغرق في بحيرة من الخجل.. فإحسان عبد القدوس كان منارة تهدي أصحاب المواهب للاتجاه الصحيح وكان يمتلك من الشفافية ما يجعل من رأيه( نبوءة) كثيرا ما تحققت فعليا.. وأسعدني أنني ساهمت في خروج الفنان أحمد زكي من حالة الاكتئاب التي انتابته أثناء عمله في مدرسة المشاغبين وأخبرته عقب رسمي له أنه يمتلك فيضا من الانفعالات التي ستخرج وهجا فنيا سيسحر الملايين.
في البورتريه يرسم الفنان القدير الصفة لا الوصف وكان برجسون يري أن الكاريكاتير يكون أحيانا أكثر صدقا من البورتريه.. أين تقف رسوماتك من هذا الرأي ؟
هو رأي فني صائب بلا شك, فالصفة تعبر عن روح الشخصية وهذا ما لا يتوافر أحيانا في البورتريهات المرسومة التي تنسخ ولا تعبر فتأتي كما لو كانت صورة فوتوغرافية باهتة.. أما الكاريكاتير فهو يغوص في أعماق الشخصية ويكشف عن دخائلها بخطوط بسيطة والمحددات التي أعمل من خلالها تتوقف علي محادثة الشخص قبل رسمه لمدة دقيقة علي الأقل تصبح فيها عينه في عيني.. فالعين أقوي تعبير في الوجه.. وحركة الفم والصوت تعطي تعبيرا وانطباعا بروح الشخصية.. لأن الصوت مرآة القلب.. يبتسم بهجوري قائلا: والأهم من كل ذلك أن أجد شيئا أشوهه وأقوم بتحويره ولا يوجد شئ يستعصي علي ريشتي والناس تفاجأ بأنني أشاهدهم بهذه العين.
قيل عنك إنك بيكاسو مصر تقوم برسم ثلاث عيون وخمس أذرع وترسم بخط واحد مثله.. تغير العلاقات المكانية للأشياء.. فهل تنتمي بالفعل لمدرسة بيكاسو ولا تعد ذلك تقليدا؟
الذي أطلق هذا اللقب هو صلاح البيطار وأنا بالفعل من أشد المولعين بفن بيكاسو.. لأنه كان نهرا متجددا وشعلة متوهجة حتي آخر حياته.. فالفنان يستلهم من المدرسة الفنية أو يتأثر بخطوطها العريضة وبروحها كما في الأدب أو الشعر لكنه يحتفظ بأسلوبه الخاص, ومنه تعلمت الخط الواحد منذ البداية وكان الأقرب لطبيعتي الطفولية, فالطفل حين تمنحه ورقة لا يترك القلم حتي ينتهي من الرسم بخط واحد ولا يرفع يده ذ راكب الدراجة الذي يستطيع قيادتها وهو يطلق يده في الهواء دون فهلوة بالطبع فبيكاسو أيضا كان يقوم بتحطيم الجمال ثم إعادة صياغته برؤية خاصة وأنا أقوم باختزال الأشياء والأشخاص والتعبير عنهم برؤية اختزالية من الذاكرة.. وإذا كان الشعر هو فن الخلاصة فالكاريكاتير تحديدا هو خلاصة الخلاصة وأنا تأثرت بجوجان وموديلياني وماتيس أيضا وكنت أسكن في باريس في مونمارتر واقتفيت الحياة اليومية العادية للرموز الفنية التي أحبها وقدمت أطروحة في جامعة السربون عن بيكاسو وتأثره بالخطوط المصرية القديمة.. فأسلوب بيكاسو هو بضاعتنا التي ردت إلينا مصحوبة بغلالة من الفن المتميز الرفيع.
ولكن بيكار كان يري أنه لا ينافق الأشخاص الذين يرسمهم.. لأن لحظة رسم البورتريه هي لحظة استثنائية لأي شخص ربما لن تتكرر مرة أخري فيجب أن تكون لحظة رسمية يرحب بها الإنسان بمشاهديه فيما بعد.. ما رأيك في هذا القول ؟
رأي له وجاهته الفنية واحترامه لكنني علي النقيض, ولكن أستاذي بيكار كان ناقدا فنيا يفتح قلبه لكل الاتجاهات ولا يرفضها فهو القائل في إحدي رباعياته: أنا اللي بعضي من تراب الأرض وبعضي من أثير أنا الظلام والنور وجوايا الصغير والكبير أنا الشر لو أطاوع نفسي وكل الخير لو يصحي الضمير.
