هناك أشخاص لا تأخذ من الدنيا إلا ما يرغبون فيه فحسب، ويدّعون أي شيء آخر، بل أحيانًا ما يتعاملون معه بشكل عدائي، لأنه لا يُساير أهواءهم، وما ترمي إليه أنفسهم، فلقد قرأت عبارة أضحكتني بشدة وهي: " قرأ كثيرًا عن أضرار التدخين، ولذلك قرر الامتناع عن القراءة"، فهذه العبارة الساخرة توضح حال الكثيرين، من الذين يتركون أي شيء يُبعدهم عما يميلون إليه، حتى لو كان الشيء الذي يدعونه هو الصواب وما فيه مصلحتهم، ولكنهم يُؤثرون راحتهم على حساب العقل والمنطق، ولا يُفكرون للحظة فيما سيترتب على سلوكهم هذا، وبالقطع تكون النتائج غير مُرضية وسلبية للغاية، ربما يدفعون ثمنها من صحتهم أو أعصابهم أو حياتهم المهنية أو الأسرية. فالإنسان عندما يحجم أفكاره في كيفية إرضاء نفسه على الإطلاق دون أن يدع لعقه أدنى فرصة في التفكير فيما سيؤول إليه حاله في المستقبل نتاج تفكيره الذاتي أو الأناني، لابد أن تكون النتيجة مأساوية بكل ما تحمله الكلمة من معنى. فكم من شخص رفض نصائح أقرب المُخلصين لأنها لم تتماشى مع رغباته، بل إنه لم يكتفِ بالرفض، وإنما ابتعد عن هذا الشخص وتجنبه تمامًا لدرجة أنه وضعه في مصاف الأعداء أو الأشخاص غير المحبذين، لأن نصائحه تتعارض مع الرغبات الشخصية له. وعلينا أن نعترف أن أي إنسان يميل لاإراديًا إلى أهوائه، لأنه بالفطرة لديه نقاط ضعف لها دور كبير في تكوين بُنيانه النفسي والعصبي، ولكن كانت هناك حكمة إلهية في أن يخلق لنا العقل الذي يُفكر ويُدبر ويزن الأمور بميزان عقلاني ومنطقي، وأيضًا من رحمة المولى عز وجل بنا أنه منحنا الحياة الاجتماعية لكي نستشير ونسأل ونأخذ بالنصيحة، ونجد مَنْ يُذكرنا دائمًا ويُشاورنا الرأي. فكل هذه العناصر هي أسباب قوية لكي يتغلب الإنسان فيها على رغباته التي قد تُودي به إلى الهلاك، وعليه أن يأخذ بها وينظر للأمور بروية وتأنٍ ودراسة، فتكون نظرته بعين البصيرة لا البصر، فكم من أشخاص عاشوا إحساس الندم بسبب تركهم لما يجب أن يكونوا عليه، ولكن للأسف، حدث الندم بعد أن خسروا كل شيء وبلا رجعة، فلِمَ إذن ندع الحياة تقهرنا وتنال منا بسبب مُسايرتنا لأفكارنا التي تُجافي الصواب وكأننا في حلبة مُنافسة مع المنطق، فنحن بهذه السلوكيات نقهر أنفسنا ونسير في تدميرها وربما يدفع مَنْ حولنا الثمن معنا بسبب ارتباط حياتهم ومصالحهم بنا. لذا لا تتجنب القراءة أو الأصدقاء المُخلصين أو التعليمات الصائبة أو النصائح المخلصة، من أجل أن تسير خلف رغبات لن تكون نهايتها سوى الخسارة المُحدقة. فكل هذه رسائل إلهية وحياتية تُرسلها لنا الحياة لكي نسير على الدرب المستقيم، وعلينا ألا نتجاهلها أو نتجنبها حتى تستقيم حياتنا وتسير على المنوال الصحيح.