إنَّ اللهَ جل جلاله يخلُقُ ما يشاءُ ويختار، وقد اختارَ لأُمَّةِ الإسلامِ أفضلَ الأَزْمِنَةِ والأمكنةِ والأنبياءِ والكُتُبِ، فاختارَ لها أطهرَ بِقَاعِ الأرضِ، كما في المسجدِ الحرامِ، والمسجدِ النبويِّ الشريفِ، والمسجدِ الأقصى، واختارَ لها أفضلَ الأَنبياءِ، وهو سيِّدُنا محمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، كما اختارَ لها أفضلَ الأزمنةِ، ومنها: يَومُ مِيلَادِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم: ذلك اليومُ المباركُ الذي مَنَّ اللهُ جل جلاله فيه على البشريَّةِ جمعاءَ، فأهدى لهم رَحمَتَهُ للعالمين، وخاتَمَ رُسُلهِ إلى الخلائقِ كافَّة، برسالةٍ من السماءِ، جاءت تُنظِّم الحياةَ على هذا الكوكب، بشريعةٍ صالحةٍ لكلِّ زمانٍ ومكان، ومبادئَ عامرةٍ بالرَّحمةِ والعَدلِ والإنسانيَّةِ، لا تَشملُ البشرَ وحدهم، بل تمتدُّ إلى سائرِ المخلوقاتِ، إنَّهُ يومُ الفَرَحِ والتَّجديدِ والرَّحمةِ الَّذي عمَّ الكونَ بقدومه صلى الله عليه وسلم. يَومُ الجُمُعَةِ: وهو عيدُ الأُسبوعِ في الإسلامِ، وقد قال عنه النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ يَومٍ طَلَعَتْ عليهِ الشَّمْسُ يَومُ الجُمُعَةِ؛ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا، وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا فِي يَومِ الجُمُعَةِ" [رواه مسلم في صحيحه]. وَقتُ السَّحَرِ: وهو الثُّلُثُ الأخيرُ من الليلِ، يأتي كلَّ ليلةٍ وتُفْتَحُ فيه أبوابُ السماءِ، وتتنزَّلُ فيه رَحماتُ اللهِ جل جلاله، ويُستجابُ فيه الدعاء، وتُغْفَرُ الذُّنوب. قال تعالى: "وَبِ0لۡأَسۡحَارِ هُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ" [الذاريات: 18]، وثبتَ في الصحيحين من غيرِ وجهٍ عن جمعٍ من الصحابةِ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "يَنْزِلُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِر، فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَأُعْطِيَه؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ؟...". يَومُ عَاشُورَاء: وهو اليومُ الَّذي نجَّى اللهُ فيه موسى عليه السلام ومَن آمنَ معهُ من بطشِ فرعون، فصامَهُ موسى شكرًا لله، فلما قدمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم المدينةَ، ورأى اليهودَ يصومونه، قال: "نَحْنُ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ"، فصامَهُ وأمرَ بصيامِه، وقال صلى الله عليه وسلم :"صِيَامُ يَومِ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ" [رواه مسلم]. يَومُ عَرَفَة: وهو من أعظمِ أيَّامِ السنةِ وأفضلِها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما مِنْ يَوْمٍ أَفْضَلُ عِندَ اللهِ مِنْ يَومِ عَرَفَةَ، يَنْزِلُ اللهُ تَعَالَى إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، فَيُبَاهِي بِأَهْلِ الأَرْضِ أَهْلَ السَّمَاءِ»، وفي رواية: «إنَّ اللهَ يُبَاهِي بِأَهْلِ عَرَفَةَ مَلَائِكَتَهُ، فَيَقُولُ: يَا مَلَائِكَتِي، انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي، أَتَوْنِي شُعْثًا غُبْرًا ضَاحِينَ»، وقال صلى الله عليه وسلم: «صِيَامُ يَومِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ» [رواه مسلم]، وفي حديثِ عائشةَ رضي الله عنها، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ما مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِنْ يَومِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ المَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟» رواه مسلم. يَومُ النَّحرِ: وهو يومُ الحَجِّ الأكبر، وسُمِّي بذلك لاجتماع أعظم أعمال الحجّ فيه، كالمبيتِ بمُزْدَلِفَة، ورميِ جَمرَةِ العَقَبَة، والنَّحرِ، والحَلْق، وطوافِ الإفاضة، وقد ورد في سنن أبي داود (1765) عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ أعظمَ الأيَّامِ عندَ اللهِ يَومُ النَّحرِ". يوم القَرِّ: وهو اليومُ الذي يلي يومَ النَّحر، وقد بَيَّنَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنه من أعظم الأيام، فقد روى أحمد وأبو داود والحاكم عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أعظمُ الأيَّامِ عندَ اللهِ يَومُ النَّحرِ، ثمَّ يَومُ القَرِّ"، وهذان اليومان، ومعهما يوم عرفة، من أفضل أيَّام الدنيا كما أخبر سيدنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم. عَشرُ ذي الحِجَّة: وهي الأيّام العشر الأولى من شهر ذي الحجة، وقد أخبر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بأنها من أعظم الأيّام وأفضلها عند الله تعالى. فقد أخرج البزار بسندٍ حسن، وأبو يعلى بسندٍ صحيح، عن جابرٍ رضي الله عنه، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "أفضلُ أيَّامِ الدُّنيا العَشْرُ" – يعني عشرَ ذي الحجة، قيل: ولا مِثلُهُنَّ في سبيلِ الله؟ قال: "ولا مِثلُهُنَّ في سبيلِ الله، إلا رجلٌ عَفَّرَ وجهَهُ بالترابِ". لَيْلَةُ القَدْرِ: وهي ليلةٌ ذاتُ فضلٍ عظيمٍ وشأنٍ جليل، اختصَّها الله تعالى بالشرف والمنزلة، فجعلها مباركةً، ونَزَل فيها القرآن الكريم، وهو كلامُ اللهِ المعجِز، المُنزَّه، والمحفوظُ ليومِ الدِّين. قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ﴾ [الدخان: 3]، ووصفها بقوله: ﴿لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ [القدر: 3]، وهي ليلة تتنزَّلُ فيها الملائكة والرُّوحُ بأمر الله، وتملأ الأجواءَ بالسَّلام حتى مطلع الفجر، وقد أخبر النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّها في العشر الأواخر من رمضان، وأكد على التماسها في الليالي الوترية منها، وقال تعالى: ﴿وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾ [الفجر: 1–2]، والمقصود بها -كما رجّح كثير من العلماء- ليالي العشر الأواخر من رمضان. شهرُ رَمَضان: شهرُ الصيامِ والقيامِ، وشهرُ القرآنِ والرحمات، شهرُ التوبة والمغفرة، والعتق من النيران، تُفتح فيه أبوابُ الجنَّات، وتُضاعف الحسنات، وتُجاب فيه الدعوات، وتُرفع فيه الدَّرجات، وتُغفر فيه الزلّات، وهو الشهرُ الذي فَرَضَ الله تعالى صيامه، وجعله ركنًا من أركان الإسلام، فصامه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وأمر أمَّتهُ به، وأخبر أنَّ: "مَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه"، "ومَن قامه إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه." [متفقٌ عليه]، وفيه ليلةٌ هي خيرٌ من ألف شهر، مَن حُرِمَ خيرَها فقد حُرِمَ. فَهنيئًا لأمَّةِ الإسلامِ بأيَّامها المُباركة، ولياليها الفاضلة، وأوقاتها المضيئة، وحقٌّ عليها أن تُكثِر من الحمدِ والشكر، أن رزقها اللهُ مواسمَ الخير، ونفحاتِ الرَّحْمَة، التي مَن تَعرَّض لها فاز ونال ما تَمنَّى. وقد صدق رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم إذ قال: "إنَّ للهِ تعالى في أيَّام دَهْرِكم لنفحاتٍ، ألا فتعَرَّضوا لها، فلعلَّ أحدكم أن يُصيبَ نَفحةً لا يشقى بعدها أبدًا".