اليوم، انطلاق امتحانات الدور الثاني لطلاب الابتدائي والإعدادي والثانوي    الهلال الأحمر المصري يوثق حركة شاحنات المساعدات الإنسانية المتجهة إلى غزة (فيديو)    حريق هائل بمركز تجاري شهير في "قائمشهر" وسط إيران (فيديو)    بعد أزمات فينيسيوس جونيور، هل يتحقق حلم رئيس ريال مدريد بالتعاقد مع هالاند؟    3 مكاسب الأهلي من معسكر تونس    "الداخلية" تكشف حقيقة احتجاز ضابط في أحد أقسام الشرطة بالقاهرة (إنفوجراف)    بالأسماء.. مصرع طفلة وإصابة 23 شخصًا في انقلاب ميكروباص بطريق "قفط – القصير"    عامل يعيد 3 هواتف مفقودة داخل نادٍ بالإسماعيلية ويرفض المكافأة    الحبس وغرامة تصل ل2 مليون جنيه عقوبة تسبب منتج فى تعريض حياة المستهلك للخطر    وزير الأوقاف يحيل مجموعة من المخالفات إلى التحقيق العاجل    موعد إجازة المولد النبوي 2025 الرسمية في مصر.. كم يومًا إجازة للموظفين؟    إعلام فلسطيني: 4 شهداء في قصف إسرائيلي استهدف شقة سكنية غرب غزة    زيلينسكي: أوكرانيا تحتاج لأكثر من 65 مليار دولار سنويًا لمواجهة الحرب مع روسيا    عيار 21 الآن بعد آخر تراجع في أسعار الذهب اليوم السبت 26 يوليو 2025    «أغلى عملة في العالم».. سعر الدينار الكويتي مقابل الجنيه اليوم السبت 26 يوليو 2025    موعد مباراة ليفربول وميلان الودية اليوم والقنوات الناقلة    رحيل نجم بيراميدز بسبب صفقة إيفرتون دا سيلفا (تفاصيل)    أسعار الفراخ اليوم السبت 26-7-2025 بعد الانخفاض وبورصة الدواجن الرئيسية الآن    2 مليار جنيه دعم للطيران وعوائد بالدولار.. مصر تستثمر في السياحة    القانون يحدد ضوابط العمل بالتخليص الجمركى.. تعرف عليها    رسميا خلال ساعات.. فتح باب التظلم على نتيجة الثانوية العامة 2025 (الرسوم والخطوات)    بسبب راغب علامة.. نقابة الموسيقيين تتخذ إجراءات قانونية ضد طارق الشناوي    برج الحوت.. حظك اليوم السبت 26 يوليو: رسائل غير مباشرة    مينا مسعود لليوم السابع: فيلم فى عز الظهر حقق لى حلمى    الأوقاف تعقد 27 ندوة بعنوان "ما عال من اقتصد.. ترشيد الطاقة نموذجًا" الأحد    ما أجمل أن تبدأ يومك بهذا الدعاء.. أدعية الفجر المستجابة كما وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم    «بالحبهان والحليب».. حضري المشروب أشهر الهندي الأشهر «المانجو لاسي» لانتعاشه صيفية    «جلسة باديكير ببلاش».. خطوات تنعيم وإصلاح قدمك برمال البحر (الطريقة والخطوات)    5 طرق بسيطة لتعطير دولاب ملابسك.. خليه منعش طول الوقت    عقب إعلان ماكرون.. نواب ووزراء بريطانيون يطالبون ستارمر بالاعتراف بدولة فلسطين    بالصور.. تشييع جثمان والد «أطفال دلجا الستة» في ليلة حزينة عنوانها: «لقاء الأحبة»    "هما فين".. خالد الغندور يوجه رسالة لممدوح عباس    "مستقبل وطن دولة مش حزب".. أمين الحزب يوضح التصريحات المثيرة للجدل    هآرتس: ميليشيات المستوطنين تقطع المياه عن 32 قرية فلسطينية    ليلة تامر حسني في مهرجان العلمين.. افتتاح الحفل العالمي بميدلى وسط هتاف الجماهير    فلسطين.. شهيدة وعدة إصابات في قصف إسرائيلي على منزل وسط غزة    «مش عارف ليه بيعمل كده؟».. تامر حسني يهاجم فنانا بسبب صدارة يوتيوب .. والجمهور: قصده عمرو دياب    الإسماعيلية تكشف تفاصيل مهرجان المانجو 2025.. الموعد وطريقة الاحتفال -صور    رسميًا.. دي باول يزامل ميسي في إنتر ميامي الأمريكي    بعد «أزمة الحشيش».. 