الزُّهد والتقوي مفهومان إسلاميان لهما مصداقيتهما النفسية والسلوكية، وآثارهما الاجتماعية والعملية في حياة الإنسان المسلم. ولهما دورهما في تكوين الشخصية الإسلامية الناضجة، وتمييزها عن غيرها من الشخصيات القلقة المضطربة. فالزُّهد والتقوي هما غير التصوّف والرّهبنة، وبينهما فوارق في الفكر والممارسة، وفي المردود النفسي والاجتماعي، والّذي يستقرئ السنّة النبويّة، والقرآن الحكيم .. الينبوع الصافي الّذي يرفد الفكر الإسلامي بالمفاهيم والوعي والتصوّر بكل ما يتصل بالحياة، ويرتبط بنشاط الإنسان .. من سلوك وعلاقات ومواقف اجتماعية .. فالّذي يستقرئهما يجد : أنّ الإسلام يرفض الرهبانية .. ويستنكر تجميد الحياة وقتل طاقة الإنسان الخلاّقة في سجن هذا الموقف المتزمِّت. والقرآن حين يرفض هذا السلوك، ويرفض تأطير الحياة بهذه النظرة؛ الرافضة لنمو الإنسانية، وامتداد جذوة النشاط.. فإنّه يوجِّه أنظارنا إلي النموذج القدوة في السلوك والوعي والاتّجاه؛ وهو الرسول الهادي محمّد (صلي الله عليه وآله وسلم) ويدعونا إلي الاقتداء به، والالتزام بمنهجه، والسير علي هدي سنّته: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً). (الأحزاب: 21). وعندما نخطو باتّجاه هذا التوجيه القرآني خطواتنا العملية، ونشخص بأبصارنا نحو مسيرة القائد الهادي محمّد (صلي الله عليه وآله وسلم)، ونتفحّص هذه السيرة والطريقة الفذّة الرائدة في الحياة، سنجد الإنسان القدوة الّذي تشكِّل حياته الصيغة الأمينة للاتّجاه العبادي في الحياة، والمنهاج المتوازن الّذي يستوعب جميع نشاطات الإنسان، ومظاهر سلوكه الفردي والاجتماعي. تعريف الزهد في الدنيا تعددت عبارات السلف في تعريف الزهد في الدنيا وكلها تدور علي عدم الرغبة فيها وخلو القلب من التعلق بها0 قال الإمام أحمد : الزهد في الدنيا : قصر الأمل. وقال عبد الواحد بن زيد : الزهد في الدينار والدرهم، وسئل الجنيد عن الزهد فقال : استصغار الدنيا ، ومحو آثارها من القلب. وقال أبو سليمان الداراني : الزهد : ترك ما يشغل عن الله. وقال ابن تيمية: الزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة ، والورع ترك ما تخاف ضرره في الآخرة. وقال ابن القيم : والذي أجمع عليه العارفون: أن الزهد سفر القلب من وطن الدنيا، وأخذ في منازل الآخرة. فأين المسافرون بقلوبهم إلي الله؟ أين المشمرون إلي المنازل الرفيعة والدرجات العالية؟ أين عشاق الجنان وطلاب الآخرة؟ الزهد في القرآن: قال الإمام ابن القيم : ( والقرآن مملوء من التزهيد في الدنيا ، والإخبار بخستها، قلتها، وانقطاعها وسرعة فنائها ، والترغيب في الآخرة والإخبار بشرفها ودوامها، ومن الآيات التي حثت علي التزهيد في الدنيا : 1 قوله تعالي : (اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) «الحديد:20» 0 2 وقوله سبحانه : (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب) «آل عمران : 14» 0 3 وقوله تعالي: (من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب) «الشوري : 20 » 0 4 وقوله تعالي : (قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقي ولا تظلمون فتيلا) «النساء : 77 0» 5 وقوله تعالي: (بل تؤثرون الحياة الدنيا(16)والآخرة خير وأبقي) «الأعلي :16-17» (للحديث بقية)