خطوةٍ تتحدى المنطق السياسي والسابقة التاريخية، لم يكن موقع هذه المظاهرة (لندن أو الدوحة) - وهي عواصم لطالما شكّلت ساحاتٍ للجماعة الإرهابية - بل هذه المرة أمام السفارة المصرية في تل أبيب، في إسرائيل. هذا العمل المُدروس، المليء بالسخرية والاستهزاء، زاد من ميزان الخيانةٍ الوطنيةٍ العميقةٍ للجماعة الإرهابية والمؤامرةٍ المكشوفةٍ لتشويه صورة مصر على الساحة العالمية والتي تتكشف يوما ً بعد يوم.. سؤال أعتقد أنه تعدي مستوي تقييم "الغباء السياسي" .. لماذا التظاهر في عاصمة "كيان مُحتل" تُدينه الجماعة الإرهابية وشركاؤها علنًا باعتبارها العدو اللدود؟ يكشف الجواب عن سخرية عميقة.. لم يكن الاحتجاج يهدف قط إلى التأثير على السياسة الإسرائيلية؛ بل كان يستهدف الإعلام الدولي والرأي العام الإقليمي.. كان الهدف خلق رواية قوية، وإن كانت زائفة تخدم أجندة الجماعة. ربما يبدو الحدث عملاً مسرحياً سياسياً مُتعمداً يهدف إلى عزل القاهرة وإحراجها، وتوفير وقود دعائي لشبكة الإخوان الإرهابية العالمية... لا يُمكن المبالغة في عبثية المشهد.. جماعة الإخوان الإرهابية، وهي منظمةٌ بنت منصتها الأيديولوجية لعقودٍ على أساسٍ من معاداةٍ شرسةٍ للصهيونية ورفضٍ لكيان إسرائيل، اختارت الآن "إسرائيل" مسرحًا لمسرحها السياسي. لسنوات، أدان خطاب وإعلام الجماعة الإرهابية أي شكل من أشكال التطبيع مع إسرائيل، واصفًا القادة المُطبعين الساعين للسلام بخيانة القضية العربية والإسلامية. أما الآن، فإن رؤية أتباعها يناشدون لفت الانتباه تحت حماية الأمن الإسرائيلي، مستغلين وجود سفارة مصرية في تل أبيب - رمز السلام الذي طالما شجبوه وأدانوه - كخلفية لمظالمهم، إنه النفاقٌ المُذهل الصريح… فهو يكشف أن شعارات الجماعة الإرهابية ليست قناعات راسخة، بل أدوات طيعة لأغراض سياسية، يسهل التخلص منها عندما لا تعود تخدم أهدافهم المباشرة !!! لا بد من تحليل الحسابات الاستراتيجية وراء اختيار تل أبيب.. لم يكن القرار تعسفيًا؛ بل كان مناورة استفزازية متعمدة مصممة لتحقيق أقصى تأثير: (أولًا)، إنها صرخة يائسة من أجل تعزيز المكانة الدولية للجماعة الإرهابية، بعد أن فقدت الجماعة جذورها في مصر، وتواجه ضغوطًا متزايدة في عواصم إقليمية أخرى، تسعى قيادة الإخوان إلى أي منصة للإشارة إلى استمرار وجودها. (احتجاج في تل أبيب) عنوانٌ رئيسيٌّ لا غنى عنه، قصةٌ تُشبه "رجلٌ يعضّ كلبًا" في وسائل الإعلام الدولية، تحديدًا بسبب طبيعته المتناقضة، إنه استغلالٌ ساخرٌ للحساسيات الجيوسياسية لجذب تغطيةٍ إعلاميةٍ لن يحظى بها احتجاجٌ مماثلٌ في مكانٍ آخر. (ثانيًا)، يُمثّل هذا الفعل محاولةً خبيثةً لإحراج الدولة المصرية وتعطيل دبلوماسيتها الإقليمية المعقدة، تلعب مصر دورًا محوريًا، وغالبًا ما يكون حساسًا، كوسيطٍ رئيسي بين إسرائيل والفلسطينيين، لا سيما فيما يتعلق بغزة، من خلال تنظيم احتجاجٍ في تل أبيب، يهدف الإخوان الإرهابيين إلى إبراز صورة مصر وكأنها مُنقسمة داخليًا، تهدف هذه الرواية والإدعاء المزعوم إلى إضعاف مصداقية مصر كمرساةٍ إقليميةٍ مستقرةٍ ووسيطٍ نزيه، مما يُقوّض سياستها الخارجية ومصالحها الوطنية. هذا يقودنا إلى جوهر القضية : هذه المظاهرة "خيانةٌ جديدة" تتضاف لحساب الجماعة الإرهابية لا يُمكن إنكارها... الجماعة الإرهابية تؤكد كل دقيقة أنها على استعدادٍ للتعاون مع قوى خارجية حتي لو وصل الأمر التعاون مع العدو التاريخي اللدود للمنطقة العربية "كيان الاحتلال" والاستفادة من منصاتٍ أجنبيةٍ لإلحاق الضرر بمصر. الجماعة الإرهابية تحاول توفير مادةً خصبةً لأولئك الذين يسعون إلى تصوير مصر على أنها غير مستقرة، ويؤكد وجهة النظر الراسخة لدى الدولة المصرية و شعبها بأن ولاء جماعة الإخوان الإرهابية ليس للأمة المصرية ولا لتراب مصر ، بل لمشروعها السياسي المزعوم المُلطخ بدماء المصريين. مظاهرة تل أبيب خيانة عميقة ومتعددة الأبعاد: (أولًا)، إنها خيانة لمصر، تُظهر استعدادًا للانحياز إلى أي سردية، في أي مكان، لتدمير الدولة المصرية ومؤسساتها.. (ثانيًا)، إنها خيانة للفلسطينيين… فمن خلال العمل على تخريب دور مصر كوسيط، وترويج أيديولوجية عنيفة تُثير الانقسام، لم يُسفر الإخوان وحماس إلا عن إطالة أمد معاناة الفلسطينيين وانقسامهم، مُقدمين بذلك خيارًا زائفًا لا يؤدي إلا إلى الدمار. باختصار: لم تكن تجمعات تل أبيب مجرد حاشية هامشية في عام مضطرب… لقد كانت لحظة سقوط القناع… أما "السر" الذي كشفته فهو أن خطاب الإخوان الإرهابي العلني عن المقاومة والتقوى ليس سوى ستار رقيق لمؤامرة مُتجذرة ضد الدولة المصرية - أجندة تُعلي من شأن السياسة القذرة على الولاء الوطني، والاستقرار الإقليمي، والشعب نفسه الذي تدعي الجماعة الإرهابية الدفاع عنه (غزة). إنه مؤامرةٌ مُدبَّرةٌ بعنايةٍ لإلحاق الضرر بسمعة مصر، نُفِّذت بدرجةٍ مذهلةٍ من السخرية السياسية، إنها تمثل الإفلاس الأيديولوجي لجماعة إرهابية تحتضن الآن نفس الرموز التي علَّمت أتباعها يومًا ما احتقارها. هذا المشهد السخيف، الذي بُثَّ من إسرائيل، لا يكشف إلا الانحلال الأخلاقي والسياسي لجماعة الإخوان الإرهابية، وهي مستعدة لخيانة المبادئ الوطنية في سعي يائس ومٌدمرإلي وهًم العودة .