قال د.شاكر عبد الحميد، وزير الثقافة الأسبق، أنه يتمنى أن يعاد نشر الأعمال الكاملة للكاتب الراحل محمد البساطى، حتى نقرأها مرة أخرى بعناية ونكتشف الأسرار التى وراء هذه الشخصيات فى كتاباته، مشيرا إلى أن كثيراً من أعمال الكاتب الراحل محمد البساطى مهمة، لكنها لم تلق الاهتمام اللائق بها، خاصة وأن لغة الراحل كانت أشبه بلغة أرسطو تتجلى فى أنحاء شتى، وشخصياته تتصف بسمات خاصة. جاء ذلك خلال الندوة التى أقيمت مساء أمس الأربعاء، فى جمعية محبى الفنون الجميلة لتأبين الكاتب الراحل محمد البساطى، والتى حضرها كل من د.شاكر عبد الحميد والناقد حسين حمودة والمخرج محمد كامل القليوبى. وأضاف عبد الحميد أن كتابات البساطى بها قدر كبير من الالتباس، فنجد أن فقدان اليقين منعه من الحكى والسرد، كما أن كثيراً من شخصيات البساطى لا تحمل أسماء، وكلها تبحث عن معنى، وكأن البساطى كان يقول لنا هناك متاهات كثيرة فى الحياة، وأن الموت هو الشىء الوحيد الذى يخرجنا من هذه المتاهه. بينما قال الشاعر شعبان يوسف إن البساطى من الكتاب الذين تميزوا بأنه يعتز بنفسه إلى أقصى الحدود، حتى أثناء مرضه، عندما عرض عليه أشرف عامر فى المجلس الأعلى للثقافة العلاج على نفقة وزارة الثقافة رفض، وظل يعانى من شدة المرض، لأنه كان من الذين يعتزون بذاتهم، مهما عانى من الأزمات، فكان الرجل معتزاً بنفسه، وبما يكتبه، حتى آخر لحظة فى حياته. وأضاف يوسف أن البساطى من جيل الكتاب الذى تميز بالمقاومة الأدبية ضد الطغيان السياسى فى ذلك الوقت، حيث إنه بسبب هذه المقاومة الأدبية الشرسة ضد هذا الطغيان هناك أعمال لم تنشر حتى وقتنا هذا للبساطى، بسبب ما احتوته هذه الأعمال من إدانة لأخطاء النظام السياسى، وتوريطه لنا فى الكثير من الحروب، والتى كان يرى البساطى أنه ما كان هناك داع لأن نخوضها كحرب اليمن على سبيل المثال، مشيرا إلى أن البساطى والراحل الكبير إبراهيم أصلان أضافوا إلى القصة القصيرة بعد أن كانت حكراً على الكاتب الرائع يحى حقى. بينما قال الناقد حسين حمودة إنه فى نهاية السبعينيات، تعرف على نبل الراحل البساطى قبل أن يأثره نبل كتابته، وأكد حمودة على هذا النبل باستشهاده بما قاله الكاتب الراحل يحى الطاهر عبدالله عن البساطى، والذى قال عنه إنه من أذكى وأنبل الناس الذين عرفهم طيلة حياته، وذكر واقعة للبساطى، وهى أن البساطى فى الستينيات والسبعينيات كان لديه جيب داخلى فى البنطلون الذى يرتديه، كان يخبئ به مبلغا، وقدره 10 جنيهات، وأن هذا المبلغ كان يرصده دائما لأصحابه، مشيراً إلى أن البساطى كانت لديه دائما القدرة على التفريق بين من يحاول أن يستعطفه لكى يحصل على هذا المبلغ، وبين من يمر فعلا بأزمة حقيقية. وأشار حمودة إلى أن اكتشاف البساطى بدأ من قصصه الأولى التى جمعها فى "الكبار والصغار"، وحتى نصوصه القصصية والروائية الأخيرة، حيث اكتشف مساحات بينية للتناول والكتابة، حيث ينتفى معها التساؤل حول الانتماء الجغرافى أو الاجتماعى إلى القرية أو المدينة، أو إلى عالم البحيرات، حيث إن عالم البساطى، كما تصورته، اقترن بملامح خاصة به وحده. وأضاف حمودة أنه بعد رحيل البساطى الذى لا أستطيع أن أسلم به، ما زلت أراه بوضوح، كما رأيته دائما واحداً من الشخصيات البسيطة والعميقة التى تسلك سلوكها العابر بعمق، يجعلها تتأبى على كل نسيان، وتدافع كل غياب، وبإنسانيته التى لا حدود لها، ولا بداية ولا نهاية، ترتقى إلى مصاف الخالدين. بينما قال المخرج محمد كامل القليوبى إنه عاصر البساطى فترة 45 سنة كاملة كصديق له، حيث أخرج له فى هذه الفترة فيلم "خريف آدم"، مضيفا إن البساطى كان شخصية حادة يستمد بساطته من اسمه، وأشار القليوبى رفضه دائما إجراءات تعيينه فى المجلس الأعلى للثقافة، لأنه كان يعتقد أن هذا يفقده الكثير من قدرته الكتابية. وأشار القليوبى إلى أن البساطى كانت لديه ذائقة ثقافية عالية، حيث إنه كان بشكل أساسى يقرأ فى الأدب والثقافة العالمية، وأضاف أن البساطى كان يرفض وبشدة علاجه على نفقة الدولة نهائيا، مشيراً إلى أن البساطى كان يستحق أن يحصل على جائزة الدولة منذ زمن، ولكنه كان دائما بعيداً عنها، حتى لا تثار حوله أية شائعات، لافتاً إلى أن البساطى يعد فارساً شهما لا يعوض، ولا يتراجع عن شىء قرره، بالإضافة إلى إحساسه واعتزازه بذاته بقدر كبير.