القوات المسلحة تهنئ الرئيس بعيد الأضحى    أمين الأعلى للشئون الإسلامية يُهدي كلية الشريعة والقانون مجموعة من الإصدارات المترجمة    نائب رئيس اتحاد نقابات عمال مصر من جنيف: المنصات الرقمية تفرض تحديات جديدة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية للعاملين    4 قرارات جديدة للأعلى للإعلام بشأن بعض البرامج الرياضية    بدء اختبارات عمال مصريين للعمل في صناعة الزجاج بالأردن    "البلدوزر وأبوالمعاطي".. قرارات عاجلة من الأعلى للإعلام ضد برامج رياضية    سويلم يتابع ترتيبات "أسبوع القاهرة الثامن للمياه"    تفاصيل مشروعات توسعات 3 مدن جديدة    وزير الطيران يلتقي وفدا من مسئولى البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية    وصول جميع حجاج السياحة المصريين إلى الأراضي المقدسة    نائب وزير السياحة تشارك في إطلاق المنتدى السياحي الدولي الأول لمسار رحلة العائلة المقدسة    أداء القطاع الخاص بمصر يتباطأ إلى أقل وتيرة في 3 أشهر بمايو    وزيرة التخطيط تناقش مع "جولدمان ساكس" تطورات الاقتصاد المصري    بعد استهداف منتظري المساعدات.. أول تعليق من حركة حماس على مجزرة رفح؟    بعد إقالات ترامب.. مسؤول هولندي مؤيد لإسرائيل ينسحب من الحكومة    ما تحملتيه فوق مقدرة البشر، رسالة مؤثرة من ساويرس للطبيبة آلاء النجار    بلدية غزة تطلق نداءً عاجلا لتوفير الآليات والوقود    الصحة الفلسطينية: مراكز المساعدات في غزة تحولت إلى مصائد موت تهدد حياة المدنيين    الزمالك وبيراميدز يتنافسان لخطف لاعب مودرن سبورت    هل يرحل لاعب الزمالك للمشاركة مع الوداد في المونديال؟ الغندور يوضح    برونو فيرنانديز يرفض عرضًا مُغريًا من الهلال السعودي    قبل نهائي الكأس.. أرقام الحكم محمود بسيوني مع الزمالك وبيراميدز هذا الموسم؟    إحالة حارس جراج للجنايات بتهمة قتل زوجته وإلقاء جثتها بصحراء زهراء المعادي    فتح التحقيق في واقعة إصابة سيدة بجروح خطيرة نتيجة سقوطها من الطابق الثامن بالزقازيق    موسم الحج 2025، السعودية تعلن جاهزية قطار المشاعر المقدسة لبدء تشغيله اليوم (فيديو)    161 ساحة لإقامة شعائر صلاة عيد الأضحى في بني سويف    رياح ورمال.. الأرصاد تُعلن ارتفاع في الحرارة مع نهاية الأسبوع    سرداب وهبوط أرضي.. النيابة تستجوب 5 متهمين بالتنقيب عن آثار بقصر ثقافة الطفل في الأقصر    «أمن المنافذ»: ضبط 2628 مخالفة مرورية وتنفيذ 162 حكمًا قضائيًا خلال 24 ساعة    محافظة القاهرة ترفع درجة الاستعداد القصوى بالمستشفيات خلال إجازة عيد الأضحى    نقابة المهن التمثيلية تنعى الفنانة الراحلة سميحة أيوب    يسرا تنعى سميحة أيوب: مثال للالتزام والرقي وجسدت بعطائها معنى الفن الحقيقي    بكلمات مؤثرة حنان مطاوع تنعى سميحة أيوب    أول رد من مها الصغير بعد شائعات ارتباطها ب طارق صبري    احذرهم.. 