سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أزمات السدود والمناخ والغذاء والزراعة.. 4 سيناريوهات عن أزمات المياه والفجوة الغذائية فى مصر.. خطة لتنقية مياه الصرف الصحى لتعويض النقص فى كمية المياه المتاحة للزراعة
تقرير: محمد صفاء الدين رغم التحركات المصرية الحالية من أجل مواجهة أزمات المياة والزراعة بالتنسيق مع بلدان مجاورة كأثيوبيا والسودان، خاصة بعد تصاعد الصراع حول المياه، واللعب بهذا الملف فى الخلافات السياسية إلا أن ملف المياه والزراعة المصرية خلال العقود الثلاثة القادمة سوف يتأثر بالعديد من المتغيرات التى سوف تؤثر بالضرورة بشكل جذري على مسارها المستقبلى، وخاصة بالنسبة للوضع الغذائي والفجوة الغذائية، وتتعلق هذه المتغيرات بجانبى عرض الغذاء والطلب وعليه.. والفجوة الغذائية ما هى إلا المحصلة النهائية لتفاعل المتغيرات على الجانبين. كل تلك التفاصيل فى دراسة حديثة للأستاذ الدكتور جمال صيام، أستاذ الاقتصاد الزراعى، ناقش خلالها نتائج وسيناريوهات المياه والفجوة الغذائية المستقبلية فى مصر، ونبه الباحث إلى أن نتائج السيناريوهات الأربعة التي وضعها بالنسبة للوضع الغذائي والفجوة الغذائية ترتبط بالفروض التى أوردها لكل سيناريو على حده.. إلى التفاصيل. يهتم السيناريو الأول بتوضيح أثر الزيادة السكانية – منفردة – على الفجوة الغذائية المستقبلية، وتحديدا فى عامي 2030 و 2050، والزيادة السكانية تأثير مزدوج يضاعف من حجم الفجوة الغذائية، فهى من ناحية تؤدى إلى زيادة الطلب على المياه من أجل الاستخدامات غير الزراعية (الشرب والصناعة والنقل والسياحة والفاقد) وذلك بالقطع – مع افتراض بقاء الأشياء الأخرى على ما هى عليه- يكون على حساب المياه المتاحة للزراعة (الري) الأمر الذي يؤدي بدوره إلى تقليص القدرة على الإنتاج الغذائى ومن ثم إلى زيادة الفجوة الغذائية، ومن ناحية أخرى، تؤدى الزيادة السكانية إلى زيادة الطلب على الغذاء، وهو ما يؤدى أيضا إلى زيادة الفجوة فى حالة عدم نمو الإنتاج بنفس نسبة زيادة استهلاك الغذاء. وعلى ذلك والفرضية الأساسية التي يقوم عليها هذا السيناريو هو النمو السكانى مع ثبات الموارد المائية، وبالنسبة للنمو السكانى يفترض خلال الفترة 2015- 2030 ينمو عدد السكان بمعدل 1.8% سنويا، وعلى ذلك يرتفع عدد السكان (المقيمين بالداخل) من 90 مليون نسمة فى 2015 إلى 118 مليونا فى 2030، وخلال الفترة 2030- 2050 ينمو عدد السكان بمعدل 1.4% سنويا، أى يرتفع عدد السكان إلى 160 مليونا فى 2050. كما يفترض أيضا ثبات معدل الاستخدامات غير الزراعية للمياه (شرب واستخدامات منزلية وصناعة وسياحة ونقل وفواقد) على أساس المعدل الحالى البالغ 178 مترا مكعبا للفرد سنويا، هذا السيناريو يركز فقط على أثر النمو السكانى على فجوة المياه ومن ثم على الفجوة الغذائية، ويفترض أن لا ينشأ عن سد النهضة والسدود الأربعة الأخرى وعن التغيرات المناخية أية أضرار بالنسبة لحصة مصر المائية