علق الدكتور حسين عبد البصير ، عالم المصريات ومدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، على عرض قطعة أثرية من "عصر توت عنخ آمون" للبيع فى لندن، وهو التقرير الذي نشره اليوم السابع منذ قليل، وجاء خلاله أن هناك مخاوف من احتمال أن يكون هوارد كارتر، عالم الآثار البريطاني الذي اكتشف مقابر الملك توت عنخ آمون، هو من سرق هذه القطعة التجميلية، حسب ما ذكره موقع artnews. وقال الدكتور حسين عبد البصير، إن استعادة القطع الأثرية المصرية المسروقة تمثل قضية وطنية وثقافية وأخلاقية بالغة الأهمية، ليس فقط لأنها تمثل جزءًا لا يتجزأ من هوية مصر وحضارتها العريقة، بل لأنها تكشف عن الصراع العالمي الدائر حول التراث والعدالة الثقافية، ورغم أن بعض المزادات العالمية والمواقع الأجنبية تروج لامتلاك هذه القطع بشكل "قانوني"، فإن بيعها في المزاد لا يعني أنها ليست مسروقة أو مهربة بطرق غير شرعية من مصر. لماذا يجب أن نُطالب بعودة هذه القطع؟ وأضاف الدكتور حسين عبد البصير، في تصريحات خاصة ل"اليوم السابع"، أن القطع الأثرية ليست مجرد أحجار أو تماثيل؛ إنها شواهد على تاريخنا، ورموز لهويتنا، وسفراء لحضارتنا، سرقتها أو تهريبها يمثل اعتداءً على الذاكرة الوطنية، وعلى حق الشعب المصري في معرفة ماضيه وامتلاك تاريخه، كما أن استعادتها تساهم فى ترسيخ السيادة الثقافية، وتُعدّ رسالة للعالم بأن مصر لن تتهاون في حقوقها. ما الذي يجب فعله لمطالبة الدول أو المؤسسات أو المزادات بإرجاع القطع الأثرية؟ وأكد الدكتور حسين عبد البصير، أن هناك عدة طرق يمكن من خلالها مطالبة الدول والمؤسسات والمزادات العالمية لإرجاع القطع الأثرية والتي تتمثل في التوثيق والأدلة، يجب أولاً جمع كل الأدلة التى تثبت أن القطعة المعروضة في المزاد أو الموجودة في متحف ما قد خرجت من مصر بطرق غير مشروعة، سواء كانت بالتهريب، أو عن طريق الحفر غير القانوني، أو بطرق احتيالية خلال الفترات الاستعمارية أو بعدها، ويتم ذلك من خلال" الرجوع إلى سجلات الحفائر القديمة، البحث في تقارير البعثات الأجنبية، الاستعانة بشهادات أثرية ووثائق جمركية، التعاون مع الأثريين المصريين والخبراء الدوليين. وذلك بالإضافة إلى ضرورة تحرك رسمي من الدولة المصرية، فلابد من قيام وزارة السياحة والآثار، بالتعاون مع وزارة الخارجية المصرية، بتقديم طلب رسمي لاسترداد القطعة، ويشمل ذلك "إرسال مذكرة قانونية موثقة إلى دار المزاد أو المتحف المعني، تفعيل آليات الإنتربول في حال كانت القطعة مُدرجة ضمن قاعدة بيانات القطع الأثرية المسروقة"، وكذلك اللجوء إلى اتفاقيات دولية مثل: "اتفاقية اليونسكو لعام 1970 الخاصة بمنع الاستيراد والتصدير غير المشروع للممتلكات الثقافية، اتفاقية UNIDROIT لعام 1995 الخاصة بإعادة الممتلكات الثقافية المسروقة أو المُهربة". ومن ضمن الطرق أيضًا الدعم الشعبي والإعلامي، ففي كثير من الحالات، تلعب وسائل الإعلام دورًا كبيرًا فى الضغط على المؤسسات الأجنبية والمزادات لإيقاف بيع القطع الأثرية: "نشر القضية عبر وسائل الإعلام المحلية والدولية، إطلاق حملات توعية ومناشدات شعبية على منصات التواصل الاجتماعي، التواصل مع الشخصيات العامة والمثقفين العالميين الذين يدعمون قضايا استرجاع التراث". وكذلك الضغط الدبلوماسي، على مصر استخدام نفوذها السياسي والدبلوماسي في المحافل الدولية، خاصة مع الدول التي تحتضن هذه القطع، لتقديم احتجاجات رسمية، ومطالبة بإعادتها باعتبارها قطعًا مسروقة ومهربة، وليس لها أي وضع قانوني سليم. دور الجهات القانونية والدولية وأضاف عالم المصريات أنه يمكن لمصر أن ترفع قضايا أمام محاكم دولية، وتستعين بمحامين دوليين متخصصين في قضايا التراث، كما يمكنها اللجوء إلى: "مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، المحكمة الدولية للعدل، الهيئات القضائية الوطنية في الدولة التي تُباع فيها القطعة، في حال كانت القوانين الوطنية هناك تجرّم بيع الآثار المسروقة. دروس من تجارب ناجحة وأكد مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية أن مصر قد نجحت في استرداد آلاف القطع الأثرية خلال السنوات الماضية، منها: "تمثال "سخم كا" الذي تم إيقاف بيعه من قبل متحف في لندن بعد احتجاجات مصرية، تابوت "نجم عنخ" الذي تم تهريبه إلى الولاياتالمتحدة واستردته مصر بعد حملة دولية قوية". ماذا لو لم تطالب مصر بالقطعة؟ وشدد الدكتور حسين عبد البصير على ضرورة المطالبة بالقطع الأثرية المسروقية وإلا فهنا تقع مسؤولية مزدوجة، أولًا مسؤولية على مصر، حيث ينبغي على الجهات المختصة أن تتابع كل ما يُعرض في المزادات والمتاحف الأجنبية بشكل دائم، وأن تكون هناك وحدة استخبارات ثقافية تتابع الأمر، وكذلك مسؤولية المجتمع الدولي، فالدول والمؤسسات والمزادات ملزمة أخلاقيًا بعدم بيع أو شراء أي قطعة يُشك في مصدرها، حتى لو لم تطالب مصر بها رسميًا بعد. المطالبة باسترداد القطع الأثرية ليست مجرد إجراء قانوني، بل هي معركة حضارية من أجل العدالة الثقافية، وإثبات أن مصر قادرة على حماية تاريخها وصيانة تراثها، والأهم من كل شيء، أن نستمر بلا توقف في مراقبة المزادات والمتاحف، وأن نحشد كل أدوات الدولة - من القانون إلى الدبلوماسية، من الإعلام إلى الشعب - في سبيل استرجاع ما سُرق من حضارتنا.