ولكنه كان متعدد المواهب والملكات فكان فنانا تشكيليا وزجالا وناقدا فنيا وكاتبا للأطفال وحين بلغ الثمانين ندم لأنه بدد طاقته في أشياء عديدة بدلا من تخصصه.. أنت أيضا تبدأ عامك الثمانين وتصنف رساما للكاريكاتير وفنانا تشكيليا ونحاتا وأخيرا كاتبا روائيا فأي مجال يحتذبك الآن؟
يفاجئني بقوله: الكتابة الأدبية فقد أصدرت خمسة كتب منها سيرة روائية طويلة هي أشبه بالسيرة الذاتية اخترت لبطلها اسم فلتس وهي الاسم الشهير لأي طفل شقي في عائلة قبطية.. فأنا أشعر بحالة من التسامي الرفيع عندما أكتب وشجعني كبار النقاد والأدباء ووصف إدوارد الخراط أسلوبي في الكتابة بأنه يشبه خطوطي في الرسم حيث يتداعي السرد والوصف والرؤية الفلسفية دون أن أعمد إلي ذلك وقال أنني أفضل من يكتب( المشهدية) أي اترجم لوحات الحياة إلي مشهد مجسد بالكلمات وأعتز بأنني اعتمدت أدبيا من شيخ النقاد علي الراعي الذي أعلن مولدي الأدبي في مقاله بالأهرام.
هل متعة الاكتشاف والبحث عن جديد أهم بالنسبة لك من متعة إثراء هذه الملكات بالنسج علي منوالها وبالأعمال المتراكمة المكررة مع الأخذ في الاعتبار أن خيري شلبي وصفك بالمترادف ؟
مبدئيا أنا أكره الاحتراف فأنا مشغول دائما بالبحث عن جديد كمن يكتشف بئرا للبترول ثم يتركها ويذهب يكتشف بئرا أخري فالتكرار في أعمالي يحمل زخم الحياة وفي أعمالي كثيرا ما تلتحم كتلة البشر بالحيوانات دون وجود خطوط محددة.. فالمعني العميق هو جوهر الفن مهما اختلفت الأساليب.. فأنا ألخص الوجوه والتكرار ظاهرة كونية تصاحب أعمالي لكنه تكرار لا يحمل معني الملل والرتابة, لكنه اختلاف مثل بصمة الأصابع المختلفة في الأيدي المتشابهة.. وإذا كنت تلميذا لبيكار يعتز به وبأنني وصلت للعالمية علي حد تعبيره فأنا أعتز بتلاميذي سمير عبد الغني ومخلوف وأفتخر أنني قدمت رجائي ونيس لروزاليوسف وأعماله تألقت بصورة تفوقني أحيانا والأمر كذلك بالنسبة للرسام السوري علي فرازات فهو تلميذي الذي تفوق علي أستاذه في البورتريه.
