باولو كويلهو كاتب برازيلي يجيد الإبحار في النفس البشرية، وبعد تجربة طويلة مع الحياة قدم رواية "السيميائي" عام 88 فتردد الناشر قليلا قبل أن يقدمها بدوره إليّ؛ ورغم ذلك فإنها الآن ليست مجرد رواية؛ بل كتاب لتعلم الحياة، ومن أشهر الكتب مبيعا؛ حتى وصلت إلى أعلى مبيعات في 15 دولة وترجمت إلى 69 لغة مختلفة، وبيعت منها أكثر من 30 مليون نسخة في 150 دولة. وحين سألوه عن فكرة الرواية وسرها قال:
"أنا أعشق الصحراء التي تعرّفت إليها للمرة الأولى خلال سفري إلى المغرب؛ غير أن زيارة مصر أثّرت فيّ كثيراً، ذهبت ذات ليلة لرؤية الأهرامات برفقة صديق مصري، كان المشهد ساحراً. هناك, طلبت منه أن يتلو شيئاً من الصلاة, فأنشد آية رائعة تقول ما معناه: يا ربّ إذا حدت عن الدرب المستقيم فأعدني إليه. كانت زيارة الأهرامات تجربة روحية شبيهة برحلة الحجّ التي قمت بها سابقاً، وحاولت نقل الشعور الذي انتابني هناك في رواية السيميائي".
ويعطينا باولو درساً في الحياة وكيفية مواجهة الفشل قائلا: "في البداية, لم تبع الرواية أكثر من 900 نسخة؛ فأعاد إليّ الناشر حقوق التأليف, لأنه اعتبرها عملاً فاشلاً. يومها تذكّرت تلك الصلاة: يا ربّ إذا حدت عن الدرب المستقيم فأعدني إليه. وتذكّرت ما كتبته في "السيميائي": "إذا أردنا شيئاً ما, فسيتآمر كل الكون ليساعدنا على نيله"؛ فطرقت أبواب الناشرين, إلى أن وقعت على ناشر برازيلي كبير قَبِل إعادة طبع الرواية، فإصراري على نشر الرواية مجدّداً هو عودتي إلى الدرب المستقيم, هو طريقي التي وجدت والتي سَمَحت لي بتحقيق حلمي، أي أن أصبح كاتباً".
الحكاية ببساطة أن هذه الرواية تحكي قصة إنسان لديه حلم؛ مما يعني أنها قصتي وقصتك وقصة كل إنسان في عالمنا، وهذا الإنسان محدود القدرات مثلي ومثلك؛ في مقابل حلم عظيم يحتاج لقدرات هائلة؛ ولكنه قرر أن يغامر ويحقق حلمه, ولذلك سيواجه العديد من المشكلات في طريقه وسيمر بأوقات صعبة، فهل يصل؟؟؟!!
أبدع باولو في قصته؛ مما حدا بالبعض لتسمية أسلوبه بالواقعية السحرية؛ لأنه جعل من الأسطورة رمزاً يشير بوضوح لما نجهله نحن البشر أو نتجاهله مع زحام الحياة من حقائق عن أنفسنا وعن العالم، وتظل الفكرة الرائعة أن لكل منا أسطورة ذاتية أو كنزاً في حياته يجب أن يواجه الصعاب ليجده؛ ولكن لتجد هذا الكنز يجب أن تصغي جيداً لقلبك.. يجب أن تعرف نفسك جيدا وتفهم لغة العالم من حولك لتكتشف العلامات التي يبعثها القدر في طريقك كل يوم.
ونرشح هذه الرواية لكل من يرغب في تنمية شخصيته ويبحث عن كنزه الداخلي وأسطورته الذاتية؛ فالرواية تَرُدّ على أسئلة كثيرا ما تَرِد على ذهن البشر وعادة لا يجدون لها إجابة؛ كسؤال: ما هي السعادة؟
والذي يجيبه باولو بأقصوصة صغيرة داخل روايته تحكي عن ابن ملك أرسله أبوه لأكثر الناس حكمة ليعلمه معنى السعادة؛ فيدخل الصبي قصر الحكيم رائع الوصف؛ فيجد الحكيم يتوسط مجلسه؛ فيقول له: إنه ابن الملك وأنه قد جاء ليتعلم معنى السعادة، فيسأله: هل شاهدت قصري؟ فيجيب الولد: لا . فيأمر أن توضع في يده معلقة بها نقطتان من الزيت، ويقول للولد: اذهب الآن لتشاهد القصر؛ ولكن كن حذرا ولا تُسقط نقطتي الزيت.
