فى كل مرة يتحدث الرئيس عبدالفتاح السيسى، يشدد على أهمية أن يثق المصريون فى بلدهم وقدراتها، وأن يتمسكوا بوحدتهم، لأن وحدة المصريين، وثقتهم فى أنفسهم، كانتا دائما وراء قدرتهم على عبور الكثير من التحديات بدءا من بناء السد العالى، ومواجهة ما أحاط بتمويله من عقبات وضعها الاستعمار القديم والحديث، وصولا إلى السد الإثيوبى الذى رفعت مصر صوتها طوال الوقت بأن التعاون هو أفضل وأقصر الطرق إلى تبادل المنافع، وأن التصرفات الأحادية تفتح مجالا لردود أفعال قد تكون غير متوقعة، وهو ما جرى مرات على مدى السنوات الماضية، حيث أصرت إثيوبيا على التصرف بعناد ومن دون تنسيق، وعرقلت كل الطرق للتوصل إلى حل، يمكن أن يضمن سلامة التشغيل والاستفادة من السد بشكل يقلل من أخطاره. والنتيجة لهذا العناد، هى ما نراه الآن من أخطاء فى تشغيل السد الإثيوبى تسببت فى فيضانات أغرقت الكثير من المناطق فى السودان الشقيق، وتسببت فى أضرار للسدود فى السودان، فقد أعلن رئيس وزراء إثيوبيا الانتهاء من إقامة السد، والاستعداد لتوليد الكهرباء، وهو ما بدا نوعا من الدعاية ومحاولة إخفاء المشكلات والعيوب فى تشغيل السد، وفى التوربينات التى يفترض أنها تولد الكهرباء، ومع الفيضانات الموسمية، فقد ارتفعت المياه بشكل جعلها تمر من فوق السد، بجانب غياب أى سيناريوهات للتعامل مع الأخطار والزيادات، وهى الرؤية التى كانت مصر تعلنها باعتبار مصر إحدى اكثر دول العالم خبرة فى إدارة وترشيد المياه، ثم إن مطالب مصر عام 2015 كانت أن يستمر الملء لمدة 7 سنوات، لكنه استغرق عشر سنوات، وجاءت الفيضانات فى معدلات عالية، وهو ما جعل نصيب مصر من المياه النيل ثابتا، بجانب ما استعدت له مصر بكل أدواتها ومؤسساتها لسيناريوهات التعامل. ومن يريد أن يعرف حجم الجهد المبذول فى ملف المياه بمصر، عليه أن يلقى نظرة على خارطة أزمات المياه فى العالم وتأثيرات التغير المناخى فى هذا الملف الدقيق، حيث تمثل المياه أحد أهم - ما لم يكن أخطر - الملفات فى إدارة الاقتصاد والزراعة، وكل تفاصيل الحياة، حيث إنه من دون مياه لا يمكن أن تكون هناك العناصر الأساسية للحياة، وكل نشاط زراعى أو صناعى، لا بد أن يقوم على المياه والطاقة، لقد استعدت مصر لكل السيناريوهات ووضعت الخطة «أ» و«ب»، وفى 25 أغسطس الماضى اجتمع الرئيس السيسى مع رئيس الوزراء، ووزراء الرى والتخطيط والتنمية الاقتصادية ومدير جهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة، ورئيس هيئة الشؤون المالية، ورئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، وتم استعراض الموقف المائى والاحتياجات المائية، وموقف عدد من المشروعات الجارى تنفيذها، لتدعيم المنشآت المائية ومتابعة مشروع الدلتا الجديدة وتطورات أعمال تجميع مياه الصرف الزراعى ونقلها إلى محطة الدلتا الجديدة لمعالجة المياه لتوفير مياه نظيفة وآمنة للاستثمار الزراعى فى الدلتا الجديدة. والواقع أن إدارة ملف المياه خلال السنوات الأخيرة تم بشكل علمى، وبقيادة بعيدة النظر من الرئيس عبدالفتاح السيسى، حيث كان نصيب مصر من المياه 55 مليار متر سنويا، عندما كانت مصر 30 مليون نسمة، وبقى النصيب ثابتا ومصر أكثر من 100 مليون نسمة، خلال سنوات، وضعت الدولة خططا استباقية لتوفير وتخطيط استخدامات المياه بالشكل الذى يكفى للتوسع الزراعى والصناعى، منها خطة طموحة لاستصلاح مليونى فدان بمشروع الدلتا الجديدة ونصف مليون فدان فى سيناء، ضمن عملية تنمية واضحة المعالم، توفر الاكتفاء الذاتى ويفيض للتصدير، خطة نجحت بالتخطيط، بدءا من التعامل مع قضية العجز المائى، بخطط متوسطة وبعيدة المدى. تم التوسع فى محطات تحلية مياه البحر، وأيضا محطات تنقية مياه الصرف الزراعى، وإعادة استخدامها بعد تنقيتها ثلاثيا، محطة بحر البقر توفر 5.6 مليون متر مكعب يوميا، تسهم فى زراعة 400 ألف فدان فى سيناء، ومع محطات بحر البقر والمحسمة، يجرى تنفيذ 151 محطة ثنائية وثلاثية لمعالجة الصرف الصحى بالمحافظات والمدن الجديدة، بطاقة إجمالية 5.051 مليون م3/ يوم، بتكلفة 31.59 مليار جنيه، وذلك بخلاف 59 محطة معالجة «37 محطة معالجة ثنائية - 22 محطة معالجة ثلاثية» تم الانتهاء من تنفيذها بمحافظات الصعيد، وتخدم 8.3 مليون نسمة. كل هذا ضاعف من القدرة على استخدام المياه أربع مرات فى الزراعة وإعادة تدويرها، بما يسهم فى توفير مياه للزراعة والصناعة، فى سيناء، وأيضا فى القطاع الغربى، ومنذ عامين رأينا صوب زراعية تنتج عشرات الملايين من الأطنان، من منتجات زراعية نتاج صوب حديثة، توفر الماء وتنتج سلعا خالية من الكيماويات للاستهلاك المحلى والتصدير. كان هذا سيناريو التعامل مع التدفق الطبيعى، ومع الفيضان الضخم الذى تم بسبب فشل تشغيل السد الإثيوبى، هناك استعدادات من سنوات، تمكن مصر من التعامل مع الخطر، حيث إن السد العالى لا يزال صامدا، وبحيرة ناصر تستوعب مئات المليارات من أمتار المياه، وهناك مفيض توشكى الذى يمثل صمام أمان جديدا لاستيعاب التصريف، وهناك بحيرة أخرى ونهر إلى الصحراء الغربية يساهم فى زراعة ملايين الأفدنة، وكل هذا بفضل خبراء مدرسة هندسة الرى المصرية، وحرص الرئيس عبدالفتاح السيسى على قيادة ملف المياه بنفسه، والتعامل بخطط استباقية، طوال أكثر من عشر سنوات وهو ما يعيدنا إلى البداية، أن وحدة المصريين وثقتهم بأنفسهم وتفهم ضرورات الأمن القومى، تجعل من السهل مواجهة التحديات. ومثلما نجح السد على مدى عقود فى حماية مصر من الفيضانات والجفاف، نجحت المشروعات الاستباقية من مضاعفة قدرات مصر على امتصاص الصدمات والطوارئ.