وزير الصحة: هيئة الإسعاف شهدت نقلة نوعية غير مسبوقة منذ 2014    الهلال الأحمر يخلي 3 مرضى من مستشفى العودة المحاصر رغم الاحتجاز.. وإطلاق النار قرب سيارات الإسعاف    نهائي كأس ألمانيا 2025.. أرمينيا بيليفيلد يصطدم بشتوتجارت في مواجهة الحلم والتاريخ    مدير تعليم القاهرة يتابع سير امتحانات النقل بإدارة بدر    نائب رئيس الوزراء: مركز الاتصالات الجديد للإسعاف هو الأكبر في الشرق الأوسط    العُمر مجرد رقم.. آمال ابنة المنيا تحوّل القصاصيص إلى كنوز في المتحف الكبير    ممكن تترشح في أي دائرة.. وزير الشؤون النيابية يكشف تفاصيل جديدة بشأن نظام الانتخابات    مستعمرون يحرقون 40 دونمًا مزروعة بالقمح فى سبسطية قرب نابلس    رئيس وزراء أوكرانيا يدعو إلى زيادة الدعم الدولي لبلاده وتشديد العقوبات على روسيا    سيميوني: أهدرنا فرصة الفوز باللقب فى أسهل موسم    مركز الساحل والصحراء يعقد مؤتمرًا عن "الإرهاب فى غرب أفريقيا".. صور    البابا تواضروس يصلي القداس الإلهي ب كنيسة «العذراء» بأرض الجولف    هيثم فاروق: أثق في يورتشيتش وبيراميدز لن يعود للدفاع في الإياب أمام صن داونز    مغامرة كأس العالم للأندية    إصابة نجم يد الزمالك بقطع في الرباط الصليبي للركبة    تباين أداء قطاعات البورصة المصرية.. قفزات في المالية والاتصالات مقابل تراجع المقاولات والموارد الأساسية    فى حضرة قباء بالمدينة المنورة.. المصريون بين عبق التاريخ ورعاية لا تغيب "فيديو"    بدء امتحانات الفصل الدراسي الثاني ب8 مدارس فنية للتمريض بالإسكندرية    تأجيل محاكمة أكبر مافيا لتزوير الشهادات الجامعية    ضباط الشرطة الفرنسية يقدمون عرضًا على السجادة الحمراء ضمن ختام «كان السينمائي»    مسلم يرد من جديد على منتقديه: كفاية بقى    لقاء سويدان: الجمهور ملهوش التدخل في حياة السقا ومها الصغير    فرقة الغنايم تقدم «طواحين الهوا» على مسرح قصر الثقافة    محمد رمضان يروج ل فيلم "أسد" بصورة جديدة من الكواليس    موعد افتتاح المتحف المصري الكبير 2025.. هل يوافق إجازة رسمية؟    عضو شعبة المواد الغذائية: «كلنا واحد» تعيد التوازن للأسواق وتدعم المستهلك    رئيس الوزراء يشارك غدا بمنتدى الأعمال المصرى - الأمريكى    تأجيل محاكمة متهمي اللجان النوعية    "ملكة جمال الكون" ديو يجمع تامر حسني والشامي    ملك المونولوج.. ذكرى رحيل إسماعيل ياسين في كاريكاتير اليوم السابع    وزير البترول يتفقد المجمع الحكومي للخدمات الذكية خلال جولته بالوادى الجديد    المانجو "الأسواني" تظهر في الأسواق.. فما موعد محصول الزبدية والعويسي؟    