"الوطنية للانتخابات": 341 مرشحا فرديا لانتخابات مجلس النواب في اليوم الثاني    "مهارة-تك" المصرية تفوز بجائزة اليونسكولاستخدام التكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم 2025    الطاهر: الدولة تبنت برنامجًا طموحًا لزيادة إنتاج الطاقة المتجددة وتعظيم قيمتها الاقتصادية    عاجل| ترامب: سيكون هناك مراسم للتوقيع على الاتفاق في مصر    ترامب: نجحنا في إنهاء الحرب في غزة.. والإفراج عن المحتجزين الاثنين أو الثلاثاء    مسار يقسو على الإنتاج الحربي برباعية في دوري المحترفين    خلاف بين محمد فؤاد ومنتج ألبومه الجديد وأغاني تنتقل لعمر كمال    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 9-10-2025 في محافظة الأقصر    إصابة 4 أطفال فلسطينيين برصاص جيش الاحتلال في الخليل وجنين    موعد تطبيق التوقيت الشتوي في مصر وإلغاء الصيفي 2025    بث مباشر مباراة منتخب مصر الثاني ضد المغرب الآن استعدادًا ل كأس العرب    ياسين محمد: فخور بذهبية بطولة العالم للسباحة بالزعانف للناشئين    مصدر من اتحاد الكرة ل في الجول: من السابق لأوانه تحديد المرشحين لتدريب مصر للشباب    «الحديد كان بيولع زي الورق».. تفاصيل 16 ساعة في حريق مركز قطع غيار سيارات بالحرفيين (معايشة)    في اليوم الثاني لفتح باب الترشح لمجلس النواب بالبحر الأحمر: «لم يتقدم أحد»    على أنغام السمسمية.. مسرح المواجهة والتجوال يحتفل بانتصارات أكتوبر فى جنوب سيناء    «محدش فينا هيتردد».. كريم فهمي يكشف حقيقة اعتذاره عن المشاركة في «وننسى اللي كان» ب رمضان 2026    «واخدينها بالفهلوة».. رجال هذه الأبراج هم الأسوأ في قيادة السيارات    تحذير مهم من «الأطباء» بشأن تصوير الأطقم الطبية في أماكن العمل    زيارة مفاجئة لوزير الصحة لمستشفى الخازندارة العام بشبرا (تفاصيل)    خبيرة أمن: ترامب واضح في التزامه بجلب السلام للشرق الأوسط    بارليف.. نهاية وهم إسرائيل.. تدريبات الجيش المصري على نماذج مشابهة ببحيرة قارون    ساليبا: نريد الثأر في كأس العالم.. والإصابة مزعجة في ظل المنافسة الشرسة    بيت الزكاة والصدقات يثمّن جهود الوساطة المصرية لوقف إطلاق النار في غزة    هل يجوز للرجل الزواج بأخرى رغم حب زوجته الأولى؟.. أمين الفتوى يجيب    جهاز تنمية المشروعات ينظم معسكر للابتكار ضمن معرض «تراثنا 2025»    سمير عمر: الوفود الأمنية تواصل مناقشاتها لوضع اللمسات الأخيرة على اتفاق غزة    تأثير اللولب على العلاقة الزوجية وطرق التغلب على ذلك    جلسة منتظرة بين مسؤولي الزمالك وفيريرا ..تعرف على الأسباب    جامعة قناة السويس ضمن تصنيف التايمز البريطاني لعام 2026    أوبو A6 Pro 5G.. أداء خارق وتقنيات متطورة بسعر يناسب الجميع!    محافظ كفر الشيخ: تجربة مصر في زراعة الأرز نموذج يُحتذى إفريقيا    إعلان عمان: ندين ما خلفه الاحتلال من أزمة صحية كارثية بقطاع غزة    وزير التنمية النرويجي يلاطف الأطفال الفلسطينيين خلال زيارته لمستشفى العريش العام    الاحتلال الإسرائيلي يطلق قنابل غاز مسيل للدموع وسط الخليل بعد إجبار المحلات على الإغلاق    بتكليف من السيسي.. وزير الصحة يزور الكابتن حسن شحاتة للاطمئنان على حالته الصحية    أطعمة تضر أكثر مما تنفع.. احذر القهوة والحمضيات على معدة فارغة    التضامن: مكافحة عمل الأطفال مسؤولية مجتمعية تتكامل فيها الجهود لحماية مستقبل الأجيال    استبعاد معلمة ومدير مدرسة بطوخ عقب تعديهما على تلميذ داخل الفصل    «المصري اليوم» تُحلل خارطة المقبولين في كلية الشرطة خلال خمس سنوات    نادي جامعة حلوان يهنئ منتخب مصر بالتأهل التاريخي لكأس العالم 2026    بالأسماء تعرف علي أوائل الدورات التدريبية عن العام 2024 / 2025 بمحافظة الجيزة    لترشيد استهلاك الكهرباء.. تحرير 134 مخالفة لمحال غير ملتزمة بمواعيد الإغلاق    بعد 24 ساعة من حكم الإعدام.. "القودة" تنهي خصومة ثأرية في أبو حزام بقنا    حبس المتهمين بقتل بلوجر المطرية    قسطنطين كڤافيس وشقيقه كيف يُصنع الشاعر؟    