حماس تسلّم جثتي أسيرين لإسرائيل    «آخره السوبر.. مش هيروح بالزمالك أبعد من كدة».. أحمد عيد عبد الملك يوضح رأيه في فيريرا    توقعات حالة الطقس ليلة افتتاح المتحف المصري الكبير    موعد مباراة مصر وألمانيا في نهائي كأس العالم للناشئين لكرة اليد    نائب الرئيس الأمريكي: واشنطن ستختبر أسلحتها النووية للتأكد من جاهزيتها    أقرب محطة مترو للمتحف المصري الكبير 2025 وسعر تذكرة الدخول للمصريين والأجانب    ارتفاع جديد.. سعر طن الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 31-10-2025 (تحديث يومي)    باكستان وأفغانستان تتفقان على الحفاظ على وقف إطلاق النار    بعد هبوط الأخضر في البنوك.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه الجمعة 31-10-2025    من "هل عندك شك" إلى الدبكة العراقية، كاظم الساهر يأسر قلوب جمهوره في موسم الرياض (فيديو)    كيف تسببت روبي في اعتذار إلهام عبدالبديع عن دور مع الزعيم عادل إمام؟    حبس 7 أشخاص لقيامهم بالتنقيب عن الآثار بمنطقة عابدين    كن نياما، مصرع 3 شقيقات أطفال وإصابة الرابعة في انهيار سقف منزل بقنا    موعد صلاة الجمعة اليوم في القاهرة والمحافظات بعد تغيير الساعة في مصر 2025    قوات الاحتلال تداهم عددًا من منازل المواطنين خلال اقتحام مخيم العزة في بيت لحم    هيجسيث يأمر الجيش بتوفير العشرات من المحامين لوزارة العدل الأمريكية    محمد رمضان يشعل زفاف هادي الباجوري مع نجوم الفن    مواعيد الصلاة بالتوقيت الشتوي 2025 بعد تأخير الساعة 60 دقيقة    الطيران ترفع درجة الاستعداد القصوى لاستقبال ضيوف افتتاح المتحف المصري    محافظ المنيا: ميدان النيل نموذج للتكامل بين التنمية والهوية البصرية    مواعيد المترو الجديدة بعد تطبيق التوقيت الشتوي 2025 في مصر رسميًا    كان بيضربها بعد أيام من الزواج.. والدة فتاة بورسعيد ضحية تعدي طليقها عليها ل«أهل مصر»: سبّب لها عاهة بعد قصة حب كبيرة    هبوط اضطراري ل طائرة في «فلوريدا» ونقل الركاب إلى المستشفى    موعد وشروط مقابلات المتقدمين للعمل بمساجد النذور    رئيس مجلس الشيوخ يستقبل محافظ القاهرة لتهنئته بانتخابه لرئاسة المجلس    مصدر مقرب من حامد حمدان ل ستاد المحور: رغبة اللاعب الأولى الانتقال للزمالك    وفري فلوسك.. طريقة تحضير منعم ومعطر الأقمشة في المنزل بمكونين فقط    لا تهملي شكوى طفلك.. اكتشفي أسباب ألم الأذن وطرق التعامل بحكمة    محمد مكي مديرًا فنيًا ل السكة الحديد بدوري المحترفين    عاجل- الهيئة القومية لسكك حديد مصر تُعلن بدء العمل بالتوقيت الشتوي 2025    إصابة 12 شخصاً في حادث انقلاب سيارة ميكروباص بقنا    تفاصيل بلاغ رحمة محسن ضد طليقها بتهمة الابتزاز والتهديد    ندوة «كلمة سواء».. حوار راقٍ في القيم الإنسانية المشتركة بالفيوم    علاء عز: خصومات البلاك فرايدي تتراوح بين 40% و75%    البنك المركزي المصري يتوقع نمو الناتج المحلي إلى 5.1% خلال 2027/2026    مندوب الإمارات أمام مجلس الأمن: الجيش السوداني والدعم السريع أقصيا نفسيهما من تشكيل مستقبل السودان    سقوط هايدى خالد أثناء رقصها مع عريسها هادى الباجورى ومحمد رمضان يشعل الحفل    حتى 100 جنيه.. وزير المالية يكشف تفاصيل إصدار عملات تذكارية ذهبية وفضية لافتتاح المتحف الكبير    مواقيت الصلاة فى الشرقية الجمعة حسب التوقيت الشتوي    د.