تفرض التحولات التكنولوجية المتزايدة التي يشهدها العالم كله وفي وسط منه العالم العربي طفرة في تأثيرات الحياة والمجالات المختلفة وفي مقدمتها المجال الإعلامي، حيث صار حتميا ضرورة الاقتناع في تغيير الإعلام التقليدي القديم إلى منصات التحول الرقمي، وتشير نتائج دراسة علمية حديثة ملامح هذا التحول ومتغيراته نستعرضها في السطور التالية: أولا: تحول في العقلية: يتطلب الانتقال من الإعلام القديم إلى الرقمي تحوّل في العقلية في جميع مجالات الميادين خاصة بعد ظهور جائحة كوفيد 19 التي شكلت تهديداً وجودياً لوسائل الإعلام في جميع أنحاء العالم، وأجبرت المنابر الإعلامية على إعادة التفكير في كيفية قيامها بأعمالها. فمن البديهي أن الصحافة – ولا سيما الصحافة الاستقصائية التي تحتاج إلى المزيد من الوقت والموارد، فلا يمكن أن تستمر بدون مؤسسات إعلامية مستدامة، على وجه الخصوص بعد الانخفاض الحاد في توزيع المطبوعات ومبيعات الإعلانات والنشاطات الإعلامية، مما جعل من الواضح أن التغيير ضروري إذا أرادت وسائل الإعلام البقاء على قيد الحياة.
ثانيا: وضع خطط للتحول الرقمي: ومن أهم الخطط للتحوّل الرقمي ومنها "تغييرات في ممارسات العمل، والمنصات الصحفية، ونماذج الأعمال؛ وللطريقة التي تفكر بها شركات الإعلام في الابتكار". حيث تفككت المنظمات، والناس يتوقعون التغيير. ولن يكون هناك وقت أفضل من هذا للتعامل مع التغييرات العميقة التي يجب أن تحدث". ويشمل ذلك تغيير ثقافة العمل والمناهج الصحفية المتبعة وتنويع وسائل الربح. ثالثا: كيفية الانتقال من منبر إعلامي قديم لرقمي: ولكن كيف يمكنك الانتقال من منبر إعلامي قديم إلى مؤسسة تعتبر رقمية في المقام الأول؟ لا سيما عندما يكون لهذه المؤسسة نموذج تجاري كامل مبني على نجاحات سابقة وثقافة إعلامية تم تطويرها عبر سنوات من الممارسة وفريق عمل اعتاد على ممارسة الصحافة وفق العادات القديمة؟
رابعا: تغيير الثقافة: فنظراً للعقلية والثقافة القائمة على الطباعة، كان يُنظر إلى أي شيء رقمي أو أي شيء عبر الإنترنت على أنه أقل جودة؛ أو أقل جدية أو مصداقية مقارنة بالمطبوعات". وقد حددت ثلاثة مجالات رئيسية لتحويل غرفة الأخبار: الثقافة، والهيكل، وسير العمل والأنظمة. فإن ثقافة غرفة الأخبار هي ما يجب معالجته أولاً. وأن تتكيّف مع الظروف الحالية لتصبح مزوداً للأخبار يركز على المستهلك ووضعت استراتيجية مدتها خمس سنوات للموظفين لإنشاء منفذ إعلامي يكون تفاعلياً وتعاونياً وليكون الجمهور في المحور، مما تطلّب إنشاء غرفة تحرير مفتوحة وطرح آلية شفافة لتقرير ما يمكن أن ينشر في الأخبار كل يوم،
خامسا: تغيير الهيكلية تدريجياً: أهمية الرؤيا المستقبلية، وهي: تطوير هيكل غرفة الأخبار بحيث يكون المحتوى الرقمي هو منفذ الاتصال الأول. "كل شيء يقوده الرقمي، سواء أكان مكتب تكليف المهام، أم تدقيق الحقائق، أم مكتب الإخراج، أم النشر، أم التوزيع، أم وسائل التواصل الاجتماعي". أن السبيل الوحيد لتطبيق هذا التغيير الجذري هو أن تُظهر للمراسلين الفوائد التي توفرها الإستراتيجية القائمة على الأوساط الرقمية أولاً. ومن المهم أن يتبنى كبار قادة غرفة الأخبار تغيير العقلية، كما ينبغي اعتبار البحث والتصميم والبرمجة والتحليلات والتسويق والمبيعات والاتصالات على أنها لا تقل أهمية عن ما يحصل في غرفة الأخبار التقليدية التي تركز على إعداد التقارير أو التحرير.
