فنانة قديرة من الزمن الجميل عشقت فن المسرح منذ الصغر، وألتحقت بمعهد الفنون المسرحية لتصقل موهبتها، وخلال فترة دراستها ضمها بديع خيري لفرقة الريحاني ورغم تألقها معها إلا أن عيونها لم تفارق خشبة المسرح القومي، وشاء القدر أن يتم تعيينها هناك رغم أنها كانت في آواخر سنوات دراستها بالمعهد، ولم تتوقف عن تقديم إبداعات مسرحية لكبار الكتاب والمخرجين وأضحكتنا وأبكتنا علي خشبة القومي العريقة وظهر أنه يسكنها وجع الوطن من خلال المدارس الفنية التي تعلمت منها الكثير علي يد عمالقة الفنانين القدامي أمثال يوسف وهبي وجورج أبيض وحسين رياض وعبدالرحيم الزرقاني وأمين رزق وسميحة أيوب وملك الجمل، الأمر الذي ساعدها علي صقل موهبتها بشكل أكبر وتقديم أدوار مسرحية متيمزة منها سكة السلامة - كوبري الناموس عيلة الدوغري في بيتنا رجل، وساعدها ذلك علي التدقيق في اختيار أدوارها وتنوعها ومنها في السينما حدوتة مصرية وعودة الابن الضال والعصفور وإسكندرية كمان وكمان وأفواه وأرانب وأريد حلا ومسلسلات الشهد والدموع والمال والبنون وذئاب الجبل وأحلام الفتي الطائر وأبوالعلا البشري والكومي.. إنها الفنانة الكبيرة رجاء حسين التي استطاعت بموهبتها وتلقائيتها أن تشق مسيرتها الفنية مؤكدة أن الفنان الحقيقي يأبي أن يعيش في برج عاجي بعيدا عن الناس.. والحوار مع ممثلة مثقفة وصريحة بحجم رجاء حسين يأخذنا إلي جوانب كثيرة في حياتها كفنانة وإنسانة، خاصة أنها محاورة صريحة لاتحاول الهروب من أي شيء. نحتاج فناًًً يُركز علي وجع الناس.. و"أفواه وأرانب" شهادة تفوقي تعلمت من عمالقة المسرح.. وتربيت علي أن الفن رسالة كيف تكونت شخصيتك الفنية وما حكاية إعجاب الإنجليز بموهبتك وصدقك في الأداء؟ - عشقت التمثيل منذ الصغر وتباعا توليت رئاسة قسم التمثيل في مدرستي بطنطا الثانوية - وحققت حلمي بالالتحاق بمعهد الفنون المسرحية وحدث أن أعجب بأدائي الأستاذ بديع خيري خلال مشاركتي في مسرحية (شروع في جواز) علي مسرح الجامعة وسرعان ما ضمني لفرقة الريحاني وقدمت معهم أعمالا كثيرة وانتقلت بعد سنة للمسرح القومي وتم تعييني رغم أني كنت مازالت طالبة في المعهد وقوبل هذا بعاصفة كبيرة من الهجوم ثم جاءت الانفراجة بعد توقف عامين عن تقديم أي عمل، وفوجئت خلال مشاركتي في فيلم «خارج الحدود» بفنان ومخرج إنجليزي يدعي «ديفيد روبنسون» لم يصدق روعة وتدفق أدائي علي حد وصفه، ويقول لزملائه المشاركين في الفيلم إني أشبه بلوحة أسطورية وفنانة تختزن بداخلها طاقات ستنفجر بكل إبداع خلال مشوارها الفني. لأي مدي تؤمنين بمبدأ التخصص في الأداء؟ - لا أؤمن بمبدأ التخصص وأرفض الارتباط بشخصية معينة تحاصرني في دائرة محدودة والدليل علي ذلك تنوع الأدوار التي قدمتها ومنها شخصية نعمات ابنة الحي الشعبي التي تحلم بتعليم أولادها رغم ظروفها الصعبة في مسلسل (أسير بلا قيود) ودور صعيدية تدفع أولادها للأخذ بالثأر في (لدواعي أمنية) وأم البطل الرياضي التي تقع في صراع مع ابنها بسبب أفكاره المشوشة في الزواج في مسلسل (الغالب والمغلوب) وشخصية شفيقة التي تقف ضد أخيها شيخ الصيادين في أمواج لا تصل إلي الشاطئ وحميدة الصعيدية المقطوعة من شجرة في مسلسل الكومي وأم العربي في زيزينيا والأخت الأنانية في مسلسل