حماد عبدالله يكتب: "حسبنا الله ونعم الوكيل" !!    سنن يوم الجمعة.. أدعية الأنبياء من القرآن الكريم    جنون بعد التسعين.. أهلي جدة يتعادل مع الرياض    مفاجأة الكالتشيو، بيزا العائد للدوري الإيطالي يتعادل مع لاتسيو قاهر "يوفنتوس"    مش هتغير لونها.. طريقة تفريز الجوافة لحفظها طازجة طوال العام    التخلص من دهون البوتاجاز.. طريقة سهلة وفعّالة لتنظيفه وإعادته كالجديد    من الدبلوماسية إلى الاقتصاد.. مصر تواصل كتابة فصول جديدة من الريادة في المحافل الدولية    «لو منك أبطل».. رضا عبدالعال يفتح النار على نجم الزمالك بعد التعادل مع البنك الأهلي    هزمت السرطان وتحدت الأطباء بالإنجاب.. 25 معلومة عن شريهان النجمة المحتملة لافتتاح المتحف المصري الكبير    أخبار × 24 ساعة.. بدء صرف المعاشات غدًا السبت 1 نوفمبر 2025    بعد معاناة المذيعة ربى حبشي.. أعراض وأسباب سرطان الغدد الليمفاوية    اختتام فعاليات مبادرة «أنا أيضًا مسؤول» لتأهيل وتمكين شباب الجامعات بأسوان    انطلاقة جديدة وتوسُّع لمدرسة الإمام الطيب للقرآن للطلاب الوافدين    لا فرق بين «الطلاق المبكر» والاستقالات السريعة داخل الأحزاب    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 30-10-2025 في محافظة الأقصر    إعلاميون بالصدفة!    بث مباشر.. مشاهدة مباراة بيراميدز والتأمين الإثيوبي في دوري أبطال إفريقيا 2025    مبادئ الميثاق الذى وضعته روزاليوسف منذ 100 عام!    عندما قادت «روزا» معركة الدولة المدنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قمة الدوحة بين أوسلو ونيويورك.. عن البحث فى حزمة شاملة كى لا نتصدى لنتنياهو فرادى
نشر في اليوم السابع يوم 14 - 09 - 2025

تلتئم اليوم وغدا قمة عربية إسلامية طارئة فى الدوحة، ليست الأولى فى سياق الأزمة الإقليمية التى أوشكت أن تغلق عامها الثانى.
وإذا كان موضوعها الأساسى ينصرف إلى العدوان الإسرائيلى على قطر الثلاثاء الماضى؛ فإنها لن تكون بعيدة عما يجرى فى غزة، بوصفه المحرك الأول لكرة النار المتدحرجة على امتداد الإقليم، ويجب ألا تكون بعيدة أيضا عن الاستفاقة الدولية المتأخرة، وألا توفر كل الفرص الممكنة لإدماج نفسها فى سياق الهبة الأممية، وإعادة وصل المنقطع بين مسارات السياسة والقانون، واتخاذ إجراءات عملية جادة تجاه جرائم الاحتلال، على وفرتها وتنوعها وتشابك خيوطها.
وإذا كان فاعلو الطوفان لم يُوَفّقوا فى تحقيق شعار «وحدة الساحات» بالنار، وتقصدها نتنياهو بالتتابع عازلا كل واحدة فيها عن الثانية، فواجب القادة الآن أن يعيدوا ربطها معا بالدبلوماسية، وأن يطرحوها كحزمة واحدة فى وجه الصهاينة ورُعاتهم الأمريكيين.
ظل رئيس حكومة الاحتلال يتحدث عن الحرب التى يخوضها على سبع جبهات، وقد أضاف إليها الدوحة مؤخرا لتكون الثامنة.
