تعيش الدراما التلفزيونية في دول مجلس التعاون الخليج العربية محطة المسارات الجديدة التى تؤكد تطورها وترسخ الحراك الذي تعيشه فى هذه المرحلة من تاريخ هذه الصناعة. بالذات حينما نتوقف أمام مجموعة من الإحداثيات وأولها فتح آفاق التعاون مع المنصات الكبري وهو أمر من شأنه التحليق في تلك الصناعة إلى آفاق وأبعاد إضافية في مسيرة هذه الحرفة التى تعود إلى مرحلة مبكرة من سيتينيات القرن الماضي في دولة الكويت ولاحقا ببقية دول الخليج العربية وهى على التوالي المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين ولاحقا دولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر وسلطنة عمان. ونشير إلى اننا امام مجموعة من التجارب العالية الجودة استطاعت ان تحلق في الدراما الخليجية بعيدا ونتوقف عن تجارب المنتج الكويتي عبدالله بوشهري ومنها ( الديرفة – و- محمد على رود ( جزءين ) – و – الناموس – و- افراج مشروط – و- القفص – و – وزمن العجاج – و – الصفقة ( جزءين مع شبكة نتفليكس ) واخيرا مسلسل – عابر سبيل – تعاون انتاجي مشارك مع وزارة الاعلام في مملكة البحرين متمثلا بتلفزيون البحرين . واليوم بوشهري امام مجموعة من المشاريع في طور التحضير مع كبريات المنصات وهو امر ما كان له ان يكون لولا المسارات الانتاجية الرفيعة المستوى التى حققها ورسخت اسمه ومسيرته . وهكذا الامر من منصة – شاشا – التى تنطلق هذا العام الى مسارات اضافية في مسيرة صناعة الانتاج الدرامى وهى تفتح ملف مجموعة من القضايا الاجتماعية الساخنة ضمن مواصفات تحترم المشاهد ووعية وذوقة لذا يأتى الاعلان الاخير عن فتح ابواب التعاون مع منصة – نتفليكس – لتحقيق مشاريع مشتركة جديدة في دولة الكويت . ولا يمكن تجاوز تلك القفزة التى تعيشها صناعة الانتاج الدرامي في المملكة العربية السعودية او دولة الامارات العربية المتحدة .. فنحن في هذا العام مثلا امام حالة من الزحم تقترب من ( الهجمة الدرامية التلفزيونية الخليجية ) وهو امر راح يتنامي ويتطور عام بعد اخر .. وبعد ان كانت الدراما الكويتية تكاد تتفرد بحضورها وثراءها نجد اليوم هنالك مجموعة من الخطوط المتوازية التى راحت تتحرك لتحقق معادلة الثراء مع ملاحظة اساسية ان النسبة الاكبر مما انتج وينتج في المنطقة يتحرك تحت منظومة ( التكامل الفني الخليجي ) وهو امر زاد من التجربة ثراءا وقيمة حيث الاعتماد على الكوادر المشتركة التى تغطي كافة الحرفيات سواء امام الكاميرا او خلفها .. ورغم التنافس الواضح بين تلك الاعمال الا انها لا تذهب الى التنافس الاحادي بقدر ما هو تنافس تكاملي بحيث يكون الكاتب من الكويت ( مثلا ) والمخرج من البحرين والنجوم هم مزيد من ابناء دول مجلس التعاون الخليجي وهكذا هى بقية الحرفيات الفنية. ودعونا نشير وبالارقام الموثقة عدد الاعمال التى انتجت في الكويت هذا العام بشكل عام 25 عملا من بينها 17 عملا خاصة بشهر رمضان في السعودية حيث القفزة الكبري بشكل عام كان هناك هذا العام 12 عملا ولرمضان 7- 8 اعمال وفي الامارات بشكل عام 6 اعمال ولرمضان 4 منها وفي مملكة البحرين لرمضان 3 اعمال وفي قطر عملين وفي سلطنة عمان عملين وعلينا ايضا ان نضيف الدراما