«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيناريوهات التعاون والصراع فى قضية سد النهضة
وانعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية المحتملة على الزراعة المصرية
نشر في المصريون يوم 05 - 06 - 2016


مقدمة
انبثقت الحضارة الزراعية الأولى على أرض مصر بفضل النيل ، وتمحورت حوله منذ ذلك الحين الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وحتى الدينية فى الحضارة المصرية القديمة .ورغم أن مساحة مصر الجغرافية كبيرة نسبيا وتبلغ مليون كيلومتر مربع ، إلا أن سكانها (ال 90 مليون حاليا) يتكاكأون فى وادى النيل على جانبيه ودلتاه فى شريط أخضر ضيق لا تتجاوز نسبته3.5% من المساحة الكلية.وما زال النيل على أهميته باعتباره المصدر الوحيد تقريبا للموارد المائية فى مصر لمواجهة احتياجات الزراعة فضلا عن الشرب والصناعة والسياحة والنقل.إلا أن أهميته بالنسبة للزراعة مركزية ، فبغير مياه النيل تصبح الزراعة المصرية أثرا بعد عين ،والزراعة وإن كانت مساهمتها فى الناتج المحلى الإجمالى ضئيلة نسبيا (نحو 13%) ، إلا أنها تشكل المصدر الرئيسى للدخل والإعاشة بصورة مباشرة بالنسبة للسكان الزراعيين وعددهم 40 مليون نسمة (44.4% من سكان مصر) وبصورة غير مباشرة بالنسبة للسكان الريفيين غير الزراعيين وعددهم نحو 10 مليون نسمة (11.1% من سكان مصر) ، وتغطى نحو 60% من الاحتياجات الغذائية للسكان المصريين .
والآن ، ولأول مرة فى التاريخ ، يتعرض النيل لأكبر تحد يعطل مسيرته من دولة المنبع إثيوبيا إلى دولة المصب مصر.ويتم هذا التحدى ببناء إثيوبيا لسد النهضة على النيل الأزرق قرب الجانب الشرقى للحدود السودانية .ومن المخطط أن ينتهي بناء السد بحلول 2017 . وهناك كم محدود للغاية من المعلومات متاح للدول التي ستتأثر ببنائه وبالتحديد دولتى المصب السودان ومصر . بل لم تبلَّغ مصر ولا السودان بالمشروع إلا بعد البدء في تشييده فعليًّا، رغم أن السد سيحجز كمية هائلة من مياه النيل، مما يعد تصرفًا غير مسؤول من الجانب الإثيوبي
وتعتمد الآثار المترتبة على السدعلى الكيفية التي سيجري بها تشغيل السد ، وعلى ماهية الاتفاقات المزمع عقدها بين إثيوبيا ودولتى المصب،والتى بدونها لا ضمانات لتوفر المياه . وفى هذا الصدد ، يجمع الخبراء على أن إدارة مياه النيل لا بد أن تتم بموافقة جميع الدول التي يجري فيها النهر، وأن احتياجات الدول لا بد أن توضع في الاعتبار. ومن المحتمل ، فى حالة غياب هذا التوافق مستقبلا ، أن تتسبب المياه في قيام نزاعات عنيفة بين الدول، خاصة مع تضخم ظاهرة التغير المناخي وازدياد عدد السكان.
سد النهضة والطموحات الإثيوبية
يمثل سد النهضة محورا مركزيا فى الطموحات الإثيوبية على الصعيدين الاقتصادى والإقليمى . فعلى الصعيد الإقليمى يمثل التنافس مع مصر هاجسا تاريخيا لا يمكن تجاهله ، وعلى الصعيد الاقتصادى تحتاج إثيوبيا للطاقة الكهربية لإنجاز خطط التنمية وربما تفكر فى إقامة بنك المياه مستخدمة بحيرة السد ، ثم إنها لديها طاقات زراعية كبيرة .فتبلغ جملة الأراضى القابلة للزراعة فى إثيوبيا نحو 75 مليون هكتار يزرع منها نحو 15 مليون هكتار .وتتمتع إثيوبيا بتنوع شديد فى التربة والمناخ يسمح بزراعة أكثر من 150 نوعا من النباتات .وتنتمى إثيوبيا لمجموعة الدول منخفضة الدخل ، حيث يبلغ نصيب الفرد من الدخل 330 دولار سنويا.ويحقق الاقتصاد الإثيوبى معدل نمو مرتفع يصل إلى 11% سنويا ، ويعد ثالث أسرع المعدلات بعد الصين والهند على مستوى العالم .ويرى الإثيوبيون أن بلدهم جاذب للاستثمار الزراعى فى ضوء ما تتمتع به من موارد زراعية من أراض قابلة للزراعة وومياه الأمطار والأنهار فضلا عن الأيدى العاملة الرخيصة، وأن عليهم تأمين المتطلبات من الكهرباء من خلال الاستفادة من مواردها الطبيعية لتوليد طاقة نظيفة ومتجددة كالطاقة الهيدروليكية المولدة من السدود . إلى جانب السيطرة على الفيضانات وزيادة رقعة الأراضي المزروعة بالرى.ويأتى بناء سد النهضة فى هذا السياق ،إذ يمكنهم من إنتاج طاقة كهربية تقدر ب 6000 ميجاوات سنويا يباع الجزء الأكبر منها إلى دول أخرى ، ويمكنهم كذلك من تحويل مساحات كبيرة من الزراعة المطرية إلى الزراعة المروية ، وقد يتمكنون مستقبلا من إقامة بنك للمياه حيث يبيعون المياه للدول الأخرى بما فيها مصر.

