فى ظل الصراع المحتدم بين الإخوان والمعارضة بعد الانتخابات الرئاسية وفوز الرئيس محمد مرسى نجد أن الإخوان المسلمين يحاولون بكل الطرق السيطرة والهيمنة على القصر الرئاسى وقراراته، وتنفيذ مخطط أخونة الدولة من خلال تطهير مؤسساتها، وذلك من خلال أتباع النظام السابق، وتعيين أفراد من الجماعة أو من لهم ولاء لفكر الإخوان. ومن أهم مظاهر الاستحواذ التى نلاحظها، نجد حكومة يترأسها الدكتور هشام قنديل- والذى وإن لم يكن من الإخوان رسمياً- لكنه من المؤمنين بفكر الإخوان، والدليل على ذلك اختياراته فى تشكيل الحكومة، والتى لا تعبر نهائياً عن مصر بعد الثورة. فالوزراء يتم اختيارهم من خلال مكتب الإرشاد لا من خلال رئيس للوزراء، من المفروض أنه صاحب فكر ورؤية واستقلال فى اختياراته. فعلى سبيل المثال، وفى أحد تصريحاته، قال وزير الإعلام الإخوانى صلاح عبد المقصود إن الإعلام المصرى استرد جزءاً كبيراً من مصداقيته لدى الشارع، وهذا الكلام عار تماماً عن الصحة. فالإعلام المصرى (الرسمى) كما هو، معروف كان إعلام مبارك، واليوم هو إعلام الإخوان.. والمفروض أنه إعلام الشعب يعبر عنه وعن توجهاته. ولكن للأسف الشديد أصبح محاولة لغسيل العقول وكتم الأفواه وتلميع الرئيس وحكومته. ومن مظاهر الاستحواذ أيضا هو محاربة القضاء والنيابة العامة فالإخوان يحاولون باستماتة اختراق القضاء وخاصة المحكمة الدستورية العليا، والتى تتحكم فى صدور الأحكام القضائية الحساسة والخاصة بمؤسسات الدولة، وأن يتم استبدال القضاء بما يسمى قضاة من أجل مصر والمعروف ولاؤهم الواضح والصريح للإخوان. التطهير شىء مطلوب ولكن الأخونة وتسييس القضاء شىء مرفوض، بالإضافة إلى قضية النائب العام والتى أثارت ضجة وعاصفة من الاحتجاجات من قبل أعضاء النيابة والقضاء والمعارضة بسبب الطريقة التى أقيل بها النائب السابق، وتعيين النائب الجديد. ليس الاعتراض على شخص النائب العام الجديد ولا تعاطفاً مع النائب السابق عبد المجيد محمود والذى كان رحيله مطلباً للجميع بما فيهم المعارضة، ولكن طريقة الإقالة غير دستورية بالفعل لأنها تمت من خلال إعلان دستورى مستبد باطل. وتعيين شخص بعينه، يعتبر محاولة لتسيس منصب النائب العام وهو الأهم والأخطر، والمفروض أن يكون محايداً وغير مسيس فى قراراته. القضاء والإعلام والصحافة والمجالس المحلية والأجهزة الأمنية وغيرها، هى مطمع للإخوان للاستحواذ والسيطرة على مفاصل الدولة دون مراعاة لمبدأ تكافؤ الفرص بين الإخوان وغيرهم من الشرفاء والوطنين. أما المعارضة المصرية وخاصة جبهة الإنقاذ، والتى أثارت ضجيجاً وبلبلةً فى الشارع المصرى فى الفترة الأخيرة، فمنذ بداية تشكيلها وهى محل جدال وخلاف على أهدافها وعلى الأعضاء المنتمين لها. فبداية الأزمة كانت من خلال موقفها من الدستور المصرى، حيث خرج علينا أعضاء جبهة الإنقاذ فى حملة تشهير وتضليل للرأى العام على الدستور المصرى وخاصة الدكتور البرادعى، الذى قال إن الدستور باطل وسيسقط حتى ولو صوت عليه الشعب المصرى! ولم يكتفِ بذلك، بل خرج وتكلم عن بنود غير موجودة فى الدستور، فى موقف عجيب وغير مبرر. وهو سقطة كبيرة فى تاريخ البرادعى الذى يعتبر رمزاً من رموز الثورة، وصاحب فكر ورؤية ومواقف مشرفة من قبل الثورة، حتى أن انضامه لجبهة الإنقاذ- أرى شخصياً- أنه خسر به الكثير، وذلك بسبب مواقف الجبهة، فكيف لهم أن يرفضوا الحوار أكثر من مرة؟ ويضعوا شروطاً مسبقةً غير منطقية وكأنهم يتحدثون وحدهم باسم الشعب، رغم أنهم بعيدون كل البعد عن معاناة الشعب ومشاكله اليومية. فمبدأ توازن القوى على الأرض المصرية غير موجود بالفعل، إذ لا يوجد بين المواطنون سوى لدى الإخوان والسلفيين فى كل قرية وشارع، إذ تراهم متواجدون بين الناس يقدمون لهم الخدمات والحلول بصورة مستمرة. أما المعارضة، فهى معدومة بين المواطنين. فجبهة الإنقاذ بعد أن قامت بحملة تشهير على الدستور، ترفض المناظرة مع أعضاء التأسيسية. إذ تم دعوة أعضاء من الجبهة أكثر من مرة، لطرح وجهات نظرهم وأسباب اعتراضهم، وما هو البديل، ولكنهم رفضوا الحوار مع أعضاء التأسيسية لأنهم فى نظر الجبهة غير معبرين عن الشعب، والحقيقة أن حجتهم واهية ولا مبرراً كافياً لدى الجبهة لرفض مواد الدستور بلا حوار. وبعد موافقة الشعب المصرى على الدستور، خاضت جبهة الإنقاذ ولا تزال هناك حرب شرسة على الرئيس، تحاول بكل الطرق إسقاطه، وتحاول تأجيل الانتخابات البرلمانية لأنهم يدركون أنهم لا يتمتعون بقبول وتواجد شعبيين بين المواطنين. وللأسف الشديد أن المعارضة تحالفت فى هذا الشأن مع الشيطان، فوضعت يدها بيد فلول الحزب الوطنى وقياداته من أجل زعزعة الاستقرار وإسقاط الرئيس. فنجد فى كل مليونية وتظاهرة إضراباً واعتصاماً وقطعاً لطرق وخطوط سكك حديدية ومترو، ومحاولة اقتحام أقسام ومؤسسات الدولة. ولعل الأغرب هو محاولة اقتحام قصر الاتحادية من خلال مجموعة من البلطجية لا يمكن وصفهم بثوار نهائياً، حيث إنهم يقومون بإلقاء مولوتوف وصواريخ على رجال الأمن. وفى النهاية تخرج جبهة الإنقاذ وتدعى أنها ضد العنف، بل وتدافع عن البلطجية وتصفهم بالثوار، وأن لهم حقاً فى التعبير عن مطالب مشروعة. هل حقاً هذه معارضة تطالب بحقوق مشروعة؟ وتدعو إلى الحرية والديمقراطية؟ وتحقيق مطالب الثورة؟ فى أى عرف ودين وأخلاق يسمح لك أن تتستر على بلطجية يحاولون إسقاط وتدمير وحرق مقرات الدولة؟ بالإضافة إلى مناشدة البعض بتدخل الجيش لإنقاذهم من حكم الإخوان. فمخطئ من يظن أن الجيش لو عاد مرة أخرى كبديل للإخوان سيترك الحكم مرة أخرى بسهولة. فما فعله مرسى من إقصاء حكم العسكر يعد بالفعل عملاً تاريخياً لم نكن نتوقعه، بل وكنا نحلم به. فعلى المعارضة أن تعارض بشرف ونبل وأن تراعىَ وتحترمَ إرادةَ الشعب المصرى، الذى اختار مرسى. وإن أرادوا إسقاطه فعليهم أن يسقطوه فقط من خلال صندوق الانتخابات. هكذا هى الديمقراطية التى ينادون بها ليل نهار، لا من خلال المولوتوف والهمجية والتخريب والتستر على بلطجية الحزب الوطنى. وعلى الإخوان والمعارضة أن يجلسوا سوياً وأن يقدموا تنازلات متبادلة من أجل الوطن واستقراره. الطرفان إذاً مخطئآن ومصر تدفع الثمن والثورة تعود للخلف. على الإخوان أن يتنازلوا عن طموحاتهم فى السيطرة على الدولة من خلال تعيين من لهم الولاء للجماعة ويتم تشكيل حكومة إئتلاف وطنى تضم كل الأحزاب، وأن يترأسها شخصية عامة لديها قبول فى الشارع. وعلى الحكومة أن تسعى لتحقيق أهداف الثورة من القصاص العادل للشهداء، وإعادة محاكمة النظام بدلاً من مهرجان البراءة للجميع، هذا المهرجان الذى نراه يستفز جهد الثوار وغضبهم، وعلى مكتب الإرشاد التوقف تماماً عن التدخل فى قرارات الرئاسة، وأن يكون الرئيس لكل المصريين لا لفصيل بعينه. وعلى المعارضة أن تنزل للشارع وتعيش مشاكله، وتسعى لحلها، حتى يكون هناك توازن للقوة لهم مع الإخوان، وحتى تتمخض الانتخابات البرلمانية عن توازن فى المقاعد، بدلاً من سيطرة فصيل بعينه. على الإخوان والمعارضة أن ينسوا الماضى ويعملوا معاً جاهدين من أجل استقرار الوطن والنهوض به، وأن يعملا معاً على تداول سلمى للسلطة يضمن حقوق المواطنين.