"ليس تفاخراً إذا كان حقيقة"، بهذه الكلمات بدأت ريبيكا مارتن، نائب رئيس قسم التسويق والاتصالات فى غرفة أوستن التجارية، حديثها الملئ بالشغف والفخر عن مدينة أوستن عاصمة ولاية تكساس الأمريكية للوفد الصحفى المدعو من قبل الخارجية الأمريكية للإطلاع على كيفية إجراء الانتخابات الأمريكية. وأضافت أستن قائلة بحق هى "أفضل المدن للعيش والعمل" فى الولاياتالمتحدة، و"الأصغر والأذكى والآمَن والأسرع نمواً فى العالم"، فهى باختصار "فريدة من نوعها". ورغم الأزمة الاقتصادية الشديدة التى تعرض لها الشعب الأمريكى فى ظل عهد الرئيس الأمريكى، باراك أوباما والتى ألحقت ضرراً بالغاً بفئة الشباب، وبرغم فرض الضرائب على كبرى الولايات وعلى رأسها، العاصمة واشنطن، إلا أن أوستن "العاصمة الإنسانية" على ما يبدو نجت من هذا الإعصار الاقتصادى بفضل رواج وتيرة الأعمال بها، فهى تحتل المرتبة ال14 من حيث حجمها، وتعد أفضل المدن الأمريكية من حيث الأداء الاقتصادى، وأفضل سوق عمل. ومضت مارتن تقول إن أوستن هى المدينةالأمريكية الوحيدة التى تحتل قائمة أكثر 30 مدينة ديناميكية فى العالم، بفضل استقرار سوق العمل بها، وارتفاع مستوى التعليم، خاصة مع وجود جامعة "أوستن"، وهى واحدة من أقوى الجامعات فى العالم، خصوصاً فى مجال الهندسة الكيميائية، وتجتذب عاصمة تكساس أكثر من 59 شركة أجنبية تنقل أصولها وتدير عملها هناك، مما ساهم فى خلق أكثر من خمسة ألاف فرصة عمل وأدر بما يقرب من 8 مليون دولار فى صورة استثمارات أجنبية. واستمرت مارتن فى الترويج للمدينة، قائلة: إن أوستن تحتل المرتبة السادسة بين المدن الأكثر تعليما فى الولاياتالمتحدة والمركز الرابع من حيث البطالة، وتعد من أقل المدن من حيث كلفة العيش، وأقلها من حيث فرض الضرائب. وقالت مارتن إن نجاح المدينة لا يقف عند هذا الحد، فهى تعتبر كذلك "عاصمة الموسيقى الحية فى العالم" لوجود العديد من نوادى الموسيقى والتى تعج بالزائرين طوال أيام الأسبوع، فضلاً عن أنها تلقب بأنها "أفضل المدن للعائلات" و"أفضل المدن للعزاب"، وتتسم بأنها الأكثر إبداعا فى المنطقة والأكثر نشاطا والأكثر رواجا، وفوق هذا كله، تستعد المدينة لاستقبال سباق "فورمولا 1" العالمى للسيارات فى نوفمبر المقبل تحت اسم "سباق الجائزة الكبرى"، مما سيزيد من شعبية المدينة على الساحة العالمية ويرفع من شأنها كمدينة سياحية. ربما يكون كل ما تقوله مارتن حقيقى، إلا أن ذكاءها يكمن فى مهاراتها الترويجية لكل ما هو جيد فى المدينة، فهى تتعامل وكأن تكساس دولة مستقلة بذاتها تتنافس مع باقى الولايات الأخرى، وتفخر بأن قوانينها وثقافتها ومناخها أفضل بكثير من باقى الولايات. وإذا ما قارنا عملية الترويج تلك، بما يحدث فى القاهرة بتاريخها الطويل الذى يمتد لأكثر من سبعة آلاف سنة شهد خلالها سطوع نجم إمبراطوريات وخفوت أخرى، وإرثها الغنى من الحضارة الفرعونية نهاية بالإسلامية، نجد أن هذه العملية ليست كافية. فرغم أن القاهرة تزخر بالآثار القديمة والمتاحف الثقافية الكبيرة والقصور والقلاع، إلا أن الحكومة لا تروج لها كما ينبغى بل لا تحافظ على تلك الكنوز، فى الوقت الذى تجد فيه أوستن مثلا تقدس متحف "بوب بولوك" رغم أنه لا يضم الكثير من المعروضات، لكنه معد ومجهز تكنولوجيا بأحدث وسائل الترفيه، مثل شاشات العرض الكبيرة التى تعرض تاريخ المدينة، بمصاحبة المؤثرات الخارجية، والاسطوانات الغنائية الشهيرة التى يمكن للزائر أن يستمع إليها بمجرد الضغط على زر "استماع". وفى المقابل مثلا، يوجد بالمتحف المصرى آلاف من القطع أثرية المخزنة فى طابق تحت أرض المتحف، غير معروضة لعدم وجود مكان لها، تكفى لفتح متحف جديد، ويعشق الأجانب الآثار المصرية، حتى أن زميل ألمانى قابلته ضمن الوفد الصحفى التى دعته الخارجية الأمريكية يدعى تل أوتليز، قال لى "لماذا تريدون آخذ تمثال رأس الملكة نفرتيتى، أليس كافيا ما تملكونه، أنا أعشق هذا التمثال من صغرى، وتربطنى به علاقة إنسانية وسأحزن كثيرا إذا آخذتموه"، وبات التمثال النصفى لنفرتيتى رمزا ثقافيا لبرلين وكذلك لمصر القديمة، فهو القطعة الأشهر فى العاصمة الألمانية. القاهرة تحظى بالكثير من العوامل التى تجعل كل أبنائها يفخرون بها، إلا أننا على ما يبدو نرفع شعار غير ذلك الذى ترفعه أوستن "ليس تفاخرا إذا كان حقيقة"، ونحمل "نحن لا نفخر بما نملكه"!.