ويعكس الموقف الإثيوبى خلال المسار التفاوضى على مدى السنوات الثلاث الماضية توجه إثيوبيا نحو هذه الطموحات.فعلى مدى جلسات التفاوض لم ينجح المفاوض المصرى فى الحصول على أى تنازل من قبل المفاوض الإثيوبى أو حتى حلحلته عن موقفه المتعنت.فالسد يجعل لإثيوبيا القدرة على التحكم الاستراتيجى الكامل فى مياه النيل الأزرق بعد نقل تخزين المياه من بحيرة السد العالى إلى الهضبة الإثيوبية.لأن المسألة لو كانت تفتصر على إنتاج الكهرباء فقط لكانت السدود الأصغر التى يتراوح تخزينها المائى بين 8 و 15 مليار متر مكعب كافية لإنتاج ما ترغبه إثيوبيا من كهرباء ، ولماذا إذن تتمسك إثيوبيا بسد ذى سعة تخزينية بمثل هذه الضخامة إلا إذا كانت تخطط لتحقيق أغراض أخرى ؟ وفى هذا السياق قد تكون الغاية النهائية للمفاوض الإثيوبى من وراء تشبثه بهذا الموقف المتعسف هو أن ترضخ مصر للتفاوض على أرضية جديدة تماما مؤداها أن مياه النيل الأزرق هى ملك لإثيوبيا ولها الحق فى التصرف فيها كيفما تشاء وعلى النحو الذى يعظم مصالحها منفردة بصرف النظر عن مصالح شركائها فى النهر.وعلى هذا النحو سيكون لدى إثيوبيا مخزونا كبيرا من المياه وقدرا كبيرا من الطاقة ولديها مساحات شاسعة من الأراضى القابلة للزراعة ، كل ذلك يوفر مناخا جاذبا للاستثمارات الخليجية والهندية والصينية التى لديها بالفعل موطىء قدم هناك.

