لا يمكن الحديث عن القضية الفلسطينية دون التوقف طويلاً عند الدور المصري التاريخي والإنساني في دعم الشعب الفلسطيني، ومساندته في معركته الطويلة من أجل الحرية والاستقلال، فمنذ نكبة عام 1948 وحتى يومنا هذا، لم تتخلَّ مصر يومًا عن مسؤوليتها الأخلاقية والقومية تجاه فلسطين، إيمانًا منها بأن أمن فلسطين من أمن مصر، وأن العدالة لن تتحقق في المنطقة، إلا بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدسالشرقية. مصر دفعت الكثير جدا من دماء أبنائها ثمناً غالياً في سبيل الدفاع عن القضية الفلسطينية، وخاضت حروبًا كبرى، من بينها حرب 1948 وحرب الاستنزاف وحتى نصر أكتوبر المجيد، من أجل الدفاع عن الأرض العربية ومساندة الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي، ولا تقتصر مواقف مصر على الميدان العسكري فحسب، بل امتدت على مدار العقود لتشمل البُعد السياسي والإنساني والدبلوماسي، حيث كانت القاهرة ولا تزال هي العاصمة العربية الأولى التي تفتح أبوابها للفصائل الفلسطينية، وتُسهّل الحوار بين أطيافها، وتسعى لرأب الصدع الفلسطيني الداخلي من أجل وحدة الصف وتحقيق الهدف الأسمى. لم يكن الدعم المصري لفلسطين يومًا خاضعًا لحسابات المصالح أو التوقيتات السياسية، بل كان دومًا دعمًا أصيلاً نابعًا من قناعة عميقة بالعدالة والروابط القومية، ويبرز ذلك جليًا في الدعم الإنساني المتواصل، خاصة في فترات الأزمات والعدوان، فمصر كانت وما زالت الرئة التي يتنفس منها قطاع غزة المحاصر، حيث يُمثّل معبر رفح شريان الحياة للفلسطينيين في ظل الحصار الإسرائيلي الغاشم. ومع كل عدوان تتعرض له غزة، تبادر مصر بفتح المعبر أمام الجرحى والمرضى، وتُرسل قوافل طبية وغذائية عاجلة، إلى جانب إنشاء مستشفيات ميدانية على الحدود واستقبال آلاف الحالات للعلاج داخل مستشفيات سيناءوالقاهرة، ويكفي أن نذكر أن مصر خلال العدوانات الأخيرة، أرسلت أكثر من ألفي طن من المساعدات، فضلاً عن فتح مستشفياتها أمام المصابين، بل إن الدولة المصرية تحركت على كافة المستويات، رسميًا وشعبيًا، من خلال الهلال الأحمر المصري، والكنائس، ومنظمات المجتمع المدني، في مشهد يجسد الوحدة الوطنية والضمير الحي لشعب لا ينسى أبدًا أن ما يحدث في فلسطين هو جرح عربي مشترك. سياسيًا، كانت مصر وما زالت وستظل صوتًا قويًا لفلسطين في كافة المحافل الدولية، بدءًا من جامعة الدول العربية، ومرورًا بمنظمة التعاون الإسلامي، ووصولاً إلى الأممالمتحدة ومجلس الأمن، ولم تغب كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي عن التأكيد مرارًا أن "لا حل للقضية الفلسطينية إلا بإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدسالشرقية"، باعتبار ذلك حقًا مشروعًا لا يمكن التنازل عنه. كما كان لمصر دور محوري في تثبيت التهدئة عقب كل عدوان، وسعت بقوة في مسار التهدئة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، حفاظًا على أرواح المدنيين، وحرصًا على منع انزلاق الأوضاع نحو حرب شاملة، وفي أكثر من مناسبة، تتوسط القاهرة لوقف إطلاق النار، وتنجح فيما عجزت عنه قوى دولية كبرى، نظرًا لما تحظى به من احترام وثقة لدى جميع الأطراف. ولا نغفل هنا دور المخابرات العامة المصرية، التي لعبت وما زالت تلعب دورًا محوريًا في التنسيق بين الفصائل الفلسطينية، واحتضان الحوار الوطني الفلسطيني على الأراضي المصرية، في محاولة متكررة لجمع شتات البيت الفلسطيني المنقسم، فلم تغب فلسطين يومًا عن الوجدان المصري. فمنذ الصغر، تتردد في آذان الأجيال أغاني مثل "من قلب مصر لفلسطين"، وتُقام الندوات والمظاهرات الطلابية، وترفع الأعلام الفلسطينية في المحافل الجماهيرية، دعمًا للأشقاء. ومهما تغيّرت الظروف السياسية والاقتصادية، بقيت القضية الفلسطينية هي القضية الأولى للمصريين، والأقرب إلى قلوبهم. وما نشهده اليوم من استمرار هذا الدعم، سواء في حملات التبرع، أو الوقفات التضامنية، أو حتى عبر وسائل الإعلام المصرية التي تواكب تفاصيل المأساة وتنقل معاناة الفلسطينيين، يُؤكد أن العلاقة بين الشعبين ليست مجرد تضامن وقتي، بل مصير مشترك ممتد، ورغم حجم التحديات، تظل مصر اللاعب الأكثر اتزانًا وحكمة في القضية الفلسطينية. فهي تدرك أن الحل لا يمكن أن يكون عبر السلاح فقط، بل من خلال تسوية عادلة وشاملة تضمن حق العودة، ووقف الاستيطان، وإنهاء الاحتلال، وتمكين الفلسطينيين من تقرير مصيرهم في دولة ذات سيادة كاملة. لا شك أن التحركات المصرية في هذا الملف نابعة من مسؤولية تاريخية، وثقل إقليمي تفرضه الجغرافيا والسياسة والتاريخ. فقد أدركت مصر منذ البداية أن استقرار المنطقة يبدأ من حل عادل للقضية الفلسطينية، وأنه لا أمن حقيقي للمنطقة ما لم يحصل الفلسطينيون على حقوقهم المشروعة، وستظل مصر، قيادة وشعبًا، هي السند الحقيقي لفلسطين، وهي الحاضن العربي الأول لقضيتها، من منطلق الواجب والضمير والتاريخ. وبينما تتقلب مواقف الدول وتتبدل توجهات السياسات، تظل مصر على عهدها، لا تُغيّر بوصلتها، ولا تساوم على مبادئها، ففلسطين ليست مجرد قضية بالنسبة للمصريين، بل هي اختبار دائم للضمير الإنساني، ومصر كانت دومًا في مقدمة الناجحين.