المتابع لأحداث انتخابات اليونسكو، علي مدار جلساته الخمس، يلاحظ أن التقدم الملموس، والأول في تاريخ هذه المنظمة الدولية منذ نشأتها عام 1945، وهذا التأييد الذي ناله المرشح العربي - المصري- الإسلامي فاروق حسني، قد قلب العديد من الموائد رأسا علي عقب فبعد أن حصل فاروق حسني في الجولة الأولي علي 22 صوتا مقابل حصول منافسته الوحيدة بوكوفا علي 8 أصوات فقط، واستمرار هذا المعدل في الزيادة في الجولتين التاليتين هنا أدرك اللوبي الصهيوني المدعوم أمريكيا وأوروبيا "باستثناء بعض الدول الأوربية القليلة جدا"، أدرك خطورة الموقف، وأن المنصب أصبح قاب قوسين أو أدني من المرشح المصري فاروق حسني. من هنا بدأت خطوط المؤامرة من خلال انسحاب معظم المرشحين لصالح المرشحة البلغارية إيرينا بوكوفا، لاسيما انسحاب المرشحة النمساوية بنيتا بيريرو فادنير يوم الأحد، والمرشحة الأكوادورية أيفون عبد الباقي يوم الاثنين في الربع الساعة الأخيرة قبل بدء الجولة الرابعة، مما مكن بوكوفا من التعادل وقربها من الفوز واستمرت المؤامرة علي أشدها رغم الجهود المبذولة من فريق العمل المرافق لفاروق حسني داخل وخارج أروقة المنظمة الدولية، إلا أنه وفي جولة الحسم نجح هذا اللوبي في استقطاب صوتين من أصوات فاروق حسني "يرجح البعض أنهما أفريقيان، والبعض الآخر يرجح أنهما فرنسا وإيطاليا"، لصالح منافسته التي نالت 31 صوتا مقابل 27 صوتا لفاروق حسني. الأوروبيون نجحوا في الساعات الأخيرة باستخدام "كاسحة" الاتحاد الأوروبي في دعم المرشحة البلغارية، ودفع بعض الدول الآسيوية والأمريكية واللاتينية إلي "خيانة" المرشح المصري وتفضيل بوكوفا، إحدي الشخصيات الأكثر شعبية في الحزب الاشتراكي "المعارض بلغاريا"، والتي ساهمت من خلال العمل في صفوفه من نقل بلغاريا من الشيوعية إلي الديمقراطية. وكانت أوساط حسني في باريس قد تأكدوا منذ نهاية اقتراع الجولة الرابعة التي جرت الاثنين الماضي بأن أوروبا والولايات المتحدة يسعيان بكل قوة لوقف زحف فاروق حسني مرشح مصر والعرب نحو منظمة اليونسكو ويدعمهم في هذا الحملة الإعلامية اليهودية الشرسة.. كما كان الموقف غير الواضح لفرنسا سببا في تردد دول فرانكفونية أفريقية في التصويت لفاروق حسني. المؤامرة علي فاروق حسني لم تبدأ فقط قبل الجولة الأخيرة، لكنها بدأت مبكرا من خلال حرب استباقية أدارها باقتدار الإعلام الغربي والأمريكي، وكانت المنظمات اليهودية هي اللاعب الأساسي والمحرك لها بعد الاتهامات العديدة التي وجهوها لفاروق حسني أقلها أنه رجل عنصري يعادي السامية ويدمر الآثار اليهودية في مصر.. وفشلت الحملة المضادة التي أدارها فاروق حسني في وقف الحرب الإعلامية الشرسة عليه، والتي كان شعارها "أنقذوا اليونسكو من فاروق حسني".. فالجهة المضادة لمصر التي كان يديرها بكل علانية سفير أمريكا في اليونسكو ومعه سفيرا ألمانيا واليابان.. كانوا جميعًا يعزفون علي وتر واحد هو منع وصول حسني لرئاسة اليونسكو، وقالوها صراحة لسفراء الدول التي لها حق التصويت: "اختاروا أي أحد إلا فاروق حسني.. فلا يمكن لهذا الرجل الذي يحمل علي رأسه اتهام العنصرية ضد اليهودية أن يصل إلي هذا المنصب الرفيع". فحتي الساعات الأخيرة قبل الجولة الحاسمة، استمرت التعبئة اليهودية ضد فاروق حسني.. فبعد الضغوط التي مارسها حاخام فرنسا الأكبر جيل برنهايم علي رئاسة الجمهورية والحكومة الفرنسية لحملهما علي التخلي عن حسني، اختتم المثقف الفرنسي برنار هنري ليفي والمخرج السينمائي كلود لانزمان الحملة بمقال نشراه في صحيفة "لوموند" التي تصدر بعد الظهر وذلك قبل ساعات فقط من موعد الجولة الرابعة هاجم فيه الكاتبان فاروق حسني بعنف شديد ونددا بعمله علي رأس وزارة الثقافة المصرية حيث ساهم "حسب ادعائهما" في تراجع موقع مصر من جهة حرية التعبير.. كما اتهم الكاتبان حسني بمحاربة "التطبيع مع إسرائيل وبالتحالف مع المتطرفين الإسلاميين ليخلصا إلي القول إن مسيرته شهادة ضد قيم المنظمة الدولية". لقد سقط قناع ثقافة قبول الآخر، وحوار الثقافات، حوار الشمال مع الجنوب.. فقد تغلبت المصالح السياسية علي كل هذه الشعارات.. وهكذا وللمرة الثانية ينجح اللوبي الأوروبي - الأمريكي المدعم صهيونيا في إقصاء مرشح عربي عن قيادة اليونسكو "المنظمة الدولية للثقافة والتربية والعلوم" وكانت المرة ا لأولي قبل عشرة أعوام عندما ترشح غازي القصيبي السفير السعودي وقتها في بريطانيا، والدكتور إسماعيل سراج الدين، مدير مكتبة الإسكندرية. أما نحن فبالرغم من المجهودات التي بذلتها مصر منذ لحظة الإعلان عن ترشيح فاروق حسني، لا سيما من جانب الرئيس مبارك، وجميع الجهات المعنية حكومية كانت أو أهلية، إلا أن الموقف الذي حدث، والذي تكرر في مناسبات سابقة، وسوف يتكرر مستقبلا، لا يجب أن يمر مرور الكرام، يجب بحثه ودراسته جملة وتفصيلا من قبل مجموعات عمل علي أعلي مستوي. تحية لفاروق حسني، وفريق العمل الذي كان يدير معه المعركة الانتخابية، واعتذارا لكل من هاجم فاروق حسني علي بعض مواقفه السابقة من قضايا معينة، والتي أثبتت أن ثقافة احترام الرأي، والرأي الآخر ما زالت بعيدة عنا.