يذهب الولد ويعود فيسأله الحكيم: هل رأيت الحديقة؟ فيجيب: لا. فيسأله مجددا: هل رأيت اللوحات؟ فيجيب لا، ويظل يستجوبه ولا يجيب الصبي بغير لا.. لا.. فيسأله الحكيم: لماذا لم تشاهد شيئا؟ فيجيب بأنه كان مشغولا بنقطتي الزيت ويخاف أن يُسقطهما؛ فيرسله الحكيم مرة أخرى، ويأمره أن يشاهد كل شيء. وعندما يعود الصبي يكون قد شاهد كل شيء بالفعل؛ فيسأله الحكيم عن نقطتي الزيت؛ فيقول بأنه انشغل بالقصر ونسيهما حتى سقطتا.
وهنا يقول له الحكيم "إن معنى السعادة هو أن تعيش وتستمتع وتشاهد كل شيء مع الاحتفاظ بنقطتي الزيت".
باولو برمزية شديدة البساطة يستطيع أن يفهمها أي قارئ وبأقصوصة تشبه حكايات الأطفال، يعلمنا الكثير والكثير عن حريتنا في الاستمتاع بالحياة مع الالتزام بحدود بسيطة، وكل شخص حرّ في اختيار نقطتي الزيت اللتين ستحدّان من رحلته في الحياة وسيكونا مسئوليته والتزامه الذي سيسعده القيام به.
وبعد أن تعرف نهاية القصة، وتغلق الكتاب ستظل جمل الكتاب وعباراته تتردد داخلك لأنها في الحقيقة تحمل أكثر من مدلول وتعلمك دروسا لا حصر لها ومنها:
* أخبر قلبك أن الخوف من المعاناة أسوأ من المعاناة نفسها، ولن يتعذب قلب ذهب في رحلة للبحث عن أحلامه أبدا. * هناك شيء واحد يجعل من المستحيل تحقيق أحلامنا ألا وهو الخوف من الفشل. * في لحظة معينة في حياتنا نصدق أننا قد فقدنا التحكم فيما يحدث لنا ووقتها نترك حياتنا ليتحكم فيها القدر وحده، وهذه أكبر كذبة في العالم. * ليت الحب يكون دليلك في كل لحظة تمر بحياتك. * أحلك الساعات أقربها للفجر. * لا تفكر فيما تركته وراءك. * ما حدث مرة لن يحدث ثانية؛ لكن ما حدث مرتين بالتأكيد سيحدث مرة ثالثة. * هناك حقيقة مهمة في هذا العالم وهي أنك مهما كنت ومهما كان ما تفعله؛ فإنك عندما تريد شيئا بإخلاص، تولد هذه الرغبة في روح العالم؛ فروح العالم تتقوى بسعادة البشر، وهذه هي رسالتنا على الأرض. * كل شخص يظن أن لديه فكرة واضحة عن: كيف يجب على الآخرين تنظيم حياتهم؟ ولكنه ليس لديه أي فكرة كيف ينظم حياته هو! * يجب أن تستفيد من الحظ عندما يكون في جانبك، وتعمل على الوصول لما تريد كما يعمل الحظ من أجلك، وهذا ما يسمى بقوة السعي و حظ المبتدئين. وستظل جملته التي تحمل رسالة الرواية كلها "إذا أردت شيئا بقوة فإن العالم كله سيتآمر ليجعلك تصل لما تريد" هي الأفضل والأقوى بين غلافي الكتاب.
الكتاب ترجم الى اللغة العربية مرتين، ويوجد بالأسواق في ترجمة لبنانية أصدرتها "دار المطبوعات"؛ ولكن محبي الرواية يفضلون ترجمة الأديب الكبير "بهاء طاهر" ويبحثون عنها في كل مكان.