كثيرًا ما أفصح سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى علنا، عن عدم المساس بحقوق مصر التاريخية من مياه النيل، وهذه الأحاديث تحمل فى ثَنَايَاها الطابع الإلزامى للاتفاقيات التاريخية، التى وقعتها دول الحوض، والتى تضمن لمصر حقها التاريخى والثابت من مياه النيل، وتكرَّسَ اتفاقية عام 1929 هذا الحق، ودون التعمق أو التوسع فى مدلول بنودها، إلا أنها تتضمن نصوصًا قانونية، تنظم الحصص المائية بين مصر ودول الهضبة الاستوائية لقارة إفريقيا، والتى كانت تقع تحت نير الاحتلال الإنجليزى فى ذلك الوقت، وهذه الدول هى "أوغندا وتنزانيا وكينيا"، وبما أنها كانت دولاً منقوصة السيادة جراء خضوعها للاحتلال، إلا أن مصر كان لها الاستقلال الذاتى، بصدور تصريح 28 فبراير من عام 1922، الذى اعترفت به بريطانيا، وباِنْتِهاء الحماية على مصر، والتى قد فرضتها عليها عام 1914، ثم جاء دستور عام 1923، الذى نص فى مادته على أن "مصر دولة مستقلة ذات سيادة"، وبما أن الأمة المصرية صارت صاحبة السيادة، وأصبح فؤاد الأول ملكا عليها، فإن حكومة المملكة المصرية برئاسة محمد محمود باشا، قد وقعت على اتفاقية مياه النيل المذكورة آنفا، وفى المقابل قد وقع المندوب السامى البريطانى نيابة عن بلاده وعن دول مجرى مياه النيل، حيث إن بريطانيا الاستعمارية قد مدت نفوذها إلى دول البحيرات الاستوائية، وهذه الاتفاقية يوجد بها بنود جوهرية تستند إليها مصر، لضمان حقوقها التاريخية من مياه هذا النهر العظيم، ومنها ضمان حصتها المقررة والمكتسبة من مياهه، وقد أقرت الحكومة المصرية بحق السودان المصرى بحصته من هذه المياه، ثم أن هذه الاتفاقية أَيْضًا قد منحت مصر حق "Alfyto" الاعتراض على إقامة أى منشآت أو مشروعات على النيل الأزرق، تعوق وصول حصة مصر من المياه أو تنقص منها، وتعتبر هذه البنود الأسمى تاريخيًّا وقَانُونيا، لسد الطريق على كل من يريد العبث بسلامة أمن مصر المائى، ومن نافلة القول كانت الدول الاستعمارية المتمثلة فى إنجلترا وإيطاليا، قد وقعتا اتفاقًا تاريخيًّا عام 1891 بمقتضاه، تتعهد الأخيرة بعدم إقامة مشاريع تنموية أو سدود، على نهر عطبرة تعوق تدفق المياه إلى مصر، بل أن نفس الأمر من بنود الاتفاقية السابقة، قد تشابه مع كتابة بنود اتفاقية عام 1902، بين الدولتين ولكن زاد عليهم طرف ثالث إثيوبيا، قديمًا كانت تسمى بلاد الحبشة، وكانت مستعمرة إيطالية فى ذلك الحين. وإذا كانت اتفاقية عام 1929 هى التنظيم القانونى السليم، لتقسيم حصص مياه النيل بين دول الحوض، فإن اتفاقية تقسيم المياه بين مصر والسودان عام 1959،هى امتداد واستكمال لاحقًا، بالضوابط القانونية المنظمة لها، وأن التطور التاريخى فى العلاقات بين الأشقاء، وتبادل المنافع المادية والاقتصادية، قد ساهم فى دفع عجلة التنمية بين البلدين، خصوصًا بعد تحرر السودان من الاحتلال الإنجليزى، وانطلاقًا لنهج مصر لسياسة التصنيع عام 1957 كانت فى أشد الحاجة لبناء مشروع السد العالى، لتوليد القوى الكهربائية وإن توفيرها يعتبر مطلبًا