مرة أخرى يضرب الإرهاب الأراضى اللبنانية من جديد، ويعاود حصد الضحايا وتدمير الممتلكات. فبعد التفجير الكبير الذى حدث فى عام 2005 وأودى بحياة رئيس الوزراء اللبنانى الأسبق رفيق الحريرى، يضرب تفجير آخر بواسطة سيارة مفخخة حى الأشرفية شرقى بيروت ويودى بحياة ثمانية قتلى منهم العميد وسام الحسن رئيس فرع المعلومات بقوى الأمن الداخلى اللبنانى، بالإضافة إلى 78 جريحا من المدنيين وتكسير وتدمير العديد من المحلات والبنايات والسيارات. وأعقب ذلك اشتباكات واحتجاجات مسلحة وقطع للعديد من الطرق وحرق للإطارات مما ينذر بعواقب وخيمة واتجاه لبنان نحو المجهول، وتفجير الأوضاع الداخلية ونسف حالة الاستقرار والسلم. يبدو أن هذا البلد أصبح لزاما عليه أن يعيش فى أزمات متكررة ومتعاقبة طوال تاريخه، فلن يلبث أن يخرج من أزمة إلا ويدخل فى الثانية مباشرة، أزمة الحرب الأهلية فى لبنان التى استمرت من 1975 إلى 1990 أى ما يقرب من 15 عاما راح ضحيتها أكثر من 150 ألفا، وانتهت بتوقيع اتفاقية الطائف فى عام 1989 والتى قننت الوجود السورى فى لبنان عسكريا وأمنيا واستخباراتيا، وكانت وبالا على لبنان ولكن انتهى هذا الوجود السورى "النظرى" فى عام 2005 وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 1559 (ولكن أتصور أنه لم ينته عمليا من خلال وجود تعاون وتنسيق كامل بين النظام السورى وعدد من القوى اللبنانية الموالية وعلى رأسها حزب الله والذى له وزراء فى حكومة نجيب ميقاتى الحالية) فى أعقاب التفجير الإرهابى الذى أودى بحياة رفيق الحريرى فى 14 فبراير 2005، وتم تشكيل محكمة دولية خاصة على إثرها للتحقيق بشأن مرتكبى الحادث ولم تتوصل حتى الآن إلى الفاعل الحقيقى بالرغم من مرور أكثر من سبع سنوات على الحادث اللهم إلا اتهام بعض العناصر من حزب الله وبعض العناصر السورية، وكذلك اغتيال الصحفى والنائب السابق جبران توينى فى ديسمبر من العام 2005. هذا بالإضافة إلى الأزمات المتكررة وحالة الاستقطاب السياسى بين الفصائل اللبنانية المختلفة من سنة وشيعة ودروز ومسيحيين وشركس.. إلخ على اقتسام كعكة السلطة والبرلمان، وانقسام القوى اللبنانية إلى فريقين أساسيين هما قوى 14 آذار وقوى 8 آذار. وتأتى الطامة الكبرى من الجنوب اللبنانى حيث حزب الله الذى يعتبر دولة داخل الدولة، فالبرغم من أنه يعتبر شوكة فى حلق إسرائيل إلا أنه فى أحيان كثيرة يمثل عبئا على لبنان وشعبه ولا ننسى حينما نزلت ميليشيات حزب الله إلى بيروت فى ما يشبه حرب الشوارع فى مايو 2008 وقامت بالاشتباك مع قوى الأكثرية ومنها قوى 14 آذار، واحتلالها لعدد من المدن فى بيروت قبل انسحابها بعد ذلك. ثم جاء يوم الجمعة 18 أكتوبر 2012 ليهز حى الأشرفية فى العاصمة اللبنانية بالقرب من حزب الكتائب اللبنانى المعارض انفجار كبير على إثر سيارة مفخخة تبعها انفجار عدة سيارات أخرى أودت بحياة رئيس فرع المعلومات بجهاز الأمن الداخلى. لا يمكن تفسير هذا الحادث وقراءته بمعزل عن الأحداث التى تجرى فى سوريا من مذابح دموية يتعرض لها الشعب السورى يوميا على يد الطاغية بشار الأسد ونظامه الغاشم، فالنظام السورى- وحلفائه فى لبنان – هو المستفيد الأول من هذه التفجيرات لإرهاب مواطنى لبنان وزعزعة استقراره وأمنه وإثبات أنه مازال نظاما قويا وله خيوط داخل الأراضى اللبنانية. على الجانب الآخر يعتبر العميد وسام الحسن من أشد معارضى الوجود السورى فى لبنان، وكان له الدور الأبرز فى كشف المخططات الإرهابية التى كان النظام السورى يعتزم تنفيذها فى لبنان - بهدف إحداث فتنة طائفية وحرب أهلية جديدة بين أبناء الوطن الواحد - عن طريق وزير الإعلام اللبنانى السابق ميشال سماحة والذى تم القبض عليه مؤخرا ى. كما كان له دور بارز وأساسى فى التحقيق فى سلسلة الجرائم والاغتيالات التى استهدفت شخصيات لبنانية معارضة بين أعوام 2005 و2008 والتى كان أبرزها بالطبع اغتيال رفيق الحريرى. كما تعرض العميد وسام الحسن مؤخرا إلى حملة تشويه من بعض الأبواق والمنابر الإعلامية اللبنانية الموالية لسوريا متهمة إياه بتدريب مسلحين لبنانيين للقتال ضد النظام السورى. إن هذا الحادث لن يكون الأول لن يكون الأخير طالما استمر النظام السورى قائما ولم يسقط. فهذا النظام يريد صرف الانتباه عما يحدث فى سوريا من مجازر ومذابح يومية، ويهدف إلى تصدير الفوضى ونشرها إلى كل الدول المجاورة له ويساعده بالطبع فى ذلك حلفاؤه الذى يستند عليهم وعلى رأسهم نظام الملالى فى إيران الذى يعتبر أن ما يحدث فى سوريا شأنا داخليا خالصا لا يحق لأى دولة التدخل فيه. يريد نظام الأسد أيضا تصفية معارضيه وإسكاتهم إلى الأبد ليس فقط فى لبنان أو سوريا ولكن فى الدول العربية المناهضة للنظام والمطالبة بإسقاطه. على الفصائل اللبنانية المختلفة أن تتكاتف وتتعاون وتنحى خلفاءها جانبا، وأن لا تقع فى الفخ الذى يريد أعداء لبنان أن ينصبوه له لضربه واغتياله، مع ضرورة ضبط النفس والعمل على نزع بذور الاحتقان لوقف أية مواجهات من شأنها زعزعة الاستقرار والسلم الأهلى فى البلاد.