4 تصريحات ل سعاد صالح أثارت الجدل منها «رؤية المخطوبة»    رد ساخر من كريم فؤاد على إصابته بالرباط الصليبي    «الداخلية» تنفي «فيديو الإخوان» بشأن احتجاز ضابط.. وتؤكد: «مفبرك» والوثائق لا تمت بصلة للواقع    الحماية المدنية بالقليوبية تسيطر على حريق كابينة كهرباء بشبرا| صور    مستشفى الناس تطلق خدمة القسطرة القلبية الطارئة بالتعاون مع وزارة الصحة    «لو شوكة السمك وقفت في حلقك».. جرب الحيلة رقم 3 للتخلص منها فورًا    محافظ شمال سيناء: نجحنا في إدخال عدد كبير من الشاحنات لغزة بجهود مصرية وتضافر دولي    وزير الأوقاف: الحشيش حرام كحرمة الخمر سواء بسواء والادعاء بحِلِّه خطأ فادح    ياليل يالعين.. الشامي يبدع في ثاني حفلات مهرجان العلمين 2025    أحمد السقا: «لما الكل بيهاجمني بسكت.. ومبشوفش نفسي بطل أكشن»    ليكيب: برشلونة يتوصل لاتفاق مع كوندي على تجديد عقده    6 أبراج «الحظ هيبتسم لهم» في أغسطس: مكاسب مالية دون عناء والأحلام تتحول لواقع ملموس    إحباط تهريب دقيق مدعم ومواد غذائية منتهية الصلاحية وسجائر مجهولة المصدر فى حملات تموينية ب الإسكندرية    تنسيق الثانوية العامة 2025.. التعليم العالي: هؤلاء الطلاب ممنوعون من تسجيل الرغبات    عقود عمل لذوي الهمم بالشرقية لاستيفاء نسبة ال5% بالمنشآت الخاصة    يسرى جبر: حديث السقاية يكشف عن تكريم المرأة وإثبات حقها فى التصرف ببيتها    برلماني: الدولة المصرية تُدرك التحديات التي تواجهها وتتعامل معها بحكمة    جامعة دمنهور الأهلية تعلن فتح باب التسجيل لإبداء الرغبة المبدئية للعام الجديد    شائعات كذّبها الواقع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحلقة الأولى من مذكرات أبوالغيط شهادة تروى أهم ملامح نظام مبارك
نشر في اليوم السابع يوم 02 - 01 - 2013

أهم ما يلفت نظرك فى مذكرات وزير الخارجية المصرى الأسبق أحمد أبوالغيط، هواحتفاظ ذاكرته بالتفاصيل الدقيقة لكل حدث مر عليه وهوفى المنصب. يفسر ذلك بأنه ومنذ توليه مهام عمله الدبلوماسى فى نهاية الستينيات، وهويحرص على تسجيل يومياته وما مر بها. محفزة فى ذلك كما يقول فى كتابه «شهادتى.. السياسة الخارجية المصرية 2004 - 2011» والصادر عن دار نهضة مصر، قراءته الكثيرة لسير عسكريين وسياسيين ووزراء دفاع وخارجية كتبوا يومياتهم، أفكارهم، وصراعات الشخصيات والأفكار التى عاصروها. ليس هذا وحسب بل إن تلك المذكرات تكتسب أهمية لكونها الأولى التى تروى جانبا من جوانب نظام مبارك وماله وما عليه فيما يتعلق بملفات السياسة الخارجية المصرية التى قيل عنها الكثير فى السنوات الماضية.