وزير الداخلية اللبناني: الدولة لن تستكين إلا بتحرير كل جزء من أراضيها    بيرو تفتح تحقيقاً جنائياً بحق جندي إسرائيلي بعد شكوى مؤسسة هند رجب    المرصد الأورومتوسطي: إسرائيل تصعد سياسة التهجير والتجويع تمهيدًا لطرد جماعي للفلسطينيين    تسجل 44.. الأرصاد تحذر من حالة الطقس في مصر: موجة شديدة الحرارة تضرب البلاد ل48 ساعة    سقوط عدد من "لصوص القاهرة" بسرقات متنوعة في قبضة الأمن | صور    النزول من الطائرة بالونش!    وزيرة التنمية المحلية تعلن انتهاء الخطة التدريبية لسقارة للعام المالي الحالي    محافظ قنا يكرم باحثة لحصولها على الدكتوراه في العلوم السياسية    سيد عطا: جاهزية جامعة حلوان الأهلية لسير الاختبارات.. صور    كونتي ضد كابيلو.. محكمة تحدد المدرب الأفضل في تاريخ الدوري الإيطالي    بمشاركة منتخب مصر.. فيفا يعلن ملاعب كأس العرب    ذا أثليتك: أموريم أبلغ جارناتشو بالبحث عن نادٍ جديد في الصيف    جرافينبيرش يتوج بجائزة أفضل لاعب شاب في الدوري الإنجليزي    النائب مصطفى سالمان: تعديلات قانون انتخابات الشيوخ خطوة لضمان عدالة التمثيل    رئيس الوزراء يفتتح المقر الرئيسي الجديد لهيئة الإسعاف    نائب وزير الصحة يبحث مع وفد منظمة الصحة العالمية واليونيسف تعزيز الحوكمة ووضع خارطة طريق مستقبلية    مباشر.. أسرة سلطان القراء الشيخ سيد سعيد تستعد لاستقبال جثمانه بالدقهلية    جامعة كفر الشيخ تسابق الزمن لإنهاء استكمال المنظومة الطبية والارتقاء بالمستشفيات الجديدة    براتب 20 ألف جنيه.. تعرف على فرص عمل للشباب في الأردن    رئيس جامعة الأزهر: القرآن الكريم مجالًا رحبًا للباحثين في التفسير    خلي بالك.. رادارات السرعة تلتقط 26 ألف مخالفة في يوم واحد    فتاوى الحج.. ما حكم استعمال المحرم للكريمات أثناء الإحرام؟    حكم طلاق الحائض عند المأذون؟.. أمين الفتوى يُجيب    الداخلية تضبط المسئول عن شركة لإلحاق العمالة بالخارج لقيامه بالنصب    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 24-5-2025 في محافظة قنا    هل يجوز الحج عن الوالد المتوفي.. دار الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المعلم البرازيلي كويلهو وصنعته الصوفية الإسلامية
نشر في محيط يوم 04 - 12 - 2008


شمس السرد المسحور تأتي من الشرق وحده
عبد الكريم السعيدي
يعد باولو كويلهو أو كويلو ثاني كاتب برازيلي بعد جورج امادوا يشتهر شهرة عالمية كشهرة اللاعب البرازيلي الأسمر بيليه ، ولا ادري بالضبط في أي وقت شاهدت الكاتب البرازيلي باولو كويلهو من علي إحدي شاشات القنوات الفضائية العربية وهو يتكلم عن الثقافة العربية والإسلامية مبديا إعجابه الشديد بها ، كما تكلم عن اهتماماته بكرة القدم ، وكيف انه كان احد أعضاء الوفد البرازيلي الذي التقي برئيس الاتحاد الدولي للعبة حينما احتفلت بلاده بشرف تنظيم كأس العالم للعام 2018 فشدني هذا المبدع للكتابة عنه ولكني لم أوفق إلا أخيرا نظرا للمشاغل الكثيرة التي يحملها الإنسان .
