استيقظ حسام مبكرا فى ذلك اليوم على غير عادته فطبيعته منذ ولد الكسل والاستيقاظ متأخرا ولكن اليوم بالنسبة له وبالنسبة لكل مصرى يوم تاريخى انتظره الجميع وتمنوه منذ آلاف الأعوام فاليوم هو يوم التصويت فى الانتخابات الرئاسية، اغتسل حسام وصلى ركعتى الصبح ثم ارتدى ملابسه وقبل أن يخرج من المنزل وقف أمام صورة والده ووالدته الراحلين يتأملها فى حزن وشجون - الله يرحمك يا والدى، الله يرحمك يا أمى فوجئ ببرص يسير على صورة والده فتحرك بسرعة ليبعده عن الصورة ويقتله، ثم عاد أمام الصورة - فاكر يا والدى طول عمرك بتقولى الأمل هايفضل موجود وأكيد الفساد إللى إحنا فيه ده هايتغير ؟ - ودايما كنت بتقولى إوعى تنسى إن ربنا ناسينا وإن ساعة التغيير هاتيجى لما نغير من نفسنا الأول - فاكرة إنتى يا أمى لما كنتى بتقوليلى إننا شعب طيب وربنا أكيد هاينصرنا بس إحنا نلتزم بالدعاء تفلتت دمعة من عين حسام التى تترقرق بالدموع فمسحها قبل أن ينظر إلى الصورتين - النهاردة هو الأمل إللى كنتم بتحلموا بيه وعلشان حلمكم ده أنا هانزل أدى صوتى للى يقدر يساعد مصر - الله يرحمكم يارب ويجعل مثواكم الجنة مسح دموعه قبل أن يتجه إلى الباب ويخرج من المنزل كان الجو مبكرا جدا لدرجة أن القليل جدا من الناس كان فى الشارع، فاتجه حسام إلى سيارته واستقلها متوجها إلى لجنته الانتخابية وعلى عكس ما توقعه فقد وجد عددا هائلا من الناس لم يميز أى وجه منهم فقد كانوا يقفون بعشوائية أمام اللجنة الانتخابية وظهورهم فى ناحيته - ياجماعة لازم كلنا نبقى قد المسئولية ونبدأ الالتزام فى نفسنا علشان مصر تبقى أحسن قالها فى نفسه وهو يترجل من سيارته ويتجه إلى اللجنة ووقف منتظرا دوره، ثم مرت ساعة أو أكثر والكل يقف كما هو وكأنهم لا يعلمون ما الذى يفترض بهم أن يفعلوه - يا أساتذة اتحركوا بلاش الوقفة دى لم يتحرك أحدهم مما حد به إلى توجيه الكلام إلى الشخص الواقف أمامه - يا أستاذ اتحرك، طيب خلاص عدينى أنا نفس الوقفة الذاهلة من الجميع فحرك حسام الشخص الواقف أمامه جانبا فلم يجد أى مقاومة، مما شجعه على اختراق الجموع الواقفة الذين استجابوا له بدون إثارة أى جلبة أو حتى جملة اعتراض، ولكنه قبل أن يدخل من باب اللجنة لاحظ شيئا غريبا فقد كانت وجوه الجميع شاحبة باهتة وكأن التراب يكسوهم وكأنهم عمال مبانى ولكنه ألقى استغرابه ذلك ودخل باب اللجنة ولم يجد إلا رجلا وامرأة يقفون بها وقبل أن يتجه إلى القاضى تراجع فجأة مصعوقا عندما رأى الراجل الواقف فلم يكن الراجل الواقف إلا أباه وبجانبه أمه ! كان أباه وأمه يقفون أمامه والتراب يكسوهم - بابا ! ماما ! ... إزاى ده ده مستحيل ظلوا على وقفتهم تلك كما هما - طيب حد يفهمنى إزاى إزاى مرت لحظة صمت أخرى لم يتحركوا فيها، وفجأة بدأوا فى التحرك نحوه وأيديهم مفرودة أمامهم، فالتفت إلى الباب مذعورا لعله يجد مخرج من ذلك الكابوس فكانت المصيبة الأكبر فقد بدأت الجموع الواقفة فى الخارج فى الدخوا وهو يتحركون بنفس طريقة الزومبى متجهين نحوه - إلحقونى إلحقونى ظل حسام يتراجع بظهره وقلبه يتواثب بين أضلعه من الخوف حتى سقط على الأرض والموتى الأحياء يحيطون به من كل جانب وبدأوا فى الميل نحوه فاردين أذرعتهم إليه فظل حسام يصرخ ويصرخ - سيبونى سيبونى لا لا ... وفجأة... استيقظ حسام من نومه فزعا وهو يردد - أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ثم تفل عن يساره ثلاث مرات كما أوصانا رسولنا الكريم عند الرؤية الشيطانية، وجرع رشفات من زجاجة المياه التى يضعها بجانب سريره، وبعد أن هدأ روعه قام واغتسل وصلى ركعتين وارتدى ملابسه ليتجه إلى اللجنة الانتخابية ولكنه لاحظ قبل أن يخرج وجود برص على صورة والده فذهب إلى الصورة وأسقط البورص وقتله ثم خرج من منزله واتجه إلى اللجنة، كان عقله يحدثه بأن بعض المشاهد فى طريقه قد رأها من قبل ولكنه طرد هذا الهاجص من رأسه وعزا ذلك إلى ظاهرة الديجافو العلمية (شوهد من قبل)، وما أن وصل إلى اللجنة حتى ارتاح قلبه فقد كانت اللجنة خالية إلى من بعض الأشخاص القلائل، مر حسام من جانبهم وهو يطرد ذلك الشعور بأن هؤلاء الأشخاص قد رأهم من قبل وحاول أن يحدث نفسه بأن هيئتهم الشاحبة ماهى إلا أوهام عقله بسبب الكابوس المريع الذى رأه. دخل حسام اللجنة ويالا العجب فلم يكن فى اللجنة إلا قاضى يكتب بعض الأوراق وموظف اللجنة المشغول بقراءة جريدة، فذهب إليه حسام ليأخذ ورقته الانتخابية، ولكن ما كاد الموظف ينزل الجريدة من أمام وجه حتى صعق حسام وتراجع وسقط على ظهره، فقد كان الموظف هو والده بهيئة ساحبة ووجه يتساقط منه بعض اللحم وقام القاضى بهيئة شاحبة والواقفين فى الخارج يتجهون إلى حسام بنفس حركة الزومبى وفجأة... قام حسام من نومه فزعا مرة أخرى - ده إيه الليلة الطين دى قالها وهو ينظر إلى الساعة فوجد الساعة فى تمام السابعة ثم نظر إلى نتيجة الحائط فوجد أن موعد الانتخابات باق عليه ثلاثة أيام، فحمد الله وأثنى عليه ثم اغتسل وصلى ركعتى الصبح وجلس قليلا ليقرأ بعض آيات القرآن ليطرد ذلك الكابوس المزدوج السخيف قبل أن يتجه إلى جهاز الكمبيوتر الخاص به ليتأكد من وجود اسمه فى كشوف الناخبين وكانت المفاجأة أن اسمه غير موجود فى الكشوف. أعاد المحاولة مرة وثانية وثالثة ولكن كانت النتيجة هى هى لا تتغير، فجلس مفكرا قليلا ثم قام ليجرب أمرا طرأ على ذهنه، فأحضر بطاقة والده ووالدته المتوفيين ليبحث عنهما فى كشوف الناخبين وكانت الصاعقة أن لوالده ووالدته حق التصويت فى الانتخابات.