أشتهرت أعمال ناجي العلي بالطفل الصغير الحافي القدمين( حنظلة) وفي معظم أعمالك نشاهد البهجوري الصغير.. فما هو الغطاء الفني لهذه الشخصية ؟
أنه مثل ميكي ماوس يشك بسخرية لاذعة فهو يمثل ضميري الذي يذكرني دائما ألا أغفل عن رسالتي الفنية ويحرضني لأن الكاريكاتير فن تحريضي بعدم حساب التوازنات السياسية أو إرضاء الآخرين.. ويذكرني دائما بأن أنحاز لريشتي فقط فأنا قمت برسم السادات وانتقاده والأمر كذلك لمبارك ورسوماتي التي منعتها الصحافة نشرتها في كتابي رسومات ممنوعة.. والأمر كذلك بالنسبة لناجي العلي الذي لم يعرف تاريخ الكاريكاتير شهيدا للرأي قبله وأسعدني أنني كنت عضوا في لجنة تحكيم ومنحته الجائزة الأولي مع اثنين آخرين.. لأنه أتي بفكرة مبتكرة فوضع مرآة وكتب عليها فقط مطلوب كناية عن انهزامية العرب فكل من ينظر في المرآة يشعر بأنه مهدد في حالة قمع.. فحين صدرت الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للرسول في الدنمارك قام كوفي أنان بعمل حملة بعنوان الكاريكاتير من أجل السلام حين وقعت بعض حوادث القتل وقام بلانتو رسام الكاريكاتير الأول في فرنسا ورسام اللوموند باختياري وكنا سبعة عشر فنانا من كل دول العالم يجوبون عواصم العالم لتأكيد البعد عن المقدسات الدينية.. فالكاريكاتير شأن الرأي وسيلة الرد عليه الريشة لا القنبلة أو الاعتقال لكنه للأسف الهاجس الأول لكل الحكام وهو معيار كاشف للديمقراطية وفاترينة لها في أي مجتمع.
ولكن الكاريكاتير يتراجع في الصحافة. والصورة الفوتوغرافية تزداد سطوتها خصوصا بعد فنون الفوتوشوب التي تعيد إنتاجها مرة أخري ؟
رب رسم صغير أقوي من مقال طويل فالكاريكاتير يحتاج لثقافة وفكر عميقين ووعي حاد بالواقع وتجاوزه بالضحك الذي قد يصبح كالبكاء ولكن في العالم العربي يشتبك الكاريكاتير مع السياسيين وهو ما لا يحدث في الغرب ففي فرنسا لم يغضب شيراك حين تم تحويله إلي عروسه وقال نحن البلد الذي أخرج للعالم العرائس والأراجوز لكن للأسف الشديد لا يوجد قارئ جيد للكاريكاتير الأغلبية تبحث عن التعليق لذلك نعاني من أمية العين والتلوث البصري الذي اخشي علي فني منه في الآونة الأخيرة فأحيانا أشاهد اعوجاجا في بعض لوحاتي ولا أستطيع إصلاحه نتيجة لثبات التلوث واستقراره في البيئة المحيطة لكنني أعوض ذلك بسفري أكثر من نصف العام إلي فرنسا.
ما الذي تمنحه فرنسا للفنان وكيف تغلبت علي الشعور بالاغتراب والنوستالجيا فأنت من أكثر الفنانين انصهارا في الشارع المصري بمفرداته من الميكانيكي لصبي القهوة.. إلخ؟
سافرت إلي فرنسا عام1970 قبل وفاة عبد الناصر لأسباب فنية بحته فهي مرتع الفنون حيث أكملت دراستي وتعلمت المذاهب الفنية انتسبت لمدرسة الفنون بمعهد اللوفر وتعلمت الليتوجراف والنحت ففرنسا جعلتني بحق فنانا شاملا تقبع مصر بداخلي لا تفارقني أبدا بالرغم من أن صديقي وجاري المطرب المعروف جورج مستاكي أطلق علي لقب ميتك وهو اسم أحدي أغنياته أي مواطن بلا حدود لا يعاني من الشعور بالاغتراب ويندمج في المجتمع الفرنسي.
في البدء كانت الكلمة لكنك استنكرت أن يكون الأمر كذلك واعترضت علي رأي لمصطفي محمود وقلت ان رسام الكاريكاتير مفكر مثل الكاتب وليس قفة فكيف تغلبت علي إشكالية الكلمة أولا؟
د. مصطفي محمود رحمه الله اغفر له أي شئ لأنه من أجمل الشخصيات التي صادفتها في حياتي ولكن الأغلبية في الوسط الصحفي تعتقد أن الرسام مثل الخطاط ينفذ ما يطلب منه حرفيا وتغفل عن رأيه كمفكر له صوت ورأي مستقل قد يضيف للكلمة الكثير ويزيدها ألقا وعمقا عموما أنا في الحياة أبدأ في التعارف علي البشر في أي مكان من خلال قفشة أفتح بها مجال الحديث ليتحول بعدها الكاريكاتير إلي قفشة فنية تداعب القارئ في سخرية وقد يطول مفعولها ولا ينسي فأحيانا أفاجأ ببعض الأشخاص يحتفظون برسوماتي في محفظتهم الخاصة بهذه السياط اللاذعة لأننا أيضا أعتدنا علي المعاني الضمنية التي تفلت من الرقيب.
