الآن، لو أننى من الإخوان لشكرت الزميل مجدى الدقاق على حواره مع انتصار عبد المنعم (السيدة الإخوانية سابقاً)، والتى انفصلت عن زوجها أيضاً منذ عامين لتجد نفسها وأولادها الثلاثة فى مهب الريح، فلا نفعتها "مؤسسة الإخوان"، ولا شريك العمر الذى قضت معه زهرة شبابها 15 عاماً، فضلاً عن مجتمع له أكثر من وجه وعنوان. وإذا كنت عزيزى القارئ قد شمرت عن ساعديك لقراءة السطور التالية، فأرجوك أن تخلع رداءك الفكرى، وتتخلى قليلاً عن انتمائك الحزبى، ولو لدقائق هى زمن القراءة، وأرجوك مرة أخرى أن تلتحف جيداً برداء واحد فقط يسمى "إنسان". وصلاً بما سبق، فإن مجدى يستحق الشكر، وبصرف النظر عن اعتباراته المهنية، أو الشخصية التى ربما دعته لإجراء الحوار، ونشره على مساحة 6 صفحات كاملة فى مجلة أكتوبر عدد 12 أبريل الفائت، فإن ما قالته "انتصار" ونشره مجدى هو من باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، ما حدث ولم يعد سراً يحتاج من المجتمع ومن الإخوان إلى "مراجعات" قبل فوات الأوان. نعم فانتصار عبد المنعم، أديبة وقاصّة لم تستطع الجماعة احتواء موهبتها وتشجيعها، فضلاً عن سوء العشرة الزوجية التى عاشتها، كما تقول، مما دفعها لطلب الطلاق الذى حصلت عليه بعد مماطلة الزوج واشتراطه تنازلها عن حقوقها الشرعية، ثم امتناعه عن تحمل تكاليف معيشة الأبناء الثلاثة، فقررت كتابة تجربتها الخاصة والعامة فى كتاب أطلقت عليه "حكايتى مع الإخوان". لم تعد هذه حكاية داخلية يتداولها الأعضاء داخل الجماعة, فيكتفى البعض بمصمصة شفاهه أسفاً على "البنيّة"، والبيت الذى انهار، أو حتى عما جلبته لنفسها بعدم استجابتها لترويض الجماعة والزوج فى آن, فقد قررت صاحبة القضية أن تتحدث وليكن ما يكون, بصرف النظر حتى عن خوف ربما يتملكها على سمعتها, وهى التى تعيش فى مجتمع يولى ذلك القدر الأعظم من الأهمية والأولوية, ولو كان الثمن باهظاً, مدفوعاً من الكرامة والإنسانية. لا أخفيكم سراً أننى استطعت الحصول على رقم تليفون انتصار, ووجدتنى أتحدث إلى امرأة ناضجة العقل, ودودة, جريئة فيما تراه حقاً, وهالنى أن ما ورد فى صفحات أكتوبر قالته كله بالفعل, وأنه وقع بالفعل معها ومع أخريات, لم ترد كلمة فى أكتوبر من "التحابيش الصحفية" إذاً، وبقدر الإحساس بالفزع لأجل ذلك بقدر الإحساس بالخيبة القوية، قوية جداً. فقد تحدثت عن كل شىء تحت فقرة قصيرة تقول "سأحكى تجربتى فى صفوف أخوات الإخوان, ليس من باب التجريح والمهاجمة ولكن من باب المكاشفة, وقد يعتبرون حديثى هذا خيانة أو انشقاقاً, ولكننى أعتبره نوعاً من جلد الذات, إنه نوع من نقد الذات للجماعة التى بدأت تحيد عن أهدافها التى طالما آمنت بها قبل أن أعرفهم عن قرب". أذكرك عزيزى القارئ مرة أخرى بردائك الإنسانى, وأطرح على عقلك وعقلى.. قلبك وقلبى.. نفسك ونفسى, التساؤلات التالية: ترى ما الذى يجبر امرأة قاصّة وأديبة وأماً أيضاً، أن تلجأ إلى الصحف والمجلات لتحكى قصتها؟ تحدثت انتصار عن ظلم طالها بسبب انتقاداتها للجماعة, وظلم خاص طالها من الزوج "الإخوانى" أثناء علاقتهما الزوجية, وظلم طالها وأطفالها الثلاثة بعد الطلاق من الزوج والجماعة معاً! فأى حجم من الظلم يمكن أن يقع فيلجأها إلى ذلك؟ تقرأ فى الحوار "صدرت أوامر بمقاطعتها لأنها أصبحت خارج الصف"! أى صف؟! وأين الصف الإنسانى؟! ما يثير مزيداً من الأسى أن تعرف أن انتصار ليست الوحيدة, فمعظم النساء اللاتى انفصلن عن أزواجهن فى الجماعة يحدث لهن ذلك, أوامر بالمقاطعة, لا أحد يقف إلى جوارها, لا أحد يحتوى أولادها, لو انتزع منها زوجها حقوقها الشرعية وساومها، لا أحد يرده عن ظلمه, ولكن أغلبهم يهرعون لحضور فرح زواج "الأخ" من أخرى, متعامين عن تخليه عن مسئوليته تجاه أبنائه من مطلقته! تتساءل بلا إجابة، إذا لم يكن الإمساك بمعروف أو التسريح بإحسان يطبق فى جماعة شعارها "رسولنا قدوتنا" فأين تجده إذاً؟! قلت لانتصار، ألا تتوقعين أن يقول لك الإخوان إنه كان الأجدر بك مناقشة مشكلات جماعتك فى الداخل وليس نشره على الملأ، ألا تخافين؟! فردت بحسم: ناقشت كثيراً ومنذ سنوات ولم يسمعنى أحد، ولم يلتفت إلىَّ منصف، ما تعرضت له من ظلم وخذلان لا يجعلنى أبداً أتراجع أو أندم أو أخاف، على أى شىء أخاف؟! ربما يعتبروننى "خبث" الدعوة, وها هى الدعوة قد طردت خبثها!! ربما يتم التشخيص بأن انتصار حالة فردية, تماماً كما الأعمال الفردية الإرهابية, ويبقى أنه بالفعل هناك جرائم اجتماعية لا تقل خسة ولا شراسة عن الجرائم السياسية، وإلا فماذا تقول عن هذا الصمت المتوحش تجاه امرأة طلبت الكرامة، فلم تجد سوى غمط الحق، والإشاحة بالوجه، وقتل الفطرة السوية التى لا ترضى بالظلم؟! ف "الخذلان" فتنة عظيمة فى الدين وتكون أعظم عندما يتولى كبرها من تظنه قريباً من الدين، قريباً من الحق! أفيقوا