إصابة 12 شخصا فى حادث انقلاب سيارة بطريق العلاقى بأسوان    انتخابات النواب: 73 مرشحًا في الجيزة بينهم 5 سيدات مستقلات حتى الآن    إطلاق قافلة زاد العزةال 47 من مصر إلى غزة بحمولة 3450 طن مساعدات    كوارث يومية فى زمن الانقلاب…حريق محل مراتب بالموسكي ومصرع أمين شرطة فى حادث بسوهاج    برشلونة يعلن رسميا إقامة مواجهة فياريال في أمريكا    محمود مسلم: السيسي يستحق التقدير والمفاوض المصري الأقدر على الحوار مع الفلسطينيين والإسرائيليين    التقييمات الأسبوعية للطلاب فى صفوف النقل عبر هذا الرابط    متوسط التأخيرات المتوقعة لبعض القطارات على خطوط السكة الحديد    شاهيناز: «مبحبش أظهر حياتي الخاصة على السوشيال.. والفنان مش إنسان عادي»    عاجل - بالصور.. شاهد الوفود الدولية في شرم الشيخ لمفاوضات غزة وسط تفاؤل بخطوة أولى للسلام    من أدعية الفجر| اللهم ارزق كل مهموم بالفرج    دينا أبو الخير: قذف المحصنات جريمة عظيمة يعاقب عليها الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قانون تنظيم الفتوى.. إيجابيات واضحة وتخوفات مشروعة
نشر في اليوم السابع يوم 16 - 05 - 2025

في إطار ما تبذله الدولة المصرية من جهود رصينة ومتواصلة للنهوض بالشأن الديني وتعزيز الثقة في مؤسساته، صدر مؤخرًا القانون المنظِّم للفتوى، ليضع إطارًا قانونيًّا واضحًا يضبط عملية الإفتاء وينظّم آلياته، بما يضمن استقرار المجتمع، ويصون قدسية الدين من التوظيف المغلوط والاجتهاد غير المنضبط.
ويمثل صدور قانون تنظيم الفتوى خطوة مهمة نحو ترسيخ المرجعية الدينية الرسمية، وتنظيم المجال الفقهي في مصر على أسس مؤسسية واضحة، بعد سنوات شهدت فوضى في الإفتاء، واختلاطًا بين المؤهل وغير المؤهل، وظهور فتاوى مثيرة للجدل من غير المتخصصين أحيانًا، ومن بعض المتخصصين أحيانًا أخرى، ألحقت أضرارًا بالغة بصورة الخطاب الديني، وأربكت الرأي العام، وأسهمت أحيانًا في توظيف الدين لأغراض لا تمت للشرع بصلة.
وقد جاء القانون ليضع حدًا لهذه العشوائية، ويؤكد أن الفتوى مسؤولية كبرى لا يتصدر لها إلا من اجتمعت فيه الأهلية العلمية والانضباط المنهجي، فتُبنى الفتوى على ركيزة العلم، وتحت إشراف المؤسسات الدينية المعتمدة، وبما يحفظ للدين هيبته، وللمجتمع استقراره، وللوطن وحدته الفكرية والدينية. ومن أبرز ما تضمنه القانون قصر الفتوى العامة على ثلاث جهات هي: هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ومجمع البحوث الإسلامية، ودار الإفتاء المصرية، وهي مؤسسات تمتلك من العمق العلمي والخبرة التراكمية ما يجعلها قادرة على التصدي للنوازل والمستجدات بمسؤولية واجتهاد جماعي مؤسسي.
ومن الإيجابيات الجوهرية التي لا بد من التنويه بها أن القانون أرسى مبدأ توحيد المرجعية في الفتوى العامة، بقصرها على هذه الجهات الثلاث، وهو ما يُعد إجراءً مهمًا لضمان استقرار الخطاب الديني العام، وحماية المجتمع من تضارب الفتاوى في القضايا الكبرى التي قد تؤثر على السلم المجتمعي أو الأمن القومي، خاصة في أزمنة النوازل والأزمات العامة. فصدور الفتوى العامة عن مرجعية موحّدة يضمن الانضباط، ويغلق الباب أمام التوظيف السياسي أو الإعلامي للدين، ويحفظ على الناس دينهم، وعلى الوطن سلامته.
