وسط الحرب الشرسة التى شنتها المنظمات اليهودية والصهيونية ضد ترشيح فاروق حسنى، وزير الثقافة، لانتخابات اليونسكو، برزت عملية «أكيلى لاورو» ضمن مسوغات عدم أهلية المرشح المصرى- بحسب المزاعم الإسرائيلية - بعدما تردد عن دور لفاروق حسنى فيها، حيث وزعت الجهات المعادية للمرشح المصرى داخل أروقة المنظمة الدولية ما نشره أحد المواقع الإلكترونية بشأن وجود دور لوزير الثقافة فى هذه العملية التى جرت عام 1985. وبعد خسارة حسنى الجولة الأخيرة من الانتخابات،لم تتوقف الحملات الإسرائيلية ضده، وأعلن إيلى فيزل، الحائز على جائزة نوبل للسلام، أن «اليونسكو» نجت من كارثة باستبعادها الوزير المصرى، الذى ارتبط اسمه بقضايا مثيرة للجدل، خصوصا عملية احتجاز رهائن على سفينة «أكيلى لاورو». كان أحد المواقع الإعلامية العربية قد ذكر أن فاروق حسنى تعاون مع أجهزة الاستخبارات المصرية عندما كان مستشارا ثقافيا للسفارة المصرية فى باريس، وبأنه نظم فى عام 1985 عملية نقل محتجزى سفينة «أكيلى لاورو» إلى مصر عندما كان مستشارا ثقافيا فى روما. وأكد الموقع «أن حسنى ذكر شخصيا هذه الوقائع لصحفيين من دون أن يكشف ظروف إدلائه بهذه التصريحات». فما هى قصة عملية «أكيلى لاورو» التى أحدثت كل هذا الصخب؟ دارت العملية خلال شهرى أكتوبر ونوفمبر1985، وتتعلق بواقعتى خطف. بدأت الأولى يوم 4 أكتوبر عندما اختطف أربعة فلسطينيين تابعين لجبهة التحرير العربية بزعامة محمد أبوالعباس الباخرة الإيطالية «أكيلى لاورو» من البحر المتوسط بغرض التوجه بها إلى ميناء أشدود الإسرائيلى لتنفيذ عملية فدائية، والثانية عندما اختطفت الولاياتالمتحدةالأمريكية طائرة رسمية مصرية كان على متنها أبوالعباس ومساعده والخاطفون ومصريون يحملون الصفة الدبلوماسية وبعض أفراد الحراسة. وكانت مصر قد نجحت فى إنهاء عملية اختطاف السفينة التى رست فى ميناء بورسعيد بعد اكتشاف طاقم السفينة وجود أسلحة مع الخاطفين وحدوث صدامات عليها، وقيام أحد الخاطفين بقتل راكب أمريكى يهودى مقعد على متنها، يدعى ليون كلينج هوفر، فأُجهضت العملية وسلم الخاطفون أنفسهم إلى السلطات المصرية التى قررت تسليمهم إلى منظمة التحرير الفلسطينية فى تونس وحملتهم الطائرة إلى هناك. وقد كان يتعين هبوط الطائرة فى تونس إلا أن السلطات هناك رفضت هبوطها فظلت الطائرة تحلق فى الجو بحثا عن مطار قريب للهبوط واتجهت إلى اليونان حيث رفضت السلطات هناك أيضا هبوطها. وفى هذه الأثناء قامت طائرات أمريكية بقطع مسار الطائرة وإجبارها على الهبوط فى مطار سيكونيلا التابع لإحدى قواعد حلف الناتو بجزيرة صقلية بعدما وافقت السلطات الإيطالية على طلبهم إذنا بالهبوط. وفور هبوط الطائرة المصرية حاصرتها قوات أمريكية «دلتا» بهدف اعتقال أبوالعباس ورفاقه فيما عدا المصريين، ونقلهم إلى طائرة أمريكية موجودة على أرض المطار لنقلهم إلى الولاياتالمتحدة. وحوكم المختطفون فى إيطاليا وصدرت بحقهم أحكام مختلفة بالسجن الفعلى، وقد أفرج القضاء الإيطالى فى 29 أبريل 2009 عن زعيم المجموعة ويدعى يوسف ماجد الملقى بعد 24 عاما فى السجن وطرد من الأراضى الإيطالية، ومن قبله أفرج عن عبداللطيف إبراهيم فطاير بعد أن أمضى 21 عاما سجينا وطرد خارج إيطاليا أيضا. ولايزال يكتنف خلفيات الحادثتين «خطف السفينة ثم الطائرة» ومجرياتهما الغموض والأسرار، لاسيما الدور الكبير الذى لعبه رئيس وزراء إيطاليا وقتها بتينو كراكسى بالتنسيق مع الرئيس حسنى مبارك لإبراز الحادثتين باعتبارهما نتاج استمرار معاناة الشعب الفلسطينى من الذل والمهانة على يد إسرائيل، ولوضع أمريكا على طريق الاعتراف بالمنظمة وفتح حوار معها( بدأ فى تونس عام 1988) تمهيدا لبدء عملية تسوية. وكشف المستشار السياسى لرئيس الحكومة الإيطالية، سفير إيطاليا السابق لدى مصر، أنطونى بادينى، الذى كلفه كراكسى بمتابعة الأزمة، ومنحه الرئيس مبارك وسام الجمهورية، فى حديث صحفى له الكثير من الأسرار حول العملية لاسيما رفض كراكسى خطف الأمريكان الطائرة المصرية ورفضه اقتحام قوة «دلتا» الأمريكية لها إلى حد إعلان حالة الطوارئ وتكليف القوات المسلحة الإيطالية بالتصدى لأى هجوم أمريكى على الطائرة وسماحه بعودتها سالمة إلى مصر، وكذلك تهديد واشنطن بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيطاليا، وكيف دفع كراكسى ثمن موقفه بالعيش لاجئا سياسيا بقية حياته فى تونس. وأوضح اللواء جمال مظلوم، الخبير الاستراتيجى، أن دور مصر فى عملية «أكيلى لاورو» لم يتعد الوساطة لنقل خاطفى السفينة إلى تونس، مشيرا إلى أنه ليست لديه معلومات بشأن مشاركة فاروق حسنى فيها. وقال مظلوم إن إسرائيل تريد أن «تتمحك» فى أى شىء يحقق مصالحها، معتمدة على أن العرب لا يتعاملون معها بالمثل، لافتا إلى الزيارات المتكررة لمسؤولين إسرائيليين إلى القاهرة على الرغم من أن «أياديهم ملوثة بدماء المصريين والعرب». واتفق مع الرأى السابق اللواء دكتور محمد قدرى سعيد، رئيس وحدة الدراسات العسكرية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، مقللا من أهمية الاتهام الإسرائيلى لوزير الثقافة بشأن وجود دور له فى «أكيلى لاورو» فى عملية خسارته انتخابات اليونسكو. وأعرب سعيد عن اعتقاده بأن السبب الرئيسى للخسارة هو تصريح حسنى حول حرق الكتب اليهودية، «حيث ما كان يجب أن يصدر تصريح كهذا – حتى ولو بشكل عابر- من مسؤول يريد حمل مشعل الثقافة على المستوى العالمى».