وإن كان الاشتباك مع غزة ولبنان وإيران قد بُنِى على «الطوفان» وارتداداته من جانب حلقات محور الممانعة؛ فإن الضفة الغربية لم تكن طرفا فى عملية التصعيد، وما تزال سوريا تتعرض لخروقات الاحتلال بعد سقوط نظام الأسد وانكسار الهلال الشيعى، فيما الإمارة الخليجية وُضعت على قائمة الضحايا؛ رغم أنها كانت تضطلع بدور الوساطة فى لملمة فوضى السابع من أكتوبر وما بعدها، وتفيد التقارير بأنها تلقت تعهدات من واشنطن وتل أبيب بعدم التعرض لمفاوضى حماس على أرضها.
فكأنها استُدرجت بالسياسة، لإلحاقها على لائحة الحرب، ولغرض وحيد يتسلط على أذهان اليمين الصهيونى المتطرف؛ أن ينفذ بالخشونة إلى ما يستحيل عليه بالحوار، ويخلط الأوراق بحيث لا يكون للعقل مكان على الطاولة.
والولايات المتحدة ليست بعيدة عن خطة زعيم الليكود، وآلية إنفاذها وتعميم خياراتها الصاخبة على كل الأطراف.
ولا يعود ذلك لكونها تمتنع عن التدخل إيجابيا فحسب؛ بل لأنها شريك مباشر فى تقطيع الوقت وألاعيب التضليل والاحتيال؛ ولو أنكرت وادّعت أنها تتفاجأ بالحوادث كما يتفاجأ الآخرون أيضا. إذ لا يُمكن افتراض أن قرارا بخطورة التعرض لحليف استراتيجى مثل قطر يمكن أن يُتّخذ من دون إخطار وتنسيق، ولا أن إمكانات واشنطن لا تسمح لها باكتشاف ترتيبات الكواليس وردعها مبكرا.
وما من شأن هنا لتقاطعات العلاقة بين التابع والمتبوع، وهل فرّط البيت الأبيض فى فاعليته اختيارا، أم تعرّض للخداع من جانب الصديق الأقرب. فى النهاية تظل الإدارة الأمريكية مفتاح الحل والعقد فى المنطقة، ولا يتعقد شىء هنا إلا لأنها تقاعست عن حلحلته، أو رأت فى التعقيد مصلحة تستوجب التواطؤ وغض الطرف.
بالحسابات التقليدية، يجوز القول إن ترامب تعرض لحرج بالغ على إثر الخطوة الإسرائيلية فى الأسبوع الماضى. لكنه الرجل الذى يُحارب العالم كله بالتجارة والتعريفات الجمركية، ولا يجد غضاضة فى التلويح بنزعته الامبريالية تجاه الحلفاء القريبين، أكانت الجارة كندا أم جزيرة جرينلاند المملوكة قانونا للدنمارك حتى الآن، وكذلك قناة بنما فى أمريكا الوسطى، أو مشروع «الريفييرا» الذى يتطلع لإنجازه على أطلال غزة.
وكما لعب دورا مرسوما فى تغطية الهجوم على إيران قبل ثلاثة أشهر، وظل يتحدث عن المفاوضات والصفقة النووية إلى ما قبل ساعة الصفر؛ فلا مانع بالمنطق نفسه من أنه كان شريكا فى الترتيب لضربة قطر، وقد طرح نسخة محدثة من ورقة مبعوثه ستيف ويتكوف، وقال إنها فرصة حماس الأخيرة لقبولها، ليتكشف لاحقا أنه ربما كان يرتب السياق الضامن لتجميع قادة الحركة ومفاوضيها فى مكان واحد.
قالت مصادر رسمية فى تل أبيب إنهم أخطروا الولايات المتحدة قبل تنفيذ العملية، ثم أنكر البيت الأبيض ذلك وادّعى أنه أُخطر من القوات الأمريكية فى المنطقة، وأجبر نتنياهو على إصدار بيان عن مكتبه يصف العدوان بأنه قرار إسرائيلى خالص.