السيناريوهات المحتملة لحصة مصر المائية فى ظل السد
رغم المفاوضات التى تجرى بين الدول الثلاث على مدى السنوات السابقة ومد يد التعاون من جانب مصر يبدو الموقف الإثيوبى متعسفا لا يبدى أى قدر من المرونة ، بل على العكس يستغل الموقف المصرى المرن فى تثبيت مكتسبات تفاوضية لصالحه .واقرب مثال على ذلك اعتباره وثيقة الخرطوم اعترافا بالسد بسعته الكبرى من جانب دولتى المصب ،ويؤيد ذلك أحدث تصريحات لوزير الرى والكهرباء الإثيوبى الذى يؤكد فيها أن مسالة ملء وتشغيل السد هى جزء لا يتجزأ من إجراءات بناء السد الذى تعترف به الوثيقة ، ومن ثم فلا مجال للتفاوض حولها مع دولتى المصب. ويلقى هذا الموقف ظلالا كثيفة من الشك على مدى التزام إثيوبيا بنتائج الدراسات الفنية التى كان من المفترض أن تبدا فى أول فبراير 2016 وتنتهى فى يناير 2017، وهى غير ملزمة أصلا .
ومن ناحية أخرى ، إثيوبيا لم ، ولا تريد أن، تعترف مطلقا بحصة مصر المائية التاريخية ، مما يعطى انطباعاً واضحاً وصريحاً بأن إثيوبيا لا تقر بكمية المياه التى تستخدمها مصر حالياً ومنذ أكثر من خمسين عاماً، والتى تبلغ 55.5 مليار متر مكعب سنوياً.ويترتب على هذا الموقف أن مصر تتعرض لسيناريوهات مفتوحة فيما يتعلق بإيراد النهر عند السد العالى وكلها تتوقف على المزاج الإثيوبى فضلا عن التغيرات المناخية بالنسبة للفيضان والجفاف. وتعتبر فترة ملء خزان السد من أخطر الفترات تأثيرا على إيراد النهر وخاصة عدد سنواتها . فبعد الانتهاء من تشييد السد، سيكون من المهم تحديد فترة ملء الخزان، فكلما كانت فترة الملء أقصر سارع ذلك من توليد الكهرباء وهو ما تريده إثيوبيا ، ولكن في المقابل سيخفض ذلك من سريان المياه لدول المصب بشكل كبير وستعانى مصر من الجفاف بشدة أثناء فترة الملء.
وبصرف النظر عن الموقف التفاوضى الحالى الذى يمكن أن يتغير خلال الجلسات القادمة، فإن السيناريوهات المحتملة للتغير فى الموقف يمكن تقسيمها إلى مجموعتين ، الأولى يمكن أن يطلق عليها ، سيناريوهات التعاون ،الثانية سيناريوهات الصراع (او اللا تعاون) ،ويمكن توضيحها فيما يلى :
1. سيناريوهات التعاون :Cooperation scenarios
تقوم سيناريوهات التعاون بين دول حوض النيل الشرقى على استراتيجية "الجميع رابحون" Win-win strategy .وتنطوى على تعظيم استغلال الموارد المائية المتاحة بالهضبة الإثيوبية البالغة 1600 مليار متر مكعب سنويا والتى يقل ما يستغل منها فى دول الحوض 100 مليار متر مكعب سنويا تمثل نسبة 6%.ويتم ذلك من خلال "الانتفاع المشترك" للنهر ومشروعات "استقطاب الفواقد " من مستنقعات البارو أكوبى التى يفقد فيها من 12 إلى 14 مليار متر مكعب سنوياً. أما بالنسبة لسد النهضة فتنطوى سيناريوهات "الجميع رابحون" على الحفاظ على الحصص المائية لدولتى المصب مع توليد الكهرباء بالكميات التى ترغب فيها إثيوبيا. وفى ظلها تتحقق شعارات لا مساس بالأمن المائى لمصر والسودان ،ولا ضرر ولا ضرار وأن السد يحمل الخير لجميع الدول .بل يعتقد وزير الرى السودانى إلى احتمال زيادة حصة مصر المائية بنحو 3.5 مليار متر مكعب سنويا نتيجة لفروق الفاقد بالبخر فى بحيرتى سد النهضة والسد العالى. ولو أن هذه يمكن أن تكون نقطة خلافية لأن التسرب من بحيرة سد النهضة قد يكون أعلى منه فى بحيرة السد العالى .ويقتضى هذا النوع من السيناريوهات مرونة أكبر فى الموقف الإثيوبى نحو إشراك دولتى المصب فى إدارة وتشغيل السد طبقا لقواعد ملىء وتشغيل يتفق عليها وتلتزم بها الدول الثلاث التزاما صارما .كما تقتضى أن توافق إثيوبيا على تمديد فترة الملء إلى فترة طويلة تصل إلى 15 سنة وخاصة فى سنوات الجفاف.
2. سيناريوهات الصراع (أو اللاتعاون) :No-cooperation scenarios
تنشا سيناريوهات الصراع نتيجة للموقف الإثيوبى المتعنت الذى يرفض حتى الآن الاتفاق على قواعد الملء والتشغيل أو الاتفاق على الإدارة المشتركة للسد أو الاتفاق على مبدأ التعاون أصلا.وعلى عكس سيناريوهات "الجميع رابحون" ، تتسبب سيناريوهات الصراع فى إيقاع أضرار بالغة بالأمن المائى لدولتى المصب مصر والسودان ,وإن كانت بدرجة أقل بالنسبة للسودان.وتشير مواقف إثيوبيا العديدة السابقة إلى ترجيح سيناريوهات الصراع على سيناريوهات التعاوان ابتداء من اتفاقية عنتيبى ورفضها مبدأ الإخطار المسبق وعدم اعترافها بالحصة المائية لمصر ولا بالاتفاقيات السابقة المتعلقة بنهر النيل ،وتبنيها للمصطلح المراوغ "الاستخدامات المائية" بدلا من الحصص المائية ، وموقفها الانتهازى فى البدء فى تشييد سد النهضة فى غمرة انشغال مصر بأحداث ثورة يناير دون إخطار دولتى المصب ، بل وتكبير السد من سد سعته 14 مليار متر مكعب إلى سد ضخم سعته 74 مليار متر مكعب بارتفاع 145 متر يقوم بتوليد نفس الكمية من الكهرباء التى يولدها السد الأصغر أى 6000 ميجاوات سنويا. وخلال جلسات التفاوض طلبت مصر من إثيوبيا إضافة بوابتين إلى بوابتى السد الأصليتين لزيادة تصريف المياه إلى مصر ،إلا أن إثيوبيا رفضت الطلب ، وهكذا تسجل إثيوبيا قاعدة جديدة فى التعامل مع مصر تمسك فيها بزمام أمور السد بعيدا عن مبدأ الإدارة المشتركة للسد.