العراقية التى تشهد هي الاخري حراك استثنائي خلال الدورة الرمضانية حيث نرصد اكثر من 10 اعمال في جملة الفضائيات العراقية. ومن بين هذة ( العاصفة الدرامية التلفزيونية الخليجية ) نتاجات عامرة بالتميز واخري ( حتما ) تمر مرور الكرام بلا اثر والهدف منها تعبئة ساعات البث بالنسبة لعدد من المحطات. ونحن حتما بصدد الاعمال المتميزة التى ستكون محور بحثنا .. وفي اطار التميز اشير بعجالة الى عدد من الاعمال سنتوقف عندها لاحقا ومنها وهنا اتحدث بالشكل الخليجي الشمولي ومنها : وحوش – وعابر سبيل – وشارع الاعشي – و- الشغاب و- مسار –ولا يمكن في الحين ذاته تجاوز بعض الاعمال الكوميدية وفي مقدمتها – يوميات رجل عانس – . ودعونا نتوقف امام واحدة من اهم التجارب واليات الانتاج التى ساهمت في تطوير هذة الصناعة وهذا الحراك ..ولو عدنا الى سنوات خلت لوجدنا بان وزارة الاعلام الكويتية متمثلة بتلفزيون دولة الكويت كانت السباقة بين دول المنطقة لوضع استراتيجية ومنهجية – المنتج المنفذ – بحيث يتم تكليف سنويا عدد من كبريات شركات الانتاج الكويتية بانتاج اعمال درامية بعد الموافقة على النصوص وفريق العمل .. وسرعان ما تطور الامر الى تجربة اضافية في هذا المجال اطلق عليها 60% من كلفة الانتاج بحيث تقدم وزارة الاعلام ما نسبته 60% من كلفة الانتاج مما حقق حالة من الحراك الفني .. واليوم هناك كما اسلفنا المنتج المنفذ الذي يكاد تتحرك علية النسبة الاكبر من الفضائيات الخليجية وايضا المؤسسات الاعلامية الرسمية مثل – هيئة الاذاعة والتلفزيون السعودية – التى انجزت هذا العام اكثر من 5 اعمال وايضا موسسة ابوظبي للاعلام ( 3 اعمال ) وتلفزيون مملكة البحرين بالذات في تجربة مسلسل – عابر سبيل – الذي يعتبر من اهم بصمات العام الدرامية وهو حصيلة التعاون بين وزارة الاعلام في مملكة البحرين والمنتج الكويتي – عبدالله بوشهري. والامر لا يتوقف عند دور المؤسسات الرسمية الداعمة بل يتجاوزه الى الكثير من القنوات والمنصات مثل – ام بي سي – شاهد – وبي ان دراما – وغيرها من المنصات ومن بينها – شاشة – التى اسلفنا الحديث عن تجربتها في مسلسل – وحوش – وهو من المنجزات الدرامية العالية الكلفة... في خط متوزاي علينا ان لا ننسي بان السوق الخليجية بما تمتلك من قنوات رسمية وخاصة قادرة على تغطية كلفة اكبر المشاريع .. ونشير مثلا الى مسلسل – مسار – بطولة النجم الكويتي القدير محمد المنصور تحت مظلة شركته – سفن ستايل – قام بانتاج العمل بالتعاون مع هيئة دبي للاعلام – تلفزيون دبي – وفي الحين ذاته تم توزيع العمل للعرض في الكويت والقناة السعودية – اس بي سي – و- العدالة – وهذا يعنى مداخيل اضافية تعمل على دعم المنجز الفني الكويتي .. ذات التجربة تتكرر مع المنتج عبدالله بوشهري في – عابر سبيل-. والحديث عن الدراما الخليجية يدعونا للتوقف امام التحولات والمسارات الجديدة التى تعيشها الدراما السعودية التى تعيش اليوم نقلات كبري وتحولات بالغة الاهمية متجاوزة تلك الصيغ التقليدية والمستعادة التى ظلت تدور خلالها والتى تمثلت في المسلسل السعودي الاشهر – طاش ما طاش- . صناعة الانتاج الدرامي التلفزيوني تعيش اليوم منطقة