سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ماذا يحدث داخل جيش الاحتلال الإسرائيلى؟.. الحرب انتهت لكن آثارها تضرب الجنود والقيادات.. هروب من الخدمة وحالات انتحار داخل الثكنات.. الكيان اعتمد على مرتزقة أجانب وتل أبيب تتكتم حول الخسائر الحقيقية
20 ألف مصاب نصفهم من الجنود دون سن الثلاثين و92% منهم رجال و64% جنود احتياط نصف زوجات جنود الاحتياط أقررن بتضرر علاقتهن الزوجية بسبب خدمة أزواجهن 60 جنديا أقدموا على الانتحار منذ اندلاع العدوان تسريح 1135 جنديا منذ 7 أكتوبر 2023 بسبب الصدمات النفسية خسائر المعدات والآليات العسكرية بلغت 305 مليارات شيكل خبراء: موجات الانتحار والاضطرابات النفسية نزيف صامت ضرب أهم ميزة تاريخية لجيش إسرائيل 733 يوما استغرقتها الحرب على غزة، جرائم عديدة هزت وجدان العالم، لكن في نفس الوقت خسائر كبرى تلقتها إسرائيل خلال هذا العدوان، كان النصيب الأكبر فيها داخل جيشها، فما بين الهروب الجماعي من الخدمة، والانتحار النفسي داخل الثكنات، واللجوء إلى المرتزقة الأجانب، اتضح أن تل أبيب كانت تخوض حربًا ليست فقط على غزة، بل على ذاتها. الجيش الذي طالما قدّم نفسه ك"أسطورة الأمن" أصبح مهددًا من الداخل، وجنوده لم يعد يثقون بالمعركة التي قاتلوا فيها، ولا بالدولة التي أرسلتهم إليها، فمنذ اندلاع الحرب وجيش الاحتلال الإسرائيلي عاش واحدة من أسوأ أزماته التاريخية، فلم تعد الأزمة فقط في الميدان، بل في داخل ثكناته، فبين موجات الهروب من الخدمة العسكرية، ورفض الاحتياط الالتحاق بالجبهات، وازدياد الاعتماد على مقاتلين أجانب ومرتزقة، تتبدد صورة "الجيش الذي لا يُقهر" ليحل محلها جيش مرتبك وممزق، يفتقد الروح القتالية والانتماء. تقرير نشرته صحيفة هآرتس في مايو الماضي كشف عن تزايد معدلات رفض الخدمة العسكرية بين الشبان الإسرائيليين، خاصة في صفوف الاحتياط والوحدات القتالية، ففي حين كانت نسبة الرافضين في الأعوام السابقة لا تتعدى 4%، ارتفعت بعد حرب غزة إلى أكثر من 12%، بحسب معطيات داخلية تسربت من هيئة الأركان. أما داخل الجيش نفسه، فتتحدث تقارير إسرائيلية خلال شهور الحرب عن حالات انهيار نفسي بين الجنود العائدين من المعارك، مع تسجيل عشرات حالات الانتحار خلال الأشهر الأخيرة، وهو رقم يفوق معدلات السنوات السابقة بأكثر من الضعف، حيث أشارت شهادات جمعها مراسل قناة 12 العبرية إلى أن الكثير من الجنود رفضوا العودة إلى غزة، وبعضهم أعلن صراحة أنه "لا يريد الموت في حرب لا نهاية لها". مشهد فرحة جنود الاحتلال ورقصهم فور علمهم بانتهاء الحرب يشي بالكثير من الدلالات، حجم الخوف الذي انتاب هؤلاء الجنود من كثر قتلاهم، والفشل الذي حققته إسرائيل خلال هذا العدوان، وكذلك الحذر من أن يلحقون بزملائهم الذين انتحروا بسبب استمرار الحرب لعامين، ففي 8 سبتمبر الماضي، وخلال جلسة في الكنيست، كشف أحد منظمي خيمة لجنود إسرائيليين مصابين باضطراب ما بعد الصدمة جراء حرب غزة، أن نحو 60 جنديا أقدموا على الانتحار منذ اندلاع العدوان، بينما يتجاهل الإعلام