3 أبراج قاسية في التعامل يصعب كسب ودهم بسهولة    بالأسماء، الطلاب الفائزون في مسابقة "تحدي القراءة العربي"    تخصيص 366 ساحة لأداء صلاة عيد الأضحى بالقاهرة    دعاء العشر الأوائل من ذي الحجة لزيادة الرزق وقضاء الحوائج.. ردده الآن    مستشار الرئيس: إجراءات لضبط نقل الدواء مع المسافرين    تحذير عاجل من بعثة الحج الطبية بشأن يوم الصعود لجبل عرفات    محلية النواب تبدأ مناقشة طلبات إحاطة بشأن مستشفى الناس    تفاصيل بحث علمي دولي حول مستقبل رعاية الكلى في مصر بكلية طب قصر العيني    الكهرباء: "الضبعة" تستقبل المولد التوربيني للوحدة النووية الأولى قبل نهاية 2025    مقتل شخصين وجرح 4 أطفال في هجوم روسي على مدينة سومي الأوكرانية    تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياة سميحة أيوب «سيدة المسرح العربي»    محمد مصيلحى يرفض التراجع عن الاستقالة رغم تمسك المجلس ببقائه    من الصفائح التكتونية إلى الكوارث.. كيف تحدث الزلازل ؟    فلسطين ترحب برفع عضويتها إلى «دولة مراقب» في منظمة العمل الدولية    رفع درجة الاستعداد القصوى بالمنشآت الصحية بالأقصر خلال إجازة عيد الأضحى    شوبير يكشف الفارق بين موقف الزمالك في شكوى زيزو وأزمة ديانج مع الأهلي    وفاة الفنانة سميحة أيوب عن عمر يناهز 93 عامًا    محافظ أسيوط يتفقد المركز الصحى الحضرى لمتابعة مستوى الخدمات الطبية    الحج 2025 .. ماذا يقال عند نية الإحرام ؟    أسعار طبق البيض اليوم الثلاثاء 3-6-2025 في قنا    إيذاء للناس ومخالفة لأخلاق الإسلام.. دار الإفتاء توضح حكم ذبح الأضاحي في الشوارع    الحج 2025.. هل يجوز للمحرم إزالة شيء من شعره أو أظفاره أثناء إحرامه    «مقدرش احتفل قدام الزمالك».. رسائل خاصة من مصطفى فتحي قبل نهائي كأس مصر    «كل حاجة هتبان».. هاني سعيد يرد على رحيل إدارة بيراميدز والدمج مع مانشستر سيتي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معتقل «أين ربكم؟»
«باجرام» أسوأ من جوانتانامو، ومعتقلاتنا أسوأ من باجرام..
نشر في اليوم السابع يوم 27 - 03 - 2009

مَن أكثر المستفيدين من 11 سبتمبر؟.. الأنظمة العربية بكل تأكيد، لقد خسرت أمريكا وخسرت القاعدة وخسر المعتدلون وخسرتُ أنا وخسرتَ أنت، لكنّ أنظمتنا فى غفلة من الزمن ، منحت نفسها رخصة لتصفية معارضيها والتنكيل بهم وسن قوانين جديدة لإحكام قبضتها باسم الأمن، وباسم الله، وباسم الأخلاق، وباسم ما يوصف بالحرب على الإرهاب.
فى هذه الأثناء يتجه الرئيس الأمريكى الجديد إلى محاولة تصفية إرث ثقيل، من خلال عدة خطوات بدأها بالإعلان عن إغلاق معتقل جوانتانامو سيئ السمعة فى غضون عام. غير أن هناك ما هو أسوأ.. بكثير.
قبيل نهاية عام 2003 كان المواطن اللبنانى، خالد المصرى، الذى يحمل أيضاً الجنسية الألمانية، فى طريقه إلى إجازة رخيصة فى مقدونيا، استوقفته سلطاتها على الحدود الصربية المقدونية فيما بدا إيعازاً من أحد، كان اسمه فى جواز سفره الألمانى كافياً لالتقاطه، اقتيد المصرى مكبلاً بالأغلال إلى فندق صغير فى العاصمة المقدونية، اسكوبيا، لم يكن فندقاً فى عينيه، كان معتقلاً كئيباً بقى فيه رهن التحقيق لمدة ثلاثة وعشرين يوماً.