التاريخية. السدود السيناريو الثاني يتناول يتناول توضيح إلى أى حد تُزيد الفجوة الغذائية نتيجة للأثر المشترك للنمو السكانى والسدود الإثيوبية معا على الموارد المائية المتاحة لمصر مع تجاهل الأثر المحتمل للتغيرات المناخية على هذه الموارد، فضلا عن أثر النمو السكانى كما سبق توضيحه فى السيناريو السابق.. تؤدى السدود الإثيوبية الخمسة إلى تقليص حصة مصر المائية ومن ثم تقليل كمية المياه المتاحة للزراعة وإنتاج الغذاء مما ينشأ عنه زيادة حجم الفجوة، وذلك بافتراض بقاء الأشياء الأخرى على ما هى عليه.وعلى ذلك يشتمل هذا السيناريو على متغيرين أساسيين هما المتغير السكانى ومتغير السدود الإثيوبية، وبالنسبة للسكان يحتفظ السيناريو بنفس الفرضين السابق الإشارة إليهما، أى نفس معدلات النمو السكانى (1.8% حتى 2030 و 1.4% خلال 2030-2050) وثبات معدل استخدامات المياه غير الزراعية (المرتبطة بالسكان) مستقبلا على أساس المعدل الحالى 178 مترا مكعبا للفرد سنويا. وبالنسبة لسد النهضة والسدود الإثيوبية الأخرى المقامة على النيل الأزرق فسوف تؤثر سلبا على كمية المياه المتاحة للزراعة مستقبلا، بينما يتوقع أن يبدأ تشغيل سد النهضة اعتبارا من الفيضان القادم (2018)، فيتوقع – حسب الدراسة- أن يتم تشغيل السدود الأخرى بحلول 2025 ويفترض فى هذا الصدد أنها تتسبب فى مجملها فى اقتطاع 15 مليار متر مكعب سنويا من حصة مصر. التغيرات المناخية فى السيناريو الثالث، تتحدد كمية المياه المتاحة للزراعة وإنتاج الغذاء فى ضوء ثلاثة متغيرات أساسية هى عدد السكان والسدود الإثيوبية والتغيرات المناخية، وبالنسبة للمتغيرين الأولين فيدخلان فى هذا السيناريو بنفس الفروض التى سبق عرضها فى سيناريو 2، أما بالنسبة للمتغير الثالث وهو التغيرات المناخية (انخفاض الأمطار على هضبة الحبشة) فيفترض أن تتسبب فى اقتطاع 10مليار ات متر مكعب سنويا من حصة مصر اعتبارا من 2050، ومع ذلك يفترض تحييد الآثار الأخرى للتغيرات المناخية (غرق أجزاء من أراضى شمال الدلتا ). تحجيم الفجوة يتناول السيناريو الرابع، وضع الفجوة الغذائية المستقبلية والزراعة المصرية بوجه عام فى حالة ما إذا اتخذت ونفذت السياسات الزراعية الصحيحة على النحو الذى سبق توضيحه والتى تستهدف معالجة الشح المائى من ناحية والنهوض بالإنتاجية الزراعية من ناحية أخرى، وفى هذا الإطار يمكن أن يتضمن هذا السيناريو حزمة المشروعات والبرامج والإجراءات التى سبق عرضها آنفا.وكما هو موضح فإن تنفيذ هذه السياسات يتطلب إنفاق قدر كبير من الاستثمارات وخاصة فى مجال تنقية مياه الصرف الصحى لتعويض النقص فى كمية المياه المتاحة للزراعة وإنتاج الغذاء سواء بسبب زيادة احتياجات المياه للاستخدامات غير الزراعية أو بسبب السدود الإثيوبية.ويقدر النقص نتيجة لزيادة السكان ب 5 و 12 مليار مليار متر مكعب فى عامي 2030 و 2050 على الترتيب، وبالنسبة للسدود الإثيوبية فيفترض فى هذا السيناريو أن تؤدى إلى نقص فى الموارد المائية النيلية قدره 10 مليارات متر مكعب سنويا وعلى ذلك تبلغ جملة كمية المياه المقتطعة من مياه الرى 15 مليار متر مكعب فى 2030 و 22 مليار متر مكعب فى 2050.