الإسرائيلي نشر هذه الأرقام. الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل إن قسم التأهيل في الجيش الإسرائيلي أكد في 14 سبتمبر، أنه تم استقبال أكثر من 20 ألف مصاب، نصفهم من الجنود دون سن الثلاثين، 92% منهم رجال، و64% منهم جنود احتياط، 45% منهم يعانون من إصابات جسدية، وحوالي 56% منهم يعانون من ردود فعل نفسية. وبحسب صحيفة️ "جيروزاليم بوست" العبرية والتي نقلت عن جيش الاحتلال في السادس من أكتوبر، تأكيده مقتل 1152 جنديا منذ 7 أكتوبر 2023 أكثر من 40% منهم تحت 21 عاما، فيما نقلت القناة 12 الإسرائيلية عن مؤسسة التأمين قولها إنه نحو 80 ألف إسرائيلي تم تعريفهم بأنهم مصابون بأعمال عدائية منذ 7 أكتوبر 2023، ونحو 30 ألف إسرائيلي صنفوا بأنهم مصابون باضطرابات نفسية.
تأثير موجات الانتحار بجيش الاحتلال ويؤكد الدكتور محمد وازن، الخبير في الشؤون الإسرائيلية والدراسات السياسية والاستراتيجية، أن موجات الانتحار والاضطرابات النفسية التي ضرب جنود إسرائيل بسبب الحرب على غزة، ورفض جزء من الاحتياط الاستدعاء ليست مجرد ظواهر اجتماعية هامشية؛ بل هي نزيف صامت ضرب أهم ميزة تاريخية لهذا الجيش وهي الانسجام بين الجندي والمجتمع ومنظومة الاحتياط، حيث إن الأثر يتدرّج من تكاليف تشغيلية يومية، وتآكل الانضباط والجاهزية والدافعية إلى تداعيات استراتيجية على طول أمد الحرب والردع والتجنيد المستقبلي، ومعنويات المجتمع الإسرائيلي ذاته. محمد وازن
ويضيف في تصريحات خاصة ل"اليوم السابع"، أن الأثر التكتيكي لهذه الموجة من الانتحار والأمراض النفسية للجنود على مستوى الوحدات والمهام تتمثل في انخفاض الجاهزية الميدانية، حيث ارتفاع الإصابات النفسية والانتحار يعني فقدان أطقم درّبت طويلًا، وتعطّل دورات التدوير (rotation)، وزيادة العبء على الأفراد الباقين ما يرفع هامش الخطأ العملياتي، بجانب تآكل الانضباط والروح القتالية، حيث إن الجنود المترددون أو المنهكون نفسيًا يرفعون كلفة تنفيذ المهام الحضرية المعقّدة ويزيدون التحوّط المبالغ فيه، فيبطؤ الإيقاع ويقلّ الابتكار التكتيكي، وهناك ضغط على منظومة العلاج العسكري، وتحويل موارد إضافية للإسناد النفسي وإعادة التأهيل يقلّل من الموارد المتاحة للتدريب والجاهزية. ويوضح أن الأثر العملياتي على مستوى الجبهات والقيادة جعل منظومة الاحتياط تحت ضغط، لأن الجيش الإسرائيلي تاريخيًا يعتمد اعتمادًا بنيويًا على الاحتياط لملء الفجوات، وامتناع نسبة محسوسة - حتى لو كانت أقلية - أجبر القيادة على إطالة خدمة من في الميدان، أو تكرار الاستدعاء لوحدات مجرّدة، وكلاهما يفاقم الإنهاك، بجانب اختلال ميزان الوقت لأنه كلما طال أمد الحرب زادت كلفة الوقت على الجانب الإسرائيلي أكثر من خصومه؛ وتضاعف الإرهاق النفسي والأُسَري والاقتصادي داخل جمهور الاحتياط، وتعقيد القيادة والسيطرة، حيث إن القيادة تجد نفسها بين تشديد العقوبات للحفاظ على الانضباط، أو تقديم تنازلات رفاهية/مالية ترفع التكلفة وتخلق سابقة. وفي 29 سبتمبر، كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، أن