المعركة الحقيقية ليست ضد الإرهاب فقط، بل ضد كل ما يهدم وعي الناس، ضد الكذب، وضد الفساد، وضد غياب الضمير. كلمات من نور ونار تختصر معركة الوعي التي يخوضها الوطن اليوم. فحين يرفع البعض شعار الوطنية في العلن، تُمارس خلف الأبواب المغلقة أخطر أنواع الخيانة، الخيانة الصامتة. هي خيانة بلا صوت، بلا ملامح، لكنها أشد فتكاً من أي مؤامرة خارجية، لأنها تضرب من الداخل، في قلب المؤسسات التي يُفترض أن تكون خط الدفاع الأول عن الدولة ولا تحتاج إلى وثائق أو جواسيس، بل إلى صمت متعمد عن الخطأ، وتجميل للواقع، وتوزيع للمناصب على غير الأكفاء. تظهر في أبهى صورها حين يُكافأ من يُجامل، ويُقصى من يقول الحقيقة.حين تتحول الكفاءة إلى تهمة، والولاء الأعمى إلى وسيلة للبقاء.إنها خيانة للثقة، وللوطن، وللضمير المهني.ومما لاشك فيه أنها بداية النهاية لاي حلم كبير نعم هي بداية انهيار الانتماء، فغياب العدالة المؤسسية، يعقبه الشعور بالعجز والاغتراب الوظيفي، فيما يسمى ب"الانتماء السلبي"، فيظل الفرد جسدياً داخل المنظومة، لكنه روحياً خارجها.وحين يضعف الانتماء داخل المؤسسات، يضعف الانتماء للوطن ذاته، ويصبح الفرد فريسة سهلة لأي تيار مضاد. من يرى أن المقربين يُمنحون المناصب بالولاء لا بالجدارة، فماذا ننتظر بعد؟ وخاصة مع انتشار ما يمكن تسميته ب"الفقاعات الهوائية الإدارية"، حيث تعاني كثير من المؤسسات من مناصب بلا كفاءة، وتقارير بلا مضمون، وإنجازات تُكتب على الورق فقط، بينما الواقع مختلف تماماً. وهذا الشكل هو الأخطر، لأنه يجرد العمل من قدسيته ويخلق جيلاً يؤمن بالمظاهر لا بالقيم. فماذا ننتظر من أحفاد "علي بيه مظهر"؟! وكعهدكم بي، لا أطرح ظاهرة سلبية دون حل. فالحل يبدأ بتفعيل دور الإعلام والرقابة كحراس للوعي، فهما السلاح الحقيقي الذي نحمي به وطننا. الإعلام الوطني والرقابة الصادقة هما خط الدفاع الأول ضد الخيانة الصامتة، حين تُمارس من الداخل تحت شعار "الولاء".ومن جانب آخر، فإن الحل لا يكمن في العقاب فقط، بل في إحياء الضمير المهني، وتعزيز ثقافة الاستحقاق بدلاً من ثقافة الاستباحة، وتشجيع المصارحة داخل المؤسسات، مع تجريم الصمت الإداري عن الخطأ باعتباره تواطؤاً، وإعادة بناء الثقة بين القيادة والعاملين من خلال العدالة والشفافية. ولا يمكن أن نغفل جانباً شديد الخطورة، وهو أن الخيانة الصامتة كثيراً ما تصدر من أصحاب السلطة أنفسهم، من أولئك الذين يستخدمون مواقعهم لترهيب أو تصفية حسابات، أو للبقاء في مناصبهم دون أن يتركوا أثراً يُحاسَبون عليه. غالباً ما تتحول تلك الممارسات إلى سياسة غير معلنة تنتقل من جيل لآخر، حتى تصبح جزءاً من ثقافة العمل نفسها. فماذا ينتظر الوطن من هؤلاء؟ عزيزي القارئ، تذكر دائماً لو أن الوطن يسكن الضمائر يسلم من كل سوء فالخيانة الصامته لاتحارب بالضجيج بل بالصدق.ولا تُهزم بالشعارات، بل بالفعل.حين يقرر كل موظف أن يكون ضميراً حياً داخل مؤسسته، وحين يرفض المدير أن يبيع كفاءته مقابل مجاملة، وحين يعلو صوت الحق على صوت المصلحة، تنتصر الدولة في معركة الوعي والبناء التي دعت اليها قيادتنا السياسية ، لأن الولاء الحقيقي لا يُعلن بالكلمات، بل يُثبت بالأفعال.