وفى الحالين؛ كان بمقدور السيد دونالد أن يضع نقطة مبكرة فى آخر السطر، كما فعلها وتفاخر بأنها أعاد المقاتلات من تخوم إيران قبل تنفيذ ضربة ثأرية فى أول أيام الهدنة بين الجانبين.
بالّلين كان قادرا، وبالعين الحمراء وتفعيل دفاعات قاعدة العُديد وبقية الأصول العسكرية فى أنحاء الخليج؛ لكنه اختار أن يسمح بالضربة وينكر صلته بها، وأن يُحذر قطر بعد وقوعها، ويعبر عن استيائه منها متعهدا بعدم تكرار المحاولة.
ومنطق رجل الصفقات بات معروفا للكافة؛ فلو أن العدوان على الجمهورية الإسلامية فى يونيو الماضى قد أخفق؛ لأنكره ولجأ إلى تغطية الانحياز بحياده الرمادى المعتاد، والعكس تماما لو نجحت عملية الاصطياد الأخيرة فى قطر، فكان على الأرجح سيُرحب بها امتداحا، ويعتبر أنها مدخل مهم لتحقيق رؤيته الغريبة عن «السلام من خلال القوة».
ومن ثمّ؛ فالبحث فى الجريمة يتجه إلى تل أبيب قطعا، إنما لا ينبغى أن يستبعد واشنطن، ولا أن يستعديها بالطبع، وعلى القمة العربية الإسلامية أن تُوازن بين المسألتين، بما لا يُبرّئ الأمريكيين ولا يضعهم صراحة تحت طائلة الإدانة، بل أن يُفعّل الفائض المعنوى والسياسى للعملية الفاشلة، ليكون وقودا للضغط على عصب المصالح الاقتصادية لدى ترامب، وتحييده ما أمكن ذلك، أو تحفيزه على إعادة تقييم غابة العلاقات والتوازنات مع دول الإقليم والقمة، ولعب أدوار أكثر إيجابية مما يفعله فى الوقت الحالى.
ولا أعرف حدود الهامش المتاح للمناورة وإرساء قاعدة مقنعة للضغوط والمقايضات، ومدى قابلية كل دولة حاضرة للنزول عن شىء من استقلالية القرار فى إدارة سياستها الخارجية وصلاتها الاقتصادية، لصالح الاتفاق على رؤية جامعة تمنح ملتقاهم قوّة دافعة وقادرة على أن تُرهب أو تُرغّب الآخرين.
ربما تتوجب إثارة موضوعات مثل الاتفاقات الإبراهيمية أو الصفقات المليارية المتفق عليها، أو ما يخص إعادة تقييم الروابط الأمنية مع الخارج، أو السير باتجاه مظلة دفاعية بصيغة عربية أو إسلامية، وغير ذلك من أفكار تحرّك المياه الراكدة باتجاه مواضع لم تُختبَر من قبل، وتُفيد بإمكانية فحص المعادلات والمراكز القائمة وإعادة ترسيمها من منطلقات جديدة.
المهم ألا يَرِد القادةُ النهرَ مرَّتين؛ بمعنى أن يخرجوا من القمة كما دخلوها، أو ينحصر بيانهم الختامى فى الشجب والإدانة فحسب؛ لا سيما أنها ليست التجربة الأولى منذ العدوان على غزة، وما لم تُفضِ لمقاربة مغايرة؛ فستكون الحصيلة ضعيفة هنا، وأكثر إضعافا لمخرجات القمم السابقة أيضا.
والحال؛ أن الجولة الراهنة تختلف عن سابقاتها فى أمور عدة. أولا لأن العدوان لم يقع بحق طرف خارج الطوفان فحسب، بل كان معنيا بالعمل على احتواء تداعياته، وفتح منافذ موضوعية لمغادرة الميدان ضمن شروط منطقية مقبولة ودافعة نحو إعادة تفعيل خيارات السياسة والدبلوماسية.