نحو نصف زوجات جنود الاحتياط أقررن بتضرر علاقتهن الزوجية بسبب خدمة أزواجهن في الاحتياط خلال حرب غزة، في انعكاس مباشر للأزمة الاجتماعية التي تضرب المجتمع الإسرائيلي منذ اندلاع الحرب، حيث إن 34% من زوجات جنود الاحتياط أكدن أن هذا الضرر دفعهن للتفكير جديًا في الانفصال أو الطلاق، في مشهد يذكرنا بالمثل القائل "موت وخراب ديار". وفي ذات الوقت رصد المكتب المركزي للإحصاء في إسرائيل خلال تقرير حمل عنوان "التأثيرات الاجتماعية والنفسية لخدمة جنود الاحتياط في حرب غزة"، انعكاسات الحرب على أسر الجنود، سواء على العلاقات الزوجية أو على الحالة النفسية للأطفال، إضافة إلى حجم المساعدات المقدمة لهم، لافتا إلى أن نسبة التضرر في العلاقات الأسرية تتزايد كلما طال أمد خدمة جنود الاحتياط، حيث أظهرت النتائج أن زيادة عدد أيام الخدمة يقابلها ارتفاع في نسبة الزوجات اللواتي أبلغن عن وجود أزمة أو ضرر في حياتهن الزوجية، كما أشارت الأرقام إلى أزمة اجتماعية حادة تتجاوز البعد العسكري للحرب، لتؤثر بشكل مباشر في تماسك الأسر داخل المجتمع الإسرائيلي، خاصة في ظل تزايد الضغوط النفسية والمعيشية المصاحبة للحرب المستمرة. ويشير محمد وازن إلى أن الحرب كان لها أثر استراتيجي تمثل في الردع، والتجنيد، والشرعية، فتسببت في تآكل الردع المعنوي، خاصة أن أحد عناصر الردع هو صورة الجندي المستعد نفسيًا وطويل النفس، وتسرب صور الانتحار والاحتجاجات خصم من هذه الصورة لدى الخصوم والجمهور الدولي، بجانب سلسلة الإمداد البشري مستقبلًا لأن ارتفاع المخاطر النفسية وسمعة الخدمة بعد حرب طويلة يضعف التطوع للوحدات النوعية ويزيد محاولات التهرب من الخدمة الإلزامية والهجرة المهنية خارج المؤسسة العسكرية، بجانب شرعية الحرب داخليًا، ورفض الاحتياط يُترجم سياسيًا إلى احتجاجات اجتماعية وضغط على الحكومة، ما يضيّق هامش المناورة ويُعجّل بالبحث عن مخارج تفاوضية أو وقف إطلاق نار. ويؤكد أن الحرب كان لها أثر مجتمعي واقتصادي على جيش الاحتلال، لأن الفاتورة ممتدة، وكلفة العلاج والدعم النفسي والتعويضات تمتد لسنوات؛ ما يضغط الموازنة ويزاحم بنود التسليح والتطوير، بجانب تعميم القلق الوطني، فعندما تنتشر قصص الانتحار والاضطراب النفسي داخل عائلات الجنود، يتحوّل القلق من عبء حرب إلى سؤال وجودي عن الثمن المجتمعي لاستمرارها، لافتا إلى أن لدى الجيش الإسرائيلي بنية علاج نفسي وتمارين تفريغ ضغوط وتناوب ميداني، وسياسة إعلامية للسيطرة على السردية، وإطار قانوني يُضيّق الهروب من الاستدعاء. المرتزقة.. الجيش البديل
في ظل هذا الانهيار المعنوي والعددي، لجأت إسرائيل إلى خيار غير مسبوق في تاريخها العسكري: استئجار مقاتلين أجانب، حيث تحدثت تقديرات لصحف دولية مثل الجارديان ولوموند عن وجود آلاف المقاتلين من الولاياتالمتحدة وكندا وفرنسا وجورجيا وجنوب أفريقيا داخل صفوف الجيش الإسرائيلي، تم تجنيدهم عبر شركات خاصة أو منظمات يهودية متطرفة، مقابل رواتب شهرية تتجاوز 10 آلاف دولار، وبعض هؤلاء ينتمون إلى شركات أمنية