تحويل العالم الكبير إلى ما يشبه القرية لتقارب الاتصالات بين الأجزاء المختلفة من العالم، مع ازدياد سهولة انتقال الأفراد والتفاهم المتبادل بين "سكان الأرض"، هذه هى العولمة. تهدف الدول الكبرى إلى السيطرة على العالم كله من خلال هذا المفهوم اقتصاديا وسياسيا وثقافيا، مشكلتنا الكبرى هى موقعنا من الإعراب فى زمن العولمة. هل نحن فاعل أم مفعول به؟ كلنا نعرف الإجابة ولكننا نخشى أن نبوح بها بصوت عالى حتى لا نُصدم!! لن أغوص بك عزيزى القارئ داخل ُظلمات واقعنا الأليم ولكنى سأحاول معك أن أطرح حلولا لهذه المشكلة. كى نصبح من الدول المستفيدة من العولمة، يجب علينا أن نتميز اقتصاديا وسياسيا وثقافيا، هذا هو ترتيبهم حسب الأهمية من وجهة نظر الكثيرين، ولكن دعونى أختلف مع وجهة النظر هذه وأبدأ بالناحية الثقافية. "ثقافة ايه بس مش لما نلاقى ناكل ونشرب الأول" أسمعك عزيزى القارئ حين تهمس بتلك الكلمات حين ترانى أحدثك عن الثقافة، ولكن دعنى أقول لك إن الثقافة هى ماهية رؤية العالم لك، والتى على أساسها يقررون إن كنت تستحق أن تُصبح فى مكانة أفضل أم لا، وعلى أساسها يقرروا وإن كنت تستحق الفوز باحترام العالم لك أم لا. تجد الأفلام الأمريكية وهى تجسد المواطن الأمريكى فى صورة البطل الذى ينقذ العالم دائما من الشرير والديكتاتور والإرهابى حتى من الكائنات الفضائية ومصاصى الدماء!، صورة تصدرها أمريكا للعالم كله جعلت منها رمزا للحرية والعدل والإنسانية، نجحوا ومن خلال الثقافة المرئية "السينما" أن يصدروا أفكارهم وتوجهاتهم لشعوب العالم كله، اذهب واسأل أى طفل، من هو بطلك المفضل؟ سيُحدثك عن "باتمان" أو "سوبرمان" أو سبايدرمان"، أبطال لا يجمعهم سوى شىء واحد، كلهم "أمريكان مان". هذه هى قوة أمريكا الحقيقية، القوة الناعمة، قوة الثقافة فى تجميل الصورة السيئة والتى تتسبب فيها السياسة. فى الأربعينيات والخمسينيات والستينيات أيضا، كانت مصر هوليوود الشرق بحق، لا أطلب منك سوى أن تقرأ أسماء من شاركوا فى صنع أى فيلم فى هذه الحقبة، ستجد عددا لا بأس به من الأجانب ومن مختلف الجنسيات يأتون إليك لكى يتعلموا، رأوا أفلامك وانبهروا بثقافتك المعاصرة، وقرروا أن يعملوا فى مصر من أحل اكتساب الخبرات. مصر فى تلك الفترة كانت ملاذ المثقفين من كل أنحاء العالم، كانوا ينظرون لنا بالكثير من الإعجاب والانبهار، والآن ونحن فى العقد الثانى من الألفية الجديدة، دعونى أسألكم أين نحن من خريطة العالم؟ ما هو منتجك الثقافى الذى تسعى إلى تصديره إلى العالم لتجميل صورتك؟ للأسف أصبحنا أكثر سطحية، بل واتجه أصحاب رؤوس الأموال إلى ترسيخ تلك السطحية، "ريح الزبون" مبدأ أصبح موجودا فى كل شىء، أفلام العشوائيات وقصص أرباب السوابق والبلطجية تُحقق أعلى الإيرادات، العشوائية أصبحت كالمرض الذى ينخر فى جسد المجتمع حتى وصل إلى عقولنا، اذهب وشاهد نوعية جمهور تلك الأفلام، ستجدهم من الشباب الفاقد للأمل، والذى لا يؤمن إلا بقانون القوة، سعيد وهو يرى ما يؤمن به يتجسد على شاشات السينما، "أنا صح" هكذا يردد الشاب وهو يرى أفكاره المريضة وهى تنتشر، "الناس كلها بقت كده هو انا اللى حاعدل المايلة يعنى"، هكذا يردد عندما تطلب منه أن يُعدل من أفكاره الخاطئة. أُعارض فكرة أننا نرصد قصص حياة البلطجية ونهايتهم المأساوية لكى يكونوا عبرة وعظة لشباب اليوم، من يدخل ليشاهد هذه النوعية من الأفلام لا يرى فيها سوى ما يريده، مهرجان أو أغنية أو رقصة أو مشهد بلطجة "أكشن"، لا ينظر إلى الحكمة والموعظة، والتى تظهر من وراء هذا الفيلم العظيم! هذه هى الصورة التى نُصدرها إلى العالم عنا فى زمن العولمة، نُصدر لهم صورة المصرى الذى يحيا على الفهلوة والبلطجة، نُصدر لهم صورة عن شباب الثورة وهم يتهافتون على مثل تلك الأفلام والتى تُغيب العقل، نُصدر لهم صورة جمهور السينما المصرى وهو يدخل قاعات العرض حاملا للأسلحة البيضاء، نُصدر لهم سعادتنا الشديدة بجهلنا!