فإذا ما أخذ فى الاعتبار أنه يمكن توفير 3 مليارات متر مكعب جراء تقليص المساحة المزروعة أرزا فيكون صافى كمية المياه المقتطعة 12 و19 مليار متر مكعب فى العامين المذكورين على الترتيب، ويقتضى الأمر إذن استهداف تنقية كميات من مياه الصرف الصحى تعادل الكميات المتوقع اقتطاعها، ويعنى تحقيق هذا الهدف إنقاذ مساحات كبيرة من الأراضى الزراعية من التعرض للتبوير بسبب نقص المياه، وفى ظل متوسط الاحتياجات المائية الحالية والبالغ 6440 متر مكعب سنويا (فى سنة الأساس) تبلغ هذه المساحة 1.9 مليون فدان فى 2030 ونحو 3 ملايين فدان فى 2050، أى ما يمثل 22% و 34% على الترتيب من المساحة الحالية للأراضى الزراعية، وهى نفس النسب التى يمكن إنقاذها من إنتاج الغذاء مقابل هذه الاستثمارات ومن ثم تقليص الفجوة الغذائية المستقبلية. الإنتاج أما على صعيد الإنتاجية الزراعية، فهناك متسع لتحقيق معدلات نمو جوهرية فيها ترفع إنتاج الغذاء بمعدلات تبطىء من التدهور المتوقع فى الفجوة الغذائية نتيجة لاتساع هوة العجز المائى مستقبلا، خاصة وأن استمرار وزيادة العجز المائى سوف تغلق الفرص أمام زيادة إنتاج الغذاء عن طريق التوسع الأفقى فى الأراضى الجديدة. ومن الجدير بالملاحظة أن الدولة تخاذلت خلال العقدين الأخيرين عن إيلاء التطور التكنولوجى فى مجال الزراعية الأهمية المستحقة، مما أدى إلى تباطؤ النمو فى الإنتاجية الزراعية بشكل كبير، بعد أن كانت هناك طفرة كبيرة فى إنتاجية محاصيل الحبوب خلال حقبة الثمانينيات والتسعينيات نتيجة لاستنباط ونشر الأصناف عالية الإنتاجية.ويدل على تخاذل الدولة مؤخرا فى هذا المجال. الموازنات المائية وحسب الدراسة، يبلغ إجمالى الموارد المائية الحالية (فى سنة الأساس 2015) من مصادرها المختلفة حوالى 72 مليار متر مكعب سنويا، تشمل 55.5 مليار متر مكعب حصة مصر من مياه النيل و4.5 مليار متر مكعب من المياه الجوفية والأمطار و 12 مليار متر مكعب من مياه الصرف الزراعى. وبالنسبة لتوزيع هذه الموارد بين استخدامات المياه،تحصل الزراعة وإنتاج الغذاء على النصيب الأكبر (نحو 78%)، نحو 56 مليار متر مكعب، بينما تستأثر الاستخدامات غير الزراعية بباقى الموارد المائية (22%) ويبلغ 16 مليار متر مكعب. وبطبيعة الحال يختلف حجم الفجوة الغذائية المستقبلية بين السيناريوهات المدروسة نظرا لاختلاف الفروض التى تنطوى عليها فيما يتعلق بجانبى عرض المياه والطلب عليها. ويمكن إيجاز أهم نتائج السيناريوهات في أنه مع ثبات الأشياء الأخرى على ما هى عليه، تؤثر الزيادة السكانية على الفجوة الغذائية تأثيرا مزدوجا،فعلى جانب العرض تؤدى إلى تناقص كمية المياه المتاحة للزراعة ومن ثم إلى تناقص إنتاج الغذاء، وعلى جانب الطلب تؤدى زيادة السكان إلى زيادة استهلاك الغذاء بنفس معدل النمو السكانى. وعلى سبيل المثال، تزيد فجوة الحبوب فى 2030 بنسبة 91% وفى 2050 بنسبة 212%،وتنخفض نسبة الاكتفاء الذاتى فى الحبوب من 60% فى الوضع الراهن (2015) إلى 42% فى 2030 ثم إلى 27% فى 2050، مع ملاحظة أننا استخدمنا معدلات نمو سكانى أقل كثيرا من المعدل الحالى.