بقلم : حمزة قناوي منذ 55 دقيقة 58 ثانية تري لماذا يعيش بعض الأقباط في خوف دائم في وطنهم مصر؟ لقد تزايد هذا الخوف بعد اتساع المد الإسلامي بعد عام 1967، والآن لماذا يخشي الأقباط تنفيذ مبادئ الشريعة الإسلامية مع أن التفسير المستنير للشريعة لا يضر الأقباط لأنه لا يفرض علي غير المسلمين ما يفرضه عليهم دينهم؟ أصبح من السهل اهتزاز الوطن بأكمله لمجرد حادث بسيط قد لا يستحق الكثير من الاهتمام من أمثال اعتناق شخص ما لديناً غير دينه فيثور الكثيرون، أو بناء مسجد في منطقة ما بها كنيسة قيد الإنشاء ولم تكتمل منذ فترة.. ثم تهدأ العاصفة من دون أن نحل أي أشكال جذرياً أو أن نتعمق في فهم أسباب المشكلة الحقيقية التي قد يكون أهمها الخوف والقلق الذي أصبحنا نعيشهما في مصر. تذكرت ما قاله رشدي سعيد من أنه علي طول التاريخ لم تحدث الفتنة الطائفية إلا في أوقات متباعدة نتيجة حاكم ضعيف يحاول أن يشغل الناس عنه وعن فساده وفشله وهو ما كان سائداً في مصر خلال العقود الماضية وتحديداً في فترتي حكمي الرئيسين السادات ومبارك. إن هذه الحوادث المتفرقة والأجواء المحتقنة تدفعني للتساؤل: ما هي هوية الشعب المصري الآن؟ وهل هي للدين أم للوطن؟ إن الإخوان المسلمين لا يمانعون في حال تولوا السلطة أن تصبح مصر إحدي حواضر الخلافة الإسلامية.. مجرد حاضرة من حواضر الخلافة.. قد يكون مركز هذا الحكم باكستان أو أفغانستان حتي! تخيلت مصر بكل تاريخها نقطة في بحر ديني إسلامي لا يهتم للوطنية أو الخصوصية التاريخية.. تذكرت أيضاً الأقباط في مصر، واستقواءهم الدائم بأقباط المهجر، خاصة في الولاياتالمتحدة التي تتدخل في شئون مصر كلما مسهم طارئ معتبرة إياهم ورقة ضغط علي الحكومة كلا الفريقين لم يلتفت إلي وطنيته وحب بلده، كلاهما مخطئ. إن في مصر الآن من يري أن المسيحية يجب أن تنتهي من مصر كما انتهت من دول إسلامية أخري، يعتقد البعض أن علي الأقباط أن يدفعوا الجزية وألا يخدموا في جيش بلدهم!، بل هناك بعض من المشايخ والمتعلمين تعليماً عالياً من يحض المسلمين علي عدم التعامل مع المسيحيين جاهلين أو متجاهلين أن مقياس تحضر الأمة هو مدي معاملة الأكثرية للأقلية بتحضر، كان نتيجة كل ذلك أن تقوقع الأقباط حول الكنيسة والتي أصبحت تمثلهم ولكن بدون فاعلية حقيقية، وإن كان لا يوجد أيضاً من يمثل مصالح المسلمين الحقيقية في نظامنا السياسي المعاصر، ظهرت جماعات مسيحية متشددة في الداخل وإن كانت غير قادرة علي استخدام العنف، أما في الخارج فقد تفاعل بعض مصريي المهجر مع ما يحدث وبعضهم تخطي تطاوله ما يرتكبه البعض من عنف أو الدولة من قصور إلي مهاجمة الإسلام، بينما أغلب المصريين وإن استاءوا من بعض ما يحدث في مصر وهذا أمر طبيعي إلا أنهم يمثلون الأغلبية الصامتة شأنهم شأن باقي مصريي المهجر أو في الوطن الأم سواء كانوا مسيحيين أو مسلمين. كنت أعرف أن مشاكل الأقباط لها تاريخ وجذور في مصر.. بدءاً من تحجيم وتحديد حقهم في بناء الكنائس، وألا يتم ذلك سوي بتصريح من رئيس الجمهورية. والأمر ذاته منسحب علي وضع الأقباط وحظهم من التعيين في الوظائف القيادية في سلك التعليم العالي بالجامعة المصرية عمداء كليات أو رؤساء جامعات، وفي هذا ظلم كبير لهم، هذه بعض الأفكار التي طالعتني وأنا أقرأ الكتاب الرائع (المسلمون والأقباط في التاريخ) للدكتور فكري أندراوس والذي يضع يده بأمانة وصدق كبيرين علي أحد أهم مشاكلنا المجتمعية والقومية في مصر والتي تهدد السلم واستقرار الحياة بها. أعتقد أن الثورة المصرية التي قامت لتؤسس مجتمعاً جديداً قوامه العدل والإخاء والمساواة يجب أن تنظر إلي المشاكل التي تراكمت في الملف القبطي وراكمت الاحتقان، فالإنسان المسلم والإنسان القبطي في النهاية هو مواطن مصري وكلاهما له حقوق، وعندما احتشدت مصر في ميدان التحرير لم نجد مصرياً يسأل الآخر عن عقيدته ليشاركه الثورة، وكما اجتمع العنصران في حب مصر واستشهدا من أجلها، ليس أقل عليهما من أن يعيشا لبنائها أيضاً. *كاتب مصري مقيم في الخارج