السيناريوهات المحتملة لحصة مصر المائية فى ظل السد
رغم المفاوضات التى تجرى بين الدول الثلاث على مدى السنوات السابقة ومد يد التعاون من جانب مصر يبدو الموقف الإثيوبى متعسفا ولا يبدى أى قدر من المرونة ، بل على العكس يستغل الموقف المصرى المرن فى تثبيت مكتسبات تفاوضية لصالحه .واقرب مثال على ذلك اعتباره وثيقة الخرطوم اعترافا بالسد بسعته الكبرى من جانب دولتى المصب ،ويؤيد ذلك تصريحات لوزير الرى والكهرباء الإثيوبى يؤكد فيها أن مسالة ملء وتشغيل السد هى جزء لا يتجزأ من إجراءات بناء السد التى تعترف به الوثيقة ، ومن ثم فلا مجال للتفاوض حولها مع دولتى المصب. ويلقى هذا الموقف ظلالا كثيفة من الشك على مدى التزام إثيوبيا بنتائج الدراسات الفنية التى كان من المفترض أن تبدا فى أول فبراير 2016 وتنتهى فى يناير 2017، إلا أنها لم تبدأ حتى كتابة هذا المقال ، ثم إن إثيوبيا ترى أن نتائج هذه الدراسات غير ملزمة أصلا .
ومن ناحية أخرى ، إثيوبيا لم تعترف مطلقا بحصة مصر المائية التاريخية ، مما يعطى انطباعاً واضحاً وصريحاً بأن إثيوبيا لا تقر بكمية المياه التى تستخدمها مصر حالياً ومنذ أكثر من خمسين عاماً، والتى تبلغ 55.5 مليار متر مكعب سنوياً.ويترتب على هذا الموقف أن مصر تتعرض لسيناريوهات مفتوحة غاية فى الخطورة فيما يتعلق بإيراد النهر عند السد العالى وكلها تتوقف على المزاج الإثيوبى والتغيرات المناخية بالنسبة للفيضان والجفاف. وتعتبر فترة ملء خزان السد من أخطر الفترات تأثيرا على إيراد النهر وخاصة عدد سنواتها . فبعد الانتهاء من تشييد السد، سيكون من المهم تحديد فترة ملء الخزان، فكلما كانت فترة الملء أقصر سارع ذلك من توليد الكهرباء، ولكن في المقابل سيخفض ذلك من سريان المياه لدول المصب بشكل كبير وستعانى مصر من الجفاف بشدة أثناء فترة الملء. ومن المتوقع أن تبدا إثيوبيا تخزين المياه للمرحلة الأولى فى يونيو 2016 حيث يتم حجز 14 مليار متر مكعب لتشغيل أول توربينين لتوليد الكهرباء.وستكون هذه الكمية بالضرورة خصما من حصة دولتى المصب السودان ومصر.يتم ذلك فى غيبة التنسيق مع دولتى المصب ، ودون انتظار للدراسات الفنية التى لم تبدا حتى الآن.