سادسا: تحويل الجماهير إلى مشتركين: من المهم جداً في تحويل الجماهير إلى الرقمية هو تحويل القارئ إلى مستخدم، والمستخدم إلى مشترك. ففي حين أن عملية الأخبار التقليدية تبثّ المعلومات بطريقة أحادية الاتجاه، إلا أن الإعلام الرقمي يتطلب أوساطا للتفاعل مع الجمهور ودعوتهم إلى تبادل الآراء. فلا قيمة لإنتاج محتوى يناسب الجميع. فحتى إذا كان الصحفيون متحمسين لجماهير معينة، فإنهم بحاجة إلى السؤال عما إذا كان هذا الجمهور كبيراً بما يكفي، أو ثرياً بما يكفي لدفع أثمان الاشتراك. ثم بعد ذلك، يحتاج المحررون إلى التفكير فيما تطلبه هذه الجماهير منك وكيف يريدونك أن تقدمه. إنه يتطلب امتلاك القدرات داخل المؤسسة وضمان الاستثمار في التكنولوجيا الرقمية. وتتضمن عملية مراقبة عادات الجمهور قياس ردود الفعل واتخاذ قرارات تستند إلى البيانات.
سابعا : تنويع مصادر الدخل: "لقد تغيرت عادات الاستهلاك الرقمي تماماً، والآن، أصبحنا فجأة نرى الاشتراكات والعضويات تظهر في أكثر من 30% من الحالات". لكن التحول الرقمي يعني أيضاً تنويع المصادر، إذ يضيف: "مصادر الدخل تتجاوز مجرد الإعلانات والاشتراكات أو المناسبات، فرغم أن هذه هي الثلاثة الأكثر شيوعاً عبر الشركات الإعلامية، إلا أن هناك عالماً آخر من الفرص المحتملة". يمكنك أن تبحث ببطء عن طرق للحصول على مشتركين جدد، ويمكنك التفكير في طرق مبتكرة لزيادة زياراتهم ببطء وكسب ولائهم، وذلك في فترة تراجع المطبوعات". وهناك العديد من هذه الفرص التجارية، بما في ذلك إنتاج فيديوهات مرخصة، وترجمات، ونشر الكتب، والتجارة الإلكترونية التي يقودها المحتوى والتي لها صلة بالعلامة التجارية الإعلامية. الأمر الأهم هو علاقتك مع الجمهور ، وطالما أن العلاقة قوية، فلا يهم كيف تجمع الأموال، سواء أكان بالاشتراكات أم التبرعات أم بيع الطوب أم القيام بشيء آخر".
ثامنا : الاستثمار في المحتوى الممتاز: ربما يكون السؤال الأهم الذي يتم طرحه أثناء عملية التحول الرقمي هو: ما الذي يقنع الناس بأن يدفعوا مقابل محتوى معيّن في حين يمكنهم الحصول عليه مجاناً في مكان آخر؟ لذا فبدلاً من توقع الإيرادات من القراء، تحتاج غرفة الأخبار إلى معرفة القيمة الإضافية التي يمكن أن تقدمها لجمهورها، وهنا يأتي دور مسألة جودة المحتوى ودور غرفة الأخبار في الأعمال التجارية. وعندما يكون لديك فريق تحقيق قوي يواصل تقديم الأخبار الاستثنائية، فقد تكون هذه طريقة لإقناع جمهورك بأن يدفعوا رسوماً مقابل محتواك الإعلامي لأنه لا يحصل عليه في مكان آخر". تاسعا : التعاون بين المؤسسات الاعلامية : أن التضامن يحرك السوق حقاً ويخلق إمكانيات قوية للغاية،والعامل الأهم هو الحفاظ على وضوح الهدف، كُن مَرِناً، وكُن متميزاً، ولكن حافظ على البساطة اليومية، مع أن التوازن بين الأمرين صعب للغاية". عاشرا : تفعيل الاندماج بين الرقمي والتقليدي : تفعيل برامج الاندماج بين مؤسسات الاعلام التقليدي والرقمي وتبني صحافة الحلول والصحافة البنائية والتي تعتمد على أن يكون للإعلامي والصحفي في الاعلام الرقمي دور توعوي، وكذلك طرح الأمور السلبية والإيجابية بتوازن وطرح المشكلات بهدف إيجاد واقتراح حلول لها بشكل تشاركي مع الجمهور وهو الأمر الذي يمكن الاستفادة منه من خلال استخدام مواقع التواصل الاجتماعي وهو ما يتطلب تعزيز برامج ومناهج التربية الاعلامية وتكوين الوعي الناقد الاعلامي والمواطن العربي علي حد سواء . ختاما :إن التحول الرقمي هو امر مفروغ منه فيتعين في ضوء ما سبق علي الاعلام العربي مواكبة كافة التطورات التكنولوجية والفنية والتقنية التي يتطلبها ذلك علي ان يتم ذلك في اطار السياق الاجتماعي والحضاري العربي حتى يساعد الإعلام الرقمي في تحقيق التنمية المستدامة التي تهدف إلى بناء الإنسان العربي.