لو أراد عم سليمان أن يلخص مأساة حياته كلها لقالها دون تردد: الأرق. سبعون عاماً انقضت وهو يغازل النوم كعشيقة صعبة الإرضاء. تجفوه مهما تودد إليها ومارس كل الحيل. لا يذكر عم سليمان متى كابد الأرق لأول مرة. يذكر أنه كان ينام بمجرد وضع رأسه على الوسادة حتى المرحلة الثانوية. بعدها هاجمه الأرق الذى لازمه حتى آخر العمر. أغلب الظن أنه ورثه عن أمه التى كان كلما انتبه ليلا وجدها مستيقظة. وفاة أبيه المفاجئة أصابتها فى الصميم. أثناء النهار كانت تبدو له شامخة وقوية. أما بالليل فكانت تبدو له شاحبة، وكأنها امرأة أخرى، أرملة منكسرة سحقتها الأيام. والآن مرت رحلة الحياة بخيرها وشرها، واليوم يوشك أن يلحق برب كريم. وها هو فى انتظار زيارة ابن أخيه محمود اليومية كعادته كل أصيل. جلس محمود على حافة السرير، ثم قال وهو يتأمل ملامح عمه المرهقة: - مالك يا عم سليمان؟ شكلك تعبان!! - (فى إرهاق) ولا حاجة يابنى. بس مانمتش امبارح كويس - ليه يا عمى؟ عجيبة دى؟ (تساءل محمود فى دهشة). - ولا عجيبة ولا حاجة، أنا طول عمرى كده. نومى صعب. - (قال محمود مستغربا) طيب ليه ماضغتطش على زرار النوم يا عمى؟ - إيه؟ (قال عم سليمان مندهشاً) زرار نوم! - (قال محمود ودهشته تتفاقم) أيوة يا عمى. زرار النوم اللى ورا باطك اليمين! - (قال وهو يشعر بالدوار) أنا مش فاهم حاجة. زرار إيه وباط إيه؟ إنت بتهزر؟ وفجأة بدا على محمود الرعب، الذى انتقل إلى عم سليمان حين أدرك أن محمود لا يمزح، ملامح وجهه تقول إنه جاد كل الجد. - (قال محمود مناديا كل من فى البيت) يا جماعة تعالوا من فضلكم، إنتم بتناموا إزاى؟ - (الجميع فى صوت واحد) بنضغط على زرار النوم اللى ورا باطنا اليمين. - (قال محمود متشككا): عم سليمان، إنت بجد مش عارف الحكاية دى ولا بتهزر؟ - (قال وهو يشعر بأنه فى كابوس ثقيل) لا والله يابنى ماحدش قال لى على النوم أبو زرار ده! - (قال محمود فى دهشة عارمة) طب والوالدة! ما قالتلكش ليه؟ - (فى حيرة) يمكن نسيت تقولى. أصلها كانت أرملة والدنيا داستها. - أمال كنت طول عمرك بتنام إزاى؟ - (شاعراً بالذنب) كده من عند ربنا، لما يجيلى النوم بانام. - (قال محمود فى رثاء) يا خبر!. ده إنت اتعذبت كتير أوى من غير لازمة. - (فى مسكنة) معلش يا بنى كل واحد بياخد نصيبه. اللى حصل حصل. بس وحياة أبوك قل لى على باقى الزراير اللى عندى قبل أموت (ويسدل الستار). [email protected]