الدوغري 09 وشخصية بدوية القادمة من الريف لتكون رفيقة للوزيرة في ياورد من يشتريك والحماة التي تحرض ابنها علي الزواج علي زوجته لتأخرها في الإنجاب في هالة والمستخبي والست الغلبانة في المسلسل الإذاعي رز الملائكة أمام نجلاء فتحي، هذا بالإضافة لأدوار المتسلطة في مسلسل أوكازيون والمرأة المحافظة بعد وفاة زوجها في المال والبنون، وقدمت الشخصية الكوميدية في مسلسل (عايزة أتجوز) وقدمت أيضا دور صاحبة حمام بلدي في مسلسل شربات. وتضيف رجاء حسين وقدمت في السينما شخصية زبيدة في فيلم العصفور والمطلقة في أريد حلا وشقيقة نعمت «فاتن حمامة» التي أنجبت 9 أولاد وتعاني من سلبية زوجها في أفواه وأرانب، والخلاصة أني حريصة علي التنوع والتجديد في كل أدواري وأركز علي أن تحمل في جوانبها الطابع الإنساني. ولكنك رغم حصولك علي جوائز عن أدوارك السينمائية ابتعدت عنها في الفترة الأخيرة؟ - هذا حقيقي فجميع أعمالي التي قدمتها للسينما فزت فيها بجوائز وشهادات تقدير متميزة خصوصا أفلام أفواه وأرانب وأريد حلا وكل أفلامي مع يوسف شاهين حدوتة مصرية وعودة الابن الضال والعصفور إسكندرية كمان وكمان وقدمت أيضا أدوارا متميزة في أفلام الليالي الدافئة ومملكة الليل مع هند رستم والمتوحشة ومال ونساء مع سعاد حسني وامرأة آيلة للسقوط مع يسرا وأبناء وقتلة مع محمود عبدالعزيز والتلميذة وأحلام صغيرة والخرساء ولكننا الآن نعيش سينما غريبة اختفي فيها الموضوع الجيد وظهرت أفلام المقاولات التي تقدم البلطجة.. والعنف والاغتصاب والسرقة والقتل والمخدرات فأين السينما التي كانت قائمة علي أكفاف أفراد من جيل الرواد المنتجين أمثال رمسيس نجيب يوسف شاهين «منتجا ومخرجا» حسن رمزي حلمي رفلة آسيا تاكفور أنطونيان وأؤكد أنه بالرغم من وجود منتجين جدد ويبذلون محاولات وتجارب إلا أن الفيلم يخرج ضعيفا إما بسبب التكلفة القليلة أو لرداءة طرح الموضوعات بسبب النص الضعيف.. ومازلت أحلم أن تعود السينما لسابق مجدها. يقال إن هناك دائما عملا فنيا ينقلك من مكانة لأخري؟ لأني تربيت علي أن الفن رسالة وأن يحترم الفنان نفسه وجمهوره تعلمت ألا اختار سوي العمل الذي يضيف لرصيدي كل جديد بخلاف حب الجمهور وأتحدي أن يقول أحد إني قدمت عملا واحدا مبتذلا أو تنازلت من أجل الفلوس ويشهد علي ذلك كل أعمالي الفنية سواء المسرحية أو السينمائية أو التليفزيونية وهذه الأعمال فزت فيها بشعبية كبيرة وأحسست مع نهاية كل دور فيها أني قطفت ثمرة جديدة بل وأعتبر كل شخصية قدمتها هي دور العمر. لماذا ابتعدت عن مسرح الدولة وخاصمت أيضاً المشاركة في مسرح القطاع الخاص؟ قدمت أعمالا مسرحية لكبار الكتاب والمخرجين فترة ازدهار المسرح في الستينيات والسبعينيات منها علي سبيل المثال لا الحصر في بيتنا رجل تاجر البندقية سكة السلامة كوبري الناموس السبنسة حلاق بغداد وغيرها وجميعها كانت جوار. مروري لقلوب الناس وابتعدت عن مسرح هذه الأيام لغياب النص الجيد عنه ولا أجد فيه أدوارا تناسبني لأنه حاليا يعتمد علي هز الوسط وبالنسبة لمسرح القطاع الخاص فبالأمس القريب كان هناك فرق محدودة منها فرقة الفنانين المتحدين وفرقة محمد صبحي تقدم أعمالا تحترم عقلية المشاهد.. وكان لي تجارب في المسرح الخاص في مسرحيتي الصول والحرامي مع يونس شلبي ونحن نشكر الظروف مع سعيد صالح وشاركت فيها لفترة قصيرة وأؤكد أن المسرح في حالة انعدام وزن ودخل غرفة الإنعاش وأمنياتي أن يعود مسرح الدولة بصفة خاصة لدوره كجهاز تنويري إعلامي هام وأجد فيه أدوارا جيدة من خلال نص جيد وتكون علي المسرح القومي حبيب عمري. ولكن ما سر حزنك ورغبتك في ذات الوقت بتكريمك علي خشبة المسرح القومي؟ حزني كان نابعا من تأخر إصلاح المسرح القومي وتشغيله حتي جاء الفرج وتم عرض مسرحية «ألف ليلة وليلة» ليحيي الفخراني عليه مؤخرا فهذا المسرح هو ركيزة الفن المصري خاصة أنه وقف عليه عظماء الفنانين ومنهم جورج أبيض يوسف وهبي حسن البارودي عزيز عيد حسين رياض شفيق نور الدين عبدالمنعم إبراهيم أمينة رزق سميحة أيوب زوز نبيل ملك الجمل سناء جميل وتاريخ طويل من الإبداع، فهل يصح أن نضيع وندمر هذا التاريخ بذهاب أفلامنا ومسرحياتنا وأبطالها كل هؤلاء العباقرة لقنوات فضائية لا تعرف سوي حصاد الأرباح المادية، هذا بخلاف تعرض الشرائط للإهمال والمسح.. وفي وقت يعلم فيه المسئولون أن حضارة أي دولة تقاس بمستوي الفن فيها.. ويجب ألا ننسي أن مصر مثلما كانت تتميز بتصدير القطن المصري الجيد «طويل التيلة» كانت تتميز أيضا بتصدير الفن الجيد لكل دول العالم. وتضيف رجاء حسين وتقول: لقد تعلمت من خلال تعاملي مع هؤلاء العمالقة معني الاحترام والمنافسة الشريفة القائمة علي الحب من أجل الإبداع وحدث أن طلبت مني أمينة رزق خلال مسرحية «بيت برنارد ألبا» وهي جالسة في بنوار وتحتسي القهوة قراءة مونولوج المسرحية وسرعان ما استوقفتني وعلمتني متي أرفع وأخفض صوتي وأي العبارات لها أهمية وتعلمت من الزرقاني كيفية الحفظ ومعايشة الشخصية والتعبير عنها وتعلمت من حسين رياض الصبر واحترام الزملاء حتي لو كانوا كومبارس وعلمتني سميحة أيوب وزوزو نبيل كيف أقف أمام الميكروفون وأقول الجملة بإحساس وتعلمت منهم جميعا ومع الباقين الحركة اللفتة والتعبير الصادق وإمتاع المشاهد. وهل تؤمنين بالمشاركة في الإعلانات؟ لا مانع عندي من تقديم أي إعلان عن منتج مصري يفيد الناس ولست مع من يقول إن الإعلانات تحرق نجومية الفنان بدليل تألق كل النجوم الذين قدموها ومنهم عمر الشريف جميل راتب حسن حسني رجاء الجداوي ولم تقل نجوميتهم بل زادت وتوهجت. ما رأيك في جيل الممثلين الشباب؟ أغلبهم يبحثون عن الشهرة السريعة والمادة وقد لا يهتمون بقراءة أدوارهم، ولذا نجد أن معظمهم لا يترك أي بصمة لدي الجمهور وعليهم أن يعرفوا أن العلاقة بين الفنان والشخصية المكتوبة هي علاقة حب لا تنتهي إلا مع نهاية آخر «شوت» في تصوير سيناريو العمل ووداع كاميرات الاستديو بنهاية كلمة ستوب بحيث تكون مصحوبة بتميز وصدق الأداء عند جميع العاملين بالعمل الدرامي.. ولا أخفي أن هناك نجوما شابة متميزة وستحقق مزيدا من النجاحات أمثال كريم عبدالعزيز أحمد السقا أحمد حلمي محمد رمضان باسم سمرة نيللي كريم هند صبري إيمي وشقيقتها دنيا سمير غانم. أخيرا ما جديدك علي الساحة؟ أقرأ ثلاثة سيناريوهات لمسلسلات درامية لن أفصح عنها إلا بعد الانتهاء منها وموافقتي علي أي منها خاصة أني لا أقدم سوي عمل واحد أو اثنين فقط في السنة ولا أختار سوي الشخصية التي تشعل بداخلي روح التحدي لتقديم الأفضل دائما.