خاصة سبق أن قاتلت في أوكرانيا وأفريقيا، بينما ينتمي آخرون إلى جماعات يمينية مسيحية وصهيونية تعتبر المشاركة في حرب غزة واجبًا دينيًا. وفي شهادة لأحد المقاتلين الأمريكيين، نشرتها صحيفة نيويورك تايمز، قال: "تم معاملتنا كقوة صادمة لتعويض النقص في الوحدات النظامية، خاصة أن هناك ضباط إسرائيليون لا يثقون حتى بجنودهم المحليين". الاستعانة بالمرتزقة والتوسع في استخدامها جاء بعد تفاقم أزمة الحريديم، وهروب الكثير من الخدمة، ففي 21 سبتمبر اعتقلت السلطات الإسرائيلية 100 من الحريديم من مطار بن جوريون خلال محاولتين للهرب من الخدمة الاجبارية بالجيش، قبلها بأيام وبالتحديد في 15 سبتمبر كشف تحقيق لصحيفة "هآرتس" العبرية، أن الجيش لا يقدم معطيات حقيقية عن حالة استنكاف الآلاف عن الخدمة بسبب الخوف من العودة للقتال في غزة ويستخدم جنودًا جدد من دورة العام الجاري. وأضاف التحقيق حينها، أن الآلاف من الجنود تم تصنيفهم مرضى نفسيين منذ بداية الحرب وأنهوا خدمتهم القتالية وينضم إليهم المزيد يوميًا مع استمرار الحرب الدامية، كما أن معطيات جزئية قُدمت للجنة الخارجية والأمن خلال شهر يوليو الماضي أكدت تسريح 1135 جنديًا منذ 7 أكتوبر 2023 بسبب الصدمات النفسية لكن الرقم أكبر بكثير. وذكرت الصحيفة العبرية، أن جنود في الخدمة النظامية قالوا إنهم لم يعودوا قادرين على الخدمة في وظائف قتالية وإن مكوثهم المتواصل في مناطق القتال أنهكهم، فيما رفض الجيش التعليق على 6 محاولات انتحار لجنود نظاميين العام الماضي داخل غزة وعن عدد الجنود والضباط الذين سرحوا لأسباب نفسية، بينما تم محاكمة 23 جنديا في الخدمة النظامية معظمهم من ألوية الدروع وناحال وجفعاتي حوكموا خلال الأشهر الأخيرة بسبب رفضهم الدخول إلى القطاع. دولة المرتزقة
هذا التحول غير المسبوق من جانب تل أبيب في استجلاب المرتزقة، جعل محللين عسكريين في تل أبيب يحذرون من أن الجيش يفقد هويته الوطنية، فبعد أن كان شعار "جيش الشعب" رمزًا لتلاحم المجتمع الإسرائيلي، أصبح الآن خليطًا من مقاتلين أجانب، وضباط احتياط مرهقين نفسيًا، وشبان يفرون من التجنيد أو يرفضون القتال، حيث قال الخبير العسكري الإسرائيلي يوآف ليمور في مقال نشرته صحيفة إسرائيل هايوم: "ما يحدث ليس مجرد أزمة مؤقتة، بل بداية تفكك في البنية القيمية للجيش، لم يعد الإسرائيليون يرون في القتال واجبًا وطنيًا، بل عبئًا يجب تجنبه". الأمور تطورت كثيرا خاصة مع تأكيد وسائل إعلام أمريكية في 21 سبتمبر أن طيارون في البنتاجون رفضوا تنفيذ رحلات لنقل صواريخ وأسلحة للاحتلال، موضحين أن مشاركتهم تعني تورطهم في إبادة جماعية، في وقت زادت فيه عزلة إسرائيل خاصة في أوروبا بعدما أعلن صندوق التقاعد الدانماركي في 25 سبتمبر تخليه عن استثمارات في تل أبيب بسبب الحرب، حيث قال إنه سيستبعد أصول تل أبيب بما في ذلك الشركات الخاضعة لسيطرة الحكومة، من محفظته الاستثمارية، حيث جاء ذلك عقب عمليات سحب الاستثمارات مؤخرا التي قام بها صندوق الثروة السيادية النرويجي الذي بلغت قيمتها تريليوني دولار.