كما نظم القانون الفتوى الخاصة، وأضاف مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية ضمن الجهات المختصة بها، وسمح بتشكيل لجان من المتخصصين تحت إشراف هيئة كبار العلماء، شرط اجتياز دورات تأهيلية معتمدة، والحصول على تصريح يحدد مدته ويُجدد وفق التقييم. وهي آلية تعكس وعيًا مؤسسيًا بأهمية التأهيل المستمر، والتقويم الدوري لضمان جودة الأداء، وربط الإجازة بواقع المفتي وتحديث أدواته العلمية.
ورغم ما سبق من إيجابيات تستحق التقدير، فإن القانون في صيغته الحالية أثار عددًا من التخوفات المهنية المشروعة، التي لا تمس جوهره، لكنها تدعو إلى التأمل في تفاصيل التطبيق، وخصوصًا في ما يتعلق بتنظيم الفتوى الخاصة.
فبينما نؤيد ما نص عليه القانون من قصر الفتوى العامة على الجهات الثلاث المعتمدة، حفاظًا على وحدة المرجعية وضبط الخطاب الديني العام، فإننا نتحفّظ على ما قد يُفهم من تضييق على التعددية الفقهية في الفتوى الفردية، خاصة حين يُشترط لتلك الفتوى تصريح إداري مؤقت، قد يُمنح على أسس وظيفية أو تنظيمية، ويُحجب عن أكفاء مؤهلين رسّخهم العلم والخبرة. وهو ما يُثير القلق من أن يتحول تنظيم الفتوى الخاصة إلى حصر غير معلن، يحدّ من اجتهاد العلماء ويُقيّد المساحات الرحبة التي عُرفت بها المدرسة الأزهرية.
وإذا كنا نتخوف من أن يؤدي ذلك إلى تراجع التعددية في الفتوى الخاصة، فإننا نذكّر بأن المنهج الأزهري العريق، الذي نشأنا عليه، قام على الفقه المقارن، والاختلاف المعتبر، والانفتاح على المذاهب، لا الحصر على رأي أو مذهب واحد. وقد درّس الأزهر الفقه على المذاهب الأربعة، ورأى في التعددية رحمة وسعة، لا تناقضًا ولا اضطرابًا. وهو ما جعل الأزهر قبلة العلم، ومصدر الثقة، وموئل الاعتدال عبر قرون.
لقد بنى الأزهر الشريف مكانته الراسخة لأكثر من ألف عام على تبنّيه للتعددية الفقهية، وتدريسه للفقه المقارن، وانفتاحه على المذاهب الأربعة، حتى أصبحت هذه التعددية سمة مميزة لمنهجه، وعاملًا من عوامل بقائه وتأثيره وصموده في مواجهة تحديات كثيرة عبر الزمان. وقد علّمنا أن الخلاف المعتبر لا يُفسد للود قضية، وأن الاجتهاد في الدين سعة، لا ضيق، ورحابة لا انغلاق. وكان الأزهر الشريف – ولا يزال – هو الحارس الأمين لهذا النهج، والمعلّم الأول لأصوله، فقد درسنا فيه الفقه المقارن، وفقه المآلات، وفقه الواقع، وفقه النوازل، وأصول الاجتهاد، والقياس، ومناهج الاستنباط، على أيدي علماء راسخين غرسوا فينا أن التعددية ليست تهديدًا لوحدة الأمة والمجتمع، بل هي ضمانة لبيان سماحة الإسلام، وإبراز وسطيته، وطريقة للتيسير علي الناس وفهم الدين فهمًا صحيحًا، متجددًا، متوازنًا، في مختلف البيئات والأزمنة ومن هنا أخشي ألا يراعي القانون عند التطبيق هذه الأبعاد الهامة الناتجة عن التعددية الفقهية .
ومن القضايا التي تحتاج إلى معالجة ما أُثير بشأن اشتراط التصريح لمزاولة الفتوى الخاصة، بما قد يَحول دون مشاركة عدد من أساتذة الفقه والشريعة بجامعة الأزهر في هذا المجال، رغم أنهم أهل علم وتأهيل، ويُدرّسون أصول الفتوى والاجتهاد، في الوقت الذي يُصرّح فيه أحيانًا لبعض من تخرجوا على أيديهم. وهو أمر يستدعي مراجعة دقيقة من الجهات المختصة، لأن تجاهل الكفاءات العلمية الراسخة قد يُفقد القانون جزءًا من رصيده المهني، ويبعث برسائل غير منسجمة مع مبدأ التقدير للكفاءة.