والأهم أن القمة الطارئة تأتى فى سياق تبدلات إقليمية ودولية عديدة، بين نظام سورى جديد يبحث عن التهدئة بغض النظر عن ارتباكه وأية ملاحظات على أدائه وخلفيته، والورشة اللبنانية الدائرة بشأن حصر السلاح وإنهاء سطوة الدويلة الحزبية على الدولة، وكذلك مداولات ترميم الاتفاق النووى مع إيران فى ضوء التفاهمات الأخيرة الموقعة بين طهران ووكالة الطاقة الذرية فى القاهرة.
ويُضاف لكل هذا، ما يتأتى عن نشاط المحركات الدولية والأممية خلال الفترة الأخيرة، أكان فى مواقف بعض العواصم الداعمة للاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة، أو زخم الأيام الفاصلة عن موعد الجمعية العامة للأمم المتحدة، وما يُتوقع أن تشتمل عليه من إضافة مهمة لمسار التسوية السلمية وتعزيز «حل الدولتين».
الأيام الأخيرة شهدت تبدلا فى أداء المنظمة، جانب منه فى اعتماد «إعلان نيويورك» بأغلبية كاسحة، بواقع 142 دولة مقابل 10 رافضين فقط بينهم المجرم وداعمه. فضلا عن قرار مجلس الأمن الدولى بإدانة العدوان على قطر؛ وإن من دون تسمية إسرائيل.
وإذا كانت ضغوط واشنطن قد نجحت فى تمييع التهمة وعدم لصقها بصاحبها صراحة؛ فالمكسب هنا أن الولايات المتحدة قد وافقت على مشروع القرار، ويتعين على القمة العربية الإسلامية أن تستكمل الجزء الناقص من النص.
بمعنى الاتكاء المباشر على المضمون المشمول بموافقة أمريكية صريحة، وتعليق الجرس فى رقبة تل أبيب، مع تزخيم الجهود السياسية والإعلامية لتحريك الملف بعيدا عن متحف القرارات المجهضة، والانتقال به إلى المحاكم الدولية ضمن صحيفة سوابق الصهاينة المتمددة على طول المنطقة وعرضها.
وليس هذا لاستيفاء الحقوق القطرية فحسب؛ إنما لردع نزوات نتنياهو وعصابته استباقيا، والسعى إلى بناء جدار حماية قانونية يمنعه من تكرار اللعبة مجددا، ويفتح الباب لاختصامه ومساءلته عن كل خروقات الشهور الماضية.
رغبة النازى الحاكم فى تل أبيب تتجه بكاملها لإدامة الحرب، ومن وراء مطالبته الدائمة بإفناء حماس، أو رفضه المطلق لحلول السلطة الوطنية بديلا عنها فى غزة، لا يبحث عن النصر الذى حققه بالتكتيك وضيعه تماما فى الاستراتيجية؛ بل يذهب بكل جوارحه صوب الإرباك والتعمية، وبغرض أن يسحر عيون بيئته أو يذر الرماد فيها.
ولعله يعرف يقينا أنه لا سبيل للتلويح بشارة الحسم النهائى الكامل على أطلال القطاع، ولا تعويض خسائر الطوفان المادية والمعنوية رغم كل ما حققه من مكتسبات على عدة جبهات؛ لكنه يُمنّى النفس بعوائد الفوضى الشاملة، وآمال أن يتعثر فيها الجميع ويخرج وحده سليما معافى، أى أن يُراكم الحوادث فوق بعضها لتطمُر إخفاقه الكبير فى مستوطنات الغلاف قبل سنتين.
وعندما يحل موعد الانتخابات الاعتيادية خريف العام المقبل؛ إن لم ينجح فى إرجائها بدعوى الظروف الاستثنائية؛ لن يكون الشارع الصهيونى واقعا تحت ضغط الانكشاف القديم حصرا، وربما لا يذكره من الأساس، وسيذهب إلى الصناديق مصحوبا بالزهو وشعور القوة وحصيلة الانتصارات الجزئية المتحققة على كل الجبهات.