الآثار على الموارد الزراعية :المياه والأرض

المياه الواردة لمصر
لن تكون هناك حصة مائية محددة وثابتة لمصرعلى النحو الذى استمر العمل به على مدى خمسين عاما ، وإنما سيكون هناك كمية من المياه متغيرة تختلف من سنة إلى اخرى أو حتى من شهر لآخر طالما ظلت لإثيوبيا ترفض الإلتزام بحصة محددة .ولذلك ربما يكون من الأفضل استخدام لفظ "الكمية الواردة" سنويا لمصر أثناء فترة ملء بحيرة السد والتى تختلف بالضرورة عنها فيما بعد الملء.

أ. المياه الواردة لمصر فى فترة الملء:
تتحدد كمية الواردة لمصر أثناء فترة الملء فى ضوء عدد سنوات التى تقررها إثيوبيا للملء. وتقترح الدراسات الإثيوبية أن يتم الملء في فترة 6 سنوات "بغض النظر عن إيراد نهر النيل.وعلى ذلك ، وبناء على الحجم الكلى للتخزين المحدد ب 74 مليار متر مكعب ، يقدر التخزين السنوى ب 12 مليار متر مكعب .وطبيعى أن هذه الكمية سوف تخصم من إيراد النهر لدولتى المصب السودان ومصر مقسمة بينهما 25% و 75% أى 3 و 9 مليارات على الترتيب. وفى ظل هذه التقديرات تبلغ كمية المياه الواردة لمصر 46.5 مليار متر مكعب ، أى ما يقل بنسبة 16.2% عن الحصة الحالية.وطبيعى أن الخصم يمكن أن يزيد عن ذلك فى سنوات الجفاف أو الفيضان المنخفض ،وقد يزيد بالنسبة لمصر إى 16 مليار متر مكعب سنويا فى فترات الجفاف.ويلاحظ أن هذه الحسابت لم تأخذ فى الاعتبار معدلات البخر فى البحيرة . أما إذا قررت إثيوبيا أن تختصر فترة الملء إلى 3 سنوات فقط ، وهو أجدى لها اقتصاديا من الفترة الأطول ، فسوف تقل الكمية الواردة لمصر من المياه ب 18.5 مليار متر مكعب سنويا ،أى ينخفض الإيراد النهرى لمصر إلى 37 مليار متر مكعب سنويا بنسبة انخفاض 33.3% عن الحصة الحالية.

ب. المياه الواردة لمصر فيما بعد الملء:
بعد امتلاء بحيرة السد ، لن تعود الأمور إلى مجراها الطبيعى كما كانت قبل السد.فهناك الفاقد المائى نتيجة البخر من البحيرة ، وهناك مشاريع التوسع فى الزراعة المروية والتى تخطط لها إثيوبيا والتى تقدر كمرحلة أولى بعد إتمام السد بنحو 2 مليون فدان. فإذا قدر الفاقد بالبخر ب 10 مليارات متر مكعب واحتياجات الرى للمساحة المذكورة ب 10 مليارات أخرى ، فيكون إجمالى الخصم من ايراد دولتى المصب 20 مليار متر مكعب سنويا نصيب مصر منها 15 مليار ، أى بنسبة انخفاض 27% عن الحصة الحالية.