ومن التخوفات التي تفرض نفسها كذلك ما يتعلق بصلاحية الإمام والخطيب للإفتاء في المساجد، وهو الأزهري المؤهل، الحاضر يوميًّا بين الناس، والمُجيب عن أسئلتهم في شؤون الصلاة والطهارة والزكاة والصيام، والتي هي من صميم اختصاصه وتكوينه العلمي والوظيفي. فهل من المنطقي أن يُحرم الإمام من هذا الدور بحجة غياب التصريح؟ وهل يُعقل أن يُمنع من أداء واجبه في إرشاد الناس، أو يُهدَّد بالمحاسبة أو العقوبة لمجرد أنه أجاب عن مسألة في الطهارة أو الصيام أو الميراث؟ إننا هنا لا نتحدث عن فتاوى النوازل العامة، بل عن مسائل يومية فردية، لا يُمكن بحال منع الإمام من التفاعل معها، فهي جزء من مهمته، ومجال مباشر من ميادين خدمته للدين والمجتمع. ومن ثم، فإننا نأمل أن تراعي اللائحة التنفيذية هذا الأمر، وألا تتحول الضوابط إلى قيود، ولا التنظيم إلى تضييق غير مبرر.
ومن المهم التأكيد على أن تنظيم الفتوى لا ينبغي أن يُفهم على أنه تقييد لأهلها، بل هو وسيلة لضمان صدورها عن أهل الاختصاص. فحماية المجتمع من الفتاوى غير المنضبطة لا تتحقق بمنع الاجتهاد، وإنما بتمكين المؤهلين علميًا، وتوسيع دائرة الفقه المقارن، وتيسير الإفتاء في القضايا الفردية لمن توفرت فيه شروط الأهلية الشرعية والعلمية. فالمقصد الأسمى هو ضبط الأداء لا تعطيله، والتمييز بين من تلقّى العلم على أصوله الشرعية، وبين من لم يكتمل تأهله العلمي بعد. ومن خلال إتاحة المجال لأهل الكفاءة، نُسهم في ترشيد الخطاب الديني، والحفاظ على مرجعيته الرصينة.
كما أن منح التصريح للسادة الأئمة العاملين في الأوقاف وأساتذة الأزهر الشرعيين لا يعني إطلاق العنان بلا ضوابط، بل لا بد أن يُقرَن برقابة رشيدة ومتابعة مسؤولة، تضمن أن تُمارس الفتوى بما يخدم مصلحة الدين والوطن والمجتمع. وفي حال استُغل التصريح لنشر فتاوى شاذة، أو إثارة البلبلة، أو تعريض السلم المجتمعي للخطر، فإن هناك مسارات قانونية ينبغي تفعيلها، تبدأ من المساءلة المؤسسية، وقد تصل – إن لزم الأمر – إلى القضاء، حفاظًا على هيبة الدين، وأمن الوطن، ووحدة المجتمع.
إننا نؤيد هذا القانون ونرحب بمقاصده، لكننا نأمل أن تأتي لائحته التنفيذية منصفة، متوازنة، تُعيد الاعتبار للأزهريين المؤهلين، وتضع معايير واضحة للتمييز بين المجتهد والمؤهل، وبين غير المختص، دون حجر ولا إقصاء، ودون مساواة بين من لا يستويان علمًا وخبرة ودرسًا وممارسة.
ولا يفوتنا أن نُعرب عن خالص الشكر والتقدير للقيادة السياسية الرشيدة على دعمها المتواصل للمؤسسات الدينية، وعلى رأسها الأزهر الشريف،، كما نتوجه بالتحية لفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، ومعالي الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، وفضيلة مفتي الجمهورية الدكتور نظير عياد علي جهودهم لإخراج هذا القانون، كما نثمِّن الدور الكبير لمجلس النواب الموقر، ولجنة الشؤون الدينية، في إعداد القانون، متطلعين إلى أن يُستكمل بآليات تنفيذية تحقق العدالة، وتحفظ المكانة، وتُحسن البناء.
وفي النهاية، فإننا نؤمن أن التوفيق بين التنظيم وحفظ الكفاءات، وبين ضبط الفتوى وتمكين المؤهلين، هو الطريق إلى خطاب ديني راشد، يحفظ للأزهر مكانته، وللدعوة طهارتها، وللوطن استقراره الفكري والديني.
والله من وراء القصد، وهو يهدي السبيل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.