هكذا يتصور زعيم الليكود، أو يُراهن فى تمسّكه بالحرب واختراع المزيد منها. وبالنظر إلى فوارق القوة وسيولة الجبهات التى ينشط فيها، وإلى صلابة الدعم الأمريكى وانحيازه الفج؛ فقد لا يكون متاحا بالمرة أن يُهزَم النازى المسعور أو تتفكك خططه الحارقة فى ميادين القتال، ولا بتجزئة المعركة السياسية الكبرى إلى معارك صغيرة، وخوض كل منها بمعزل عن الأخرى. باختصار؛ لا سبيل لهزيمته إلا من داخل بيئته الصاخبة، والسائرة فى عمومها إلى أقاصى اليمين المتطرف. والتعويل هنا ليس على يقظة ضميرية لا يعرفها الإسرائيليون أصلا، ولا على خطابات المعارضة والنخب بأدوارها الأقرب لغسل السمعة وأعمال العلاقات العامة؛ بل فى حصار السردية الصهيونية وإرهاقها بكل السبل الممكنة، والدوس بغلظة على وعى البيئة اليهودية فى الداخل والخارج.
وحالما تتأكد أن ائتلاف الليكود بمكوناته التوراتية والقومية المتطرفة بات عبئا على الدولة وصورتها وسلامها المعنوى قبل المادى، فقد تحدث الحركة المُرجأة من عمق الكيان الملفق، أو على الأقل لن تذوى الرواية البديلة عن فشل نتنياهو، ما يحرمه من جنى منافع الجنون على عتبة الانتخابات.
ما يزال الصوت العبرى خافتا؛ رغم التظاهرات واعتراضات أهالى الأسرى. الأغلبية يرحبون بالتوحش والانفلات فى الإبادة الجماعية، ويتربحون من عوائد الجرائم التى يمارسها جيش الاحتلال. والولايات المتحدة ملتزمة بعمق تجاه إسرائيل، التى ما تزال مختزلة لديها حتى الآن فى صورة نتنياهو.
وتلك التركيبة لن تعتدل أو يُعاد تكييفها إلا بانقلاب التوازنات داخل إسرائيل، أكان بإصغاء واشنطن للشارع الغاضب فيها عندما يصير غضبه صادقا وهادرا، أو باستشعارها لأن مواصلة السير وراء «بيبى المختل» يُرهقها ويرهق الحليفة الصغيرة.
وإلى هذه اللحظة؛ فالمهمة الأولى أن يتجند الجميع لبناء المتاريس والدفاعات، مع القبض على ما تبقى من الأصول، وترشيد الاندفاعة الأصولية وخطاباتها المناوئة للقضية فى جوهرها، والعودة لفلسطين فى كيانها الجامع مهما بدا هشا، بدلا من الركون إلى الجزء بديلا عن الكل، وقد صارت الأجزاء كلها أكثر هشاشة فى تباعدها وخصوماتها الفئوية.
والتشخيص السليم يبدأ من الاعتراف الجاد والمتجرد. لقد أُغريت حماس أو خُدعت تحت ظل الأيديولوجيا، واستثمر فيها حلفاؤها بمنطق لا يختلف عن استثمار العدو فيها.
الانقسام كان من نتاج الاستتباع واللعب فى توازنات المشهد الفلسطينى، والطوفان نشأ بالأساس عن الغرور والامتلاء بوهم القوة، ولا فارق بين أن يكون مدفوعا من رأس الممانعة، أو بمقامرة فردية من السنوار لإحراجها واستدعائها على ساعته.
فالمحصلة أنهم مكّنوا نتنياهو من غزة، وفتحوا له بابا لاقتفاء أثر المحور الشيعى فى بقية الساحات، وكان الأمر مدعوما من بعض العواصم التى سعت للمزاوجة بين خيارى المقاومة والاعتدال بتلفيق واضح؛ فكبدت الاثنين خسائر باهظة، وتعرضت هى نفسها للطعن من مأمنها، أو ما كانت تعدّه بوليصة تأمين من تبعات الرقص على كل الإيقاعات.
واشنطن لن تتقدم باتجاه الاختيار بين إسرائيل وغيرها، ولن تضع أحدا على قدم المساواة معها؛ ولو توهم الآخرون أنهم حلفاء مهمون وكاملو الأهلية والجدارة.
