تعلمت منذ نعومة أظافرى فى (كُتاب)، وهو مكان صغير فى الأرياف لتحفيظ القرآن وتعليم الأخلاق والأدب واحترام الكبير والعطف على الصغير، وهناك تعلمت الاحترام والدين وعرفت أن الحقوق لكى تسترد علينا أن نحترم بعضنا البعض، ونلجأ إلى الله سبحانه وتعالى ثم إلى كبيرنا، وهو شيخ (الكُتاب)، ولكن من كان زميلى فى (الكُتاب)؟ ومن هو صديقى؟، فكان زميلى حافظا للقرآن وصديقى حافظا للحديث، لم يكن أحدنا يستطيع أن يهمس ببنت كلمة فى حضور شيخنا، وخاصة عند تلاوة القرآن الكريم، وعندما كان يخطأ أحدنا كنا نُضرب على أقدامنا (بالفلُكة)، وهى عبارة عن قطعة من الخشب بها حبل طويل يلتف حول القدمين ويمسك بالخشبة اثنين من التلاميذ ليقوم شيخ (الكُتاب) بضربه على قدمه لأنه لم يحفظ القرآن، ولم يكن يضربه على وجهه بالقلم أو يقوم بكسر يده التى يكتب بها أو يهينه بألفاظ جارحة للكرامة أو يسب أباه أو أمه أمام الجميع، كما يحدث الآن من بعض المدرسين، ولكن كان يُعلمه أن يكون رجلا يتحمل المسئولية. فشيخ الكُتاب هو شخص عالم وجليل وملم بالكثير من العلوم (رياضة وحساب وعلوم ودين)، فهو قدوة بمعنى الكلمة لأطفال صغار تبدأ أعمارهم من سن ثلاث سنوات إلى فوق، تعلمنا الكتابة بخط جميل، وكنا نتفنن فى إتقانها، فتعلمنا الكتابة بالنسخ والرقعة على لوح خشبى ونحن أطفال، وكنا إذا رأينا شيخنا ذهبنا متسابقين لتقبيل يده، تعبيرا عن حبنا واحترامنا له، لا أتذكر أن قمنا بسب بعض بألفاظ خادشة، فكان الحياء والأدب سبيلنا وطريق حياتنا، لم نر من بعض إلا ما يحب الله ورسوله. تعلمنا أن مساعدة المحتاج أمر يحبه الله، وأن زيارة المريض واجب له ثواب كبير، وأن من يقبل يدى والده ووالدته ويكن لهم الاحترام يحبه الله ورسوله، وأن احترام الكبير وعدم إهانة كبار السن، من أخلاق المسلم المؤمن بالله، وأخذ الشيخ المعتدل يعلمنا ديننا ويحببنا فى عمل الخير، وعندما نسمع عن مشكلة لأحد ما نتكاتف جميعا للمساعدة، وعند حدوث حريق نجد الجميع يتكاتف لإطفائه، فكان كل شخص فى عون أخيه، هكذا علمنا شيخنا فى (الكُتاب)، واللهِ إنها حياة اشتقت لذكراها، ما رأيت أفضل منها تعليما وتهذيبا وأخلاقا حميدة، هذه الحياة (الكُتابية) أخرجت لنا كتابا وعباقرة وعلماء نعيش اليوم على ذكراهم ونتعلم من علمهم ولكننا للأسف أخذنا علمهم ولم نعمل به. الآن هناك الحضانة التى تعلم علما فقط بلا ثواب وبلا عقاب هدفه مكسب مادى، فهو مشروع تجارى يهدف للربح، كيف نعلم أولادنا العلوم ولا نعلمهم الأخلاق، فالشيخ الآن فى الحضانة أصبح، (مِس) فالحضانة لا يوجد بها شيخ جليل ذو علم رشيد، فالمُدرِسة (مِس) ممكن تكون حاصلة على دبلوم أو أقل، أو مدرس ذو علم ضعيف، فماذا نتوقع من جيل تربى على أن الكذب هو أفضل وسيلة للنجاة، وأن "الحلف" بالله كذب ينجى صاحبه من العقاب، وأن المدرس إنسان عادى، نشتريه بأموالنا، وأن معاكسة الشخص للفتيات أمام أصحابه مدعاة للتفاخر والتباهى، وأن التكلم عن أعراضهن تعنى الرجولة. وأيضا فإن مشاهدة أفلام الكرتون للأطفال أصابت الأطفال بالبلاهة والعنف، وأصابت الكبار بالاضمحلال الفكرى (التفاهة)، فبالرغم من أن بعض هذه الأفلام الكرتونية مسلية للأطفال لكنها تكون دون توجيه تاركين القنوات تذيع للأطفال دون تدخل منا فيما يشاهدونه، لقد تركنا أطفالنا فى يد ضعاف العقل والدين والأخلاق، والآن نجنى ثمار تعليم فاشل قائم على القوة والسلاح والأغانى الهابطة، أين دور الحضانة فى تربية وتوجيه النشء؟ فالحاصلون على الماجستير والدكتوراه يفترشون الأرض يطلبون فرصة عمل، فمن أنسب لتعليم أطفالنا فى مهدهم من هؤلاء؟!!، أعطوهم فرصة ليعطونا أملا لغد مشرق براق. أعيدوا لنا شيخ الكُتاب العاِلم المعتدل ليصحح ما أفسده التعليم الحالى الفاسد بمعنى الكلمة. أطفال الحضانة كالنبت الأخضر يحتاج إلى مزارع ذى علم واسع لينبتهم نباتا حسنا، الدين رحمة وشباب بلا دين لا يعرف قلبه الرحمة.