استطاع الكاتب الاسباني جان ابرياس صاحب كتاب باولو كويلهو وهو صحفي اسباني عاش مع الروائي البرازيلي في بيته ليستنطقه عن سيرة حياته أن يكشف لنا بعض الخبايا في حياة المؤلف ومنها أن والده أودعه في مصح عقلي في طفولته لأنه أراد العمل في المسرح وهو في سن السابعة وترك الدراسة في تخصص مرموق تكرر هروبه من المصح وكل مرة يرجع إليه مكرها وأخيرا هربا لينضم إلي الهيبيين الملحدين ، ثم اعتنق الماركسية ثم مارس السحر الأسود وقد كانت تلك أكثر تجاربه إيلاما وعدائية ثم هرب إلي أمريكا ليغرق في المخدرات ، استمرر هكذا عدة سنين ثم عدل عن المخدرات لينغمس في تجارب روحية متعددة وكان مولعا بالسفر ، فقرر الحج إلي سنتياغو كممارسة دينية يؤديها الكاثولكيين ثم رجع إلي الإيمان بالمسيحية رافضا تعاليمها ولكنه مقتنعا بفكرة الإله الواحد والسلام الداخلي والارتقاء الروحي ثم سرد علي الصحفي نظرته الفلسفية للأمور وعن المرأة في حياته وطقوسه في الكتابة ، وفي تفصيل ذلك نقول : باولو كويلو أو كويلهو كما يحلو للنقاد العرب كتابة اسمه روائي و قاص برازيلي ولد في ريو دي جانيرو عام 1947 ، و قبل أن يشتهر روائيا ، كان قد مارس الإخراج المسرحي ، و التمثيل ، و الصحافة كما عمل ك مؤلف غنائي ، و صحفي. و قد كتب كلمات الأغاني للعديد من المغننين البرازيليين أمثال إليس ريجينا ، ريتا لي راؤول سييكساس ، فيما يزيد عن الستين أغنية. وبسبب ولعه بالعوالم الروحانية والمجتمعات السرية ولعه العوالم الروحانية بدء منذ شبابه ك هيبي ، حينما جال العالم بحثا عن المجتمعات السرية ، و ديانات الشرق أراد أن يجول الكون بحثا عنها ، من خلال روايات تحكي قصص الأساطير ومجتمعاتها السرية ، ولعل ولعه بالعوالم الروحانية بدأ منذ شبابه كهيبي ، حينما جال العالم بحثا عن المجتمعات السرية ، و ديانات الشرق .
أرشيف الجحيم
في بداياته الأدبية نشر العديد من الروايات والكتب التي لم تلق رواجا ففي عام 1982نشر رواية بعنوان " أرشيف الجحيم " ، وهي رواية لم تلاق أي نجاح ، و تبعت مصيرها أعمال أخري ، ثم في عام 1986 قام كويلهو بالحج سيرا للقديس جايمس في كومبوستيلا .وهو مقام روحاني للعديد من القديسين ،ثم انه قام بتوثيق تلك الرحلة بعد عام واحد ،أي عندما بلغ عمره الأربعين عاما في رواية الشهيرة حاج كومبوستيلا ، ومنذ تلك اللحظة بدأت شهرته تسطع ، و في العام التالي لذلك الحدث نشر كويلهو الخيميائي أو الكيميائي ، و قد كاد الناشر أن يتخلي عنها في البداية ، و لكنها سرعان ما أصبحت أهم الروايات البرازيلية و أكثرها مبيعا ، وقد كانت بمثابة القنبلة التي فجرت اسم هذا الكاتب ورفعته إلي مرتبة عالية بين الروائيين العالميين، وما هي إلا فترة بسيطة حتي ترجمت الرواية إلي ثمان وخمسين لغة، ونشرت في مائة وخمسين دولة، وحصلت علي المرتبة الأولي في تسع وعشرين دولة ، ولعل أجمل ما قيل في هذه الرواية أنها مثل جمهورية أفلاطون يستطيع قارئها التعرف من خلالها علي كتاب آخرين ، ذلك لأن الكتاب أو الروائيين اللاتينيين، مثل الكولومبي الحائز علي نوبل غابرييل غارسيا ماركيز، ولويس بانديرو، وآرتورو بيريز ريفيرتي، والأرجنتيني خورخيه لويس بوراخيس، وغيرهم بينهم صلة قرابة فنية والقارئ سيجد متعة في قراءتهم كلهم دفعة واحدة في رواية واحدة لباولو كويلهو.الأمر كما يقول احد الصحفيين أشبه بقراءة كتاب الجمهورية لأفلاطون عوضاً عن إضاعة سنوات في دراسة أي شيء آخر في الفلسفة.