تأخذك فصول الكتاب الثلاثة عشر، ومقدمته لتتعرف على الكثير من ملامح السياسة الخارجية المصرية دون إهمال لملف على حساب الآخر. فتارة يحدثك عن أسلوب الدولة المصرية فى إدارة تلك الملفات وكيف أنها ومنذ قيام الجمهورية فى عام 1952، صارت فى يد رئيس الجمهورية وما وزير الخارجية إلا مجرد منفذ لها حسب أسلوبه والتحديات التى تواجهه، وتارة أخرى يحدثك عن العلاقات المصرية الأمريكية وكيف حكمها العصا والجزرة طيلة الوقت والرغبة فى جعل مصر إحدى أدوات الدولة العظمى فى المنطقة باستخدام عصا الإصلاح والديمقراطية وحقوق الإنسان داخل مصر، واستغلال رغبة الرئيس السابق فى توريث ابنه الحكم.
وأخرى يحدثك عن العلاقات الأفريقية وكيف كانت مهمة لمبارك، ولكن ضعف الإمكانات الاقتصادية والهاجس الأمنى لديه وكبر سنه جعلاه متباعدا، وأخرى يحدثك فيها عن القضية الفلسطينية والعلاقة مع إسرائيل وما تحملته مصر فى ظل تلك المسئولية التاريخية، تختلف مع أبو الغيط أو تتفق معه، تصدق رؤيته للأحداث أو ترفضها، هذا أمر عائد إليك، ولكن تبقى الحقيقة أنه يروى لك جزءا مهما من أحداث لم نعش ما جرى خلف الكواليس فيها، وهو ما يفسر لك بعض الأمور التى عجزت عن فهمها حينما رأيتها أمامك، ومن هنا تأتى أهمية الكتاب الذى نعرض لك اليوم فى «الشرق الأوسط» بعضا من صفحاته.
ترصد فى كتاب «شهادتى» تركيز أبو الغيط على شخصية رئيس جهاز المخابرات العامة الراحل، اللواء عمر سليمان الذى يقول عنه إنه بات ذا تأثير واضح فى عملية اتخاذ القرار فى مصر منذ عام 1992 وتزايد تأثيره بعد فشل محاولة اغتيال مبارك فى أديس أبابا فى عام 1995، ويروى فى الكتاب أنه ومنذ توليه مهام وزارة الخارجية فى يوليو(تموز) 2004 أدرك دور سليمان فى عملية صناعة القرار وقيادة الأمور فى الكثير من ملفات الخارجية المصرية.
وبخاصة فيما يتعلق بالعلاقات المصرية الأمريكية وملف مياه النيل وبالطبع ملف القضية الفلسطينية والعلاقة مع إسرائيل، وهو ما يعبر عنه أبو الغيط قائلا: «أدى خوض المخابرات المركزية الأمريكية وتكليفها بعملية تنظيم العلاقة بين العناصر الأمنية للسلطة الفلسطينية وإسرائيل فور نشوب الانتفاضة الفلسطينية الثانية، إلى دور كبير مساعد أيضا للمخابرات العامة المصرية، ومن ثم تنامى علاقة عمر سليمان مع (تيننت)، رئيس المخابرات المركزية وكل من خلفوه، وأدى ذلك إلى تعزيز إضافى لوضعية عمر سليمان شخصيا مع الأمريكيين وامتدادها بالتالى إلى وزراء الخارجية الأمريكيين الذين لهم ملف القضية الفلسطينية».
