يتسم المشهد السياسى المصرى حاليا بكثير من الضبابية والغموض وغياب وعدم وضوح الرؤية، وأستطيع أن أجزم أنه لا أحد فى بر مصر يعرف الحقيقة أو يمتلكها كاملا، أو يستطيع أن يقرأ المشهد السياسى قراءة جيدا ويتوقع ما سيحدث. فالأحداث تسير بوتيرة سريعة ومتلاحقة بدون أى توقف، فربما كل ساعة هناك حدث جديد أكثر سخونة من الذى قبله، يعطى زخما للمشهد السياسى من ناحية، إلا أنه يزيد الأمر غموضا وتعقيدا من ناحية أخرى. فأول هذه الأحداث هى الحكم التاريخى للمحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية النظام الفردى الخاص بانتخابات مجلس الشعب، والذى ترتب عليه بطلان مجلس الشعب وبالتالى حله، وتضاربت الأقوال فيما إذا كان الحكم يقتصر فقط على مجلس الشعب أم يمتد إلى مجلس الشورى، وما هو موقف الجمعية التأسيسية المنوط بها كتابة الدستور هل هى باقية أم أن ستخضع للحل على اعتبار أن الذى اختار أعضاءها هم أعضاء البرلمان "غير الدستورى"... ولم يصدر تأكيد أو نفى بتعليق جلسات مجلس الشورى أو استمرارها، وهل سيتم حل الجمعية التأسيسة للدستور أم أنها مستمرة فى عملها. الحدث الثانى هو الحالة الصحية للرئيس السابق حسنى مبارك والتى كانت هى الأخرى مثار حديث الرأى العام فى الفترة الراهنة، وتضارب الأقوال حول وفاته أو عدم وفاته أو إصابته بجلطة فى المخ ودخوله فى غيبوية عميقة، وهذا يطرح العديد من علامات الاستفهام حول عدم وجود بيان أو تصريح رسمى من المجلس العسكرى أو مجلس الوزراء أو أى جهة رسمية لتوضيح الأمر، وكشف الحقيقة كاملا بحيادية وبموضوعية تامة. الموضوع الثالث الذى لا يقل أهمية عن سابقيه، هو هوية رئيس مصر القادم هل سيكون الدكتور محمد مرسى أم الفريق أحمد شفيق.. فكل حملة تعلن فوز مرشحها على منافسه، والأغرب من ذلك أنهم بدأوا الاحتفالات بالفعل فى تنصيب كل مرشح كرئيس للجمهورية، ومع ذلك لم نسمع ردا قاطعا حاسما من اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية ليفند مزاعم وادعاءات حملة كل مرشح، فمازالت كلا الحملتان تعلنان نتائج وإحصاءات وكأنهما أصحاب الأمر والنهى فى هذا الأمر. هذه أمثلة من لوغاريتمات وطلاسم السياسة المصرية الذى نبحث جميعا عن حل لشفراتها ورموزها الغامضة، وللأسف الشديد مازالت هناك سياسات لإقصاء وتضليل الرأى العام والسيطرة والتحكم بالمعلومات والعمل فى سرية تامة، وفرض الوصاية على الشعب وتحديد ما يجب أن يكون عليه الوضع دون مشاركة حقيقية فى اتخاذ القرار. إذا كنا على وشك الدخول فى الجمهورية الثانية، وإذا كنا نخطو أولى الخطوات نحو بناء نظام مدنى ديمقراطى سليمة، وإذا كنا نهدف إلى قيام دولة المؤسسات ودولة القانون الذى يكون فيها الكل سواء لاتمييز فيها بين غنى وفقير أو رجل وامرأة، أو مسلم ومسيحى، فيجب أولا أن يكون هناك تفعيل لمبدأ الشفافية وضمان وحماية حرية الوصول للمعلومات، بمعنى حق الإنسان فى الوصول الآمن إلى المعلومات التى تحتفظ بها الجهة العامة وواجب هذه الجهة فى توفير هذه المعلومات له، وبالتالى حماية وتعزيز مبدأ الكشف الأقصى عن المعلومات المتمثل فى إتاحة جميع المستندات التى تحتفظ بها الجهة العامة للجمهور، وغيرها من المبادئ والمعايير الأخرى، التى لا يمكن تحقيقها إلا من خلال حزمة من السياسات والإجراءات التى تساعد على ضمان الانفتاح فى إدارة الشئون العامة عبر سنّ قانون يضمن ويحمى حق الأفراد فى الوصول إلى هذه المعلومات، وذلك منعا لتضارب المعلومات وانتشار الإشاعات التى تُحدث بلبلة بين المواطنين والتى ومن الممكن أن تؤدى إلى هدم المجتمع وانهيار الدولة وشيوع الفوضى فى كل مكان.