لقد خدم الحظ كويلهو خدمة عظيمة ، فإذا قارناه بغيره من الروائيين والكتاب نجده صار ظاهرة أدبية غريبة وفريدة من نوعها في فترة قصيرة منذ ظهوره الأول علي الساحة الأدبية العالمية مقارنة مع غيره من الكتاب ، وقد لاقت رواياته إقبالا كبيرا جدا ، حتي صار كويلهو واحدا من القلة النادرة من الكتاب الذين حولتهم الكتابة من أناس عاديين وفقراء معدمين إلي أناس مشهورين فاحشي الثراء، فخلال عقد من الزمن تحول باولو كويلهو من متسكع إلي مليونير يتربع علي إمبراطورية مالية لا حدود لها، وهو يسافر كثيراً ليوقع كتبه المترجمة للناس العاديين الذين يقفون في طوابير طويلة للحصول عليها والظفر بلقاء قصير مع المؤلف أو مجرد إلقاء التحية عليه. تأتيه الرسل البريدية والإلكترونية من أبعد نقطة من القارات الخمس في الكرة الأرضية. تستقبله المؤسسات الثقافية في العالم بحفاوة وهي تطلب إليه إلقاء محاضرات لجمهور القراء الذين يتكدسون لسماعه، هو واحد من قلة نادرة من الكتاب ممن تحولوا بالكتابة وحدها، من الفقر إلي الثراء الفاحش ، ولكن بعض نقاد الأدب والوسط الأدبي الجاد بالتحديد لا ينظرون إلي تجربة كويلهو الكتابية بعين الرضا. كثيرون يعتبرونه كاتباً تبسيطياً فجاً تشكو كتابته من الضحالة والنزعة التبشيرية. بل أن بعض الكتاب يتهمه بارتكاب الأخطاء اللغوية التي تكشف عن ضعف قدراته في الكتابة. فالكتابة، والحال هذه، ليست فناً بل مجرد وسيلة للترويج لأفكار ساذجة تدغدغ المشاعر البسيطة لناس عاديين يجدون في الحكايات التي يؤلفها الكاتب سبيلاً للعزاء، ولكن كويلهو يدير ظهره للنقاد. هو يري أن البساطة التي تطغي في مؤلفاته تمثل الطريق القصير إلي الفن. فالبساطة برأيه هي قمة الجمال. وهو لا يريد أن يطارد البلاغة والزخرفة والتعقيد بل أن يكتب كما لو كان الذين سيقرأونه أطفالاً أقبلوا علي الحياة لتوِّهم، وعلي نحو عام فان كويلهو يمثل ظاهرة فذة ، إذ كيف يمكن تفسير الشغف الهائل الذي يستقبل به القراء روايات كويلهو؟ البساطة وحدها لا تكفي تفسيراً. هناك المئات ممن يكتبون روايات بسيطة فلا يلتفت إليهم أحد، والتبشيرية بدورها تعجز عن تفسير ذلك أيضا ، وعلي نحو عام يتميز كويلهو ببساطة السّرد وسلاسته وعفويته وعرض القضايا والأفكار والتغلغل إلي دواخل الإنسان. يتطرّق لما عانته بلادُ الصرب من حروب علي أثر انهيار الحكم الشيوعي وانقسام يوغوسلافيا، وما تركته هذه الحروب من أثر علي الناس العاديين. ويتناول قضايا فكريّة وحتي دينيّة بذكاء وقُدرة مثل قضيّة وقوع آدم وحواء في خطيئة أكل التفاحة وطردهما من الجنة ، وقضية وضع القوانين التي تُكبّل واضعيها ومن كثرتها تؤدي إلي الخروج عليها ومخالفتها. ثم يتغلغل في نفسية الإنسان ويكشف من خلال شخصيات الرواية ما يُمكن أن يُواجهه الإنسان في حياته من مشاكل تنحرف به عن طريقه الموضوعة له. وأنّ في كلّ واحد تختبئ شخصيات أخري مختلفة لا يعرفُ منها الناسُ غيرَ التي يَرونها بأعينهم. وأن حقيقةَ الأنا عند كلّ إنسان تكمنُ في ما يعرفه هو عن نفسه وليس فيما يُريده الناس منه وما يتصورونه عليه، وان حبّ الإنسان للحياة وتعلقه بها هو الأقوي مهما كانت الحياة قاسية بمصائبها ومهما تألّم وشكا ورغب في مفارقتها. وأن الحب هو القوّة العظمي التي لا تُقهر ، فإذا أحبّ الواحد ملك حريّته وملك الدنيا وأحسّ أنّه يقهرُ كلّ ما يمكن أنْ يتعرّضَ له ، وأنّه بالحبّ يقهرُ الزمنَ وحتي الموت، وأخيرا فان كويلهو يؤمن بأهمية الأدب ، ولاسيما القصص والروايات وهو يري فيها أحدي الطرق التقليدية التي اعتمدها الإنسان لنقل معرفة حيله ومن هنا فهو يقول انك إذا أردت أن تعرف روح شعب ما فاقرأ رواياته وقصصه ، أو اقرأ أدبه عموما.
