منذ عقود طويلة، يعاني الشعب الفلسطيني من تمزق داخلي يؤثر سلبًا في قدرته على مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، الذي امتدت أحلامه التوسعية إلى قطاع غزة والضفة الغربية، فقد أثرت الانقسامات السياسية بين حركتي فتح وحماس بشكل خاص على مجمل القضية الفلسطينية، فبالرغم من التهديدات الكبيرة التي تلاحق الحقوق الفلسطينية اليوم بعد تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والمسئولين الإسرائيليين عن نقل سكان قطاع غزة إلى دول أخرى من أجل ما يروجون له عالميا تحت مسمى ريفييرا الشرق، تجد هذه الحركات نفسها مشغولة في صراعاتها الداخلية، دون أن تتحرك بخطوات حقيقية على أرض الواقع لمواجهة محاولات تصفية القضية الفلسطينية من قبل القوى العالمية الكبرى، والعدو الصهيوني الذي لا يتوانى عن تنفيذ مخططاته لتقويض الحقوق الفلسطينية. إن توحيد الجبهة الداخلية الفلسطينية لم يعد رفاهية وإنما بات أمرًا لا يحتمل التأجيل، فلا يمكن لأي شعب أن يحقق تقدما أو يحافظ على حقوقه إذا كان منقسما داخليا، لذلك فإن تحقيق تسوية سياسية أو مقاومة فاعلة لن تكون ذات جدوى ما لم يكن هناك توافق بين جميع الفصائل الفلسطينية دون استثناء، فانعدام الحوار بين حركتي فتح وحماس، باعتبارهما الفصيلان الأكبر والأكثر تأثيرًا في الساحة الفلسطينية أمر مؤسف للغاية، والأكثر أسفا أنه بعد 15 شهرا من الحرب إلى حولت قطاع غزة إلى منطقة غير قابلة للحياة، وبعد سقوط ما يُقدر ب 50 ألف شهيد، وبعد الإعلان بشكل صريح عن مخطط لتهجير أهالي قطاع غزة قسريا، لا يتوفر أي جهد جاد لاستعادة الثقة بين الطرفين، وإنهاء هذا الانقسام الذي أضر بالقضية الفلسطينية. المثير للاستغراب أن كلا الطرفين لا يجدا غضاضة في إدارة محادثات ومفاوضات مستمرة مع الجانب الإسرائيلي، هذه المفارقة تعكس حجم التناقض بين المواقف الداخلية والخارجية لهذه الحركات، فبينما يتنافسون على السلطة في غزة والضفة الغربية، يقبلون الحوار مع العدو الصهيوني، مما يعزز من شكوك المواطنين الفلسطينيين حول مصداقية كل طرف في الدفاع عن القضية الوطنية، ويخلق تساؤل مشروع ليس لدي الشارع الفلسطيني فحسب، وإنما الشارع العربي أيضا عن سبب غياب الحوار الوطني الجاد بين الجانبين بما يحقق تطلعات الشعب الفلسطيني الذي دفع فاتورة باهظة ليس فقط من خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة، وإنما على مدار عقود طويلة منذ 1948 وحتى الأن. ومن المؤكد أن غياب التنسيق الداخلي بين الفصائل الفلسطينية يلعب دورا كبيرا في إضعاف الموقف الفلسطيني أمام المجتمع الدولي، فالقضية الفلسطينية رغم عدالتها إلا أن تشرذم الفصائل والتنافس السياسي يعكس صورة ضعيفة عن الداخل الفلسطيني ويمنح إسرائيل فرصة لاستغلال هذا التباين بما يحقق مصلحتها، الأمر الذي يتطلب تحركا عاجلا يبدأ بمبادرات وطنية تشارك فيها كافة الأطراف، على أن يتنازل الجميع عن مصالحه الإيديولوجية الضيقة من أجل توحيد الجبهة الداخلية وإعلاء المصلحة الوطنية، فالوحدة الوطنية هي السبيل الوحيد للحفاظ على الهوية الفلسطينية التي تواجه مخططات دولية تستهدف فقط القضاء عليها. لذلك فاليوم يقع على عاتق السلطة الفلسطينية والفصائل وفي القلب منها حماس تخطي الخلافات الإيديولوجية، ووضع القضايا الوطنية على رأس الأولويات خاصة ما يتعلق بمسألة التحرير وحق العودة وتتناول القضايا الحقيقية التي تؤثر على الشعب الفلسطيني، بما في ذلك مسألة التحرير والعودة، وحماية الأراضي الفلسطينية والمقدسات الدينية من محاولات التهويد وطمس الهوية، وتبنى رؤية شاملة لمستقبل الدولة الفلسطينية، وإعادة بناء المؤسسات الفلسطينية بشكل يعكس تطلعات الشعب الفلسطيني، ووضع استراتيجية مدروسة لمواجهة المشاريع التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية. لذلك يجب أن يعي الجميع أن أكبر تهديد يواجه القضية الفلسطينية هو أن تتحول إلى صراع بين الفصائل وليس معركة وجود لشعب يرفض التنازل عن حقه في تقرير المصير وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة، ولذلك من غير الممكن أن نواجه التحديات الراهنة والتي تتمثل في التهجير وإعادة إعمار قطاع غزة ما لم يتم ترتيب البيت الفلسطيني من الداخل. وختاما، ليست مصر وحدها القادرة على مواجهة مخططات التهجير وتصفية القضية الفلسطينية وإنما على الداخل الفلسطيني أن يتحمل مسئوليته ويعي جيدا أن الوحدة الفلسطينية هي الأساس الذي يمكن البناء عليه لمواجهة المخططات الصهيونية لتصفية القضية الفلسطينية.