المجتمع المنهار خلف الجبهة
انعكست هذه الأزمة على المجتمع الإسرائيلي ككل، إذ أظهرت استطلاعات للرأي أن 38% من الإسرائيليين لم يعودوا يثقون بقدرة الجيش على تحقيق النصر، و54% يعتقدون أن القيادة العسكرية فقدت السيطرة على الميدان، بينما في مشهد غير مسبوق، شهدت مدن مثل تل أبيب وحيفا مظاهرات لأهالي الجنود طالبت بوقف الحرب وإعادة أبنائهم من الجبهة، فيما ارتفعت أصوات داخل الكنيست تتحدث عن تعب وطني شامل وضرورة إعادة هيكلة الجيش من جذوره. النهايات المحتملة ومع تزايد أرقام المرتزقة، رأى محللون داخل تل أبيب بحسب ما ذكرته وسائل إعلام عبرية، أن استمرار هذا النهج سيجعل إسرائيل تعتمد أكثر فأكثر على المرتزقة الأجانب، ما قد يؤدي في النهاية إلى فقدان الجيش لولائه الوطني تماما، بينما أكد آخرون أن هذا الانهيار هو انعكاس طبيعي لحرب غير عادلة تُشنّ ضد المدنيين في غزة، جعلت حتى الجنود الإسرائيليين يفقدون الإيمان بعدالة قضيتهم، كما أن بعض مراكز الأبحاث الأمريكية حذرت من أن تحول الجيش إلى مرتزقة سيقوض استقراره الداخلي وقدرته على خوض حروب طويلة الأمد.
خسائر بالجملة وانقسامات حادة خلال الشهور الماضية تزايد حجم القتلى في صفوف جنود الاحتلال، ففي إحصائية صادرة من داخل جيش إسرائيل في 24 أغسطس كشفت أن الخسائر البشرية منذ 7 أكتوبر 2023، بلغت مقتل 898 جنديًا وضابطًا، بينهم 454 خلال العملية البرية في غزة، كما تم تسجيل نحو 6,193 إصابة بين الجنود، منها 924 خطيرة، و2872 إصابة منذ بدء العمليات البرية، وسط تكتم على الأرقام الحقيقية والإصابات غير القاتلة أو النفسية، كما تسببت الحوادث العملياتية في مقتل 78 جنديا وضابطا، بجانب إصابات واسعة بلغت نحو 3,143 حالة بين القيادة الجنوبية والشمالية، فيما أصيب نحو 18,500 عنصر من الجيش وقوات الأمن بجروح، ومقتل 78 ضابطا وجنديا بنيران صديقة، وهناك أكثر من 10 آلاف جندي عانوا من اضطرابات نفسية وردود فعل ما بعد الصدمة، بما في ذلك 3,769 حالة تشخيص دائم. وفيما يتعلق بالخسائر المادية، تكبد الجيش الإسرائيلي خسائر فادحة في المعدات والآليات العسكرية، بعدما بلغت نحو 305 مليارات شيكل أي حوالى 87 مليار دولار، مع توقع ارتفاع الكلفة إلى 200 مليار شيكل بحلول نهاية 2025، فيما ساهمت الحرب في رفع العجز المالي بنحو 106.2 مليارات شيكل (31.5 مليار دولار) حتى نهاية 2024، مع تدابير لتقليل الهدر وتحفيز الجنود النظاميين لمواجهة النقص البشري. التوجه إلى الجاليات اليهودية في الشتات قبل ما يقرب من شهرين من نهاية الحرب خرجت إذاعة جيش الاحتلال عبرية لتؤكد أن تل أبيب درست التوجه إلى الجاليات اليهودية في الشتات لتشجيع تجنيد