إعجابه بالثقافة العربية والإسلامية
عُرف عن كويلهو إعجابه الكبير بالثقافة الشرقية. ولم يُخف أبدا حبه وتعلقه بثقافة العرب علي الرغم من أنها أصبحت في الوقت الحاضر لدي بعض المتحفظين تجاه الثقافة العربية بمثابة التهمة ، ولغرض الوقوف علي حيثيات الموضوع أود الاستشهاد بما كتبه المؤلف عن ذلك في مقدمته للطبعات العربية لرواية الكيميائي التي نشرتها شركة المطبوعات للتوزيع والنشر في لبنان ، إذ يقول : ((كان أحد كبار متصوّفي الإسلام، وسوف ندعوه هنا حسن، يُحتضَر، عندما سأله تلميذ من تلاميذه: من كان معلّمك ايها المعلّم؟
أجاب: بل قل المئات من المعلمين. وإذا كان لي أن أسمّيهم جميعاً، فسوف يستغرق ذلك شهوراً عديدة، وربما سنوات. وسوف ينتهي بي الأمر إلي نسيان بعضهم.
ولكن، ألم يكن لبعضهم تأثير عليك أكبر من تأثير الآخرين؟
استغرق حسن في التفكير دقيقة كاملة، ثم قال:
كان هناك ثلاثة في الواقع، تعلّمت منهم أموراً علي جانب كبير من الأهمية:
أولهم كان لصاً. فقد حدث يوماً أنني تُهت في الصحراء، ولم أتمكّن من الوصول إلي البيت إلا في ساعة متأخرة جداً من الليل. وكنت قد أودعت جاري مفتاح البيت، ولم أملك الشجاعة لإيقاظه في تلك الساعة. وفي النهاية، صادفت رجلاً طلبت منه المساعدة، ففتح لي قفل الباب في لمح البصر.
أثار الأمر إعجابي الشديد، ورجوته أن يعلّمني كيف فعل ذلك. فأخبرني بأنه يعتاش من سرقة الناس. لكنني كنت شديد الامتنان له، فدعوته إلي المبيت في منزلي.
مكث عندي شهراً واحداً. كان يخرج كل ليلة، وهو يقول: سأذهب إلي العمل. أما أنت، فداوم علي التأمّل، وأكثرْ من الصلاة. وكنت دائماً أسأله عندما يعود، ما إذا كان قد غنم شيئاً. وكان جوابه يتّخذ، علي الدوام، منوالاً واحداً لا يتغير: لم أوفّق في اغتنام شيء هذا المساء. لكنني، إذا شاء الله، سأعاود المحاولة في الغد. كان رجلاً سعيداً. لم أره يوماً يستسلم لليأس جرّاء عودته صفر اليدين. من بعدها، وخلال القسم الأكبر من حياتي، عندما كنت أستغرق في التأمل يوماً بعد يوم، من دون أن يحدث أي شيء، ومن دون أن أحقّق اتّصالي بالله، كنت أستعيد كلمات ذلك اللص: لم أوفّق بشيء هذا المساء، لكنني، إذا شاء الله، سأعاود المحاولة في الغد. كان ذلك يمنحني القوة علي المتابعة.
ومن كان المعلّم الثاني؟
كان كلباً. فقد حدث أن كنت متوجّهاً إلي النهر لأشرب قليلاً من الماء، عندما ظهر هذا الكلب. كان عطشاً أيضاً. لكنه، عندما اقترب من حافة النهر، شاهد كلباً آخر فيه. ولم يكن هذا غير انعكاس لصورته في الماء.
دبّ الفزع في الكلب، فتراجع إلي الوراء وراح ينبح. بذل ما بوسعه ليُبعد الكلب الآخر، ولكن شيئاً من هذا لم يحصل بالطبع. وفي النهاية، قرّر الكلب، وقد غلبه الظمأ الشديد، أن يواجه الوضع، فألقي بنفسه في النهر. وكان أن اختفت الصورة هذه المرة.