الأثر على المساحة المزروعة وتوزيعها الجغرافى

سوف يؤدى العجز المائى المتزايد إلى تقلص الرقعة الزراعية فى مصر بدرجات تتفاوت حسب السيناريوهات المتوقعة فيما يتعلق بالكميات المائية الواردة إلى مصر فى فترتى التخزين وما بعده.كما يتوقع أن يتغير التوزيع الجغرافى للرقعة الزراعية حسب المناطق المتضررة من نقص المياه.
وللحصول على تقدير مبدئى للمساحة الزراعية المعرضة للفقد أثناء فترة الملء يؤخذ فى الاعتبار أن الزراعة تستهلك حاليا نحو 50 مليار متر مكعب سنويا ، وأن الرقعة الزراعية الإجمالية 9 مليون فدان ، فيكون متوسط ما يستهلكه الفدان من المياه 5500 متر مكعب سنويا.وعلى ذلك ففى حالة السيناريو الأول (فترة ملء 6 سنوات وحجز 9 مليار م م سنويا) تبلغ المساحة الزراعية المعرضة للفقد 1.6 مليون فدان (تمثل 17% من إجمالى المساحة) ، وفى حالة السيناريو الثانى (الملء فى ظل فيضان تحت المتوسط او ضعيف) الذى ينخفض فى ظله الإيراد المائى لمصر ب 16 مليار م م سنويا تزيد المساحة الزراعية المفقودة إلى 2.9 مليون فدان (تمثل 32% من إجمالى المساحة).
أما السيناريو الأسوأ على الإطلاق فيحدث إذا ما قررت إثيوبيا أن تملأ بحيرة السد فى ثلاث سنوات فقط إذ يرتفع الكمية المحجوزة سنويا إلى 24.7 مليار م م نصيب مصر منها 18.5 مليار م م سنويا ترتفع إلى 25.5 مليار م م سنويا فى حالة الفيضان الضعيف.الأمر الذى يعنى تبوير 4.6 مليون فدان أى أكثر من 51.5% من الرقعة الزراعية الحالية.

أما بالنسبة للتوزيع الجغرافى للمساحة الزراعية المفقودة فيتوقف على أى المناطق أكثر تضررا من غيرها نتيجة لنقص المياه سواء فى الأراضى القديمة أو الجديدة .ومن حيث المبدأ قد يحدث الفقد بصورة رئيسية فى أراضى محافظات شمال الدلتا . وسوف تتضرر الأراضى القديمة بشكل أكبر من الأراضى الجديدة ، نظرا لأن الأولى تستخدم طريقة الرى بالغمر والثانية تستخدم طرق الرى الحديثة .
وهناك نقطة جديرة بالملاحظة ، وهى أن الضرر الناشىء عن نقص المياه فى منطقة معينة إما يأخذ صورة تبوير كامل للأرض الزراعية فى حالة الانقطاع الكامل للمياه ،أو يأخذ صورة تبوير جزئى للأرض الزراعية كأن تزرع شتاء ولا تزرع صيفا.وهناك صورة ثالثة أن تتم زراعة الأرض زراعة كاملة ولكن المحاصيل لا تحصل على كامل احتياجاتها المائية.وفى جميع هذه الصور يصبح تجريف الأراضى الزراعية والتغول العمرانى عليها أمرا واقعا.ومن الصعب حينئذ استعادة خصوبة الأراضى إلى ما كانت عليه بسبب ما سوف تصاب به من تملح .

الأثر على الإنتاج الزراعى والغذائى

يلقى سد النهضة بظلال كثيفة على الإنتاج الزراعى فى مصر حيث يتعرض إلى نقص جوهرى نتيجة لفقد هذا الكم الهائل من الموارد المائية والأرضية. ولا يعزى النقص إلى المساحة الزراعية المفقودة فقط بل يتقرر كمحصلة للفقد فى المساحة والتوزيع الجغرافى لها والتغير فى التركيب المحصولى والتغير فى الإنتاجية الزراعية .فى المجمل إذا كان الناتج المحلى الإجمالى حاليا يبلغ 250 مليار جنيه ، فإن قيمة الفقد فى الإنتاج الزراعى تتراوح بين 42 و 80 مليار جنيه فى السيناريوهين الأفضل والأسوأ على الترتيب .أما فى ظل السيناريو الأكثر سوءا على الإطلاق فينخفض الناتج الزراعى إلى النصف.
ومن المتوقع أن تنخفض الإنتاجية الزراعية نتيجة لتدهور نوعية المياه ( بسبب زيادة درجة الملوحة ، وزيادة معدل تدوير المياه ) ، ويتوقع أن تتفاقم الفجوة الغذائية وتتجه إلى الاتساع بشكل جوهرى نظرا لأن محاصيل الحبوب وهى عصب الأمن الغذائى سوف تتأثر سلبا بدرجة أكبر بالمقارنة للزروع البستانية ، وتتركز محاصيل الحبوب فى منطقة الدلتا التى ستضرر أكثر من غيرها من المناطق الزراعية .

