سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"كارنيجى": الصراع بين المؤسسة العسكرية والرئاسة بلغ ذروته.. شائعة إقالة "السيسى" كشفت عن مستوى التوتر.. الإخوان يدركون خطر الجيش على نفوذهم.. وإستراتيجيتهم لاحتوائه "عشوائية".. والشعب وحده سيدفع الثمن
قالت مؤسسة "كارنيجى" الأمريكية للسلام الدولى، إن العلاقة بين مؤسسة الرئاسة والمؤسسة العسكرية تدهورت بشدة فى الآونة الأخيرة، وأصبح الصراع بين المؤسستين لا يمكن إغفاله. وأضافت المؤسسة البحثية البارزة فى تقرير منشور بدورية "صدى" المعنية بتحليل الواقع السياسى والاقتصادى العربى، أنه على الرغم من مرور عامين على الثورة المصرية، إلا أن التكهنات حول دور المؤسسة العسكرية فى العملية السياسية يطغى على الخطاب العام فى مصر، ورغم أنه كان من المتوقع أن يؤدى تسلم شخصية مدنية مقاليد الرئاسة إلى وضع حد لهذه التكهنات، إلا أن انتماء الرئيس محمد مرسى لجماعة الإخوان المسلمين زاد من حدتها. وأشار التقرير إلى أن الشائعات التى أثيرت مؤخرا باحتمال إقالة وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسى، لم تكن سوى الحلقة الأحدث فى العلاقة الخلافية المضطربة بين الرئاسة والجيش، بعدما أصبح هذا الخلاف واضحا خلال الصدامات الدموية التى اندلعت فى مدن قناة السويس مع الذكرى الثانية للثورة، وقد اعتبرت تلك الشائعة وسيلة من جانب الإخوان المسلمين للتصدى لنفوذ الجيش المتصاعد فى موازاة الرئاسة. وتحدث التقرير عن موقف الجيش من حظر التجوال الذى فرضه مرسى فى مدن القناة، وتحذير السيسى من أن الخلافات المستمرة بين القوى السياسية قد تؤدى إلى انهيار الدولة، وهو ما يعد تأكيداً على انفصال الجيش عن مؤسسة الرئاسة. كما تطرق لتصريحات الفريق صبحى صدقى، رئيس هيئة الأركان فى أبوظبى التى قال فيها "إن الجيش لا يتدخل فى السياسة، إلا أنه يراقب دائماً التطورات التى تحدث داخل الدولة المصرية، وفى حال احتاج الشعب المصرى إليه، فسيكون فى الشارع فى أقل من ثانية واحدة". وتعتقد منى القويضى، كاتبة التقرير، الباحثة فى العلوم السياسية، أن الرئيس ربما رأى أن الوقت قد حان لتوجيه إنذار إلى الجيش، فظهرت شائعة إقالة الفريق السيسى كرد على ما أظهرته المؤسسة العسكرية من استقلالية عن الرئيس، بل وفى بعض الأحيان تفوق عليها. وكشفت هذه الشائعة عن مستوى التشنج والتوتر بين القوات المسلحة والرئيس، فقد أصدر الجيش، وليس الرئاسة، بياناً رسمياً نفى فيه إقالة وزير الدفاع، وظهرت تقارير عن تصاعد القلق فى صفوف ضباط الجيش واعتبرت "مصادر عسكرية" أن مرسى لا يملك القدرة على إقالة السيسى، واصفين الأمر بأنه "انتحار سياسى" للنظام. واعتبر التقرير أن رسالة الرئيس مرسى إلى الفريق أول السيسى، لشكره على الجهود "المميزة" التى بذلها الجيش تحت قيادته خلال تأمين التعاون الإسلامى، والتى كانت قد انعقدت فى القاهرة قبل