توقّف حسن قليلاً، ثم تابع:
أخيراً، كان معلّمي الثالث ولداً. فقد حدث أن رأيته يسير باتجاه الجامع، حاملاً شمعة بيده، فبادرته بالسؤال: هل أضأت هذه الشمعة بنفسك؟ فردّ علي الصبي بالإيجاب. ولما كان يقلقني أن يلعب الأولاد بالنار، تابعت بإلحاح: اسمعْ يا صبيّ: في لحظة من اللحظات كانت هذه الشمعة مطفأة. أتستطيع أن تخبرني من أين جاءت النار التي تشعلها؟
ضحك الصبي، وأطفأ الشمعة، ثم ردّ يسألني: وأنت يا سيدي، أتستطيع أن تخبرني إلي أين ذهبت النار التي كانت مشتعلة هنا؟
أدركت حينها كم كنت غبيًّا. من ذا الذي يُشعل نار الحكمة؟ وإلي أين تذهب؟ أدركت أن الإنسان، علي مثال تلك الشمعة، يحمل في قلبه النار المقدّسة للحظات معينة، ولكنه لا يعرف إطلاقاً أين أُشعلت. وبدأت، منذ ذلك الحين، أسرّ بمشاعري وأفكاري لكلّ ما يحيط بي: للسُحب والأشجار والأنهار والغابات، للرجال والنساء. كان لي، طوال حياتي، الآلاف من المعلمين. وبتّ أثق بأن النار سوف تتوهّج عندما أحتاج إليها. كنت تلميذ الحياة، وما زلت تلميذها. لقد استقيت المعرفة وتعلمت من أشياء أكثر بساطة، من أشياء غير متوقّعة، مثل الحكايات التي يرويها الآباء والأمهات لأولادهم.
تبيّن لنا هذه القصة الجميلة المقتبسة من موروث التصوّف في الإسلام، أن أحد أقدم الطرق التقليدية، التي اعتمدها الإنسان لنقل معرفة جيله، كانت القصص والروايات. وفي ما يتعلق بي، كانت الثقافة العربية إلي جانبي خلال معظم أيام حياتي، تبيّن لي أموراً لم يستطع العالم، الذي أعيش فيه أن يفقه معناها. )) .
وفي مقابلة صحفية نشرتها اغلب المواقع الالكترونية المهتمة يقول ما نصه :
لقد أصبحت مبهورا بالوطن العربي وكانت البداية بمدينة طنجة في المغرب، ثم اطّلعت علي قصص "ألف ليلة وليلة" التي أعدها الأصل في الكتابة الروائية في العالم.. واكتشفت التصوّف الإسلامي.. وقرأت الكثير من النصوص، لن أحسّ بالنقص إذا ما قلت بأني متأثر جدا بثقافة الشرق وآدابه. وإني لا أبالغ إذا قلت بأن الإنسان الذي لا يقدر علي أن يحب الشرق يعني أنه بلا قلب. اكتشافي الأول للحضارة العربية الإسلامية كان من خلال العرب المقيمين في البرازيل، ثم طورت معرفتي من خلال قراءة الأدب العربي مثل كتاب ألف ليلة وليلة إضافة للأدب الصوفي مثل كتابات جلال الدين الرومي إلي جانب اطلاعي علي النصوص الدينية. ولمّا مارست الكتابة وجدت أن ثقافتكم في أعماق قلبي وتظهر طبعا في تلافيفها.. لقد أحببت الشرق بعمق، وعن ثقافة الشرق قال : إن ثقافة الشرق هي نفسها ثقافة الحب والشوق فاليوم أنت تقف علي أطلال قرطاج، إنّك لا تقول بأنها انتهت، لأنها في القلوب وتاريخها يسري في الذهنية والوجدان الإنساني. الشرق هو الشرق لا ينتهي ثقافيا لحدوث المتغيرات التي كثيرا ما كان الغرب هو المتسبب فيها.. وهو الذي يصنع الآن الصورة التي يريدها عن الإسلام وعن العرب.
ومن جهة أخري فان كويلهو ينفي أن يكون هناك ما يعرف الآن "بشرق الرعب" متهما الصحافة الغربية بإلصاق مثل هذه التهم بالشرق عموما وترويجها عبر وسائل الإعلام ونشرها في العالم أجمع.