عند نهايتها، وفقاً لما رواه لنا خالد المصرى، عرض عليه ضابط الأمن الذى كان يقوم بالتحقيق أن يعقد معه صفقة: «أنت تقول إنك مع القاعدة ونحن نسمح لك بالعودة إلى ألمانيا»، رفض المصرى فغادر الضابط تاركاً المجال لأشباح وكالة الاستخبارات المركزية، سى آى إيه، فى مشهد رهيب تشابهت تفاصيله مع تفاصيل مشاهد أخرى حكاها لنا ضحايا آخرون، «فى داخل الغرفة وأنا معصوب العينين انهالت علىّ ضربات من كل الجهات، وبآلات حادة، ربما تكون مقصات أو سكاكين، قطّعوا الملابس.. يعنى كل شىء.. حتى أصبحت عريانا تماماً، وفى هذه الفترة كنت أسمع صوت آلات تصوير تلتقط بعض الصور، ثم دفعنى أحدهم إلى الأمام، إلى الجدار، وكان واقفا شخص أمامى أزاح العُصبة عن عيونى فنظرت فوجدت ربما سبعة أو ثمانية أشخاص فى الغرفة، كلهم ملثمون باللون الأسود وبلباس أسود، حتى الكفوف لونها أسود، ولا أحد تكلم خلال هذه الفترة أى كلمة».
لم يكن خالد المصرى يعلم أن هناك التباساً بين اسمه واسم أحد المطلوبين أمريكياً، مجرد تشابه بسيط فى الأسماء، ولم يكن يعلم أن هؤلاء الأشباح يمثلون فرقة من فرق السى آى إيه التى انتشرت فى أنحاء العالم تقتنص من تشاء فى إطار ما علمنا بعد ذلك أن اسمه Extra ordinary Rendition Program (برنامج الترحيل غير العادى)، كما لم يكن يعلم أنه الآن على وشك «الترحيل غير العادى» إلى قبو سحيق فى مكان ما، لا يعرف الذباب الأزرق سبيلاً إليه.
«هذا السجن تحت الأرض ودائماً ظلام. ظلام فى ظلام. يجعلونك تستمع فيه (من خلال مكبرات صوتية) إلى موسيقى من نوع خاص طول الوقت لمدة 24 ساعة فى اليوم، حتى هذه الأغانى باللغة الإنجليزية تشتم الله والرسول وتمدح أمريكا وإسرائيل، وبعدين يحطوا لغسيل الدماغ أشياء مثل (وِينُه الله؟ ومش شايفكم ليش؟ وليش ما يخرّجكم من هنا؟)».
لم يكن خالد المصرى يعلم أيضاً (وربما لم يكن ليصدق) أن طائرةً خاصة قد نقلته لمسافة تزيد على أربعة آلاف كيلومتر من مقدونيا إلى أفغانستان (لاحقاً أكد العلماء الألمان صدق روايته عندما حللوا عينات من شعره)، هناك ألقوا به إلى معتقل سرى داخل قاعدة باجرام العسكرية التى ورثها الأمريكيون عن السوفييت، وقاموا بتحديثها عام 2002، نعلم الآن، إنه لدى تلك النقطة من الزمن كان المعتقل يعج بهؤلاء الذين أُلقى القبض عليهم، سواءٌ داخل أفغانستان أو خارجها، فى أحلك فترات ما يوصف بالحرب على الإرهاب، لم يكن كثيرون يعلمون أيضاً أنه بحلول ديسمبر 2002 كان أفغانيان معتقلان فى باجرام قد لقيا حتفهما جراء التعذيب والض،رب المبرح على أيدى المحققين العسكريين الأمريكيين، وهو ما لم يحدث حتى فى جوانتانامو.
فى الوقت نفسه كانت أنظمة عربية قد فتحت أحضانها للفرصة الذهبية، فأمدت الأمريكيين بقوائم طويلة من «الأعداء المشترَكين»، نشطت أشباح سى آى إيه فاقتنصت عدداً كبيراً منهم، خاصةً فى دول غربية، وصدّرتهم إلى معتقلات تلك الحكومات، ومن أبرزها مصر وسوريا والأردن والمغرب. الروايات التى سمعناها عما حدث لهم فى تلك المعتقلات يقشعر منها البدن ويندى لها الجبين.