يفسر أبو الغيط فى كتابه جزئية مهمة كثيرا ما أثارت التساؤلات وطرحت تحليلات من قبل السياسيين فى عهد مبارك، وهى تراجع الوجود المصرى فى المحافل الدولية ممثلا فى شخص الرئيس، وهو ما يبرره أبو الغيط بالقول: «كان الهاجس الأمنى والملل الرئاسى وتقدم السن أقوى من أى محاولات لإعادة الرئيس لقلب الأحداث.
كنت أتابع وبإحباط كبير غياب الرئيس عن المشاركة فى أى من القمم الكبرى التى كانت تعقد كل عام على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة كل سبتمبر (أيلول)، وتوقفه عن المشاركة فى أى من القمم الأفريقية منذ محاولة الاغتيال فى أديس أبابا فى عام 95، الأمر الذى كان له تأثيره على الصورة العامة لاهتمام مصر بأفريقيا لدى الكثير من القادة الأفارقة، كان العالم يتغير وتنشأ به تحالفات وتجمعات وكيانات، وغابت مصر عنها بإرادتها على الرغم من دعوات المشاركة التى تلقيناها».
وعلى الرغم من غياب مبارك عن الساحات الدولية والإقليمية، إلا أن أبو الغيط يؤكد أنه اعتمد على دعم التحرك فى الإطار العربى معتمدا على المحور المصرى الخليجى مع التركيز الشديد على السعودية كقوة رئيسية بالخليج، والاهتمام بالإمارات والكويت والبحرين. فى الوقت ذاته الذى حافظت فيه مصر على علاقة نشطة مع سوريا لأهمية تأثيرها فى سياسات المشرق، مع التشكك فى المنطلقات السورية وأهدافها حتى تنحى مبارك.
وكذلك الاقتراب من الأردن كلما تعقدت العلاقة مع الجانب السورى كما اتضح منذ الغزو الإسرائيلى لجنوب لبنان فى عام 2006، أما السودان فعلى الرغم من فتور العلاقة وتوترها مع رئيسها البشير، فإن مبارك كان كثيرا ما يتناول أهمية السودان مع مصر، وكيف أنها تمثل لنا عمق الوادى، ويبقى لليبيا وزعيمها معمر القذافى وضع خاص لدى مبارك؛ حيث كان يؤمن باستراتيجية العلاقة والمصالح الاقتصادية بين البلدين على الرغم من ما كان يتحمله من القذافى كما يروى أبوالغيط فى سطور كتابه. ومنها على سبيل المثال انتقادات القذافى لمبارك وللسياسة المصرية ومواقفها وعلاقاتها مع أوروبا والخليج.. إلى الحد التى كانت تصل فيه تلك الانتقادات لإحراج مبارك بقسوة. وهو ما كان يدفع أبو الغيط وعمر سليمان للتصدى له بحكمة وهدوء وحزم فى الوقت نفسه.
ويحكى أبو الغيط قائلا: «كان الرئيس يطالبنا بالصبر على القذافى ويقول لنا، إن القذافى واع جدا ومحنك.. كما أن خبثه عميق.. وأن من الضرورى أن نتعايش معه حفاظا على مصالح كثيرة لنا مع ليبيا.. إلا أنه من المهم ألا نسمح له بتعقيد علاقاتنا مع السعودية أو بقية دول الخليج».
