يتصور البعض أن المعارضة فى مصر بعد الثورة هى جبهة الإنقاذ فقط، نعم جبهة الإنقاذ صوتها عال وموجودة بقوة فى مسار المعارضة، وبها شخصيات وأحزاب لديها تأييد فى الشارع المصرى. لكن من المؤسف أن هناك تضخيما لجبهة الإنقاذ فى الإعلام ومحاولة تصويرها بأنها تمثل كل المعارضة بل هى المعارضة نفسها، ومن المؤسف أيضا أن أعضاء جبهة الإنقاذ يرون أنهم كذلك وهذا خلط للأمور. فالمعارضة فى مصر للنظام لا تقتصر على الجبهة فقط، فهناك من التيارات الإسلامية نفسها، تقف موقف المعارضة للنظام مثل حزب النور، وهذا تجلى فى مبادرته الأخيرة والوقوف مع 15 حزبا وجبهة الإنقاذ وطرح مبادرتهم على النظام، ألم تكن هذه معارضة؟ وأن هذه التيارات الإسلامية تواجه وبقوة أخونة مصر، لأن بعض من أفكارهم ومبادئهم تختلف فى بعض الأمور للأفكار الإخوانية. وهناك أيضا أحزاب ذات توجه ليبرالى تعارض وعلى رأسها حزب غد الثورة، وتشارك فى الحوار معارضة للنظام، آملة فى كسب العديد من النقاط بمعركة الحوار، وهذا اتضح عندما أثمر الحوار الوطنى بإلغاء أواستبدال الإعلان الدستورى، وكذلك تشكيل لجنة لتعديل بعض البنود فى الدستور، ويكون الرئيس ملزم بذلك، وكذلك إعادة قانون الانتخابات الجديد ومحاولة تنقيته من بنود الخلاف، وكذلك تحقيق التوازن فى تشكيل مجلس الشورى من خلال التعيينات بعد إقرار الدستور، ألم تكن هذه إنجازات وثمار للحوار بين هؤلاء المعارضة والنظام، وبدون حضور الجبهة؟ ولدينا مؤسسات هامة فى الدولة تقف بالمرصاد للنظام وتعارضه إذا لزم الأمر، مثل مؤسسة الأزهر، ألم يعد الأزهر الآن ضمن صفوف المعارضة للوقوف ومعارضة التوغل للأفكار والتوجهات الإخوانية، لكن طريق المعارضة الرشيدة البناءة لا الهدامة، وهذا تجلى بوثيقة نبذ العنف، وتوصيات مجلس الدفاع الوطنى الأخير، وكذلك المؤسسة القضائية التى خاضت وتخوض وستخوض المعارك من أجل سيادة القانون. ولذا فليس معنى أننى أقبل الحوار مع النظام فأنا أؤيده، فالحروب دائما تخاض من أجل الوصول للحوار، أو أننى أساند النظام عندما يكون مصيب فأنا أؤيده، وبالتالى فالمعارضة البناءة هى التى تقف جانب النظام إذا أصاب وعند شعورها بخطر فعليها أن تنتفض متخذة كل أساليب السلام والحوار من أجل إزالة هذا الخطر، وهذا ما فعلته مؤسسة الأزهر فى اللجنة التأسيسية للدستور، وكذلك السلطة القضائية عند الإعلان الدستورى المحصن، وقضية تعيين النائب العام. أما ما تفعله جبهة الإنقاذ من رفضها للحوار بشكل مطلق وفرضها شروطا مسبقة قبل الحوار، إذن فلماذا الجلوس للحوار فيكون فى هذه الحالة جلوس مزاج لا جلوس من أجل التفاوض والحوار وإزالة الخلافات، وما تفعله جبهة الإنقاذ بالحكم بالفشل على نظام منتخب من قبل الشعب وكان شريكا فى الثورة، وما تطالب به من إسقاطه، قبل أن تجلس معه على مائدة الحوار لهو عداء وكره للنظام من أجل الإزاحة لا من أجل التقويم والتصويب، وتوحم على السلطة بشكل أنانى مستبد ليس له دافع إلا المصلحة الخاصة، ولا يهمها فى تحقيق هذا أن يكون على حساب الدم المصر أو حرق مصر وانتكاسها. ولذا وجب القول أن جبهة الإنقاذ ما هى إلا جزء من أجزاء المعارضة المصرية وليست كل المعارضة المصرية، وأن هذا الجزء يتخلى عن أهداف المعارضة ومبادئها ووسائلها السلمية، ويتخذ من طريق الرفض المطلق منهجا، ومن العنف وسيلة، ومن ديكتاتورية الحوار سبيلا، ومن الحقد والعداوة مبررا لأفعاله وتصرفاته، ومن خيال السلطة حلما يحلم به ليلا نهار، ومن الإسقاط للإسقاط.