شبان يهود من الخارج في صفوفه بسبب النقص الحاد في الجنود، حيث أوضحت في 18 أغسطس أن النقص في عدد الجنود المقدر بنحو 10–12 ألف جندي مفقود في صفوف الجيش وعدم تجنيد الحريديم، دفع إسرائيل لمحاولة استنفاد كل إمكانية أخرى لملء الصفوف من جديد. وبحسب الدراسات التي أجرتها شعبة القوى البشرية في إسرائيل، فإن إمكانات التجنيد بين أبناء 18–25 عاماً - سن التجنيد داخل إسرائيل - في الجاليات اليهودية الكبرى تزيد عن 10,000 في كل فئة سنوية، فيما حاول قيادات الجيش حينها وضع زيادة بنحو 600–700 جندي إضافي كل عام من الجاليات اليهودية في الخارج. في نهايات عام 2024 بدأت الانقسامات تتوسع داخل جيش الاحتلال مع خروج العديد من العرائض التي طالبت حينها بوقف الحرب، وتوعد نتنياهو بمحاكمة من وقعوا عليها، وهو ما أحدث توفر كبير في تل أبيب، حيث يؤكد عاهد فروانة، الخبير في الشأن الإسرائيلي، أن المطالبات من جنود الاحتياط حينها بوقف الحرب كانت تأتي في سياق الضغط على نتنياهو من أجل العمل بشكل أوسع للإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين في غزة . ويشير الخبير في الشأن الإسرائيلي، في تصريحات خاصة ل"اليوم السابع"، إلى الكثير من جنود إسرائيل لم يكن يريدون العودة للتجنيد مجددا خاصة مع إصرار وزير الحرب ورئيس الأركان ونتنياهو حينها باستمرار العدوان وتجنيد أوسع للاحتياط، لافتا إلى أن هؤلاء الجنود شاركوا لشهور طويلة في القتال بغزة وابتعدوا عن أعمالهم وأسرهم ومشاريعهم وهذا أثر عليهم خاصة أهم لا يريدون القتال. عاهد فروانة
ويوضح أن جيش الاحتلال منذ بداية تكوين إسرائيل وهو يعتبر بوطقة الصهر ويخضع للمستوى السياسي تماما ولم يحدث أن حدث انشقاقات في الجيش قبل الحرب على غزة، خاصة أن تل أبيب حاولت دائما إبعاد الجيش عن التجاذبات السياسية، مشيرا إلى أن نتنياهو عمل خلال الحرب على تجنيد دولة الاحتلال بالكامل خلف العدوان وحاول التغطية على أي أمور متعلقة بإصلاحات داخلية أو الحديث عن الانقسامات وإمكانية التحول إلى حرب أهلية وذلك كي يضمن ألا يكون هناك إشكاليات تخص حكومته واعتبر استمرار القتال ضمانة لبقائه في الحكم. المرتزقة في جيش الاحتلال.. وجوه غريبة تحمل سلاحا إسرائيليا
منذ سنوات طويلة، يعتمد جيش الاحتلال الإسرائيلي على تجنيد عناصر من خارج حدوده، ليس فقط من اليهود القادمين عبر الهجرة، وإنما أيضاً من مرتزقة محترفين، جرى استقدامهم من دول مختلفة لخدمة أهداف عسكرية وأمنية، ورغم محاولات إخفاء هذا الملف، فإن الوقائع والشهادات والوثائق تكشف عن حضورهم المتزايد في ساحات القتال، لا سيما بعد اندلاع حرب غزة في 7 أكتوبر 2023. خلفية تاريخية.. سياسة