فيما يتعلق بالعلاقات المصرية الأمريكية، يتناول أبو الغيط حالة الصعود والهبوط التى شابت علاقة مبارك بجميع رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية، بدءا من توترها فى عهد رونالد ريغان بعد حادثة السفينة «أكيلى لاورو» التى وقعت عام 1985 حين اختطف أربعة فلسطينيين إحدى السفن السياحية وقتلوا أحد السائحين الأمريكيين اليهود عليها وبعد تفاوض معهم، سمحت لهم السلطات المصرية بالسفر على طائرة حملت معهم القيادى الفلسطينى أبو العباس إلى تونس؛ حيث أجبرتهم المقاتلة الأمريكية على الهبوط فى مطار صقلية واعتقلتهم ما عدا أبو العباس الذى نجح فى الهرب هو ومساعده إلى بلغراد. ثم تحسنها مع بداية تولى جورج بوش الأب وكذلك فى عهد كلينتون، وكيف تدهورت على الرغم من الدور المصرى فى الكثير من القضايا فى عهد جورج بوش الابن مع رغبة الولايات المتحدة فى دفع مصر فى حروبها فى أفغانستان والعراق، وهوما رفضته مصر على الرغم من الضغوط الأمريكية . ثم انفراجها قليلا فى عهد باراك أوباما. وهوما يقول عنه أبوالغيط: «بدأ الضغط بطلب أميركى من مصر المشاركة فى ائتلاف القوى المحاربة معهم فى أفغانستان وهوما رفضته مصر التى لم تستطع إرسال قواتها لأرض إسلامية للقتال فى صفوف قوى غربية أو أطلسية. كما قررت إرسال مستشفى ميدانى ضخم إلى قاعدة بغرام الجوية الأطلسية لعلاج أبناء الشعب الأفغاني. ثم تكرر الأمر مع غزو العراق فطلبت الولايات المتحدة من مصر، إرسال قوات مصرية للقتال أو العمل على تأمين الاستقرار فى العراق. وهو ما رفضته مصر بشكل قاطع».
يواصل أبو الغيط توضيح شكل العلاقة المصرية الأمريكية فى ظل تزايد الحديث عن توريث الحكم فى مصر منذ بداية الألفية، وهو ما يقول عنه: «كان قرارا أمريكيا مدبرا وموقفا استراتيجيا تجاه مبارك ونظام حكمه ابتداء من بدء فترة الإدارة الثانية للرئيس بوش وكأن الصفقة المعروضة هى: عليكم بإرسال قوات وحزم أمركم فى الوقوف معنا فى حروبنا، وسوف ننظر فيما يمكن لنا التفاهم فيه معكم بالنسبة لمسائل تشغلنا تجاهكم، الديمقراطية، حقوق الإنسان، المجتمع المدنى المصرى، حق جمعياتنا غير الحكومية أن تعمل على أرضكم».
تبقى قضية المنظمات الأمريكية الأهلية غير الحكومية على الأرض المصرية، كالمعهد الجمهوري، والمعهد الديمقراطي، وفريدوم هاوس وغيرها، مثيرة للجدل. فتلك المنظمات تعلن أنها تمارس عملها فى تدريب عناصر مصرية وهيئات وجمعيات غير حكومية مصرية. ولكن الغريب هو ما يرويه أبو الغيط عن إلحاح الولايات المتحدة فى منح التراخيص لتلك الجمعيات، والأغرب رفض مبارك القيام بذلك بشكل رسمى، تاركا مصير تلك الهيئات معلقا فى يده بمفرده. وكأنه كان يمنح نفسه أوراق ضغط تظل بيده لاستخدامها بين الحين والآخر مع الأمريكيين. وبخاصة بعد قرار الأمريكيين فى عام 2005 وما تلاه من أعوام، إنفاق 25 مليون دولار سنويا من المعونة الأمريكية الاقتصادية لمصر على عمليات هذه المنظمات والمراكز فى تعاونها مع المنظمات غير الحكومية المصرية، ثم زاد هذا المبلغ لنحو 50 مليون دولار أى ما يعادل 250 مليون جنيه وقتها! ينتقل أحمد أبو الغيط فى جزء آخر من الكتاب للحديث عن خريطة العالم العربى