ويضاعف سد النهضة والسدود الإثيوبية الأخرى بجانب النمو السكانى من أزمة المياه فى مصر، إذ تنخفض نسبة الاكتفاء الذاتى فى الحبوب إلى 30% فى 2030 ثم تنخفض إلى 18% فى 2050. ومن المحتمل أيضا أن تساهم التغيرات المناخية فى تدهور الوضع المائي يتبعه تدهور فى الوضع الغذائي، فتنخفض نسبة الاكتفاء الذاتى فى الحبوب إلى 26% فى 2030 ثم إلى 8% فى 2050. وبحلول عام 2030 وربما قبل ذلك بسنوات، تتلاشى الصادرات الزراعية المصرية، إذ تتحول مصر من مصدر للخضر والفاكهة إلى مستورد لهما نتيجة لتأثير الزيادة السكانية فقط على كل من كمية المياه المتاحة لإنتاج الغذاء واستهلاك الغذاء. ويلقى سد النهضة والسدود الإثيوبية الأربعة الأخرى بظلال كثيفة على الإنتاج الزراعى والغذائى فى مصر الذى يتعرض بسببها إلى نقص جوهرى نتيجة فقد شطر كبير من الموارد المائية والأرضية. أما فى ظل السيناريو الأكثر سوءا على الإطلاق، والذى يضم آثار الزيادة السكانية والسدود الإثيوبية والتغيرات المناخية وهو سيناريو 3 فقد ينخفض الناتج الزراعى بنسبة 77% أى بما قيمته نحو 27 مليار دولار. المواجهة لما كانت الفجوة الغذائية المستقبلية هى الوجه الآخر للفجوة المائية، فيمكن السيطرة عليها (أو على الأقل محاصرتها) من خلال تطبيق عدد من السياسات تتعلق بجانبي العرض والطلب على كل من المياه والغذاء.وتستهدف مثل هذه السياسات من ناحية تدعيم جانب العرض سواء عرض المياه ومن ثم عرض أو إنتاج الغذاء، ومن ناحية أخرى تقليل الطلب على المياه وضبط الطلب على الغذاء، والسياسات المتعلقة بالموارد المائية ومنها سياسات زيادة الموارد المائية ومن أهمها تنقية مياه الصرف الصحى، والسياسات الموفرة لاستهلاك مياه الرى ومن أهمها طرق الرى المحسن، والحد من استنزاف المياه الجوفية، وسياسات البحوث الزراعية والمائية الهادفة إلى استنباط ونشر الأصناف النباتية الأقل استهلاكا للمياه وكذلك الممارسات الزراعية الموفرة للمياه، وإصلاح الإطار المؤسسى للمياه،وسياسات الأراضى ومنها صيانة الأراضى،وسياسات الحفاظ على الأراضى القديمة ضد التغول العمرانى،والحد من التوسع الأفقى مع سياسات التركيب المحصولى ومنها تقليص مساحة الأرز، وضبط زراعات الخضر والفاكهة وسياسات زيادة الإنتاجية الزراعية من خلال التطور التكنولوجى، وسياسات البحوث الزراعية، والإرشاد الزراعي، وأقلمة الإنتاج الزراعى والغذائى مع التغير المناخى. وفيما يتعلق بسياسات جانب الطلب فتشمل سياسات تقليل الفاقد الغذائى من خلال تحسين البنية التحتية التسويقية الزراعية وسياسة التوسع فى المخزون الاستراتيجى، سياسات ترشيد الاستهلاك السياسة السكانية.