الرمز السياسي لا يمكن إقحامه في العمل الفني وكل الرموز المقحمة لم تعش فنيا فإذا احتكمنا لميدان التحرير وثورة يناير فما هو الرمز الذي تستخرجه من الميدان؟
قمت بتجسيد الثورة في أكثر من عمل وفي هذه اللوحة التي يظهر فيها النسر وأيدي الثوار هي جناحاه وحركة الفم المفتوح تعبيرا عن صوت الاحتجاج الهادر والفتيات لهن وجود واضح وقد ظهرت رقبة النسر مثل رقبة جمال عبد الناصر لأنه أول ثائر أشاهده في حياتي ولكن الرمز السياسي بالفعل لابد أن يتخلق فينا وطبيعيا من الواقع فالشخصيات التي سبقت المصري أفندي التي ابتكرها التابعي وصاروخان لم يكتب لها النجاح ومن الممكن اختيار رمز من الشباب ببنطلون جينز ونظارة شمسية يتصف بالوطنية والنقاء والنبل ويحظي بالاحترام والتقدير لكنني سأنتقده واصفه بالغرور والدكتاتورية في الرأي فكل من يعارضهم هو من الفلول وهذه فاشية متفشية بينهم لأنه بالرغم من أن الشخصية الثورية لها عقلية إبداعية وتفكير غير نمطي يميل إلي التعددية ومن أهم مقومات الطلاقة والقابلية للتغيير واحتواء الآخر بكل مرونة.
حققت شيئا من العالمية كما تنبأ لك نجيب محفوظ بقوله ان محليتك ستصل بك لمشارف العالمية فهل أنت راض عما حققته في هذا المجال؟
نجيب محفوظ شخصية عظيمة وبسيطة ارتبطت به منذ الخمسينيات حين كان يجئ روزاليوسف للفنان جمال كامل وأصبحت عضوا في الحرافيش أثناء وجودي في مصر وكان يشجعني دائما ويبدي اعجابه بأطفال الحارة ومفرداتها التي أعبر عنها في أعمالي وأنا حققت الكثير من الطموحات وأقمت معارض فنية في مختلف دول العالم وعرضت أعمال لي في باريس في كوراسول اللوفر تحت الهرم الزجاجي كفنان مصري معاصر وكتب اسمي بجوار جان كوكتو وشارل ازنافور وحصلت علي لقب رسام البورتريه الأول في العالم وجائزة من أسبانيا عن رسمي لفرانكو ذ ذ. أصداء لكن الفنان الحقيقي ينغمس في ألوانه ولا يعبأ بها فهي نتيجة وليست غاية في حد ذاتها.
لماذا ارتبط اسم الفنانين عموما والرسامين علي وجه الخصوص بالشطحات في حياتهم في بعض الأحيان.
الفنان طفل كبير يخشي الغد ينتابه الشعور من آن لآخر بضياع الإلهام أو مسح الذاكرة, يعيش دائما في قلق يؤرقه خوفا من جفاف ينابيع موهبته فينغمس في الحياة ويصل للحدود القصوي, ويكون دافعه التمسك بفنه الذي هو حياته بالأساس وحين تنتابني هذه الحالة أو التمس شعورا بسيطا يداهمني مصحوبا بالاكتئاب أحاول الخروج من هذه الحالة سريعا واستعادة توازني فالفنان يجب أن يكون متصالحا مع ذاته ينقيها أولا بأول ويبعدها عن الشر أو الخديعة وإلا تحول فنه إلي عملة زائفة تعجز عن الاستبصار فاللوحة الفنية تقرأ بالعين في بعض أجزائها وبالبصيرة في مجملها فالفنان يعيش بالتوتر لكنه دافعه الأول لتخفيف إحساساته بالرسم كما قال بيكاسو والفنانين عموما أطفال أنقياء يحبون كل الناس.

[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.