لقد صوّتت ضد إعلان نيويورك الداعم لحل الدولتين، واضطُرت بحسابات المواءمة لدعم موقف النقد والإدانة للهجوم على قطر، لكنها لا تتوقف عن ممارسة الضغوط فى الكواليس على الدول المتقدمة للاعتراف بفلسطين، وأرسلت وزير خارجيتها ماركو روبيو لتجديد الدعم والشراكة بعد موقف مجلس الأمن، وبالتزامن مع القمة العربية الإسلامية الطارئة.
وما تزال جهودها مستمرة لإفشال الجمعية العامة المقبلة، والسلطة الوطنية ممنوعة من الحضور على منصة الأمم المتحدة بموجب قرار إلغاء التأشيرات أو عدم منحها للرئيس عباس ونحو 80 من أعضاء الوفد.
يحدث كل هذا، فيما مرّت أمس الذكرى الثانية والثلاثين لتوقيع اتفاق أوسلو. الخطوة التى بدت إيجابية للغاية فى أولها، وتواطأ عليها اليمين من الجانبين حتى أوصلوا الأوضاع إلى ما هى عليه الآن.
وبعيدا من اختصامها بأثر رجعى، أو الطعن فيها بخناجر الأيديولوجيا؛ فالواقع أنها ما تزال القفزة الأوسع والأكثر تقدما فى تاريخ القضية، ومسار النضال التحررى لمنظمة التحرير ومجموع الفصائل المكونة لها، باستثناء حماس والجهاد الرافضتين للاتفاق منذ بدايته، والمتعاونتين عليه مع الليكود وبقية متطرفى إسرائيل حتى الآن؛ بينما الأخيرة أفلتت من كل الالتزامات السابقة دون استثناء، ولا يسوؤها إلى اليوم إلا الشرعية التى تحوزها المنظمة باعتراف صريح من تل أبيب.
وواجب اللحظة أن تتكثّف الجهود كلها للبناء على أوسلو؛ لأنه لا بديل أفضل، أو لا بديل من الأساس. يضمن الاتفاق حدًّا أدنى من الفاعلية الفلسطينية، ويصلح لأن يكون مُنطلَقًا لإعادة تأسيس المشروع الوطنى من نقطة أقل سوءا ممّا هو عليه، وإن لم تكن أفضل كثيرًا مِمّا كان معه أو قبله.
المُفاضلة لم تعُد بين شروط الوجود؛ بل بين الوجود والعدم للأسف، وما لم تتلاقى الجغرافيا والديموغرافيا على موجة واحدة، فقد لا يكون مفيدًا كل ما يجتهد فيه العرب، أو يتحرّك إليه العالم؛ طالما أن قوّة الحق غائبة، وحق القوّة يميل لجانب الظالم.
ضربة الدوحة الفاشلة أربكت نتنياهو للغاية؛ لأنها عرّت إطلاقية القدرة العابرة للزمان والمكان، وأشارت إلى شىء من المصادفة أو حُسن الحظ فى ضربات سابقة، وإلى أن دعايات الوصول إلى أى شخص وأى مكان قد لا تكون حقيقية.
استثمارها دعائيًّا سيُحمِّله أوزار جنايات سابقة أفلت بها، ويمنعه من تكرار المحاولات فى حوادث مشابهة. إن تحرّكت الأمور إيجابيا فى لبنان وسوريا، وتوصّلت إيران لاتفاق مع الولايات المتحدة والترويكا الأوروبية؛ فسيكون بمقدور دول الاعتدال أن تتصدّر مشهد فلسطين دون مُنغصاتٍ أو تشغيب، وبقدر أقل من الهدايا المجانية الممنوحة لعصابة الحُكم فى إسرائيل.
يتبقّى أن يُستعاد الظلّ الخافت لأوسلو فى ذكراه. أن تدخل حماس تحت عباءة السلطة، وتُسلّم أوراقها لرام الله وحاضنتها العربية. إعلان نيويورك الصادر برعاية سعودية فرنسية يُدين الحركة، ويدعو صراحة لإلقاء سلاحها، وقد أقرّته 142 دولة بالعالم، والتطبيق فى صالح غزّة والقضية.