الشرق لن ينتهي ثقافيا
وخلال زيارته لمعرض الكتاب الدولي، الذي نُظم مؤخرا في تونس، قال كويلهو: الشرق هو الشرق ولن ينتهي ثقافيا لحدوث متغيرات كثيرا ما كان الغرب هو المتسبب فيها. وهو من يصنع الآن الصورة التي يريدها عن الإسلام وعن العرب وثقافتهم وحضارتهم، لكن اعتبر رغم ذلك أن التغييرات الحاصلة في العالم اليوم وفي الشرق بالخصوص لا يمكن أن تحجب نور الثقافة العربية ، وفضلا عما تقدم فانه كان دائما ما يردد انه تأثر بالثقافة العربية والإسلامية وانه استلهم منها الكثير ، كما أنها أسهمت في ثراء مؤلفاته ، ومما قاله في هذا الخصوص : اكتشافي الأول للحضارة العربية الإسلامية كان من خلال العرب المقيمين في البرازيل، ثم قمت بتطوير معرفتي الإسلامية من خلال قراءة الأدب العربي مثل كتاب ألف ليلة وليلة إضافة للأدب الصوفي ،ويتكلم كويلهو عن نفسه فيقول : اعتقد أن ثمة شيئا من الشرق فينا جميعا، فهذا هو الاتجاه الذي تشرق منه الشمس، شمس الفهم. الشرقييون الذين قابلتهم هم الأصدقاء البرازيليون الذين ينتمون إلي أصول عربية وإسلامية، وتعدادهم يصل إلي حوالي عشرة ملايين معظمهم من أصول سورية ولبنانية ، ويقول الروائي البرازيلي عندما سئل عن حضور الثقافة العربية والإسلامية في رواية الكيميائي :ليس في الكيميائي فقط. فأنا أحمل وأكنّ إعجابًا عميقا بالثقافة العربية، وأكتب الآن زاوية أسبوعية في جرائد ومداخل ومجلات متعددة في العالم، أحاول أن أتقاسم فيها مع مختلف القرّاء قصصًا من ثقافات مختلفة. ولا يصعب عليك أن تجد في هذه الزاوية قصصًا من الثقافة العربية، خصوصًا وأنكم رُواة وحكواتيون مُدهشون ورائعون، إذ أنكم غالبًا ما تشاركون وتقتسمون قيمكم ورؤاكم عبر نتاجكم الأدبي والشعريّ. وصحيح جدا أنني كطفل، ترك "ألف ليلة وليلة" عليّ تأثيرًا قويًا جدًا. "وفي فترة لاحقة من حياتي، أثرّ فيّ أدب جبران خليل جبران تأثيرًا كبيرًا وقويًا، لدرجة أنني قمت بإعداد تعديل لأحد كتبه "رسائل حب من نبي"، وإلي يومنا هذا ما زلت أعتبر كتاب "النبي" كأحد الكتب الحاسمة في حياتي وعملي.
ومن جانب آخر يعد كويلهو من ابرز معارضي الحرب علي العراق، حتي أنه كتب رسالة إلي الرئيس الأمريكي جورج بوش للاحتجاج علي احتلال العراق تحت عنوان " شكرا سيد بوش". كما أشار كويلهو إلي أنه "بعد أحداث 11 سبتمبر فقدت السيطرة علي الأحداث وبعد غزو العراق عمت الفوضي، ولا فائدة من الكتابة عن الحرب لان قادة الحرب لا يسمعون أصوات دعاة السلام غالبا".
ربما يؤخذ علي باولو كويلهو ترويجه للديانة المسيحية ، وقصره التجلي والكشف علي متبعي تلك الديانة ، بينما وجب عليه الخروج من خصوصية تلك التجارب إلي انفتاح اكبر نحو تجارب العالم ،وحيادية تؤكد علي مصداقيته ونهجه الروحي .
أهم أعماله :
حاج كومبوستيلا ، والكيميائي اوالخيميائي كما يحلو للمترجمين تسميتها وهي ثاني عمل له وأكثرها انتشارا ، بريدا ، علي نهر بيدرا جلست وبكيت ، الجبل الخامس ، الشيطان والآنسة بريم ، إحدي عشر دقيقة ، الزهير ، كالنهر الجاري ، ساحرة بورتوبيلو ، وغيرها ..