أسبوعين من تاريخ إرسال الخطاب، بمثابة اعتذار علنى لجنرالات الجيش من جانب الرئيس. ويقول كارنيجى: "إن هذه لم تكن مجرد بادرة لاسترضائهم، بل كانت أيضاً تعبيراً عن الندم، فمؤسسة الرئاسة لا تستطيع الدخول فى مواجهة مع الجيش، لاسيما فى وقت تدعو فيه عدة مدن، إلى العصيان المدنى، كما يبدو أن القوى السياسية كلها بما فى ذلك السلفيون تنقلب على الإخوان المسلمين، فضلا عن ذلك، فإن الدعم الدولى للإخوان المسلمين يتضاءل، بما فيه دعم الولاياتالمتحدة، حيث تمارس العديد من مراكز الدراسات والبحوث والصحف ضغوطاً على الرئيس أوباما، كى يتخذ إجراءات أكثر حزماً تجاه الرئيس مرسى وجماعته". ويذهب تقرير كارنيجى إلى القول بأن الإخوان يدركون تماما الخطر الذى يمثله الجيش على بقائهم فى السلطة، إلا أن الإستراتيجية التى يتبنوها لاحتواء هذا الخطر تتسم بالعشوائية وقصر النظر وتتسبب فى أضرار، حيث يبدو أن الجماعة تحصر الصراع السياسى بين الرئاسة والجيش، متجاهلة الرأى العام والقوى السياسية المتعددة، فعندما قرر مرسى أن يدعو إلى إجراء انتخابات مجلس النواب، لم يلتق بأعضاء من المعارضة، ولم يصغ للاحتجاجات المناهضة بل اجتمع بوزير الدفاع خلف الأبواب المغلقة، مشددا للمرة الثالثة خلال أقل من أسبوع للتأكيد على ثقته به وبالقوات المسلحة. ويتابع التقرير، "صحيح أن فوز الإخوان فى الانتخابات النيابية يمثل فرصتهم الوحيدة لإعادة ترسيخ بعض من سلطة الرئيس مرسى، وصحيح أيضاً أن دور الجيش فى فرض الأمن خلال الانتخابات، فى ظل عجز قوات الشرطة أساسى لنجاحها، حتى ولو فى الشكل، إلا أن مرسى يبدو أنه يتناسى أن المؤسسة العسكرية لا تسعى خلف دور قيادى فى المنظومة السياسية، فوجود "الإخوان" على رأس السلطة التنفيذية كان كافيا لتمكين الجيش من استعادة سلطته وسمعته، مكررا بذلك الإستراتيجية التى لطالما اتّبعته وسمحت له بأن يحكم من دون أن يكون فعلياً فى السلطة، فبعد تعرض الجيش إلى الانتقادات طيلة عام ونصف العام، لعجزه عن إدارة المرحلة الانتقالية، يبدو أن كل ما يهم الجيش حالياً هو الحفاظ على تماسكه واستقلاليته عن النظام السياسى، ومع ذلك فمن الصعب أن تستطيع القوات المسلحة عزل نفسها بالكامل عن الدولة". وخلص التقرير إلى أنه لكى يتمكن مرسى من تجاوز أى تدخل عسكرى ضده، عليه توجيه رسائل واضحة للمصريين بأنه مستعد لتقديم تنازلات والعمل مع كل القوى السياسية فى المجتمع، بعيداً عن احتكار الدولة، فالدعوة إلى إجراء انتخابات تشريعية على الرغم من الاضطرابات السياسة، وتوجيه رسائل إلى الجنرالات لتأكيد الثقة بهم، يصبان فى الاتجاه الخطأ ويعبران عن قصر نظر بل وربما إفلاس سياسى. فاسترضاء "الإخوان المسلمين" للجيشَ بهدف تنظيم الانتخابات التشريعية من دون إجراء إصلاحات فعلية، أو تقديم ضمانات حقيقية، لا يؤدى سوى إلى تقويض موقع الرئاسة والقوى المدنية، فيما يدفع الشعب المصرى الثمن.