علماء الطب النفسى ومختصوه واجب عليهم التدخل السريع لدراسة الحالة النفسية الصعبة التى أصابت الشعب المصرى جراء حكمه بالقهر والكذب والخداع والإفتراءات وتزييف المعلومات ولى أعناق الحقائق والتعتيم عليها بما يناسب توجه النظام طيلة قرن مضى ، مما أسفر عن تكوين ثقافة يعلوها الصدأ والتشويه والتشويش لدى عامة العقول فى الشارع المصرى ، ولم ينج من هذه الجريمة الشنعاء إلا القليل الذى هرب بعقله وفكره ونفد بجلده من سطوة النظام ، واختبأ بين كتبه ومراجعه واحتمى بين دفتيها من جهل السلطان الغشيم الغاشم . وكانت النتيجة الحتمية غياب الوعى الحقيقى وعدم صحة الحكم على الأشياء والأشخاص والأحداث ، وأصبح العقل يرقد فى غيبوبة فكرية تعجز عن مواكبة العصر ، فاستقرت ساكنة جامدة فى قوقعة زجاجية منعزلة عن العالم وفكره المتحضر الحديث ، وشمل هذا الانعزال والإقصاء والإخصاء الذهنى نواحى الحياة المتعددة سياسيا وثقافيا ودينيا وفنيا ، فأصبح فهمنا وإدراكنا حولها بعيدا قاصيا عن مجاراة التطورات العالمية المحيطة بنا ونأت بنا بل وطردتنا من مضمار السباقات العالمية فأصبحنا فى ذيل القوائم . ورغم التقهقر الواضح إلا أننا لم يعد يعترينا أى أسف أو ندم أو إحساس بتأنيب الضمير وكأننا أدمنا هزيمة النفس التى أصبحت عادة لدينا بل أصبح التماس العذر ثم النسيان هما ترياق المرض المزمن ودواؤه، فتكونت بذلك جدران وحوائط من خوف وهلع بنته الأوهام فصدقناها كمن يصدق سرابا فى يوم قائظ شديد الحر . وليس عيبا أن نواجه هذه الجدران والعيوب ، لنختار المعاول المناسبة لهدمها وإزالتها . شيد المسلمون فى مصر حائطا وهميا من اللحية والجلباب واعتقدوا أن هذا صك دخول الجنة ، وتغاضوا عن المعاملات والمعاشرات ، بينما كان الصحابة الأجلاء يتعاملون مع الله بمبدأ " فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز " وأعطاهم هذا الحائط الحق فى تكفير الغير وحسابهم دون النظر لأعمالهم وتصرفاتهم بدلا من دعوة الغير والتى هى الواجب الأساسى لوجودهم على الأرض .. كما شيد المسيحيون جدارا وهميا من الخوف من سطوة المسلمين ، والتفتوا إلى كلمات جديدة وغريبة عن القاموس المصرى مثل الأغلبية والأقلية ، الكيان المسيحى ، حرية الأديان والعقيدة ، التمييز ، وكأن المسيحيين سكان جدد فى مصر يريدون تأشيرة دخول ، ونسوا أن عمرهم من عمر تاريخ مصر يجاورون فيه المسلمين كتفا بكتف منذ قرون دون أن يسأل عن دينه وهويته . وشيد المصريون حولهم جدار الوهم والرعب من أمريكا ، التى هى أولى بلاد العالم تقدما ونجاحا وغنى ، وأصبحت رؤيتنا محدودة قاصرة على سياساتها وميزانها ذى الكفة الواحدة ، ولكن العالم كله يهرع إليها لطلب علومها المختلفة الراقية المتقدمة ، وأقحمنا فى علاقتنا بها شعارات وهمية ، كالعدو والشيطان .. دون أن نجعلها هدفا حضاريا نسمو إليه ، ونتشبس بآرائنا الجامدة ، ثم نسعى إليها سعى الحية إلى جحرها لنتعلم وندرس ونعمل بها . كذلك شيد المصريون جدارا وهميا من الخوف من إيران ، بحجة واهية وهى المد الشيعى وعدم إغضاب دول الخليج ، متناسين التغيير المنهجى الفكرى والسياسى والتقدم الأقتصادى والنووى المذهل لأيران ، الذى تغازله دول العالم بما فيهم الغرب ، حتى الفن الذى حصلت فيه إيران على المركزالثانى فى صناعة السينما بعد الهند ، وحصل فنانوها وفناناتها على العديد من جوائز المهرجانات . أما دول الخليج فقد استقبل العاهل السعودى الرئيس الأيرانى فى قمة مجلس التعاون الخليجى بالأحضان الصديقة ودعاه لحج العام ، فلماذا نتقوقع نحن بين جدران حائط خوفنا ولا يتقوقع الآخرون ؟ وشيد المصريون حائط خوف من الأخوان المسلمين ، رغم أن كثيراً من العامة والخاصة يعرفونهم ويتعاملون مع أفرادهم ليل نهار ، وكأن هذه الجماعة لا تنتمى إلى الشعب ، وكما كان ذكر إسم الجماعة فى الماضى خطيئة لاتغتفر ، لازال هذا الحائط منصوبا ولازال ذكرهم يثير فى النفس خوفا لا مبرر له ، والأمر بيد الجماعة نفسها لهدم حائط وجدارالخوف ونيل ثقة المصريين . . وشيد المصريون جدار الشك والريبة من الفن والفنانين ، فأصبح كل فنان ماجنا وكل فنانة خاطئة ، فأصبح الفن فى عيون المنعزلين خلف الجدار رذيلة ، وكان ذنب الفن أن استخدمه النظام وسيلة لأقناع العالم بمصر الحرة الليبرالية العلمانية التى لاتضع حدودا لحرية التعبير والأبداع ، فانتشرت مايسمى بأفلام المقاولات وعلا صيت التوافه من مدعى الفن ، ونسى البعض من أهل الفن ما فعله الفن لتغذية الشعور الوطنى والقومى واستثارة النخوة الكامنة فى الصدور والقلوب ضد الطغاة وأن الفن خادم لسلوكيات المثالية ومحارب للشذوذ الفكرى ، وأخفت الدولة إبداعات سيد درويش وبيرم وبديع خيرى ويوسف وهبى والريحانى فغابوا عن أجيال متلاحقة لاتعرفهم ولم تر أعمالهم ، وكممت أفواه المبدعين المعاصرين فأصبح الفن المسموح به هو فقط المثير للشهوات والذى يطلق العنان للتفاهات والسطحيات . وشيد المصريون جدارا من الثقة المفرطة فى نخبة إدعت الثقافة والمعرفة وحب الوطن ، مستغلين طيبة وصفاء قلب الشعب وجهله وتدهور ثقافته ،فاحتلوا صدارة المشهد ظلما وعدوانا ، ونالوا الشهرة المدعمة من النظام ، ونام الشعب واستيقظ على أقوالهم وسطحياتهم ، فوضعهم نصب عينيه ، ليكونوا قدوة له ، بينما اختفت العقول الواعية الفاهمة الشبيهة بالماس – راغبة أو مكرهة – وتوارت وانكفأت على تراثها تجتره وتبكيه .. وشيد الرجال فى مصر جدارا أوهمهم أن المرأة ليست إلا جسداً خلق لمتعة الزوج وإنجاب الأولاد ، فلا يرى فيها إلا سيقانا وبروزا هنا وآخر هناك ، فأصبحت الفتاة فقط للتحرش الجنسى دون إعتبار إنسانى أو خلقى ، ولم لا وكل وسائل الإعلام والأغانى والمسلسلات والأفلام تتحدث فقط عن المرأة بصفتها حبيبة أو عشيقة ذات إغراء فى بلد الجنس فيه ممنوع والزواج فيه مرفوع من الخدمة لقلة ذات اليد . فأين الأفلام التى تحكى عن مشاهير نساء لهن تاريخ فى العلم والأدب والحضارة ؟ وأين التوعية ؟ وأين عقاب المتحرشين وتجريمهم؟ وشيد الشعب جدارا أوحى لنفسه تحته أنه الإبن الوحيد للحكومة التى تهبه العطايا والمنح والطعام والشراب ، وما عليه إلا الجلوس والأنتظار بعد توقيعه فى سجل الحضور والأنصراف فى عمله ، أما الأنتاج والجهد والتفانى والأخلاص والأمانة والصدق والتعاون والأجتهاد والمثابرة فهى واجبات مفروضة فقط على المسئولين عنه وعليهم أن يقوموا بها ويحسنوا أداءها ، متكئين على حضارة قديمة تلاشت منذ آلاف السنين ولم يبق منها سوى أطلالها وحجارتها ،هكذا تعلم البعض من أنظمة أخطأت فى توعية الجماهير بحقوقها وواجباتها ، فأصابتها عشوائية وأنانية الأختيار فى الكسب دون عناء ، كسب مشروع أو غير مشروع لايهم ! إنها جدران من خوف وأوهام بنتها الأنظمة وقبع تحتها بسطاء مصر وعامتها وآن الاوان لتحطيم كل هذه الجدران ، قد يستغرق ذلك يوماً أو سنيناً ، أو أعماراً ، ولكنها ستتحطم مثلما تحطمت الأصنام التى صنعتها .