قالت مجلة لوبوان الفرنسية إن 10,800 مليونير غادروا المملكة المتحدة خلال عام 2024، أى بمعدل مليونير واحد كل 45 دقيقة. وذكرت المجلة، استنادًا إلى دراسة أجراها "معهد آدم سميث للأبحاث"، أن المملكة المتحدة تسير على طريق فقدان أكبر نسبة من السكان الأثرياء في العالم بحلول عام 2028، حيث من المتوقع أن تنخفض نسبتهم من 4.55% في عام 2024 إلى 3.62% في عام 2028، أي بانخفاض قدره 20%. وفي أبريل الماضي، هدد رجل الأعمال والملياردير الهندي لاكشمي ميتال بمغادرة المملكة المتحدة، التي يقيم فيها منذ عام 1995، وذلك احتجاجًا على الإصلاح الضريبي الذي أجرته حكومة حزب العمال على الأفراد "غير المقيمين" – أي أولئك الذين يعيشون في المملكة المتحدة لكن لديهم موطن إقامة دائم خارجها. ومنذ ذلك الحين، تبعه في قراره العديد من الأثرياء، من بينهم الجنوب أفريقي ريتشارد جنود، المصرفي الأعلى أجرًا في بنك "جولدمان ساكس" خارج الولاياتالمتحدة. وكان وضع "غير المقيمين" في المملكة المتحدة يتيح للأثرياء تقنين ما يدفعونه من ضرائب على الدخل والمكاسب الرأسمالية المكتسبة خارج البلاد، إذ لم تكن تُفرض عليهم الضرائب إلا بعد الإقامة لعدد معين من السنوات. إلا أن هذا النظام بدأ يُلغى تدريجيًا منذ أبريل 2024، لصالح نظام جديد قائم على الإقامة الفعلية، ما يعني أن الأفراد المقيمين بشكل دائم في المملكة المتحدة أصبحوا مطالبين بدفع الضرائب على دخلهم العالمي فور تحصيله، وليس فقط عند تحويل الأموال إلى البلاد. وأضافت لوبوان أن ما يُعرف ب"ويكسيت" (Wealthexit) – اختصارًا لكلمتي "الثروة" و"الخروج" – بدأ منذ عام 2023، بعد الإعلان عن الإصلاح الضريبي في مارس 2024 من قبل حكومة المحافظين، وذلك تحسبًا لتطبيقه النهائي. ومن المتوقع أن يتأثر بهذا الإصلاح 68,900 شخص من غير المقيمين، أغلبهم من الهندوالولاياتالمتحدة وأستراليا ودول أوروبية، من بينها فرنسا. ويُعزى هذا النزوح أيضًا إلى ارتفاع ضريبة الميراث، إذ تحتل المملكة المتحدة المرتبة الثانية بعد فرنسا من حيث أعلى معدل نسبي لضريبة الميراث بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. ووفقًا لأندرو أموليس، مدير الأبحاث في مجموعة "نيو وورلد ويلث" المتخصصة في بيانات الثروة، فإن "معدلات ضريبة مكاسب رأس المال والميراث في المملكة المتحدة من بين الأعلى في العالم، مما يثني رواد الأعمال والمتقاعدين الأثرياء عن البقاء أو الانتقال إليها". ويتوقع مكتب مسئولية الميزانية أن عدد الممتلكات الخاضعة لضريبة الميراث سيتضاعف أكثر من مرتين بحلول عام 2030 نتيجة لهذه السياسات. كما أظهرت دراسة لبنكي "يو بي إس" و"كريدي سويس" أن عدد أصحاب الملايين في المملكة المتحدة سينخفض من 3,061,553 مليونيرًا في عام 2023 إلى 2,542,464 بحلول عام 2028، ما يمثل تراجعًا بنحو 1% من إجمالي عدد السكان، وبالتالي سيؤدي إلى انخفاض في الإيرادات الضريبية. وتشير بيانات هيئة الضرائب البريطانية (HMRC) إلى أن أعلى 1% من أصحاب الدخل يدفعون نحو 29.1% من إجمالي ضريبة الدخل، وهي إحدى الركائز الأساسية لإيرادات الخزانة العامة. ويرى خبراء اقتصاديون أن مغادرة هؤلاء الأثرياء ستنعكس سلبًا على النمو الاقتصادي والاستثمار، وستؤثر على تمويل الخدمات العامة. ووفقًا لتقديرات "مركز أبحاث الاقتصاد والأعمال"، فإن مغادرة 25% من غير المقيمين تعني عدم تحقيق أي دخل إضافي من إلغاء النظام السابق، أما إذا غادر الثلث، فإن المملكة المتحدة ستخسر نحو 700 مليون جنيه إسترليني خلال السنة الأولى فقط من تطبيق السياسة الجديدة. وعلى الجانب الآخر، تسعى مجموعة "أصحاب الملايين الوطنيين في المملكة المتحدة" (Patriotic Millionaires UK) إلى الدفاع عن السياسات الضريبية التصاعدية، وتدعو إلى فرض مزيد من الضرائب على الأثرياء. وصرّح أحد أعضائها، ستيفن كينسيلا، بأن "المملكة المتحدة تعج بالثروات، لكنها مركزة في أيدي قلة، إذ تمتلك 40 عائلة فقط ما يعادل ثروة نصف السكان". وأضاف: "لقد اعتمدنا طويلًا على خرافة الاقتصاد التنازلي. نحن بحاجة إلى نظام يعود بالنفع على الجميع، لا على الأغنياء فقط". وأشارت المجموعة إلى أن 80% من أصحاب الملايين يؤيدون فرض ضريبة ثروة بنسبة 2% على الأصول التي تتجاوز 10 ملايين جنيه إسترليني، و81% يعتبرون المساهمة العادلة في المال العام عملاً وطنيًا. وعلّق جيو نوتاربارتولو، أحد أعضاء المجموعة، قائلاً: "على عكس ما يُشاع، كثير من الأثرياء – بمن فيهم غير المقيمين السابقين – مستعدون للمساهمة في دعم الدولة القوية والمستقرة، لما فيه مصلحتهم ومصلحة الجميع". وتؤكد المجموعة أن هجرة الأثرياء ليست بالظاهرة الكبيرة كما يتم تصويرها. ووفقًا لدراسة مشتركة مع منظمة العدالة الضريبية في المملكة المتحدة، فإن عدد من غادروا فعليًا من أصحاب الملايين بلغ 9,500 شخص فقط، أي ما يعادل 0.3% من إجمالي عددهم، ما وصفته المجلة بأنه "قطرة في بحر".