ربما يسأل البعض ولم الصين تحديداً؟! لم لا تتحدث عن أمريكا أو دول أوروبا الغربية؟ بل ... لم الارتماء فى أحضان هذا أو ذاك؟! وحتى يمكننى الإجابة على تلك الأسئلة، دعنى عزيزى القارئ أعرض عليك بعض الحقائق بشأن التنين الصينى، ووزنه الاقتصادى، ومن ثم تأثيره المستقبلى فى صناعة القرار العالمى: الصين هى أكبر سوق فى العالم، بتعداد سكانى يتعدى 1,4 مليار نسمة، هذا السوق الفسيح مؤهل لاستقبال منتجات مختلف الدول، ومن بينها مصر، خاصة بعد انضمام الصين لمنظمة التجارة العالمية عام 2001، علماً بأن مصر عضو فى ذات المنظمة منذ عام 1995 أى منذ إنشاء المنظمة. يمكن أن يكون السوق الصينى سوقاً خصباً للمنتجات المصرية، إذا ما نجحنا فى قراءة احتياجات هذا السوق، وتمكنا - بحق - من استغلال ميزاتنا النسبية التى حبانا الله إياها. الصين هى أكبر دائن للولايات المتحدة، حيث تستثمر فى أذون الخزانة الأمريكية بما يزيد على تريليونى دولار (أى أكثر من ألفى مليار دولار). وقد تصاعدت دائنية الصين للولايات المتحدة عقب أزمة 2008م، فكانت الصين بمثابة المنقذ للاقتصاد الأمريكى والأوروبى!! ولهذا، بعد أن كان الدولار الأمريكى هو عملة الاحتياط شبه الوحيدة عالمياً حتى سنوات قليلة مضت، تصاعدت حصة اليوان الصينى كعملة احتياط عالمية. أى أن الكثير من الدول بدأ فى تنويع سلة احتياطاته لمصلحة اليوان على حساب الدولار المترنح! الصين هى أكبر مُصدِر فى العالم منذ ديسمبر 2009م. فقد تخطت ألمانيا منذ ذلك التاريخ، ولهذا لا نعجب أن نرى الصين لديها فائض تجارى مع كافة دول وقارات العالم، باستثناء القارة الأفريقية، على النحو الذى عرضت له فى مقال سابق فى هذه الجريدة. الصين على مدى العقدين الماضيين، كانت أكبر جاذب لتدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر بمعدل 50 مليار دولار سنوياً. وقد أدى تدفق هذا النوع من الاستثمار إلى إحداث طفرة كبرى فى قطاع الصناعة الصينى، ولهذا لا نعجب عندما نعرف أن حصة الشركات الأجنبية العاملة فى الصين من إجمالى صادراتها المصنعة تعدت ال 60% مؤخراً! الصين هى أكبر لاعب فى أفريقيا. فهى أكبر شريك تجارى لدول القارة السمراء، كما أنها أكبر مستثمر فى القارة السمراء باستثمارات تتعدى العشرة مليارات دولار سنوياً. ومصر دولة أفريقية وتسعى لإعادة رسم علاقتها مع أفريقيا. لذا علينا أن نتعاون مع الصين بشأن مستقبل التعاون فى القارة السمراء. الأمر الأخير هو أن الصين تسعى للحلول محل الولاياتالمتحدة لتصبح أكبر قوة اقتصادية فى العالم، وفى سبيل ذلك تسعى لعقد شراكات مع الدول المؤثرة لبناء كيانات تدعم هذا الهدف. ومصر دولة محورية يمكنها أن تبنى شراكة إستراتيجية تصب فى مصلحة الطرفين. أنا لا أطالب بالارتماء فى أحضان هذا أو ذاك، ولكن تطور مؤشرات الاقتصاد العالمى، وتغير وتبدل قواعد اللعبة، خاصة بعد أزمة 2008م، يحتم علينا كباحثين التوجيه بإعطاء اهتمام أكبر لآسيا. فإذا كان القرنان الثامن والتاسع عشر هما قرنا أوروبا، والقرن العشرون هو قرن أمريكا، فإن القرن الحادى والعشرين (الذى نحياه الآن) هو قرن آسيا بقيادة الصين واليابان. فقد أصبحت آسيا، بقيادة الصين، مصنع العالم، فى حين تحولت أوروبا والولاياتالمتحدة إلى مركز مالى عالمى، ولهذا وقعت فريسة سهلة لأزمة 2008م، ولا تزال أوروبا تعانى توابع الانهيار. من هذا المنطلق، أدعو الإدارة المصرية الجديدة لأن تتحرك تجاه آسيا عامة، والصين خاصة، وفق منهج علمى مدروس، بحيث نحدد أولوياتنا ومتطلباتنا، ثم ننطلق بعلاقاتنا مع تلك الدول وفق شراكة إستراتيجية قائمة على الندية الكاملة. كما ذكرت فى مقال سابق، الصين وغيرها من الدول المتحضرة لا تتحرك بشكل عشوائى، وإنما وفق تخطيط استراتيجى محكم، ولهذا كانت عظمة النتائج بقدر عظمة المقدمات، والله الموفق.