عامرة بالاوكسجين النقي وفضاءات خصبة للتحليق بعيدا بعد ان ظلت لسنوات طويلة حبيسة ظروف رقابية واشتراطات معقدة سرعان من تم تجاوزها لتكون هناك الرقابة الذاتية والاحترافية الفنية العالية المستوى .. نعم هناك بعض الهنات لانها هنات وظروف البدايات الجديدة ولكن هذا لا يمنع من القول بان هناك تجارب درامية تلفزيونية وسينمائية عالية الجودة وجدير بنا ان نشير الى تجربة فيلم – نوره – للمخرج توفيق الذايدي الذى تم اختيارة للعرض في تظاهرة – نظرة ما – في مهرجان كان السينمائي الدولي العام الماضي 2024 ونعود الى بيت القصيد .. هناك بعض المشاكل في السيناريو وايضا في التمثيل وغيرها من الحرف الفنية ( وانا اتحدث هنا عن الدراما السعودية على وجه الخصوص ) مما يتطلب وجود اكاديميات ومعاهد فنية متخصصة تغطي احتياجات هذة الصناعة .. وكما اسلفت نحن في سنة اولي دراما سعودية جديدة .. وعلينا ان نتمهل ولا نستعجل ., ولكن المؤشرات ايجابية بل هي في غاية الايجابية امام كوادر فنية شابة واجيال من الرواد قدموا الكثير من التضحيات للوصول الى فجر هذة المرحلة الثرية والعامرة بالمتغيرات والقفزات الكبري في ظل جلاله خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد محمد بن سلمان حفظهما الله .. حيث تلك المنجزات التى راحت تتحق اقتصاديا واجتماعيا وايضا فنيا وثقافيا.. ونصل الى المحصلة حيث الاستمرارية الحتمية .. ولا مجال للتراجع لاننا امام صناعة مكتملة المعطيات والمفردات .. وتمثل احدي القوي الناعمة لدولة الكويت ودول المنطقة ( المملكة العربية السعودية – دولة الامارات العربية المتحدة – مملكة البحرين – دولة قطر – سلطنة عمان ) .. واذا كانت دولة الكويت تعرف بانها واحدة من كبريات دول العالم انتاجا للبترول .. فانها تعرف ايضا بدورها الثقافي من حيث المطبوعات التى قدمتها للمكتبة العربي مثل مجلة العربي وسلسلة عالم المعرفة وعالم الفكر وسلسلة المسرح العالمي وهكذا اليوم على صعيد صناعة الانتاج الفني الذى يحقق مجموعة من الانجازات التى تطبخ علي نار هادئة .. وعلى ذات النهج تسير دول مجلس التعاون الخليجي ضمن حالة من التكامل..
وحتى لا استبق الاحداث اشير الى ان المنتج عبدالله بوشهري بصدد تعاونيات جديدة مع نتفليكس وشبكة امازون .. وهكذا منصة – شاشا– بعد مسلسل – وحوش – تحضر لمواسم جديدة بالتعاون مع نتفليكس وعلى ذات النهج عدد من شركات الانتاج السعودية التى ستحقق مفاجات لافته في غضون الاشهر المقبلة.. ويبقي ان اقول .. شكرا لصحيفة – اليوم السابع – وقيادتها على ثقتهم الكريمة واتاحة الفرصة لي شخصيا لكتابة مجموعة المقالات على مدي شهر رمضان المبارك من اجل تسليط الضوء على الدراما في دول مجلس التعاون الخليج العربية لما تمثلة هذة الصناعة من اهتم بالغ وقيمة ومضامين تمثل جوانب من مسيرة هذة الدول التى باتت تحرص كل الحرص على ان تكون تلك الاعمال ( لائقة ) على صعيد الشكل والمضمون وتمثل جوانب حقيقية من الانسان وانجازاته في دول المنطقة والعالم العربي على حد سواء وما احوجنا ان تكون الدراما العربية بشكل عام مرأة عاكسة للانسان العربية وليس الانشغال بالهوامش بل وفي احيان كثيرة هوامش الهوامش !