وأزماتها وعلاقاتها بالغرب وعلى الأخص الولايات المتحدة الأمريكية ، عند توليه مسئولية وزارة الخارجية المصرية فى عام 2004. محددا معالم تلك الخريطة بتوقف عمليات السلام بعد الصدام الإسرائيلى الفلسطينى عقب اندلاع الانتفاضة الثانية، وتصاعد الإجراءات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين وما صحب ذلك من نتائج. كذلك وضع العراق تحت الاحتلال الأمريكى وبدء بوادر حرب أهلية واندلاع أحداث عنف مزقت هذا البلد العربي. والوضع المتأزم لسوريا أمام التهديد الأمريكى لها واتهامات الولايات المتحدة لها بالتدخل فى العراق وتسهيل مرور عناصر عربية وإسلامية عبر أراضيها للمشاركة فى المقاومة ضد الأميركيين. وانقلاب الأوضاع فى السودان بسبب أزمة دارفور من جانب والخلاف بين الجنوب والشمال من جانب آخر. كل هذا فى ظل تصاعد التهديدات الإيرانية للبحرين والإمارات بعد سقوط العراق. بينما اليمن يئن تحت وطأة التوتر والانقسام الداخلى مع ظهور تنظيم القاعدة على أراضيه، بشكل يفتح الباب للمزيد من التدخلات الأجنبية فى أراضيه بما له من انعكاسات على شبه الجزيرة العربية. وأخيرا الصومال التى انقسمت وبات من المستحيل تصور استعادة وحدته. وفى إطار تلك الملامح العامة للوضع العربي، أدرك أبوالغيط أهمية التنسيق مع وزراء الخارجية العرب. وهو ما يقول عنه: «قدرت منذ البداية أن من الأهمية بمكان الإبقاء على محور القاهرة - دمشق - الرياض، وتأمين التنسيق الدائم مع كل من فاروق الشرع، وزير خارجية سوريا، والأمير سعود الفيصل وزير خارجية السعودية».
يشير أبو الغيط فى كتابه للقرار الأممى رقم 1559 ضد سوريا والخاص بالوضع فى لبنان، وتحذير مصر لسوريا من مغبة تجاهل الوضع ومتطلبات القرار 1559، سواء الانسحاب من لبنان أو تناول موضوع سلاح حزب الله. ومحاولات مبارك توجيه النصح لبشار الأسد لتجنب أى تعقيدات سياسية بالمنطقة. وهوما يقول عنه أبو الغيط فى كتابه «شهادتي»: «سافر مبارك عام 2005 للعاصمة السورية مستهدفا حث الرئيس السورى على التحرك من أجل تنفيذ القرار 1559 الخاص بلبنان. كان مبارك يتحدث بأسلوب رقيق ومتعاطف مع الرئيس السورى الذى بادله المشاعر ووصل الأمر إلى أنه نصح الأسد، بأهمية تنحية بعض كبار معاونيه الذين اعتقد الرئيس أنهم يسببون مشاكل له مع الدول الغربية، وحدد مبارك أحدهم بالاسم.. وهو فاروق الشرع... الذى كان مبارك لا يستسيغه.. وجاء رد الأسد أنه يتمسك بالشرع بسبب ولائه الشديد لأبيه وله.. ومع تطور الأحداث فى لبنان أخذت المواقف المصرية وتحالفاتها تتغير فى لبنان، ولم تعد مصر تهتم كثيرا بالدفاع عن رؤية سوريا». وقد زاد من التوتر فى العلاقات المصرية السورية، الإحساس المصرى السعودى بلهجة التعالى التى كان يتحدث بها الرئيس بشار الأسد مع زعماء الدول العربية وتوجيهه الانتقادات لهم. بالإضافة لمواقف سوريا فى رعاية التوجهات الإيرانية التى كانت تسعى لتهديد دول الخليج.
يشير أبوالغيط كثيرا عبر أجزاء متفرقة من كتابه لأهمية العلاقات المصرية الخليجية، مؤكدا أنها تأتى فى مقدمتها العلاقة المصرية السعودية. وكيف كان مبارك يحمل الكثير من المشاعر الطيبة والاحترام لجميع قادة تلك الدول.
