العالم اليوم تتجه أنظاره إلى مصر وتحديدا إلى مدينة السلام مدينة شرم الشيخ ليتابع نهاية واحدة من أعنف وأقسى الحروب فى تاريخ البشرية، التى تجاوزت حدود القوانين والمواثيق والمعاهدات الدولية والإنسانية إلى حدود حروب الإبادة والتشريد والقتل والتجويع والحصار على مدار عامين. العالم لن تتجه أنظاره فقط إلى مصر بل تقريبا هو حاضرا بثقله السياسى والدبلوماسى والاقتصادى فى شرم الشيخ، فوجود 25 من الزعماء والقادة فى قمة شرم الشيخ برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسى والرئيس الأمريكى دونالد ترامب لحضور التوقيع على اتفاق إنهاء الحرب فى غزة والبدء فى التفاوض ووضع مسار وسياق جديد للسلام فى الشرق الأوسط وصولا إلى الحل النهائى بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 4 يونيو 67 وعاصمتها القدسالشرقية، هو حضور لم يسبق أن سجلته مؤتمر أو قمة معنية بالسلام فى الشرق الأوسط من اتفاقية كامب ديفيد ومؤتمر مدريد واتفاقيات أوسلو. انعقاد القمة – التى جاءت تلبية لدعوة الرئيس السيسي- على الأراضى المصرية هى تأكيدا واعترافا بالدور المصرى الواضح والثابت والذى لم يتغير من الأزمة منذ اشتعال الحرب فى 7 أكتوبر2023 ومسارعة مصر إلى الدعوة إلى قمة القاهرة للسلام عقب تطورات عملية طوفان الأقصى وما صاحبها من عدوان إسرائيلى على قطاع غزة، وعقدت القمة فى يوم السبت 21 أكتوبر بالقاهرة برئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسى وحضرها أكثر من 30 دولة وأمين عام الأممالمتحدة. استمرت الجهود الدبلوماسية المصرية لوقف نزيف الدماء والابادة وأيضا فى مجابهة مخططات التهجير للشعب الفلسطينى إلى خارج قطاع غزة وتحملت مصر فى سبيل ذلك ضغوطا هائلة واغراءات كثيرة للموافقة على سيناريو التهجير إلى داخل الأراضى المصرية وكان الرد والموقف المصرى واضحا وجليا بأن التهجير إلى سيناء خط أحمر ويهدد بقوة الامن المصرى القومى. وبدا فى بعض الأحيان وجه الدبلوماسية الخشنة فى مواجهه ما يمس الأمن القومى المصرى وفى التمادى الإسرائيلى فى البطش والعدوان. الكل كان واثقا فى الدور المصرى النزيه والشريف والواضح وكلمات وتصريحات الرئيس السيسى، واستمع الجميع لصوت مصر ووساطتها مع الأشقاء فى قطر مع الوسيط الأمريكى. ومن تابع وشاهد اللقطات المصورة لأبناء الشعب الفلسطينى من الأطفال والشباب والنساء والكبار وهم يحتفلون بوقف إطلاق النصر ويرفعون الإعلام المصرية وصور الرئيس السيسى ويهتفون باسم مصر ورئيسها يدرك جيدا حقيقة المواقف وصدقها. فأصحاب القضية وحدهم القادرون على فرز المواقف دون مزايدات أو اصطناع أدوار زائفة ومن وقف بصدق وثبات إلى جانبهم فى الأزمة ومن خاض حرب الميكروفونات والفنادق ومنصات التواصل الاجتماعى. الموقف المصرى الراسخ فى عقيدته القومية والوطنية أثبت أنه لا نهاية لحرب بالسلاح مهما طال الوقت، فلم يتحقق النصر أو الهزيمة فى هذه الحرب المجنونة، حرب الإبادة والتجويع والتشريد. بل خسرت المنطقة الكثير وتحملت مصر أعباء كثيرة اقتصادية وأمنية واجتماعية فى ظل باقى التوترات والأوضاع الأمنية فى المنطقة ودول الجوار، بل تحملت مزايدات وأكاذيب وشائعات ومحاولات خبيثة لتأليب الرأى العام والتحريض للتوريط فى حرب عبثية. لكن صوت العقل والحكمة والثبات الانفعالى لمصر بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى كان دائما هو الرهان الواضح على إنهاء هذه الحرب ووقف شلالات الدم اليومية وإثبات مدى صحة الموقف المصرى الثابت والواضح والمعلوم بالضرورة والاستراتيجى أيضا والمؤكد على أن ارتباط مصر بالقضية الفلسطينية هو ارتباط دائم ثابت تمليه اعتبارات الأمن القومى المصرى وروابط الجغرافيا والتاريخ والدم والقومية مع شعب فلسطين. لذلك لم يكن الموقف المصرى من قضية فلسطين فى أى مرحلة يخضع لحسابات مصالح آنية، ولم يكن أبداً ورقة لمساومات إقليمية أو دولية، وبالتالى فإن ارتباط مصر العضوى بقضية فلسطين لم يتأثر بتغير النظم والسياسات المصرية. من هنا فإن انعقاد القمة هو نصر جديد مبهر ونحن نحتفل بذكر نصر أكتوبر 73، سطرته الدبلوماسية المصرية العريقة على مدار أكثر من عامين بشكل مكثف من أجل وقف الحرب الإسرائيلية الغاشمة على قطاع غزة واستعادة الحقوق الفلسطينية من إقامة دولة مستقلة على حدود يونيو 67 ومنعها التهجير القسرى للفلسطينيين خارج وطنهم. تكلل النجاح فى أولى خطواته عبر استضافة مصر وفود إسرائيل وحركة حماس وعدد من فصائل المقاومة الفلسطينية لبحث توفير الظروف الميدانية وتفاصيل عملية تبادل كافة المحتجزين الإسرائيليين والأسرى الفلسطينيين طبقاً لمقترح ومبادرة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، أملاً فى وضع حد للحرب ووقف معاناة الشعب الفلسطينى الشقيق والتى استمرت على مدار عامين متصلين. انعقاد القمة وحضور هذا العدد اللافت من زعماء العالم وفى مقدمتهم الرئيس الأمريكى مع الرئيس الفرنسى ورئيس الوزراء البريطانى والمستشار الألمانى ورئيسة الوزراء الإيطالية ورئيس الوزراء الإسبانى والرئيس التركى والعاهل الإردنى والعاهل البحرينى ورئيس وزراء باكستان والأمين العام للأمم المتحدة ورئيس المجلس الأوروبى هو دلالة على وجود إرادة سياسية دولية بضرورة إنهاء هذه الحرب للأبد ووضع مسار للسلام الشامل والعادل فى الشرق الأوسط. واعترافا وتقدير لدور مصر وسعيها الدائم إلى السلام وليس إلى الحرب والى الأمن والاستقرار لشعوب المنطقة وليس إلى الفوضى والقتل والدمار والتشريد. العالم اليوم سوف يستمع إلى صوت مصر القادم من أعماق التاريخ السكن على ضفاف النيل منذ آلاف السنين وكان – ومازال - شاهدا على صناعة المجد والحضارة والسلام.. ادخلوا مصر فى سلام وبالسلام أنتم آمنين.