فى عام 1956، حينما شرعت مصر فى بناء السد العالى، والتحول من رى الحياض المتقطع إلى الرى الدائم، مارس البنك الدولى ضغوطاً شديدة على مصر، وماطل فى تقديم قروض لإقامة هذا المشروع العملاق، وهو ما اعتبره الرئيس الراحل جمال عبد الناصر تدخلاً فى الشئون الداخلية، ومحاولة لفرض شروط على الدولة المصرية، فاتخذ قراراً تاريخياً بتأميم الشركة العالمية البحرية لقناة السويس، التى وصفها بأنها شركة نصب اغتصبت حقوق المصريين، مؤكداً أن التاريخ لن يعيد نفسه، وأن يوجين بلاك، رئيس البنك الدولى، لن يلعب نفس الدور الذى لعبه فريدناند ديليسبس، وأن مصر سوف تبنى السد العالى، لذلك ستقوم بتحصيل الدخل السنوى للقناة، والذى كان يقدر بمائة مليون دولار فى ذلك الحين. وفى عام 1980، اجتاحت إسرائيل الأراضى اللبنانية، ووصلت حتى بيروت وحاصرتها، واعتبر الرئيس الراحل أنور السادات أن هذا الاجتياح الإسرائيلى، الذى جاء بعد أقل من عام من إبرام اتفاقية سلام بين مصر وإسرائيل، وهو نقض فاضح للاتفاقية، وعدوان على السيادة المصرية، وليس اللبنانية، وأجرى اتصالات مع الإدارة الأمريكية مع وسطاء آخرين، انتهت بضغط أمريكى على إسرائيل للانسحاب، حتى ولو رافق ذلك خروج المقومة الفسلطينية من بيروت، لكنها عادت مرة أخرى حتى اجتاحت إسرائيل لبنان مرة أخرى عام 1982. وفى عام 1985 اختطف أربعة فلسطينيين تابعين لجبهة التحرير العربية، بزعامة محمد أبوالعباس، الباخرة الإيطالية أكيلى لاورو من البحر المتوسط للتوجه بها إلى ميناء أشدود الإسرائيلى، لتنفيذ عملية فدائية، ونجحت مصر فى إنهاء عملية اختطاف السفينة التى رست فى ميناء بورسعيد، بعد اكتشاف طاقم السفينة وجود أسلحة مع الخاطفين وحدوث صدامات عليها، وقيام أحد الخاطفين بقتل راكب أمريكى على متنها، وسلم الخاطفون أنفسهم إلى السلطات المصرية التى قررت تسليمهم إلى منظمة التحرير الفلسطينية فى تونس وحملتهم الطائرة إلى هناك. ورفضت السلطات التونسية هبوط الطائرة وظلت تحلق فى الجو بحثاً عن مطار قريب للهبوط واتجهت إلى اليونان، حيث رفضت السلطات اليونانية هبوطها. وفى هذه الأثناء، قامت طائرات أمريكية بقطع مسار الطائرة وإجبارها على الهبوط فى مطار سيكونيلا، التابع لإحدى قواعد حلف الناتو بجزيرة صقلية، وفور هبوط الطائرة المصرية حاصرتها قوات أمريكية لاعتقال أبوالعباس ورفاقه ونقلهم إلى طائرة أمريكية موجودة على أرض المطار، لنقلهم إلى الولاياتالمتحدة، لكن السلطات الإيطالية حاصرت الطائرة الأمريكية ومنعت مغادرة الفلسطينيين وتسلمتهم، وتدخلت مصر مرة أخرى وتسلمت أبوالعباس ورفاقه، الذى عاش لاجئاً سياسياً وحمته مصر، رغم أنه ظل على لائحة المطلوبين للولايات المتحدة، حتى غادرها للعراق بعد أكثر من عشر سنوات. هذه بعض نماذج لكيفية تعامل مصر مع الضغوط الغربية عليها، وهى فيها وفى غيرها، لم تخضع للضغوط، صحيح أنه فى بعض الحالات حدثت مساومات سياسية، كما حدث فى قضية الجاسوس الإسرائيلى عزام عزام، الذى ألقى القبض عليه وتمت محاكمته وصدر بحقه حكم بالسجن 15 عاماً، وأطلق سراحه بعد 8 سنوات فى إطار صفقة لاستعادة 6 شباب مصريين دخلوا الأراضى الإسرائيلية بالخطأ، وشرعت إسرائيل فى محاكتمهم بتهمة التخطيط للقيام بأعمال إرهابية ضد مواطنيها، لكنه فى كل الأحوال كان لدينا من يتحدث ومن يكشف الحقائق، لكن فى قضية المتهمين الأمريكيين فى قضية التمويل الأجنبى، نحن أمام نموذج غير مسبوق، تغيب فيه الحقائق، ويشيع فيه الاجتهاد، ويمثل إهانة شديدة لكل مصرى، ما لم تعلن حقائقه الكاملة التى ننتظر جميعاً لنعرف هل خضعت مصر؟.. أم دخلت فى صفقة وما هى حدودها؟!