على الجانب الآخر يشير أبوالغيط فى كتابه «شهادتي» إلى علم الإدارة المصرية بدعم القذافى للحوثيين بشمال اليمن بتقديم التمويل والسلاح لخلق بؤرة توتر على حدود السعودية من الجنوب، وكيف وصل الأمر بالقذافي، فى إطار محاولته إضعاف التأثير السعودى فى مسائل إمدادات النفط لكل من الهند والصين، أن عرض على مصر الموافقة على بناء خط أنابيب نفط بين طرابلس وبور سودان يمر فى الأراضى المصرية، وهو ما ارتأته مصر ضربا من الخيال، فرفضته. ولكن القذافى استمر فى اللعب مع حركات التمرد فى اليمن ودارفور لكى يبقى على تأثيره على السودان، كما يقول أبو الغيط فى كتابه.
يأخذك أبو الغيط للحديث عن العراق، وكيف بات مسرحا مفتوحا لوجود أكثر من طرف. فيقول: «كان الأتراك يتحركون بقوة على الأرض فى العراق، ويستفيدون وشركاتهم من وجودهم عبر الحدود، كما أن إيران أخذت تتغلغل وتنتشر على المسرح العراقى.
وقدرت من جانبى أن تعاوننا مع الأتراك والأمريكيين والسعودية قد يوفر لنا فرصا فى تحقيق وضعية مصرية ذات تأثير فى علاقاتنا السياسية والاقتصادية مع العراق وكذلك مع الإقليم الكردى الذى استشعرت، من خلال زيارتين له، أنه ينمو ويتحرك اقتصاديا بشكل ملحوظ.. ثم طرح العراقيون موقفا أدى إلى توقف كل هذا الجهد.. إذ طلبوا أن نتنازل عن ديون القطاع الخاص المصرى.. وديونهم للقوات المسلحة المصرية، مقابل قبولهم سداد ديون الشركات الحكومية.. واستشعرت أنه يصعب على أى مسئول مصرى أن يوافق على المقترح العراقى.. وتوقف الأمر».
ومن العراق لإيران وملفها النووى، يتحدث أبو الغيط على موقف مصر الصارم فيما يتعلق بقضية الانتشار النووى وحرصها على بذل الجهد لإعلان منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل واضعة نصب أعينها إيران وإسرائيل معا، فى الوقت الذى كانت دول الخليج تركز كل جهودها على إيران بمفردها، وهو ما يقول عنه: «كان بعض أشقائنا بالخليج، يعطون اهتماما للملف النووى الإيرانى بما يفوق النظرة إلى الملف النووى الإسرائيلى أو الوضع العام فى الشرق الأوسط.. ومن ناحيتنا صممنا على عدم الفصل بين أمن الخليج والشرق الأوسط فى شموليته، فيما يتعلق بمسائل نزع السلاح النووى وإخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل.. واطلع فى يوليو2007 على حديث لشخصية سورية ذات حيثية مع سفيرنا بدمشق ينتقد فيها مواقفنا من الملف النووى الإيرانى وتصميمنا على المطالبة بإخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل.. ويقول لنا إن إيران تطور فعلا قدرة نووية عسكرية.. وهذا لصالح التوازن الاستراتيجى مع إسرائيل ولا ضرر على العرب.. ولم يهتم هذا المصدر السورى أن يدقق فى أن هذا الجهد الإيرانى لا يعنى سوى أن إيران ستكون قادرة نوويا وأن سلاحها النووي، مثله فى ذلك مثل السلاح النووى الباكستانى سيخدم فقط مصالح إيرانية وباكستانية وليست عربية أوإسلامية. كانت مصر ترفض ازدواجية المعايير التى تحكم مواقف القوى الغربية تجاه هذا الملف النووي، وكنا نطالب بمعاملة إسرائيل نفس معاملة إيران وغيرها.
الحلقة المقبلة «إسرائيل.. الملف الفلسطينى.. وفشل التسوية»
نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.