وتظل نقطة الزيت هى الأهم

لا أحد يستطيع إنكار أنها المعادلة الأصعب التى تواجه دائما أى إنسان هل جربت يوما أن تكون صادقا تكشف للناس عيوبهم ومحبوبا؟
هل جربت يوما أن تكون طيبا وذكيا؟
صدقنى ستكون المعادلة صعبة فى مجتمع تغيرت معاييره وتبدلت مفاهيمه فصار المكر ذكاء، والطيبة سذاجة.. فجرب أن تقابل أحدهم بالضحكات والأحضان ثم تتهامس من وراء ظهره بكل ما لا يرغب أو يكره وأعدك أنك سوف تصبح بالنسبة للجميع الصديق الرائع المدهش صاحب الحكايات والقفشات المسلية عن الآخرين.
جرب أن تقتحم حياة الآخرين وتسرق من خصوصياتهم ما تريد وتنهل من انهار نجاحاتهم وإنجازاتهم، ولكن عندما يحاول أن يقترب أحد من جزيرتك الخاصة فيجب عليك الثورة على المعتدى والتصدى إلى ذلك العدوان الخارجى على أراضيك عندها سوف تصير الإنسان الرائع المكار المفكر الذى يعرف كيف ينقب فى حياة الآخرين ويخرج من بواطنها ما يريد ولكنه يرفض فى نفس الوقت التهاون فى حقوقه.
يروى لنا الكاتب البرازيلى الشهير "باولو كويلهو" فى إحدى روايات عن شاب يطمح إلى الحكمة والمعرفة فذهب إلى حكيم يسكن بمفرده داخل قصر فأعطاه الحكيم معلقة بها نقطة زيت وطلب منه أن يتجول داخل القصر دون أن تسقط منه نقطة الزيت، وبالفعل جال الشاب بين أركان القصر وعاد إلى الحكيم دون أن يسقط نقطة الزيت فسأله الحكيم عن رأيه فيما رأه، فأخبره الشاب أنه لم ير أى شىء وكان كل هدفه الحفاظ على نقطة الزيت فطلب منه الحكيم معاودة التجول ثانية داخل القصر على أن يعود ليصف له كل ما شاهده داخل القصر فتجول الشاب ثانية، وعاد إلى الحكيم مبهورا بما شاهد وظل يصف له ما شاهده بطرقات وعلى الجدران، فنظر الحكيم إلى الملعقة باسى وقال له: "إنك لم تحتفظ بنقطة الزيت.. ؟!
لنتمتع بالحياة كما نريد نشاهد ونجرب وننبهر، لكن هناك دائما أمانة نحملها يجب الحفاظ عليها فلا نسمح لمتاع الدنيا أن يسرق نقطة الزيت التى بداخلنا ولا نترك للحياة بقعة زيت غير مرغوبة فى أحد جوانبها، يقول الله - سبحانه و تعالى - فى سورة الحديد "اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِى الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِى الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ (20).