سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مدرسة وذاكرة.. سميحة أيوب امرأة جعلت من الخشبة بيتا ومن الفن وطنا.. عشقت الفن فى عمر ال 15عاما وتلقت الدروس الأولى على يد زكى طليمات.. أعمالها المسرحية بلغت 170 عملا وانقطعت عن السينما 30 سنة
في زقاق صغير من حي شبرا العريق، ولدت عام 1932 طفلة لم تكن تعرف أنها ستصبح بعد عقود واحدة من أعمدة الفن العربي، هي سميحة أيوب، التي اختارتها الأقدار لتصبح "سيدة المسرح العربي"، ويصير اسمها مرادفًا للمسرح والدراما والخلود الفني. الفنانة سميحة أيوب
منذ نعومة أظافرها، تسللت شعلة الفن إلى قلب سميحة أيوب، ولم تكن مجرد شعلة عابرة، بل نارًا هادئة متوهجة قادتها إلى خشبة المسرح وشاشة السينما، كانت في الخامسة عشرة حين وقفت أمام الكاميرا للمرة الأولى، في فيلم "المتشردة" عام 1947، لتفتتح رحلتها الطويلة بحضور خجول لكنه واعد. التمرد على التقاليد.. والحب الأول في وقت كانت فيه الفتيات يسرن نحو الزواج التقليدى، اختارت سميحة أيوب طريقًا محفوفًا بالتحديات، تزوجت في بداياتها من الفنان محسن سرحان، وأنجبت منه ابنها الأول محمود، لكن الزواج لم يدم طويلًا، فقد كانت روحها تبحث عن فضاء أوسع من بيت تقليدي. حملت أحلامها نحو معهد التمثيل الذي أسسه الفنان الكبير زكي طليمات، وهناك لم تتعلم فقط أصول المهنة، بل تلقت الدروس الأولى في الصبر والانضباط الفني، على يد واحد من رواد المسرح في مصر. خمسينات الذهب.. حيث تتوهج البدايات في خمسينيات القرن الماضي، كانت سميحة أيوب تطل من كل نافذة فنية، في السينما، توالت أفلامها بسرعة مذهلة مثل "شاطئ الغرام"، "قلبي على ولدي"، "الوحش"، "أغلى من عينيه"، "موعد مع السعادة"، وغيرها، فيما كانت تقف على المسرح بخطى واثقة في مسرحيات مثل "الأيدي الناعمة". ثم شاء القدر أن تلتقي بالكاتب المسرحي الكبير سعد الدين وهبة، فكان الفن جسر اللقاء، والحب عنوان العلاقة، فتزوجا، لكن لم يُثمر زواجهما عن أطفال، وظلت العلاقة بينهما مشبعة بالإبداع والتقدير المتبادل. الستينيات.. صوت المسرح الذي لا يسكت لم تهدأ سميحة أيوب في الستينيات، بل ازدادت اشتعالًا فنيًا، قدمت أفلامًا مثل "لا تطفئ الشمس"، "يوم الحساب"، و"أرض النفاق"، وشاركت في مسلسلات ومسرحيات أيقونية مثل "السبنسة" و"سكة السلامة"، ومسلسل "خيال المآتة"، وازدادت ثقتها بموهبتها حين خاضت الإخراج المسرحي لأول مرة عام 1972 في مسرحية "مقالب عطيات"، تزامنًا مع إدارتها للمسرح الحديث. من الخشبة إلى الإدارة كانت المرأة الحديدية التي تدير وتمثل وتلهم، ففي عام 1975، شغلت منصب مدير عام المسرح القومي، واستمرت فى المنصب 14 عامًا كاملة، صعدت خلالها بالمسرح المصري إلى آفاق جديدة، وعلى خشباته، قدمت روائع مثل "ست الملك"، و"فيدرا"، و"الخديوي". وفي حياتها الشخصية، دخل الفنان محمود مرسي حياتها كزوج وشريك فكر، وأنجبت منه ابنها الثاني علاء، لكنها ظلت دومًا وفية لذاتها ولفنها. الثمانينيات والتسعينيات.. الدراما حول قلب سيدة المسرح مع بداية الثمانينيات، انسحبت سميحة أيوب بهدوء من السينما، لتغوص في دراما التلفزيون والمسرح، فقدمت أعمالًا غزيرة مثل "دمعة ألم"، "المحروسة 85"، "أمهات في بيت الحب"، "الضوء الشارد"، و"السيرة الهلالية". وكانت فترة التسعينيات سنوات ازدهار تلفزيونى لها، أثبتت فيها قدرتها على التجدد والبقاء، ونجحت في ملامسة قلوب أجيال مختلفة. وفاء مستمر للمسرح لم تغب يومًا عن الذاكرة، حتى عندما غابت عن الأضواء قليلًا، وعادت في الألفينات بأعمال جديدة مثل "أوان الورد"، "أميرة في عابدين"، "المصراوية"، و"عسكر وحرامية"، وعلى المسرح، وقفت مرة أخرى لتقدم "في عز الظهر"، و"الناس اللي في التالت". في عام 2012، حدث ما يشبه المعجزة الفنية، حين عادت إلى السينما بعد غياب أكثر من 30 سنة، من خلال فيلم "تيتة رهيبة" مع الفنان الكوميدى محمد هنيدي، ثم توالت مشاركاتها في "الخفافيش"، "مزاج الخير"، و"الطاووس". تكريمات على قدر العطاء لم يكن عطاؤها الفني محل تقدير محلي فقط، بل حمل طابعًا عربيًا ودوليًا، فحصلت على وسام الجمهورية من الرئيس جمال عبد الناصر، وجائزة الإبداع من الرئيس السادات، ووسام من الرئيس الفرنسي ديستان، وقلدها الرئيس حافظ الأسد وسام الاستحقاق السوري،كما حصلت على وسام العلوم والفنون من الرئيس عدلي منصور في عيد الفن. حكاية لم تنته منذ عام 2015، ظل اسم سميحة أيوب حاضرًا في أفلام مثل "الليلة الكبيرة" و"ليلة العيد"، ومسلسلات "سكر زيادة"، "نقل عام"، و"حضرة العمدة"، حتى كان آخر ما عرض لها عام 2024 فيلم "سيدة المسرح العربي"، الذي حمل اسمها وكأنه وثيقة فنية خالدة، فالفنانة سميحة أيوب ليست مجرد فنانة، إنها مدرسة وزمن وذاكرة، وامرأة جعلت من الخشبة بيتًا ومن الفن وطنًا.