كان هذا نتيجة طبيعية لأجواء الأيام المائة الأولى التى أعقبت الحادى عشر من سبتمبر، أجواء الذعر والكراهية والانتقام والغرور التى نفخت فيها إدارة بوش الصغير قدر امتلاء بطونها بالهواء. إذا كنت تعتقد، مثلما كنت أعتقد أنا، عندما زرته ضمن وفد صحفى فى بداية عام 2002، أن جوانتانامو أسوأ المعتقلات، فإننى أدعوك إلى أن تفكر مرةً ثانية وإلى أن تقرأ كتاباً سيصدر الأسبوع القادم عن دار نشر Oxford University Press (أوكسفورد يونيفيرستى بريس) عنوانه: «The Least Worst Place: Guantanamos First 100 Days» (أقل الأماكن سوءا: الأيام المائة الأولى فى جوانتانامو).
مؤلفة الكتاب، كارين جرينبيرج، وهى أيضاً مديرة مركز القانون والأمن فى جامعة نيويورك، كرست حياتها مع فريقها فى المركز وزملائها وأصدقائها من خارجه، لفضح الأساليب غير القانونية لإدارة بوش ونزواتها منذ الحادى عشر من سبتمبر، فى هذا الكتاب ترسم صورةً حية للظروف التى أحاطت بتحول قاعدة عسكرية أمريكية لم نسمع بها من قبل إلى أشهر معتقل فى التاريخ المعاصر، وترصد الصراع الذى دار فى البداية بين ضباط القاعدة الذين أصروا على احترام القوانين الدولية، وفريق آخر من رجال المخابرات التابعين للبنتاجون.
انتصر الفريق الثانى كما نعلم الآن وتحولت الشفافية إلى ظلام وتحولت البروتوكولات العسكرية المتعارف عليها إلى انتهاكات فاضحة لإجراءات التعامل الأساسية وتحولت المعاملة القانونية والإنسانية للمعتقلين إلى غطرسة وتعذيب.
تلاحظ جرينبيرج أيضاً أنه منذ الإعلان عن بدء إجراءات تصفية جوانتانامو، بدأ سكان باجرام يتزايدون، وإن كنا لا نعلم عددهم تماماً ولا جنسياتهم ولا ظروف اعتقالهم ولا التهم الموجهة إليهم، إذا كان الرئيس الأمريكى الجديد عازماً حقاً على فتح صفحة جديدة ،تطرح عن بلاده عبء الانحطاط الأخلاقى والقانونى، فهذا هو الطريق: الشفافية القانونية، قولوا لنا مَن تعتقلون، وأين تعتقلونه، ولماذا؟ وجهوا له تهمة واضحة واسمحوا له بالدفاع عن نفسه أمامنا جميعاً، لعل العالم يحترمكم مرةً أخرى، اشطبوا كل المصطلحات البلهاء التى صكها دونالد رامسفيلد وشركاه، وامسحوا كل «القوانين» التى استحدثتموها باسم «الحرب على الإرهاب» فهى لا تعنى سوى أنكم ضعفاء لم تستطيعوا أن ترتفعوا إلى مستوى التحدى الأخلاقى والقانونى.
ليس المطلوب هو تصفية باجرام مع جوانتانامو فى آنٍ معاً وحسب، بل أيضاً محاكمة المسئولين عن الفظاعات التى حدثت فيهما، وفى أبو غريب، وفى معتقلات الأنظمة العربية بتشجيع مباشر من واشنطن، آخر ما يحتاجه أوباما وهو يحاول التخلص من هذا العبء الثقيل أن يُستخدم، كما استُخدم غيره، فى لعبة القط والفأر؛ فلا يزال فى واشنطن من يعتقد أنه «إذا لزم الأمر فدع الحثالة تقوم بدلاً منك بالأشياء القذرة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.