مكانة الرواية بين نتاج كويلو الروائي:
في سنة 1986 حجّ كويلهو إلي مزار القديس يعقوب في كومبوسيتلا سيرا علي الأقدام ، ذلك المزار الإسباني القديم، الذي هو مقام روحاني للعديد من القديسين وبعدها بسنة واحدة أي عندما بلغ الأربعين كتب روايته عن هذه التجربة أسماها "حاج كومبوستيلا"، ثم بعدها بسنة نشر روايته الأشهر الكيميائي، وتتالت أعماله الأخري التي فرضته كاتبًا شعبيًا واسع الانتشار، فأصدر: "فيرونيكا تقرّر أن تموت" و"علي نهر بييدرا هناك جلست فبكيت" و"الشيطان والآنسة بريم" و"الجبل الخامس" و"مكتوب" و"إحدي عشرة دقيقة" و"الزهير"، وغيرها من الروايات ، ورواية حاج كومبوستيلا هي ثالث عمل لباولو كويلهو، صدرت عام 1987؛ أي قبل عام واحد فقط من صدور أشهر رواياته الكيميائي ، وعمله الأول كان ( أرشيف الجحيم ) وقد نفد من الأسواق ولم تُعد طباعته حتي الآن، والعمل الثاني له هو ( الدليل العملي للفامبيرية ) وقد سُحب من الأسواق بعد أن بدا أن العمل لم ينجح في إيصال رسالته.
الأساس العقائدي لهذه الرواية :
يتحدث المؤلف في هذه الرواية عن حجه لأحد المقامات المسيحية ، بعد سلكه لطريق( مار يعقوب ) هو أحد طرق الحج الرئيسية في المسيحية، وتشير المصادر العلمية التي اطلعنا عليها من خلال الانترنيت أن لهذا الطريق عدة مسارات تنتهي كلها عند قبر ( القديس جيمس ) والذي يُعتقد بوجوده عند كاتدرائية اسمها ( سانتياغو دي كومبوستيلا ) الموجودة في محافظة اسبانية اسمها أيضاً ( سانتياغو دي كومبوستيلا ) وهي عاصمة منطقة ( جليقة ) الموجودة في الشمال الغربي من الجزيرة الأيبيرية، وقد عرفت هذه المحافظة في التاريخ الإسلامي ب ( شانت ياقب ). طريق ( مار يعقوب ) يعرف أيضا باسم ( طريق المجرة ) لأن الحجاج كانوا يستدلّون بالنجوم أثناء عبوره، وعند الأسبان يعرف هذا الطريق باسم طريق ( سانتياغو )، واسم سانتياغو في الاسبانية ينقسم لقسمين، الأول هو ( سان )، ويعني ( قديس )، والثاني هو ( ياغو ) أو ( دياغو )، وهو الاسم المقابل للاسم العبري ( يعقوب )، وليعقوب في الانجليزية عدة أسماء تقابله منها ( جيمس ) ومنها أيضا ( جاك ) و( جيكوب) و( جيم ). أما بالنسبة لكلمة ( كومبوستيلا ) فهي كلمة ذات أصل لاتيني، وتعني ( حقل النجمة )، وسبب هذه التسمية الغريبة هو أنه بعدما قُتل القديس جيمس، دُفن في مكان ما من اسبانيا، وظل هذا المكان مجهولاً حتي رأي احد الرعيان - كما يُقال - نجمة تسقط في احد الحقول لتدله علي مكان دفن القديس، ليٌبني فوق ذلك الحقل الكنيسة التي تعرف الآن باسم كنيسة ( سانتياغو دي كومبوستيلا )، وتنشأ المدينة المعروفة الآن ب ( سانتياغو دي كومبوستيلا) أي ( حقل نجمة القديس جيمس ). هذه المعالم المسيحية الموجودة في الرواية ربما توهم بعض القراء أن الرواية تبشيرية، لكن الحقيقة غير هذا ، صحيح أن الفكرة من عبور طريق مار( يعقوب ) هي عبور طريق يسلكه آلاف الناس عبر مئات السنين، أي انه طريق عادي وليس طريقا للخاصة أو لفئة معينة أو لعلية قوم ، ومن ثم فان الفكرة ليست دينية البتة، فالطريق إلي مار يعقوب مفتوحة للناس العاديين ، انه طريق الاغتسال من الإثم ، ومار يعقوب هي أحد طرق الحج في المسيحية ، كما الحج في الإسلام ، يُفترض بقاطعها استغلال التوحد بها لاكتشاف الذات والذوبان مع الوجود ، فيُمنح الحاج الغفران والنِعم حين اجتيازها .
** منشور بصحيفة "الزمان" الدولية بتاريخ 3 ديسمبر 2008


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.