يجب أن تأخذ القمة الطارئة فى الدوحة خطوات جادة فى الظاهر ضد إسرائيل ونظامها، وأن تشتغل خفيةً على إنهاء الانقسام وتوحيد الرؤى فى فلسطين، وتلزيم القضية للأطراف القادرين على إعانتها فعلا، بإقرار لا يقبل الشكّ من المُمانعة ورعاة الإخوان والأجندة الأصولية.
أن يُعتَذَر بصفاء نَفسٍ عن جناية الإسلاموية الساذجة على قضية وطنية، يتوجّب ألا تُحشَر قهرًا فى خندق الدين، وأن يقود الاعتذار لوصفة بديلةٍ عن أزمنة التناطُح وهدر الطاقات، لا تكرار المُقدّمات الخاطئة دومًا وانتظار نتائج مُغايرة.
حماس مُستبعدة من مشهد اليوم التالى؛ إنما يتعيّن أن تكون حاضرةً الآن، للنقد والتصويب وإلزامها ما يلزم للإنقاذ والبحث عن مخارج عاقلة. مفاتيحها معروفة، وقد تعرّضت لضربات مباشرة جرّاء الاستثمار فى الحركة أو إرخاء الحبل لها، ولم يعُد فى طاقة الفلسطينيين ما يسمح بمزيد من المُغامرة والمُهاترات.
القمّة دعم لقطر، ونقد لكل ما فات من سياسات لدى أغلب الأطراف. إسرائيل تنظر إليها كما نظرت لسابقتها، وواشنطن تعُدّها لقاء لإبراء الذمّة ثم تعود الأوضاع لحالها. وعلى الدول الحاضرة أن تنسف عاداتها القديمة وخيالات الخصوم، وأن تدوس على جراحها بيدها لأجل تصفيتها من الصديد، ومنحها فرصة طبيعية للتشافى.
الحزمة الشاملة ضرورة لتوحيد الجهود، وتوظيف الطاقات كلها بأمضى فاعليّة مُمكنة. فلسطين ليست بعيدةً ممّا يجرى فى سوريا ولبنان، والعكس، وجبهة الحوثى ربطت نفسها بغزّة زورًا؛ لكن التفكيك يتطلب مُراعاة الربط وأخذه فى الاعتبار، وكذلك المناخ فى الهضبة الفارسية بين مُناوشات الصهاينة وضغوط الدائرة الغربية.
يجب أن تُوضَع رواسب الطوفان كلها على الطاولة دفعةً واحدة؛ لا لإسناد سرديّة نتنياهو عن المواجهة المفتوحة مع كل تلك الجبهات؛ إنما لاختصامه فيها جميعًا، وإغلاق الثغرة التى ينفذ منها لتجزئة عدوانه وقضم الخرائط من أطرافها ببطء وتؤدة.
لن تتوقّف الخسائر؛ ما لم تتبدّل الصورة أو تنقلب رأسا على عقب. والعدو يعرفنا حق المعرفة؛ فيما نجهل الكثير عنه، وإزاء واجب التعرّف عليه بعُمق، علينا أن نُفاجئه أيضًا.
الإدانة وحدها لا تكفى، ومصنع الذرائع يجب أن يُغلق أبوابه، وأن تُوضع القيادة فى أهلها، ويتصدّر العاقلون دون غيرهم.
وحصاد الشهور الماضية يكفى للإبانة ويزيد، ولم تعُد الأوزان والطاقات وصِدق المقاصد محلّ شكٍّ؛ إلا لدى الذين فى قلوبهم مرض وعليها أقفالها، أو فى عقولهم أفكار انتحارية يُكيّفونها زورًا على صورة الضمير والإباء والصمود والوطنية، وتأخذهم العِزّة الإثم؛ فيما تتضاءل الأوطان تحت أقدامهم، ويتضخّم الغُزاة من حولها ويزدادون شراهة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.