ضروريًا لإقامة المصانع، لأنها القوى المحركة والمغذية لها، ومن أجل تعميم المشاريع الصناعية والإنتاجية، وإصلاح المزيد من الأراضى الزراعية لحكومة الثورة، تقاسم الشقيقان الحصص فى مياه النيل، حيث نصت الاتفاقية الموقعة بينهما، على أن تكون حصة مصر من المياه 48 مليار متر مكعب، وللسودان الشقيق 8 مليار متر مكعب، ورغم أن الدولتان من دول المصب المائى لمجرى نهر النيل، إلا أن احترام الاتفاق الموقع بينهما هو "قدس الأقداس"، ولقد عظم هذا الاتفاق فى إقامة الصرح التاريخى العملاق، وهرم مصر الرابع السد العالى، وبالمثل قد ساهمت مصر فى بناء خزان الروصيرص على النيل الأزرق فى السودان، للتوسع فى مشاريع الرى وزيادة الرقعة الزراعية وتوليد الطاقة الكهربائية، ليعم الخير العام على شعب السودانى كله، واحتراما للاتفاقيات الدولية التى تنظم مشروعات الإصلاح التنموية، للبلاد المطلة على المجارى المائية، دون أن تلحق أى ضرر بالدول الأخرى الأعضاء فى نفس المجرى، أو يؤثر على حصتها المقررة من المياه. إن سد المياه الإثيوبى أصبح حديث الساعة، ولسان حال رجال الدبلوماسية الدولية، من تعنت إثيوبيا وانتهاكها لجميع الاتفاقيات الدولية، المنظمة لعمل المنشآت والسدود على المجارى المائية، وخرق اتفاق إعلان المبادئ عام 2015، الموقع بينها وبين دول المصب (مصر والسودان)، فى اتخاذها إجراءات أحادية الجانب دون الرجوع للدول الأخيرة، فى أى أعمال متعلقة بالسد، سواءً كان بالملء أو التشغيل أو سلامة الأمان الفنى والهندسى لجسم السد، أو حتى توصيل رسالة اطمئنان وثقة على سلامة الأمن المائى لدول المصب، لقد برز مشروع سد المياه الإثيوبى، وسط الأمواج المتلاطمة وفوضى الاضطرابات التى عمت البلاد، فى خضم أحداث يناير من عام 2011، وما ترتب عليها من إتلاف للممتلكات العامة والخاصة، وعدم شعور الناس بالأمن والأمان، وانشغال الدولة بمواجهة الأحداث، لذلك لم يكن فى مقدور الحكومة الاحتجاج فى الأممالمتحدة، ضد المشروع الإثيوبى الأحادى دون التوافق أو إعلان دول المصب، من هنا قد أحاط ببناء هذا السد الشكوك والظنون، بعد التمرد الإثيوبى على جميع الاتفاقيات الدولية المنظمة لعملية بناء السدود، وإن ما تفعله من إجراءات الملء وحجز المياه، إذا كانت مصحوبة بسوء نية فيكون قصدها الإضرار بدول المصب، بالتحكم فى كمية المياه التى تأتى إليهما من دول المنبع، وبالطبع لن يحدث ذلك، لأن مياه النيل بالنسبة لمصر حياة وجود، وأمنها القومى الذى يبدأ من عند أول نقطة مياه من المنبع، ويستحيل المساس بحقوقنا التاريخية منها، وقد أوضح سيادة الرئيس السيسى، خلال حديثه فى المؤتمر الوزارى الثانى لمنتدى الشراكة "روسيا - أفريقيا"، أن الحل الوحيد لتدارك خطورة هذا الأمر، هو التوصل إلى حل قانونى ملزم بخصوص سد المياه الإثيوبى، ثم أننا لم نوجه تهديدا بإثارة الحرب ضد إثيوبيا، أو نضمر الشر والأذى لها، لأن الخير والسلام هو مقصدنا الأسمى للأمم والشعوب، فى المقابل يجب على إثيوبيا أن لا تتجاهل حقوقنا المشروعة من مياه النيل.