التجنيد المفتوح ويتيح الاحتلال عبر ما يُعرف ب"قانون العودة" لأي يهودي حول العالم الانضمام إلى الجيش بمجرد الهجرة إلى الأراضي المحتلة. لكن ما هو أبعد من ذلك، أن مؤسسات عسكرية إسرائيلية فتحت الباب أمام غير اليهود ممن يصفون أنفسهم ب"أصدقاء إسرائيل"، للانضمام إلى وحدات قتالية عبر برامج خاصة مثل "برنامج ماحال" الذي استُخدم لتجنيد آلاف من المقاتلين الأجانب منذ حرب 1948.
مرتزقة بصفقات مباشرة
خلال السنوات الأخيرة، ظهرت تقارير عن وجود شركات أمنية غربية تعاقدت مع وزارة الدفاع الإسرائيلية لتوفير مقاتلين مدربين، خاصة من أمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية، وهؤلاء المرتزقة يتقاضون رواتب بالدولار مقابل المشاركة في العمليات، ويستَخدمون غالبا في خطوط المواجهة أو في حماية المستوطنات. حضور واضح في حرب غزة مع تصاعد خسائر الجيش الإسرائيلي في غزة بعد 7 أكتوبر، بدأت صور ومقاطع فيديو تظهر مقاتلين يتحدثون لغات أجنبية الإسبانية، الروسية، وحتى الفرنسية، فيما وثق ناشطون فلسطينيون خلال الحرب عبر مقاطع مصورة وجود هؤلاء في محيط رفح وخان يونس، كما أشارت شهادات من أهالي القطاع إلى أن بعض الجنود الذين اعتقلوا مدنيين أو اقتحموا البيوت لم يكونوا يتحدثون العبرية، بل استعملوا كلمات إنجليزية أو أوامر بلغة مكسّرة.
دوافع المرتزقة
عدة دوافع تجعل بعض الأجانب ينضمون لجيش الاحتلال على رأسها المال، حيث رواتب تصل إلى ما بين 5 و10 آلاف دولار شهريا، بجانب الخبرة العسكرية لأن كثيرون من المسرحين من جيوش كولومبيا، جنوب أفريقيا، أو أوكرانيا يجدون في تل أبيب فرصة للاستمرار في العمل المسلح. التعتيم الإعلامي
رغم تداول هذه الحقائق، يصر الإعلام الإسرائيلي على وصف هؤلاء ب"المتطوعين"، في محاولة لتجميل صورتهم ونفي صفة المرتزقة عنهم، إذ أن القانون الدولي يجرّم تجنيد المرتزقة ويعتبر مشاركتهم في الحروب جريمة. البعد القانوني اتفاقية الأممالمتحدة لمناهضة تجنيد المرتزقة عام 1989 تضع معايير واضحة، حيث تنص على أن أي شخص يقاتل من أجل المال، دون أن يكون مواطنا أو مقيما دائماً للدولة المعنية، يعتبر مرتزقا، وبالتالى وفقا لهذا التعريف، فإن كثيرا من الجنود الأجانب في جيش الاحتلال يندرجون مباشرة تحت هذه الصفة. وجود المرتزقة في جيش الاحتلال ليس مجرد اتهام سياسي، بل واقع تؤكده الصور، الشهادات، وبرامج التجنيد المعلنة. هذه الحقيقة تضع الاحتلال في مواجهة انتقادات دولية محتملة، وتكشف حجم الأزمة التي يواجهها جيشه داخليا مع تزايد حالات الهروب والانتحار، واضطراره للاستعانة بوجوه غريبة تقاتل بالمال والولاء المؤقت. جنسيات المرتزقة وأعدادهم