الآثار الإجتماعية والأضرار الواقعة على السكان الزراعيين ومعدلات الفقر الريفى

سوف ينشىء سد النهضة ظروفا غاية فى الصعوبة لقطاعات عريضة من السكان الريفيين خاصة فى المناطق المتضررة بنقص الموارد المائية ، ومن المؤكد أنه سيكون لوزارة الموارد المائية دور فى إعادة توزيع الكميات الواردة على مختلف المناطق آخذة فى الاعتبار العجز الإضافى فى الموارد. وبصفة يمكن تقدير عدد السكان الزراعيين المضارين بشكل تقريبى .وذلك على اساس أن العدد الكلى للسكان الزراعيين 40 مليون نسمة يتعيشون على المساحة الزراعية الإجمالية البالغة 9 مليون فدان ، فتكون حمولة الفدان من السكان 4.4 فرد ، أى أن كل مليون فدان يعول 4.4 مليون نسمة.وفى حالة السيناريو الأول (فقد 1.6 مليون فدان) يفقد 7 مليون نسمة مصدر دخلهم الرئيسى ، اما فى حالة السيناريو الثانى فيزيد عدد السكان الزراعيين الذين يفقدون مصدر دخلهم إلى 12.8 مليون نسمة . وفى السيناريو الثالث يزيد عدد السكان المتضررين الفاقدين لدخولهم إلى 20.2 مليون نسمة أى نصف عدد السكان الزراعيين. وسينشأ عن هذه السيناريوهات مشاكل خطيرة تتعلق بالهجرة الريفية المتزايدة إلى المدن وارتفاع معدلات البطالة إلى مستويات غير مسبوقة قد تكون سببا فى خلق قلاقل اجتماعية على نطاق واسع .

استجابة السياسات الزراعية لتحديات ما بعد السد
اتسمت السياسات الاقتصادية المصرية بالتحيز التاريخى ضد الزراعة على مدى العقود الستة الماضية وإن تفاوتت درجة التحيز بين فترتى ما قبل التحرر وما بعد التحرر.فقبل االتحرر وبخاصة خلال عقود الستينات والسبعينات ومعظم الثمانينات حيث كانت الحكومة تقتطع جزءا جوهريا من الأسعار الحقيقية للمحاصيل الزراعية ، وبعد التحرر أصبح المزارعون يحصلون على أسعارهم الحقيقية إلا أن الزراعة تم تهميشها فيما يتعلق بنصيبها فى الاستثمارات العامة (3% فقط) وتخفيض مخصصات البحوث والإرشاد الزراعى إلى ادنى حد. والآن تستقبل الزراعة المصرية متغيرا جديدا يقلب أمورها رأسا على عقب.فعلى مدى الخمسين عاما الماضية كانت الزراعة تستقبل حصة مائية سنوية ثابتة (55.5 مليار م م) ، أما بعد تشغيل السد وبالتحديد اعتبارا من 2017 أى مع بداية التخزين، تصبح الموارد المائية عنصرا متغيرا يتم تحديده خارجيا فى دولة أخرى هى إثيوبيا. ويزيد الأمر ضبابية أن إثيوبيا-كما سبقت الإشارة- عازفة عن الإقرار لمصر بحصة مائية معينة وفى نفس الوقت ترفض إشراك مصر والسودان فى إدارة عمليات الملء والتشغيل ،بل ترفض أن تحدد هى ومن جانب واحد قواعد للملء والتشغيل تلتزم بها وتكون شفافة ومعروفة لدى دولتى المصب.وفى ظل هذه الظروف ، تواجه السياسات الزراعية المصرية تحديا مزدوجا ، فمن ناحية ينبغى إحداث إصلاحات جذرية فى السياسة فى مجالات الاستثمار والمؤسسات والبحوث والخدمات الإرشادية ، ومن ناحية أخرى ينبغى اتخاذ الإجراءات الضرورية والاحترازية لمواجهة الآثار الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الناشئة عن العجز الهائل فى الموارد المائية سواء نتيجة للسد منفردا أو نتيجة لما قد يصاحب تشغيل السد من تغيرات مناخية تكرس الشح المائى والآثر السلبية على الإنتاج الزراعى خلال العقود القادمة.

* أستاذ الاقتصاد الزراعى - كلية الزراعة – جامعة القاهرة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.