اختارت الجامعة الأمريكية بالقاهرة أن تحتفل باليوم العالمي للغة العربية من بوابة السؤال لا الاحتفال، ومن مسار التفكير في المستقبل لا الاكتفاء باستعادة الماضي، فعلى مدار يومي 17 و18 ديسمبر نظمت الجامعة مؤتمرًا دوليًا بعنوان "الابتكار وتحولات مشهد تعلم اللغة العربية.. من التعليم المدرسي إلى ما بعده"، بمشاركة نخبة من الأكاديميين والباحثين والخبراء من مؤسسات تعليمية دولية، لمناقشة التحولات الجارية في تعليم العربية، وما تفرضه من مراجعات عاجلة في زمن تتسارع فيه التغيرات التربوية والتكنولوجية. تفاصيل المؤتمر وجاء المؤتمر بتنظيم مشترك بين قسم تدريس العربية وقسم اللغويات التطبيقية ودراسات التربية بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، وتحت إشراف الدكتورة إيمان عزيز سليمان، في تأكيد أن تعليم العربية لم يعد ملفًا لغويًا تقنيًا، بل مجالًا تتقاطع فيه السياسات التعليمية مع البحث العلمي، وتتشابك فيه أدوات الصف التقليدية مع تقنيات الذكاء الاصطناعي. ووضعت الكلمات الافتتاحية الثلاث الإطار الفكري العام للمؤتمر، إذ شددت الدكتورة هنادة طه على أهمية بناء بنية بحثية مستدامة لتعليم العربية، تقوم على التكامل بين المعرفة الأكاديمية والممارسة الصفية، بما ينعكس على تطوير السياسات التعليمية وبرامج إعداد المعلمين، فيما تناول الدكتور محمود عزاز المنظورات متعددة اللغات في تعليم العربية لغة ثانية، داعيًا إلى نماذج تعليمية أكثر مرونة تستجيب للتحولات الاجتماعية والثقافية، وتتعامل بجدية مع التنوع اللغوي واختلاف خبرات المتعلمين. غير أن كلمة الدكتور عماد عبد اللطيف، الأستاذ بجامعة قطر، في افتتاح أعمال اليوم الثاني، شكلت لحظة مركزية في المؤتمر، لما طرحته من أسئلة مباشرة حول موقع البلاغة العربية في عصر الذكاء الاصطناعي، وانطلق عبد اللطيف من مفهوم "الآلة البليغة" بوصفه إطارًا نقديًا لفهم العلاقة المتنامية بين البلاغة والتقنيات الذكية، معتبرًا أن هذا التحول يفرض إعادة نظر جذرية في مناهج تدريس البلاغة. وميز عبد اللطيف بين مسارين أساسيين في تعليم البلاغة، أولهما إكساب المتعلمين مهارات إنتاج الخطاب البليغ، وثانيهما تدريس علم البلاغة من حيث مفاهيمه ومصطلحاته ونظرياته، ولفت إلى أن المناهج الراهنة ما تزال أسيرة النموذج التقليدي القائم على الشرح النظري والمحاضرة، مع تهميش واضح للبعد المهاري، وضعف الصلة بخطابات الحياة اليومية وبالبلاغات غير المعيارية. وفي المقابل، عرض ما يتيحه الذكاء الاصطناعي من فرص لتحويل البلاغة إلى تعلم تفاعلي متعدد الوسائط، قائم على التخصيص والتعلم الفردي، محذرًا في الوقت نفسه من تحديات معرفية وثقافية، أبرزها تحيز المحتوى، وصعوبة فهم السياق، والحاجة إلى تطوير المفاهيم البلاغية لتواكب البيئة الرقمية المعاصرة. وتناولت جلسات المؤتمر عددًا من المحاور التي تعكس خريطة تعليم العربية اليوم، من بينها توظيف الذكاء الاصطناعي في التعليم والتقويم اللغوي، وقضايا الازدواجية والتنوع اللهجي، وتعليم العربية للناطقين بغيرها ولأبناء التراث اللغوي، والربط بين البحث اللغوي والممارسة التعليمية، إضافة إلى مبادرات تعلم العربية خارج الصف التقليدي.