تشير تقديرات غير رسمية وتقارير بحثية إسرائيلية إلى أن جيش الاحتلال يضم آلاف المقاتلين الأجانب من خلفيات متعددة، حيث جاءت الولاياتالمتحدة وكندا في المقدمة، وأشارت إحصاءات إلى أن ما يقارب 3 – 5 آلاف أمريكي خدموا في وحدات مختلفة، بعضهم عبر "برنامج ماحال"، فيما تحتل فرنسا وبريطانيا مراتب متقدمة، مع مئات من الشباب الذين التحقوا بالجيش الإسرائيلي بدوافع أيديولوجية أو مالية، بينما من أمريكا اللاتينية، خاصة كولومبياوالبرازيل والأرجنتين، يبرز حضور مرتزقة ذوي خبرة عسكرية سابقة، أغلبيتهم تم تسريحهم من وحدات مكافحة التمرد أو المخدرات، حيث تشير تقارير إلى وجود ما لا يقل عن 2000 مقاتل من تلك المنطقة، أما في أوروبا الشرقية، خاصة أوكرانياوروسياوبيلاروسيا، فقد ارتفعت الأعداد في السنوات الأخيرة، مع تقديرات تتحدث عن آلاف المقاتلين ممن جرى تجنيدهم بعد 2014، مستفيدين من خبراتهم في الحرب الأوكرانية، بينما تم تسجيل مشاركة أقل عددا من جنوب أفريقيا وأستراليا، بالإضافة إلى عناصر من إثيوبيا ونيجيريا جرى استقدامهم عبر شبكات تجنيد مرتبطة بالمنظمات الصهيونية العالمية. وجاءت أعداد المرتزقة التقديرية كالتالي الولاياتالمتحدة وكندا 3,000 – 5,000 فرنسا وبريطانيا 800 – 1,200 أميركا اللاتينية (كولومبيا، البرازيل، الأرجنتين) 2,000+ أوروبا الشرقية (أوكرانيا، روسيا، بيلاروسيا) 3,000 – 4,000 جنوب أفريقيا بضع مئات أستراليا بضع مئات إثيوبيا ونيجيريا أعداد محدودة / عشرات وتؤكد الدكتورة تمارا حداد، المحللة السياسية الفلسطينية والخبيرة في شئون الشرق الأوسط، أن هناك حالة من القلق والرعب عاشها جنود الاحتلال خاصة، والمجتمع الإسرائيلي عامة خلال الحرب مما أدى لانتشار الكآبة والقلق انعكس بشكل مباشر على انهيار النسيج الإسرائيلي، وزادت هذه الحالة مع سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى خاصة بين جنود الاحتياط مما أدى إلى زيادة حالات الكآبة والإحباط نتيجة طول القتال، مما كان له من تداعيات قلق وأرق لدى الضباط، وكذلك على المواطن الإسرائيلي. تمارا حداد وتوضح المحللة السياسية الفلسطينية، في تصريحات خاصة ل"اليوم السابع"، أن الفترة الماضية شهدت رفض من قبل الأحزاب الدينية لمشاركة الحريديم في الجيش مما أدى إلى التفرقة بين مواطن إسرائيلي وأخر وعم الإحباط والاكتئاب المجتمع، مشيرة إلى أن العملية العسكرية كلفت تل أبيب مليارات بسبب استخدام كافة أنواع الأسلحة التي تحتاج إلى أموال، مما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات بالداخل، وهذا أثر على معيشة وأمن ورفاهية المواطن الإسرائيلي وانعكس على نفسيته التي أصبحت مدمرة.