وهكذا اكتشف عم سليمان أن لديه - مثل كل البشر - زرارا للنوم. إنه لأمر مدهش أن يعانى الإنسان من شىء ما طيلة حياته، ثم يكتشف مع نهاية العمر أن الحل كان سهلا جدا وفى متناول يده، ويعرفه الجميع باستثنائه هو. تنهد. ثم تذكر أن أيامه الباقية فى هذا العالم معدودات. وسواء كان ينام جيدا أو لم ينم جيدا فالجميع أمام الموت سواء. وفكر فى نفسه أن العدالة الكاملة تتحقق فقط مع الموت الذى لا يفرق بين أجساد الأثرياء والفقراء. ثم لماذا يحزنه تأخر اكتشاف زرار النوم؟ هل كان الأرق مشكلته الوحيدة؟ كلا طبعا، فهناك الفقر. سبعون عاما عاشها على ظهر هذا الكوكب وهو على حافة المجاعة. راتبه يُطعمه بالقدر الذى يبقيه حيا، ولكن دون الشبع! دون قرش زائد فى جيبه، دون رفاهية يوم يستيقظ فيه مرهقا فيقرر عدم الذهاب إلى العمل، دون شراء طعام اشتهاه حينما استنشق رائحته، أو شراء هدية يعرف أنها ستفرح زوجته، أو لعبة سيطير بها ولده الصغير. ما الذى تتوقعه من راتب كاتب أرشيف فى دولة فقيرة ينخرها الفساد. غرفة كئيبة ضيقة بجوار دورة المياه تتصاعد منها روائح يقول الناس إنها كريهة لكنه اعتادها، اعتادها مثلما اعتاد كل شىء آخر. كان طبيب التأمين الطبى مندهشا من انتشار السرطان فى كل أعضائه، وكان هو مندهشا من دهشته، لأنه من الطبيعى - فى رأيه - أن يتسرطن الجميع، أعطاه الطبيب أدوية مسكنة، لكنه كان واثقا أنه لن يتألم لأن جهازه العصبى كان قد احترق منذ عهد بعيد. ................... وفجأة، سمع عم سليمان ضجة فى الخارج! ما الذى تغير فى الدنيا حتى يستحق هذا الضجيج! لم يطل تساؤله. دخل عليه ابن أخيه محمود والانفعال باد على وجهه حتى إنه نسى أن يضع (البطيخة) التى يحملها، قال لعم سليمان والفرحة تقفز من عينيه: - مبروك يا عم سليمان، مبروك لك ولمصر كلها. اكتشفوا أكبر حقل بترول فى أرضنا. فلوس بالكوم يا عم سليمان. أفقر واحد فيكى يا مصر بقى مليونير. شايف الحظ يا عم سليمان؟ (متهكما وهو يتذكر أنه على وشك الموت ولن يستفيد من هذا بشىء): شايفه طبعا! إنت حتقولى عليه!! (منفعلا وهو يلوح بالبطيخة): وعارف مين حياخد أكبر مرتب فى مصر؟ موظف الأرشيف. - بعد ما اتحلت على المعاش (ثم وهو يقهقه): وده بأمارة إيه إن شاء الله؟ - (متحمسا وقد صارت البطيخة فوق رأسه مباشرة): بأمارة إن الأرشيف هو التاريخ. والتاريخ يعنى مصر. قول ورايا يا عم سليمان: تحيا مصر. - (عم سليمان يجلس فى فراشه ويهتف فى حماسة): تحيا الفلوس الكتيرة أوى اللى مش حينوبنى منها حاجة، يحيا زرار النوم اللى عمرى ما استخدمته، تحيا مصر.. والبطيخ. [email protected]